ارتدادات خارجية:

لماذا تزايدت حدة التصعيد السياسي في طهران؟

17 November 2020


أكدت إيران مراراً على أن سياستها تجاه الولايات المتحدة الأمريكية لا تتغير بتغير الرئيس الأمريكي. ومع ذلك، فإن نجاح المرشح الديمقراطي جو بايدن في الفوز بالانتخابات الرئاسية الأمريكية ساهم في توسيع نطاق الجدل داخل إيران حول تأثير ذلك عليها، أو بمعنى أدق، على مسارات التصعيد بين الطرفين خلال المرحلة القادمة. 

ومن هنا، كان لافتاً تصاعد الحملة القوية التي يشنها تيار المحافظين الأصوليين على ما يطلق عليه "المتغربنون" أو "أتباع التيار الغربي" داخل إيران، الذين يُعوِّلون، في رؤية قادته وكوادره، على التطورات الخارجية في حل أزمات إيران المستعصية. ومن دون شك، فإن الإشارة هنا واضحة ويقصد بها تيار المعتدلين بقيادة الرئيس حسن روحاني، الذي يضم أقطاباً من تيار الإصلاحيين التقليدي، الذي تراجع تأثيره ودوره على الساحة السياسية الإيرانية بشكل كبير.

وهنا، فإن الجهود الحثيثة التي يبذلها الرئيس حسن روحاني من أجل توجيه رسائل عديدة توحي بأنه يتماهى مع الموقف الرسمي للدولة إزاء نتائج الانتخابات الأمريكية، بتأكيده على أن "إيران لا يهمها من يفوز بالانتخابات الأمريكية، وإنما يهمها سياسات واستراتيجيات هذا الرئيس"، لم تنجح في تقليص حدة التصعيد من جانب المحافظين الأصوليين.

وانعكس ذلك، على سبيل المثال، في التصريحات التي أدلى بها عضو مجلس الخبراء عباس كعبي، في 13 نوفمبر الجاري، وقال فيها أن "سبب الأزمات التي تواجهها الدولة يكمن في الإدارة الحكومية وأنه لا يمكن حلها مع وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى البيت الأبيض، وأن تيار المتغربنين يحاول تحريف الحقائق".

أسباب عديدة:

يمكن تفسير أسباب التصعيد السياسي على الساحة الداخلية الإيرانية خلال المرحلة الحالية في ضوء اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في:

1- الاستعداد للانتخابات الرئاسية القادمة: يستعد تيار المحافظين الأصوليين للانتخابات الرئاسية القادمة التي سوف تجرى في 18 يونيو 2021، وذلك لاستكمال سيطرته على معظم المؤسسات المنتخبة في النظام، بعد أن نجح في الفوز بأغلبية مقاعد مجلس الشورى في دورته الحالية التي أجريت الانتخابات الخاصة بها في 21 فبراير الماضي. 

وهنا، فإن هذا التيار، ويدعمه في ذلك الحرس الثوري، يرى أن الترويج للتداعيات الإيجابية التي يمكن أن يفرضها فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن بالانتخابات الأمريكية، لاسيما على صعيد تخفيف حدة العقوبات الأمريكية وربما الوصول إلى تفاهمات جديدة مع طهران طبقاً للمقاربة التي تبناها بايدن وانعكست في مقالات عديدة كتبها قبل فوزه بالانتخابات، يمكن أن تزيد من نفوذ تيار المعتدلين مجدداً، وتضفي وجاهة خاصة على الحملة المضادة التي تشنها الحكومة وتصر من خلالها على أن الوصول للاتفاق النووي منح إيران مكاسب عديدة رغم الانسحاب الأمريكي منه في 8 مايو 2018.

2- انعكاسات سياسات ترامب: لا يمكن فصل هذه الحملة القوية التي يشنها تيار المحافظين الأصوليين عن التراكمات التي فرضها التصعيد الإيراني- الأمريكي خلال عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والذي وصل إلى درجة اندلاع مواجهة مباشرة بين الطرفين وإن كانت محدودة، بعد أن قامت واشنطن بتصفية قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري قاسم سليماني ونائب أمين عام ميليشيا الحشد الشعبي العراقية أبو مهدي المهندس في 3 يناير الماضي، وهى العملية التي ردت عليها إيران بتوجيه ضربات صاروخية ضد قاعدتين عراقيتين تتواجد بهما قوات أمريكية بعد ذلك بخمسة أيام.

