تحديات عديدة:

هل تتمكن فرنسا من توحيد أكراد سوريا؟

04 May 2021


تواصل فرنسا مساعيها المكثفة من أجل الحفاظ على دور لها في إعادة صياغة الترتيبات السياسية والأمنية في سوريا وتجنب تهميشه بفعل التطورات المتسارعة التي طرأت على الساحة السورية في الفترة الماضية، وتمثلت آخر مؤشرات ذلك في تطلع باريس خلال المرحلة الحالية إلى ممارسة دور الوسيط بين الفرقاء الأكراد في شمال سوريا لحسم الخلافات العالقة بينهم. وفي هذا السياق، أشارت تقارير عديدة إلى أن قصر الإليزيه وجّه دعوة لوفد من طرفى الحوار الكردي في شمال سوريا لزيارة باريس من أجل إجراء مباحثات مع المسئولين الفرنسيين بشأن الوضع السوري بشكل عام والكردي على وجه الخصوص. 

أهداف رئيسية: 

تستهدف باريس من خلال مسعاها الحالي لرعاية مفاوضات بين الفرقاء الأكراد في شمال سوريا تحقيق جملة من الأهداف، والتي يأتي على رأسها ما يلي: 

1- الحفاظ على المكتسبات الكردية خلال العقد الأخير: يمكن تفسير الرغبة الفرنسية الحالية للقيام بوساطة بين أكراد سوريا في ضوء حرص باريس على الحفاظ على المكتسبات الكردية التي تحققت منذ اندلاع الأزمة السورية وحتى الآن، حيث استغل الأكراد انسحاب القوات السورية في منتصف عام 2012 من مناطق السيطرة الكردية للتركيز على قتال المعارضة في باقي أنحاء سوريا ليُعلنوا في نوفمبر 2013 الحكم الذاتي بحكم الأمر الواقع من خلال ما يعرف بـ"الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا". كما حافظ أكراد سوريا على المركز الثاني في توازنات القوى العسكرية في تلك المنطقة رغم العمليات العسكرية التركية ضد قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، والتي تضم حوالي 50 ألف مقاتل بحسب التقديرات وتمثل وحدات حماية الشعب الكردية العمود الفقري لها.

2- تهيئة الأكراد لمتطلبات المرحلة المقبلة في سوريا: تتطلع باريس لدفع أكراد سوريا نحو تجاوز خلافاتهم الحالية والاستعداد لمتطلبات واستحقاقات المرحلة المقبلة في سوريا، خاصةً مع إدراكها أن تلك المرحلة في سوريا ستكون مختلفة عن سابقاتها، حيث هدوء المعارك واحتمال التركيز بصورة أكبر على التوصل لتفاهمات مع الحكومة السورية. وبالتالي يبدو أن باريس حريصة على أن يتبنى الأكراد موقفاً موحداً للحصول على أكبر قدر من المكاسب، وكذلك دفعهم للاستعداد للمشاركة في المساعي الدولية بشأن الحل السياسي السوري بعد استبعادهم من جميع الفعاليات السابقة الخاصة بذلك. 

3- امتلاك أوراق ضغط ضد تركيا: تأتي التحركات الفرنسية المتصاعدة في الشمال السوري وتركيز باريس على تعزيز العلاقات مع الأكراد لتعبر عن مسعى فرنسي واضح لامتلاك أوراق ضغط ضد تركيا، خاصةً مع استمرار تجاذبات الطرفين حيال العديد من الملفات الإقليمية. وترى الأخيرة أن أى تحرك فرنسي باتجاه أكراد سوريا يصب في إطار مخططات تقسيم سوريا وإقامة دولة كردية وليس محاربة الإرهاب، وعليه يشن المسئولون الأتراك وفي مقدمتهم الرئيس رجب طيب أردوغان هجمات ضد فرنسا كلما صدرت عنها تصريحات داعمة للأكراد أو طلبت من تركيا وقف هجماتها ضدهم أو الانفتاح عليهم. 

