تحوّل استراتيجي:

فرص نجاح قانون العلاقات الخارجية الصيني في الرد على العقوبات الأمريكية

11 July 2023


اعتمدت الصين، في 28 يونيو 2023، قانون العلاقات الخارجية، بموجب المرسوم الرئاسي رقم 7، الذي وقعه الرئيس الصيني شي جين بينغ، وذلك خلال الاجتماع الثالث للجنة الدائمة للمجلس الوطني الرابع عشر لنواب الشعب. ويتكون القانون الجديد من خمس وأربعين مادة مُقسّمة على ستة فصول. ودخل حيز التنفيذ في مطلع يوليو الجاري. ويُعد القانون الأول من نوعه منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 1949.

أسباب مُتعددة:

هناك العديد من الأسباب التي دفعت الصين لتمرير هذا القانون، يمكن توضيح أبرزها في النقاط التالية:

1- تأسيس آلية قانونية لتجنب العقوبات: ترغب بكين في امتلاك إطار قانوني للرد على أي إجراءات معادية قد تتجه دول، أو تكتلات دولية بعينها إلى فرضها على الصين، وهو ما يتضح من تصريح مدير مكتب لجنة الشؤون الخارجية باللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، وانغ يي، في 29 يونيو 2023، بأن "اعتماد قانون جديد في الصين بشأن العلاقات الخارجية يوفر للبلاد أداة لدرء العقوبات وغيرها من الإجراءات التي تُعد معادية"، وهو ما يمكن تفسيره بأنه محاولة استباقية من جانب بكين لردع الولايات المتحدة عن التفكير في توظيف سلاح العقوبات ضدها في حالة وجود تعارض في المصالح بين الطرفين.

ولعل ذلك ما يفسر أيضاً، قيام بكين في يونيو 2021، بإصدار قانون جديد لمواجهة العقوبات الأجنبية التي تستهدف مصالحها، يضمن السماح للمحاكم الصينية بمعاقبة الشركات التي تستجيب للقوانين الأجنبية المضرّة بالمصالح الوطنية، وهو ما يُمثل ضغوطاً مقابلة على الشركات الدولية، ويدفعها إلى التفكير مرتين قبل الانصياع للعقوبات الأمريكية ضد الصين. 

2- مواجهة الحصار الأمريكي: تسعى الصين من وراء إصدار القانون إلى مواجهة المحاولات الغربية عموماً والأمريكية خصوصاً، لاحتوائها وإعاقة تنميتها، وذلك عبر إصدار تشريع يحمي سيادتها الوطنية وأمنها ومصالحها التنموية، كما أشار وانغ يي، مُضيفاً أنه سيوفر للصين "قاعدة قانونية" للتصدي "لإجراءات الاحتواء والتدخل والعقوبات وأي عمل ضار بالمصالح الصينية".

3- الرد على العقوبات الغربية: يأتي إصدار بكين لهذا القانون في الوقت الذي تتزايد فيه العقوبات الغربية المفروضة عليها، خلال الفترة الأخيرة، ولاسيما من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وذلك على خلفية مزاعم بحدوث انتهاكات لحقوق الإنسان في شينجيانغ وهونغ كونغ، حيث توظف واشنطن قوانينها المحلية لتوجيه الاتهامات ضد الصين في إطار ما يطلق عليه "الولاية القضائية طويلة الذراع"، والتي تعني فرض ممارسات قضائية تعسفية خارج الحدود الإقليمية للولايات المتحدة ضد كيانات وأفراد تابعين لدول أخرى على أساس القانون المحلي الأمريكي، بجانب فرض عقوبات غير قانونية ضدها.

ويُلاحظ أنه خلال الأشهر الأخيرة، قامت الولايات المتحدة بإدراج الشركات الصينية في القائمة السوداء بسبب مشاركتها المزعومة في برامج المراقبة وحرب روسيا في أوكرانيا، وقامت بالضغط على حلفائها لتقييد صادرات أشباه الموصلات إلى الصين، وحشدت الاقتصادات المتقدمة الأخرى لمواجهة ما أسمته "الإكراه الاقتصادي" لبكين، و"إزالة المخاطر" بشأن سلاسل التوريد.