فرغم كل الإجراءات العقابية التي اتخذتها الإدارة الأمريكية السابقة، والتي أنتجت أزمة اقتصادية حادة داخل إيران لم تنجح السياسات الحكومية في التعامل معها، إلا أن تصفية سليماني تحديداً مثلت مرحلة فارقة في تاريخ العداء بين طهران وواشنطن، لا يبدو أن انعكاساتها سوف تتراجع بسهولة. 

إذ أنها أضفت زخماً خاصاً على الرؤية التي يتبناها النظام الإيراني وتقوم على أنه لا يمكن الوصول إلى "سلام دائم" مع واشنطن، وأن الهدف الأساسي الذي تسعى الأخيرة إلى تحقيقه هو تقويض دعائمه، وأن التهدئة التي يتم الوصول إليها في بعض الأحيان، على غرار ما حدث بعد الوصول للاتفاق النووي، تكتيكية ولا تعكس التوجهات الأمريكية الحقيقية التي لا تتغير بتغير الرئيس الأمريكي.

3- رسالة غير مباشرة: ولاسيما إلى الدول الأوروبية، إذ تعتبر إيران أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن وحدها هى الطرف غير الملتزم بالاتفاق النووي، وإنما تنضم إليها الدول الأوروبية في هذا السياق، باعتبار أنها أولاً لم تستطع ممارسة ضغوط على واشنطن للتراجع عن إجراءاتها العقابية المستمرة، ولأنها ثانياً لم تتمكن من رفع مستوى العلاقات الثنائية حتى لمجرد احتواء تأثيرات تلك الإجراءات، في إطار ما يسمى بآلية "انستكس". 

وبمعنى آخر، فإن تيار المحافظين الأصوليين، والحرس الثوري، يسعى من خلال هذا التصعيد إلى تأكيد أن إيران لن تتبنى السياسة نفسها التي اتبعتها مع الدول الأوروبية خلال الأعوام الخمسة الأخيرة التي أعقبت الوصول للاتفاق النووي. 

فرغم أن تلك الدول حرصت، في بعض الأحيان، على معارضة بعض الخطوات الأمريكية، على غرار العزوف عن تأييد مشروع القرار الذي تبنته واشنطن وسعت إلى تمريره داخل مجلس الأمن، في 15 أغسطس الماضي، لتمديد الحظر المفروض على إيران في مجال الأسلحة التقليدية، على نحو أدى إلى إفشاله في النهاية، فإن مجمل تحركاتها لم تكن محل قبول من جانب طهران، التي اعتبرت اتجاهات عديدة أنها تشترك مع الولايات المتحدة الأمريكية في الهدف الأساسي والقائم على تقويض دعائم النظام الحاكم.

وقد انعكست تلك الرؤية في المقال الذي كتبه رئيس تحرير صحيفة "كيهان" (الدنيا) حسين شريعتمداري، في 11 نوفمبر الجاري. إذ قال شريعتمداري أن "خيبة ترامب في الانتخابات لهى من دواعي السرور والفرح بلاشك، لكن المضحك هو تهليل وصفير التيار المؤيد لبايدن والدول الأوروبية لفوز الأول"، مضيفاً أن "بايدن على مدار العقود الثلاثة الماضية لم يفوت فرصة إلا وأعرب عن عدائه للجمهورية الإسلامية". 

في النهاية، ربما يكون هذا التصعيد جزءاً من مخطط إيراني يهدف إلى الاستعداد مبكراً للمعطيات الجديدة التي يمكن أن يفرضها فوز بايدن، ولاسيما ما يتعلق بمحاولاته تحويل مقاربته "النظرية" إزاء العلاقات مع إيران إلى خطوات إجرائية على الأرض، على نحو يوحي بأن تأكيد إيران على أن "السياسة الأمريكية لا تتغير بتغير الرئيس" لا ينفي تطلعها وترقبها لما يمكن أن يقدم بايدن على اتخاذه من قرارات.