نُذر الخطر في ليبيا

29 December 2020


في27 أكتوبر الماضي كتبتُ في هذه الصفحة بعنوان: «مستقبل وقف إطلاق النار الأخير في ليبيا»، تعليقاً على اتفاق وقف إطلاق النار الذي كان قد تم التوصل إليه وما نص عليه من انسحاب للقوات الأجنبية والمرتزقة خلال 3 أشهر، محذِّراً من السلوك المتوقع لأردوغان خشية تصفية نفوذه في ليبيا لو أُخرجت منها القوات الأجنبية والمرتزقة، وكذلك من كل الأطراف التي ستتضرر من وقف الحرب وعلى رأسها الميليشيات التي أصبحت الحرب بالنسبة لها مصدر رزق ولأمرائها مصدر ثراء فاحش، والتي تفاخرت علناً بألا ناقة لها ولا جمل فيما يجري من جهود للتسوية. وها نحن بعد شهرين من نشر هذه المقالة نتابع بكل القلق الجهود التركية والميليشياوية لتخريب جهود التسوية. ولا بأس من البدء بمصادقة البرلمان التركي يوم الثلاثاء الماضي على تمديد نشر عسكريين أتراك في ليبيا 18 شهراً. ولنتوقف ملياً عند هذا القرار، فهو يعني أولاً أن النظام التركي يضرب عرض الحائط باتفاق وقف إطلاق النار الذي نص على انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة خلال 3 أشهر، وسوف تتذرع تركيا الرسمية بطبيعة الحال بأن وجودها العسكري في ليبيا غير مشمول بهذا الاتفاق، لأنه يتم وفقاً لاتفاق مع الحكومة المسماة بالشرعية! وهو يعني ثانياً أن النظام التركي مصر على وجوده العسكري في ليبيا لما بعد الانتخابات المحتملة، إذ من المعروف أن الاتفاق قد ساد في جميع المؤتمرات الدولية التي عُقدت بشأن تسوية الصراع في ليبيا على إجراء انتخابات في غضون 18 شهراً، بل إن منتدى تونس الأخير قد حدد موعد الانتخابات في ديسمبر القادم، أي بعد سنة واحدة من الآن. والمعنى الواضح لقرار البرلمان التركي وأمده الزمني، أن النظام التركي حريص على وجوده العسكري المباشر في ليبيا أثناء إجراء الانتخابات، لأن كل المؤشرات تشير إلى أن نتائجها لن تكون في صالحه هو والجماعات والميليشيات التي يدعمها. لذلك فإن الوجود العسكري مطلوب لتجنب هزيمة سياسية بتخريب الانتخابات أو نتائجها.

على أن التأثير العسكري للنظام التركي لا يقتصر على الوجود العسكري المباشر فحسب، وإنما يمتد إلى الميليشيات التابعة له والمرتزقة الذين جلبهم إلى ليبيا، وهو ما يتسق مع التقارير التي أشارت لنشاط كثيف استمر بعد اتفاق وقف إطلاق النار وشهد رحلات لطائرات شحن تركية تهبط في قاعدة الوطية آخرها منذ أيام حيث هبطت فيها طائرتا شحن تركيتان عسكريتان، وتأكد كل ما سبق بإعلان الجيش الوطني الليبي منذ أيام أنه رصد حشوداً كبيرة لميليشيات طرابلس المدججة بأسلحة تركية متطورة وآلاف المرتزقة والمقاتلين الأجانب استعداداً للهجوم على المناطق الخاضعة لسيطرته في سرت والجفرة. ومن البديهي أن الجيش الوطني الليبي، الذي يحظى بشرعية شعبية واسعة وتأييد عربي صارم، سوف يتصدى بكل إمكاناته لأي محاولة جديدة لتغيير ميزان القوى في الصراع، وسوف يكون أحد عوامل انتصاره في هذه المواجهة هو الصراع داخل ما يُسمى حكومة الوفاق بين الأجنحة الميليشياوية التي تحتشد من أجل السيطرة على طرابلس بين ميليشيات «ثوار طرابلس» التي تميل للسراج وميليشيات مصراته التي دخلت طرابلس بتعليمات من فتحي باشاغا وزير داخلية السراج ومنافسه على رئاسة الحكومة القادمة. وهكذا يدور الصراع في ليبيا على عدة مستويات؛ أولها محلي بين الجيش الوطني وحكومة السراج وداخل حكومة السراج ذاتها، وثانيها إقليمي بين الدول العربية الحريصة على أمنها وتركيا صاحبة المشروع التوسعي في المنطقة، وثالثها عالمي يتضمن الدول الطامحة لمصالح اقتصادية واستراتيجية في ليبيا.. والدرس الواضح هو ضرورة التحسب بأقصى درجات الحذر لمحاولات التلاعب بجهود التسوية وتخريبها.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد