المُنتدى الصيني الإفريقي:

هل تنجح بكين في طرح نموذجها الخاص في إفريقيا؟

11 September 2023


استضافت وزارة الدفاع الصينية، خلال الفترة من 28 أغسطس وحتى 2 سبتمبر 2023، فعاليات المنتدى الثالث للأمن والسلام في إفريقيا، بحضور ومشاركة 100 من المسؤولين العسكريين ورؤساء شؤون السلام والأمن بالاتحاد الإفريقي، والمُلحقين العسكريين للدول الإفريقية لدى الصين. وقد أُقيم تحت عنوان "تنفيذ مُبادرة الأمن العالمي وتعزيز التضامن والتعاون بين الصين وإفريقيا". وتستهدف بكين عبر هذا المنتدى تعزيز التواصل الاستراتيجي بينها وبين نظرائها بالدول الإفريقية، فضلاً عن تعزيز الأواصر لبناء مستقبل مشترك في العصر الجديد القائم على التعددية القطبية. 

اهتمام صيني بإفريقيا: 

يأتي انعقاد المنتدى في ضوء تزايد اهتمام الصين بتعزيز أواصر علاقاتها مع دول القارة الإفريقية، حيث جاءت تلك القمة بعيد انعقاد قمة "البريكس" وحوار قادة الصين وإفريقيا، وأعلنت الصين حينها عبر رئيسها شي جين بينغ، اعتزامها توسيع نطاق التعاون من أجل تحقيق التنمية المُستقلة للقارة، ويمكن الوقوف على أبرز تلك الملامح على النحو التالي:

1. تكثيف التعاون الأمني الصيني الإفريقي: يتمثل ذلك بالأساس في نشر الصين أكثر من 80% من قواتها المساهمة في عمليات حفظ السلام في القارة الإفريقية. إذ شاركت في 17 مهمة أممية لحفظ السلام، وأرسلت أكثر من 32 ألف جندي إلى إفريقيا. وهي أكبر المُساهمين مقارنة بباقي الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن.

 وجدير بالذكر، أنه منذ عام 2008، أرسلت المؤسسة العسكرية الصينية 44 فرقة عمل إلى خليج عدن والصومال، وأجرت تدريبات مشتركة لمكافحة القرصنة، كما شاركت بمؤتمرات السلام الدولية المتعلقة بمنطقة الساحل وجنوب السودان والقرن الإفريقي. وفي يناير 2022، اقترحت الصين مبادرة التنمية السلمية في القرن الإفريقي.

2. تعزيز التعاون العسكري: حافظت المؤسسة العسكرية الصينية على تبادلات وثيقة رفيعة المستوى مع جيوش الدول الإفريقية، وأجرت تبادلات مهنية وتكنولوجية، وقامت ببناء وتحسين الأكاديميات والمستشفيات العسكرية ومراكز التدريب وغيرها من المرافق. بالإضافة لإجراء العديد من التدريبات والمناورات العسكرية المشتركة لتعزيز القدرات الدفاعية الوطنية للدول الإفريقية. ووفقاً للتقديرات الأمريكية، فإنه بين عامي 2010 و2021، استحوذت الصين على 22% من إجمالي صادرات الأسلحة البالغة 9.32 مليار دولار إلى دول إفريقيا جنوب الصحراء. وقد وصلت تلك المبيعات إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق، وهو 423 مليون دولار، في عام 2013، بالتزامن مع إطلاق مبادرة الحزام والطريق. هذا إلى جانب تأسيس الصين قاعدة عسكرية بحرية لها في جيبوتي مع التطلع نحو مزاحمة الولايات المتحدة في مناطق نفوذها عبر التخطيط لتأسيس قاعدة في غينيا الاستوائية ودول أخرى في غرب إفريقيا.

3. دعم جهود الاتحاد الإفريقي: تم خلال المؤتمر تأكيد الشراكة بين الصين والاتحاد الإفريقي، كما أشار إلى ذلك مُفوض الاتحاد الإفريقي للشؤون السياسية والسلام والأمن بانكولي أديوي، والذي أكد ضرورة تطوير العلاقات الأمنية بين الصين والاتحاد الإفريقي، ولاسيما في ضوء ما تواجهه بنية السلام والأمن ونهج الحوكمة في إفريقيا من تحديات مُلحة.

وجدير بالذكر أن الحكومة الصينية قدمت دعماً مُستمراً لبعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال منذ عام 2011، من خلال التبرع بالمُعدات والدعم المالي بحوالي 1.2 مليون دولار أمريكي سنوياً. كما دعمت كذلك القوة الاحتياطية الإفريقية من خلال توفير المعدات التي تشكل جزءاً من المخزون الاستراتيجي لها بقيمة تصل إلى 100 مليون دولار أمريكي.