أبرز مضامين القانون:

يحتوي القانون على ستة فصول، تتضمن 45 مادة، ويمكن توضيح أبرز مضامينه في النقاط التالية:

1- الالتزام بمبادئ التعايش السلمي: يحدد الفصل الأول الغايات الكبرى للقانون الجديد، وهي تطوير العلاقات الخارجية للصين، وحماية السيادة الوطنية والأمن والمصالح والتنمية، كما أكد التزام الصين بالمبادئ الخمسة للتعايش السلمي وهي: الاحترام المتبادل للسيادة، وسلامة الأراضي، وعدم الاعتداء، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والمنفعة المتبادلة القائمة على المساواة. هذا إلى جانب تأكيد التزام الصين بـ"مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة" والتسوية السلمية للنزاعات الدولية، ومعارضة استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية، ومعارضة سياسة الهيمنة.

2- تحديد الجهات الفاعلة: توضح مواد الفصل الثاني مهام وصلاحيات الجهات ذات العلاقات بالشؤون الخارجية، وفي مقدمتها الإدارة المركزية للشؤون الخارجية، والمعنية بصنع القرار وتنسيق الشؤون الخارجية، بالإضافة إلى المجلس الوطني لنواب الشعب ولجنته الدائمة واللذيْن يتوليان المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات المبرمة مع الدول الأجنبية وإلغاءها. كما يقوم رئيس الجمهورية بتسيير شؤون الدولة وممارسة المهام والصلاحيات المنصوص عليها في الدستور فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية. 

ويتولى مجلس الدولة للشؤون الخارجية، إبرام المعاهدات والاتفاقيات مع الدول الأجنبية. وفي المجال العسكري، تنظم وتدير اللجنة المركزية العسكرية التبادل والتعاون العسكري الدولي، في حين يكون دور وزارة الخارجية تنظيم الشؤون الدبلوماسية وفقاً للقانون، وتتولى مهام إجراء التبادلات الدبلوماسية بين قادة الحزب والدولة وقادة الدول الأجنبية.

3- تأكيد التعددية القطبية: يؤكد الفصل الثالث تبني الصين لمبدأ التعددية القطبية كمبدأ حاكم للعلاقات الخارجية، واعتزامها الحفاظ على ممارسة التعددية، والمشاركة في إصلاح وبناء نظام الحوكمة العالمي، وهو ما يتعارض في مضمونه مع موقف الولايات المتحدة الذي يرتكز على الحفاظ على الهيمنة العالمية. وتشير الصين في هذا الإطار إلى مشروع الحزام والطريق، الذي أطلقه الرئيس الصيني في 2013، وتراه واشنطن محاولة صينية لتعزيز نفوذها الاقتصادي، ثم العسكري، حول العالم. 

كما تُشير مواد هذا الفصل أيضاً إلى دور الصين الدولي في العمل على الحد من التسلح، وحظر جميع أشكال أنشطة انتشار أسلحة الدمار الشامل، والمساهمة في التعاون والمساعدات للدول النامية، لتعزيز التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي، وهي كلها مبادئ تهدف من خلالها الصين إلى تأكيد أنها فاعل دولي مسؤول يسعى إلى تحقيق الاستقرار العالمي، ومن ثم الرد على الاتهامات الأمريكية بأنها تسعى إلى تقويض "النظام الدولي القائم على المبادئ"، والذي تقصد به واشنطن تحدي هيمنتها على النظام الدولي. 

4- توضيح النظام القانوني للعلاقات الخارجية: يُشير الفصل الرابع إلى كيفية إبرام بكين المعاهدات والاتفاقيات أو المشاركة فيها وفقاً للدستور والقوانين، غير أن الجانب المهم في هذا الفصل هو تأكيد أحقية الصين في اتخاذ التدابير المضادة والتقييدية للأفعال التي تنتهك القانون الدولي والأعراف الأساسية للعلاقات الدولية وتُعرض سيادة الصين وأمنها ومصالحها التنموية للخطر، أي أنه سيكون من حق الصين اتخاذ تدابير مضادة، أي أنها لن تكون البادئة بفرض العقوبات على الأشخاص والدول، وإنما ستقوم باتخاذ الإجراءات المناسبة رداً على تعرضها لعقوبات من دول أخرى.

ومن جهة أخرى، يؤكد الفصل تطوير الصين لعلاقاتها الدبلوماسية مع جميع دول العالم على أساس مبدأ الصين الواحدة، أي التسليم بسيادة الصين على تايوان، وهو ما يُمثل رداً على المحاولات الأمريكية الرامية إلى تعزيز استقلالية تايوان عن الصين. وفي المقابل، يؤكد القانون سلامة وأمن الأجانب والمنظمات الأجنبية في الصين بوجوب الالتزام بالقوانين الصينية وعدم تعريض الأمن القومي للصين للخطر أو الإضرار بالمصالح العامة أو الإخلال بالنظام العام.

تداعيات مُحتملة:

هناك العديد من الانعكاسات المُحتملة على إقرار الصين للقانون الجديد الذي يحدد طبيعة تفاعلاتها مع دول العالم، يمكن توضيح أبرزها في النقاط التالية:

1- توضيح أسس الدبلوماسية الصينية: يؤشر قيام الصين بتمرير قانون حاكم لعلاقاتها الخارجية للمرة الأولى في تاريخها إلى رغبة بكين في إرسال رسالة للدول الأخرى بضرورة الالتزام بما يتضمنه هذا القانون من مبادئ ومرتكزات للعلاقات بين الجانبين. وبما أن قانون العلاقات الخارجية الجديد يُعد المرجعية الرئيسية لعلاقات الصين مع دول العالم، فإنه من المتوقع أن تقوم هذه الدول بمراجعة علاقاتها مع الصين، بحيث ترتكز على ذات الأسس والمبادئ التي يؤكدها القانون الجديد.

2- تحدي الهيمنة الأمريكية: يلاحظ أن القانون الجديد يتيح للصين إمكانية التعامل بالمثل مع الولايات المتحدة، فيما يتعلق بمسألة فرض العقوبات، انطلاقاً من وجود أساس قانوني واضح بهذا الصدد، وهو ما قد يجعل واشنطن تفكر بمنطق حسابات المكسب والخسارة، قبل إقدامها على فرض أية عقوبات جديدة ضد بكين، لأنها ستواجه في مثل هذه الحالة برد صيني مماثل، وهو ما يعني إصرار الصين على تحدي السياسات الأمريكية المناوئة لها، وبالتالي التأثير في استمرار هيمنتها على النظام الدولي الراهن.

وتجدر الإشارة إلى أنه سبق وأن فرضت بكين عقوبات على شركات أمريكية لتهديد مصالحها، وذلك قبل القانون الأخير، وهو ما تجلى في فرض العقوبات على شركتي "لوكهيد مارتن" و"رايثيون تكنولوجيز" الأمريكيتين، في فبراير 2022، لبيعهما أسلحة إلى تايوان.

3- تأثيرات محتملة في الاقتصاد الصيني: تُشير تقديرات غربية إلى أن أحد التداعيات المُحتملة للقانون الصيني الجديد هو التأثير في وضع الصين الاقتصادي، ولاسيما من حيث جذب الاستثمارات الخارجية، إذ من المتوقع أن يُثير هذا القانون مخاوف الشركات الأجنبية بشأن إمكانية تعرضها لإجراءات عقابية من جانب السلطات الصينية في حالة إقدام الدول التي تنتمي إليها هذه الشركات على فرض عقوبات على الصين. 

وفي التقدير، يمكن القول إن قيام الصين بإصدار قانون جديد لإدارة علاقاتها الخارجية مع دول العالم، يُعد تحولاً استراتيجياً مهماً في سياق رؤية بكين لموقعها ومكانتها في إطار النظام الدولي الراهن، ولاسيما فيما يتصل بكيفية مواجهة السياسات والإجراءات الأحادية الأمريكية، وخاصة ذات الطابع العقابي، وهو ما يتوقع معه قيام بكين بتوظيف الأداة القانونية كآلية جديدة للرد على أية عقوبات قد تستهدفها مستقبلاً، وهو ما قد يجعل الغرب عموماً وواشنطن خصوصاً، يفكر بجدية في عواقب أية عقوبات يفرضها على الصين، لأن الأخيرة باتت تتبنى سياسة جديدة تقوم على التعامل بندية مع واشنطن، وهو ما يعني أن المرحلة المقبلة يتوقع أن تشهد تصاعداً في التوتر في العلاقات بين الجانبين.