الإمارات اليوم:

«التسريبات» تُعرقل جهود تشكيل الحكومة العراقية

07 August 2022


شهد العراق، على مدار الأيام الماضية، تطوّرين على درجة كبيرة من الأهمية، وهما ظهور تسريبات عدة لرئيس الحكومة العراقية السابق وزعيم «ائتلاف دولة القانون»، نوري المالكي، في 13 و16 يوليو، والذي هاجم فيه أطرافاً عدة، بدءاً من زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، وصولاً إلى «الحشد الشعبي» وانتهاء بالقوى السياسية العراقية، بالإضافة إلى حدوث تظاهرات من قبل أنصار التيار الصدري في 15 يوليو.

قراءة في التسريبات:

يمكن توضيح أبعاد التسريبات المنسوبة للمالكي، وأبرز المواقف الصادرة حيالها على النحو التالي:

1- فضح صحافي عراقي التسريبات:

قام الصحافي علي فاضل، وهو رئيس المنظمة الأميركية – العراقية لمكافحة الفساد، بنشر التسريبات المنسوبة للمالكي. ويلاحظ أن فاضل ناشط سياسي غير محسوب على القوى السياسية الشيعية، ومقيم في الولايات المتحدة. كما أعلن فاضل أن لديه العديد من التسجيلات سيقوم بنشرها خلال الأيام المقبلة.

وتثير تلك التسريبات العديد من التساؤلات حول كيفية تسجيلها لاجتماع دار بين نوري المالكي وبعض المقربين منه، داخل الإطار التنسيقي، ولمدة ساعة كاملة، وهل تم التسجيل من خلال جهاز تنصت تم وضعه في مكان الاجتماع، من قبل أجهزة الاستخبارات العراقية، أو أي جهاز أمني آخر، أم أنه تم تسجيله من خلال هاتف أحد الحاضرين، ثم تم إرساله إلى فاضل.

2- هجوم طائفي ضد «خصوم الشيعة»:

يلاحظ أن الخطاب الذي اتبعه المالكي كان طائفياً، إذ إنه هاجم كل خصومه السياسيين بالارتكان لمنطلقات طائفية، واعتبر مقتدى الصدر «قاتلاً» و«جاهلاً»، وأنه يقود مشروعاً بريطانياً لإنهاء التشيع في العراق.

وشن المالكي هجوماً كذلك في التسريبات على غالبية القيادات السنية، واصفاً إياهم بالحاقدين عليه، وعلى الدولة العراقية ومؤسساتها. كما اتهم رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، بأنه سعى إلى ضرب الشيعة، عبر احتضان النازحين من السنة، وكذلك قياداتهم، مؤكداً أن بارزاني، سعى من وراء ذلك لتدشين زعامة مذهبية لسنة العراق، مع ضم مقتدى الصدر لذلك المحور كممثل وحيد عن الشيعة.

واستمراراً لهذه المواقف الطائفية، دعا المالكي إلى منع وجود أي تحالف بين التيار الصدري مع القوى السنية والكردية، حيث أشار «إذا استطعنا أن نسقط توجهات مقتدى، والحلبوسي، والبارزاني، إذا أسقطنا مشروعهم نجح العراق، وإن لم نستطع فالبلد يسير نحو الدائرة الحمراء، وأنتم يجب عليكم أن تستعدوا».

ولم يكتفِ المالكي بمهاجمة خصومه طائفياً، بل كشفت التسريبات عن مساعيه لتسليح نحو 15 مجموعة، ليكونوا مستعدين للمرحلة المقبلة، إذا تطلب الأمر التدخل، في مؤشر على إعداده لمواجهات مسلحة ضد أنصار التيار الصدري، بالإضافة إلى مهاجمته لفصائل الحشد الشعبي، واتهامها بالجبن، وهو ما قد يكون مرتبطاً برفضهم مناصرته. كما أكد المالكي في هذه التسريبات أنه أراد «جعل الحشد الشعبي مشابهاً للحرس الثوري الإيراني»، في محاولة لاسترضاء إيران على ما يبدو.

3- انتقاد الصدر للمالكي:

شنّ الصدر هجوماً على المالكي، إذ طالب باستنكار ما ورد في هذه التسريبات، سواء من قبل قيادات الكتل المتحالفة معه ضمن الإطار التنسيقي، أو من عشيرته، كما نصح الصدر المالكي باعتزال العمل السياسي. ويبدو أن الصدر يهدف من ذلك الهجوم إلى إثبات صحة تسجيلات المالكي، وهو ما سيمكن الصدر من إبعاد أحد خصومه عن تولي رئاسة العراق.

4- تزامن التسريبات مع تظاهرات الصدر:

جاء التسريب الصوتي الأول لنوري المالكي قبل يومين من موعد صلاة الجمعة الموحدة التي دعا إليها التيار الصدري في 15 يوليو الماضي، والتي شهدت مشاركة عشرات الآلاف من أنصار الصدر، وتزامنت مع الذكرى الرابعة والعشرين لأول صلاة جمعة أقامها والده، آية الله محمد محمد صادق الصدر.