أهداف المنتدى:

تأسس منتدى الأمن والسلام في إفريقيا، عام 2000، عقب انعقاد المؤتمر الوزاري الأول للتعاون بين الصين والدول الإفريقية، وقد انعقدت النسخة الأولى في الصين عام 2018، والنسخة الثانية افتراضياً في 2022. وفيها أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ، عن اعتزام بلاده العمل مع الأصدقاء الأفارقة من أجل تحقيق الأمن المشترك التعاوني والمستدام، وكان للنسخة الحالية من المنتدى عدد من الأهداف لعل أبرزها:

1. تعزيز الحضور الصيني في إفريقيا: نجح المنتدى في تعزيز حصة الصين من الشراكات التجارية مع إفريقيا، لتكون الشريك التجاري الأول لدول القارة مُتجاوزة بذلك كلاً من فرنسا والولايات المتحدة، إذ يضم المنتدى في عضويته الصين والاتحاد الإفريقي بالإضافة إلى 50 دولة إفريقية. وتستهدف الصين من هذا المنتدى الأمني إعلاء قيم الحوكمة العالمية فيما يتعلق بالمجالات الأمنية والعسكرية، مع منح دول الجنوب الفرصة للتعبير عن مصالحها وأولوياتها ذات الصلة استناداً لقيم الشراكة والحوار. ونظراً لتنامي المصالح والاستثمارات الصينية في القارة الإفريقية، فإن ذلك يمثل دافعاً لمزيد من التعاون العسكري والأمني مع دول القارة للحفاظ على تلك المصالح.

2. تفعيل مُبادرة الأمن العالمية: التي تعتبر الموضوع الرئيس للمنتدى، في ظل ما يواجه العالم من مخاطر وتهديدات غير مُسبوقة إلى الحد الذي صار يقف فيه على مُفترق طرق أمام الهيمنة والحرب الباردة الجديدة، بما يتطلب شحذ الجهود لحماية السلام والتنمية وحق تقرير المصير في إطار التعاون متعدد الأطراف، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال المبادرة الصينية باعتبارها المرجعية الموجهة لأطر التعاون الأمني والعسكري بين الصين وإفريقيا، خاصة وأن المبادرة تتضمن مبادئ الصين لإدارة الصراعات وحفظ السلام عالمياً. وقد تناول المنتدى موضوعات حفظ السلام ومكافحة الإرهاب والقرصنة والمساعدات الإنسانية والتعليم العسكري. كما تم الاحتفاء بالإنجازات التي تم حصدها بفضل التعاون الأمني والعسكري بين الجانبين، مع التطلع نحو التوصل لتوافق بشأن قضايا الأمن الدولي والأطر الحاكمة للتعاون في المجال الأمني والعسكري. 

3. الدبلوماسية العسكرية الصينية بدلاً من النموذج الغربي: إذ تسعى الصين لتقديم نفسها كشريك أمني وعسكري موثوق لدى الجانب الإفريقي، على النقيض من الوجود الفرنسي والأمريكي الأقرب للنمط الاستعماري والذي كبّد القارة مزيداً من الخسائر الأمنية وآخرها ما تشهده منطقة الساحل من اضطرابات وانقلابات عسكرية، فالصين من جانبها تستهدف تقديم بديل يسعى لتعزيز القدرات الأمنية والعسكرية الإفريقية وتقديم المساعدات الإنمائية، وليس ممارسة ذلك النمط من الهيمنة الاستعمارية وكذا ما يشمله من عقوبات ضد المسؤولين الأفارقة، فضلاً عن رفض الصين لمختلف أنماط التدخل العسكري المباشر في الصراعات القائمة، حتى إنها رفضت تدخل "إيكواس" في الصراع بالنيجر. 

مُخرجات المنتدى: 

خلص هذا المنتدى الأمني رفيع المستوى إلى العديد من المُخرجات على صعيد العلاقات الصينية الإفريقية على كافة المُستويات، ولعل أبرزها:

1. الاتفاق حول تعزيز التعاون المُستقبلي: وذلك من أجل التعامل مع التحديات الأمنية العالمية ومختلف القضايا الحساسة في الساحة الدولية، إلى جانب العمل على دعم العدالة الدولية ورفض ممارسات الهيمنة؛ من أجل الحفاظ على السلام والاستقرار في الصين وإفريقيا والعالم. إلى جانب دعم الصين للحلول الإفريقية بما يشمل مد يد العون للمنظمات الإفريقية لتعزيز دورها في مواجهة التحديات الأمنية، وفي مقدمتها الاتحاد الإفريقي. كما طرح الجانب الصيني عدة إجراءات عملية لتعزيز التنمية طويلة المدى للعلاقات العسكرية بين الصين وإفريقيا. 