عقبات مختلفة: 

تعترض المساعي الفرنسية الحالية لتسوية الخلافات البينية الكردية جملة من العراقيل، والتي يتمثل أهمها فيما يلي: 

1- رصيد عدم الثقة: تمثل المواقف العدائية الحالية بين المجلس الوطني الكردي في سوريا، وأحزاب الوحدة الوطنية الكردية ويتزعمها حزب الاتحاد الديمقراطي، تحدياً رئيسياً في سبيل حسم الخلافات الكردية. وقد ارتبط رصيد عدم الثقة بين الجانبين بصورة أساسية على مدار الأعوام الأخيرة بكون المجلس الوطني الكردي جزءاً من الائتلاف الوطني السوري الذي يقيم في تركيا ويؤسس علاقات وثيقة مع السلطات التركية. وتشكل في هذا الصدد ضغوطات الائتلاف السوري على المجلس الوطني الكردي تحدياً أمام طريق حل الخلافات الكردية. 

ولعل آخر أبرز المؤشرات الدالة على التصدع الحالي في علاقات الفرقاء الأكراد في شمال سوريا يتعلق باتهام المجلس الوطني الكردي، في 17 أبريل الماضي في بيان له، حزب الاتحاد الديمقراطي باقتحام مقر لأحد الأحزاب المكونة للمجلس في منطقة الرميلان في ريف الحسكة. واللافت في هذا السياق، هو أن تزايد تأثير عدم الثقة الحالية بين الفرقاء الأكراد يتناقض مع اتفاقهم في 21 سبتمبر 2020 على تشكيل المرجعية الكردية العليا والبنود والصلاحيات التي تنظم عمل تلك المرجعية وعدد أعضائها. 

2- العمليات العسكرية التركية في شمال سوريا: تعد العمليات العسكرية التركية المتواصلة في شمال سوريا منذ أكتوبر الماضي وحتى الآن، في إطار عمليتى "نبع السلام"، و"درع الربيع"، التحدي الأكبر الذي يواجه الجهود الفرنسية لتوحيد أكراد سوريا. إذ تستهدف تركيا التصدي المبكر لأى طموحات انفصالية محتملة لهم في سوريا، على اعتبار أن ذلك يعتبر، وفقاً لمسئوليها، تهديداً وجودياً للدولة التركية بسبب الطموحات الانفصالية المحتمل بروزها لأكراد تركيا وبما يهدد وحدة الأراضي التركية. 

3- التنافس الروسي- الأمريكي على دعم الأكراد: رغم أن واشنطن تعد الداعم الأكبر لأكراد سوريا منذ بداية الأزمة السورية وحتى الآن، إلا أنه كان من اللافت أن الفترة الأخيرة شهدت محاولة روسية لتطوير العلاقات معهم، والسعى لتقريب وجهات النظر بينهم وبين الحكومة السورية، وهو الأمر الذي قد يفرض تبعات سلبية على الجهود الفرنسية لحل الخلافات الكردية، خاصةً مع تشتت الأكراد في إقامة علاقات مع دول لها مصالح متباينة. 

جدير بالذكر أن موسكو تواصل اتهاماتها لواشنطن بأنها تقوم بتحريض الأكراد ضد الحكومة السورية، ودائماً ما تعرب الخارجية الروسية عن قلق موسكو إزاء الوضع في الأراضي السورية الواقعة شرق الفرات والخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من قبل التحالف الدولي بقيادة واشنطن، مُحمِّلة العسكريين الأمريكيين المنتشرين هناك المسئولية عن التشجيع على النزعات الانفصالية لدى الأكراد. 

ختاماً، من الواضح إذن أنه على الرغم من استمرار التحركات الفرنسية الحالية لحلحلة الخلافات العالقة بين الفرقاء الأكراد في سوريا، إلا أن الواقع الميداني والسياسي الحالي في سوريا وتباين مصالح الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في أزمتها قد يعرقل جهود باريس ويقلص من قدرتها على تحقيق أهدافها.