ووضع الصدر خلالها شروط عدة للموافقة على تشكيل أي حكومة جديدة، ومنها الالتزام بإخراج ما تبقى من القوات الأجنبية، ومحاسبة الفاسدين، وحصر السلاح بيد الدولة، وحل الفصائل المسلحة، وإعادة تنظيم الحشد الشعبي، والتحذير من إعادة تشكيل الحكومة، من قبل أشخاص تمت تجربتهم سابقاً، في إشارة إلى المالكي.

ويلاحظ أن هذه التظاهرات هدف من خلالها إما إجهاض تشكيل الحكومة العراقية، وذلك عبر فرض مطالب تبدو، في بعض جوانبها، تعجيزية، أو سعى من خلالها إلى التأكيد على استمراره كطرف مؤثر في العملية السياسية من خلف الستار.

تراجع حظوظ المالكي:

يمكن استعراض عدد من الانعكاسات لتسريبات المالكي، وذلك على النحو التالي:

1- إضعاف فرص المالكي:

يبدو أن الهدف من هذه التسريبات هو إضعاف فرص نوري المالكي في الترشح لرئاسة الوزراء، خصوصاً أنه هاجم قيادات الحشد الشعبي، إلى جانب مقتدى الصدر، بالإضافة إلى وجود تكهنات بأن التسريبات القادمة ستطال رجال الدين في النجف، وهو ما سيمثل خصماً من شعبية المالكي في الشارع العراقي، كما أنه سيعزز المرشحين الآخرين لرئاسة الوزراء داخل الإطار التنسيقي، والذي بلغ عددهم نحو 10 مرشحين.

2- اتساع هوة الخلافات الشيعية:

يلاحظ أن انتقاد المالكي لبعض القيادات في الحشد الشعبي قد توسع مساحات الخلاف بينه وبين ميليشيات الحشد الشعبي، وكذلك بينه وبين القوى الأخرى المنضوية داخل التنسيقي. فقد تعرضت بعض مقرات حزب الدعوة، التي يشغل المالكي فيها منصب الأمين العام، لهجمات مسلحة في البصرة وكربلاء والنجف، كما أظهرت بعض الصور ومقاطع فيديو تم نشرها إغلاق مقر حزب الدعوة في الزعفرانية جنوب بغداد، مع كتابة عبارة «مغلق باسم الحشد».

3- تراجع محتمل للدعم الإيراني:

تدرك إيران، الداعم الرئيس للتنسيقي، أهمية أن يكون رئيس الحكومة المقبل مقبولاً دولياً وداخلياً، لاسيما من التيار الصدري حتى لا يتم تحريك الشارع ضده، خصوصاً بعد تظاهرات الصدر الأخيرة. ومن جهة أخرى، فإنه من الصعب الترويج للمالكي باعتباره شخصية مقبولة خارجياً، وهو يتبنى أجندة طائفية تهدف إلى إقصاء السنّة والأكراد.

4- استمرار الخلافات الكردية:

لايزال الخلاف الكردي قائماً حول منصب رئاسة الجمهورية، مع إخفاق وساطات عدة، وكانت آخرها إيرانية، ومحاولة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني، التوفيق بين الحزبين الكرديين الرئيسين للتوصل إلى مرشح تسوية للمنصب، وهي جملة من العوامل التي قد تزيد من تأزم المشهد الراهن.

5- تصعيد قضائي محتمل ضد المالكي:

تفتح تلك التسريبات المجال أمام بعض القوى السياسية، لاسيما من القوى المدنية، للجوء إلى القضاء والادعاء العام لفتح تحقيق موسع بشأن ما جاء فيها من تهديد للأمن وتحريض على الاقتتال، وهو ما سيؤثر سلباً على المستقبل السياسي للمالكي.

أزمة متواصلة

تكشف الأحداث الأخيرة استمرار تأزم المشهد السياسي العراقي، وفشل تشكيل حكومة جديدة على الرغم من مرور تسعة أشهر على إجراء الانتخابات، غير أن التسريبات الأخيرة قد تدفع إلى تجاوز المالكي لرئاسة الوزراء، والبحث عن مرشح آخر يكون مقبولاً داخلياً، خصوصاً من التيار الصدري، وكذلك إقليمياً ودولياً، لاسيما مع إدراك مختلف التيارات والأجنحة السياسية، أن نوري المالكي يمثل عبئاً في ضوء التسريبات الأخيرة له.

انتقاد المالكي لبعض القيادات في «الحشد الشعبي» قد توسع مساحات الخلاف بينه وبين ميليشيات الحشد الشعبي، وكذلك بينه وبين القوى الأخرى المنضوية داخل الإطار التنسيقي.

الخطاب الذي اتّبعه المالكي كان طائفياً، إذ إنه هاجم خصومه السياسيين كافة بالارتكان لمنطلقات طائفية، واعتبر مقتدى الصدر «قاتلاً» و«جاهلاً»، وأنه يقود مشروعاً بريطانياً لإنهاء التشيّع في العراق.

*لينك المقال في الإمارات اليوم*