2. تعضيد الثقة: باعتبارها حجر الأساس في تكثيف التعاون الأمني بين الطرفين، وذلك عبر تعزيز التنسيق والتشاور، مع عدم التدخل في الشؤون الداخلية للقارة، وعدم وضع أي شروط سياسية عند تقديم المساعدات للقارة، بما في ذلك المساعدات العسكرية، هذا بالإضافة إلى تأكيد تحقيق المصالح المتبادلة جراء ذلك التعاون لكلا الطرفين. وقد شهد المنتدى إجراء العديد من اللقاءات بين الجانب الصيني ونحو 10 دول إفريقية للتباحث حول سبل تعزيز التنسيق الأمني والتعاون العسكري على المستوى الثنائي، مثلما هو الحال مع السنغال والكاميرون وجزر القمر وأوغندا وموريتانيا. بالإضافة إلى اللقاء مع مفوض الشؤون السياسية والسلام والأمن بمفوضية الاتحاد الإفريقي.

3. طرح النموذج الصيني في التعاون الأمني: وذلك في إطار تعامل الطرفين مع بعضهما بعضاً على قدم المساواة، مع توفير مسار اختياري للقارة من أجل تحقيق التنمية والتعاون الأمني، من خلال العمل على تعزيز قدرات القارة للتمكن من حفظ الأمن والاستقرار بما يحفظ حقوقها المشروعة وسيادتها، مع العمل على تنفيذ مبادرة التنمية السلمية في القرن الإفريقي وما تتضمنه من مبادرات في مجالات حفظ السلام ومكافحة الإرهاب ومكافحة القرصنة والأمن العام. إلى جانب اعتزام إجراء مزيد من المناورات والتدريبات لتعزيز القدرات الدفاعية والعسكرية للقارة، إلى جانب تقديم مزيد من التبادلات الثقافية العسكرية والتدريبات المهنية. كما أعرب المشاركون في المنتدى عن دعمهم للتدريبات البحرية المشتركة التي من المقرر عقدها عام 2024.

4. الترابط بين الأمن والتنمية: إذ تم تسليط الضوء على إشكالية تردي التنمية وتفاقم الفقر في إفريقيا، الأمر الذي يتطلب المعالجة من أجل إخراج إفريقيا من تلك الحلقة المفرغة، فالتهديدات الأمنية تحول دون حصد ثمار التنمية والاستثمارات، بما يتطلب العمل على مواجهة التحديات الأمنية والتنموية بشكل صحيح والقضاء على الجذور المسببة لانعدام الأمن، وهو ما تعمل الصين على تحقيقه من خلال إصلاح وتعزيز أجهزتها الأمنية للتصدي للتهديدات المختلقة التي تزداد تعقيداً، من أجل حفظ واستدامة السلام في القارة بالتعاون مع الاتحاد الإفريقي عبر مبادرة الأمن العالمي الصينية وكذا مبادرة الحزام والطريق. كما أن الدول الإفريقية تعمل على الاقتداء بالنموذج التنموي الصيني وما حققه من نتائج إيجابية خلال السنوات القليلة الماضية. جدير بالذكر أن السلام والاستقرار بالقارة يُعد أحد المؤشرات الرئيسة التي حددها الاتحاد الإفريقي لتتبع التقدم المحرز على صعيد تنفيذ أجندته الإنمائية 2063. 

وفي التقدير، يمكن القول إن التطلعات الصينية إزاء إفريقيا لم تُعد مُقتصرة على الاعتبارات الاقتصادية وحدها، إنما امتدت للجوانب الأمنية والعسكرية على نحو يهدد نفوذ القوى الغربية المتنافسة على تلك القارة والتي صار نفوذها يواجه العديد من التحديات، بما قد يمهد السبيل إزاء بلورة بكين كشريك أمني وعسكري موثوق فيه بالنسبة للجانب الإفريقي، وإن كان ذلك لا ينفي وجود مصالح واعتبارات للصين جراء مساعيها للتمركز في إفريقيا، الأمر الذي قد يحول تلك القارة لساحة للصراع الدولي سواءً بشكل مباشر أم بالوكالة، الأمر الذي بدأت إرهاصاته تتضح في منطقة الساحل وغرب إفريقيا.