ما بعد فوز بايدن

10 November 2020


حبس العالم أنفاسه وهو يتابع مجريات الانتخابات الرئاسية، ولا يعود ذلك إلى مكانة الولايات المتحدة على قمة النظام العالمي فحسب، ولكن أيضاً للاختلاف الواضح بين رؤية المتنافسَين في الانتخابات للقضايا الدولية، ومن ثم كان احتفاظ ترامب بالرئاسة أو فوز بايدن بها يعني الكثير بالنسبة للسياسة الخارجية الأميركية وبالتالي للعالم، ومع أن الفروق بينهما قد تكون في الشكل وليس في المضمون، كما هو الحال بالنسبة للموقف من الصين أو إسرائيل على سبيل المثال، فإن رؤية الرجلين كانت على طرفي نقيض في قضايا دولية بالغة الأهمية، كالموقف من حرية التجارة العالمية وتداعياته على العولمة، أو من قضية المناخ واتفاقية باريس التي انسحب ترامب منها، أو من حلفاء الولايات المتحدة الأوربيين الذين أشبعهم ترامب تقريعاً لانخفاض مساهماتهم المالية في ميزانية «الناتو»، أو تعمد إظهار عدم حماسه للاتحاد الأوروبي، أو اختلافه عنه في إدارة أزمة الملف النووي مع إيران.

وفي وجود تلك الفروق الواضحة في القضايا السابقة، بين الرئيس الأميركي الحالي والرئيس المنتخب، فإن أغلب الظن أنها سوف تُترجم في خطوات سريعة يتخذها بايدن للإعلان عن توجهاته الجديدة في السياسة الخارجية، بما في ذلك كسب ثقة الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة. 

إلا أن القيود الداخلية على الرئيس الأميركي الجديد يجب أخذها في الحسبان، فسوف تكون المهمة الرئيسية لبايدن -دون شك- هي محاولة استعادة الوحدة الداخلية التي لحق بها ضرر واضح لاسيما في السنة الأخيرة من حكم ترامب، وبالذات نتيجة التوترات العرقية التي تكررت بسبب الطريقة التي تعاملت بها الشرطة غير ما مرة مع ملونين أميركيين وأدت إلى قتل بعضهم، وهو ما انعكس في شعار «حياة السود مهمة». 

وتُعقِّد من مهمة بايدن دون شك تداعيات جائحة كورونا إنسانياً واقتصادياً، والتي تحتل الولايات المتحدة المركز الأول بين دول العالم فيها، سواء من حيث عدد الإصابات أو عدد الوفيات. ولن تكون مهمة بايدن في هذا الخصوص سهلة بحال من الأحوال، نظراً لمعارضة قطاعات شعبية واسعة لسياسة الإغلاق بسبب تأثيراتها الاقتصادية السلبية الفادحة، وهي ظاهرة عالمية وليست أميركية فحسب.

وليست هذه هي المرة الأولى بطبيعة الحال التي تشهد فيها الولايات المتحدة انقسامات داخلية حادة، بل تُعَد الحرب الأهلية الأميركية علامة فارقة في تاريخها، كما أن المجتمع الأميركي شهد انقسامات أخرى وفق خطوط غير عرقية، كما في الخلاف حول دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية، أو حول حرب فيتنام.. لكن الانقسام الحالي يبدو حاداً وكأنه يشطر الولايات المتحدة شطرين أحدهما يؤمن بتفوق العرق الأبيض (ويمثل القاعدة الشعبية لترامب)، والثاني يضم خليطاً من البيض والملونين يؤمن بالمساواة بين الأعراق. وبعيداً عن المبالغات التي تحدثت عن حرب أهلية محتملة أو انفصال بعض الولايات عن الجسد الأميركي فإن الخلافات باتت عميقة إلى الحد الذي سمح بتعبيرات مثل «الولايات غير المتحدة»، أو أن الولايات المتحدة بحاجة لـ«حل الدولتين» في إشارة لاكتساب الاختلافات في بعض القضايا طابعاً جغرافياً (شرق وغرب).. مما يعني بوضوح أن جدول الأعمال الداخلي للرئيس الجديد سوف يكون مزدحماً وثقيلاً.

وكما سبقت الإشارة فإنه إذا كان القيام بتحركات تعكس رؤية بايدن الواضحة لقضايا مهمة، مثل حرية التجارة الدولية والتغير المناخي والعلاقة مع الشركاء الأوربيين.. يبدو سهلاً، فإنه سيكون حذرا بالنسبة للملفات المعقدة، كالعلاقة مع الصين وروسيا والموقف من العدوانية التركية في العالم العربي وفي شرق المتوسط.. لذلك فإن عالم ما بعد فوز بايدن لن تكتمل ملامحه قريباً.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد