انتعاش حذر:

المسار المقبل لواردات الصين النفطية بعد تشغيل الاقتصاد

01 July 2020


قفزت واردات الصين من النفط الخام بشكل استثنائي في شهر مايو الماضي، وذلك بالتزامن مع إعادة فتح النشاط الاقتصادي في البلاد، وعودة المنشآت الصناعية والتجارية للعمل تدريجيًّا في معظم أقاليم البلاد بعد إغلاق دام عدة أشهر في إطار الإجراءات الاحترازية لمواجهة كورونا. ولعلّ ثمة تفسيرًا آخر للارتفاع القياسي للواردات الصينية من الخام في شهر مايو يتمثل -وفق المراقبين- في اتجاه المصافي الحكومية والمستقلة لزيادة مشترياتها من الخام بغرض التخزين بجانب الاستهلاك الآني، مستغلة تدني أسعار النفط في هذا الشهر. وفي النصف الثاني من العام الجاري، قد يكون من الصعب، بحسب العديد من التوقعات، استمرار زخم الطلب المحلي على النفط وزيادة الواردات مع احتمالية تقييد النشاط الاقتصادي مجددًا بعد ارتفاع أعداد الإصابات بفيروس كورونا في عدد من المقاطعات الصينية.

علامات انتعاش:

بدأت الحكومة الصينية في إبريل الماضي في تخفيف القيود المفروضة على الأنشطة الاقتصادية في البلاد التي اتُّخذت في إطار الإجراءات الاحترازية للحد من انتشار فيروس كورونا في البلاد. وتدريجيًّا، استأنفت المنشآت التجارية والصناعية في مختلف المقاطعات الصينية أعمالها، جنبًا إلى جنب مع إعادة تسيير رحلات الطيران بين المدن الصينية، وذلك مما أنعش الآمال بنمو الطلب المحلي للنفط الخام.

وتباعًا، أظهرت مؤشرات الاقتصاد الصيني تحسنًا نسبيًّا في الشهرين الماضيين، ومن أبرزها مؤشر الإنتاج الصناعي الذي تسارع بنسبة 4.4% في شهر مايو مقارنة بالشهر نفسه في العام الماضي، وهو ثاني زيادة له في 2020 بعد أن سجل نموًّا بنسبة 3.9% في شهر أبريل. 

ومع نمو النشاط الاقتصادي، رفعت مصافي التكرير الحكومية والمستقلة طاقتها الإنتاجية تدريجيًّا لتصل إلى 80% و74% على التوالي في شهر مايو الماضي، ومن حوالي 67% و38% في الربع الأول من العام وفقًا لشركة الاستشارات الصينية "مجموعة لونج زهونج للمعلومات" (Longzhong Information Group). 

وانعكس ذلك بشكل إيجابي على مشتريات الصين من النفط من الخارج في مايو الماضي، فقد شهدت الواردات الصينية من الخام قفزة كبيرة في هذا الشهر، بالغة نحو 11.3 مليون برميل يوميًّا وبارتفاع بنسبة 19.2% من مايو 2019. في حين أنها حققت نموًّا بنسبة 14.8% مقارنة بمستوى شهر إبريل الماضي البالغ 9.88 ملايين برميل يوميًّا، وهو أعلى أيضًا من مستوى قدره 11.1 مليون برميل يوميًّا في نوفمبر 2019. 

وبنظرة إجمالية، فقد ارتفعت الواردات الصينية من النفط الخام في الفترة من يناير إلى مايو من العام الجاري إلى نحو 10.4 ملايين برميل يوميًّا وبزيادة 4.5% على أساس سنوي. وفي الفترة نفسها، ارتفع صافي صادرات المنتجات النفطية المكررة بنسبة 34% على أساس سنوي إلى 16.49 مليون طن متري (أو ما يعادل 780 ألف برميل يوميًّا).

تفسيرات عديدة:

يمثل استعادة النشاط الاقتصادي في الصين بلا شك أحد المحفزات الرئيسية لنمو الطلب على النفط والواردات من الخام في مايو الماضي. ولكنّ ثمة تفسيرًا آخر للارتفاع القياسي لواردات الخام في هذا الشهر، يتمثل -وفق المراقبين- في استغلال المصافي الصينية هبوط تكلفة استيراد النفط بأكثر من النصف بزيادة مشترياتها منه وتخزينه بغرض استهلاكه مستقبلًا. 

وهنا، فقد انخفضت تكلفة توريد النفط إلى نحو 27.04 دولارًا للبرميل في شهر مايو، وهو أقل من نصف متوسط البالغ 65.63 دولارًا في عام 2019 وفقًا لبيانات مصلحة الجمارك الصينية. ويكشف سعي المصافي لبناء مخزونات كبيرة من النفط حقيقة أخرى، وهي أن استهلاك السوق المحلية من الخام لا يزال ينمو ببطء في ضوء تداعيات جائحة كورونا. 

ولتوضيح ذلك، فقد بلغ إجمالي المعروض النفطي بالسوق الصينية (الإنتاج المحلي مضافًا إليه إجمالي الواردات) نحو 15.1 مليون برميل يوميًّا في مايو الماضي وفق حسابات بعض مراقبي سوق النفط الصينية، في حين بلع إنتاج المصافي النفطية فعليًّا في هذا الشهر ما يقارب 13.6 مليون برميل، أي بمعنى أن هناك ما يقدر بنحو 1.5 مليون برميل يوميًّا جرى تخزينها على الأرجح. 

وبالنظر إلى أداء الخمسة الأشهر الأولى من العام، فقد بلغ معدل التخزين نحو 1.88 مليون برميل يوميًّا في الفترة من يناير إلى مايو، وهو أعلى من المعدل البالغ 1.2 مليون برميل يوميًّا في الفترة نفسها من عام 2019، أي بزيادة قرابة 670 ألف برميل يوميًّا. ومن واقع الحسابات السابقة، نتوصل إلى استنتاج بأن الاستهلاك الصيني من الخام لا يزال ضعيفًا، أو لم يحقق النمو المنتظر بالرغم من إعادة تشغيل الاقتصاد مجددًا. 

وبنهاية عام 2020، تتوقع شركة "وود ماكينزي" البريطانية أن تشهد مخزونات النفط الخام الصينية، بما في ذلك احتياطيات النفط الاستراتيجية والتجارية، ارتفاعًا قياسيًّا إلى 1.15 مليار برميل، أي ما يعادل 83 يوميًّا من الطلب على النفط، ومقارنة بنحو 900 ألف مليون برميل في عام 2019 أي بمعدل زيادة قدره 250 مليون برميل. 

المسار المُقبل:

تذهب معظم التوقعات إلى أن انتعاش واردات الصينية من النفط الخام في النصف الثاني من 2020، سيكون أقل زخمًا من مستواه في الأشهر الثلاثة الأخيرة في ظل ارتفاع أسعار النفط بعد توقيع اتفاق "أوبك+" لخفض الإنتاج، جنبًا إلى جنب مع المخاوف القائمة من حدوث موجة ثانية من فيروس كورونا في البلاد. 

وعلى هذا النحو، يشار إلى أن السلطات الصينية أعادت بالفترة الأخيرة فرض قيود على نشاط المنشآت التجارية والأسواق والمدارس في العاصمة بكين بعد انتشار فيروس كورونا في عدة بؤر بالمدينة. وعلاوة على ذلك، أغلقت السلطات الصينية العديد من المنشآت في مقاطعة أنشين في إقليم هيبي بعد ارتفاع أعداد المصابين بفيروس كورونا، مما يضع عراقيل أمام تعافي النشاط الاقتصادي في البلاد. 

وفي ضوء المعطيات الجديدة، تشير معظم التوقعات إلى أن الطلب الصيني على النفط الخام سيتراوح بين 13.2 إلى 13.6 مليون برميل يوميًّا في النصف الثاني من 2020، وهو معدل منخفض بنسبة تصل إلى 5% مقارنة بمستويات الطلب في الفترة نفسها من العام الماضي، وسيدفع ذلك لأن تُقلص مصافي النفط، ولا سيما المستقلة منها، مشتريات النفط الخام من الخارج وفقًا لشركة استشارات الطاقة "ريستارد إنيريجي". 

أما بالنسبة للواردات الصينية من النفط، فقد تنخفض هي الأخرى بمعدل يتراوح بين 800 ألف برميل يوميًّا إلى 1.3 مليون برميل يوميًّا في شهري أغسطس وسبتمبر المقبلين مقارنة بمستوى شهر مايو الماضي. وقد تصل واردات الخام لنحو 10.5 ملايين برميل يوميًّا في أغسطس، وأقل من 10 ملايين برميل يوميًّا في سبتمبر، وبتراجع من حوالي 11.5 مليون برميل يوميًّا في شهر يوليو.

وعلى الصعيد الدولي، فمن المؤكد أن حدوث موجة ثانية من فيروس كورونا لدى الدول الكبرى، وبما في ذلك الصين، مع تصاعد أعداد المصابين بفيروس كورونا، يقوض من فرص تعافي الاقتصاد العالمي، وبما يضعف انتعاش الطلب العالمي على النفط الخام، مما قد يؤدي إلى حدوث تصحيح في أسعار النفط كما توقعت عدة مؤسسات ومن بينها "جولدمان ساكس" في الفترة المقبلة بنسبة تتراوح بين 15-20% بعد أن تخطت 40 دولارًا للبرميل عقب توقيع اتفاق أوبك+ لخفض الإنتاج في شهر إبريل الماضي. 

وختامًا، يمكن القول إن واردات الصين من النفط الخام أمامها طريق صعب للتعافي، وسيرتبط -على أية حال- بمدى قدرة الحكومة الصينية على تحجيم انتشار فيروس كورونا في مختلف الأقاليم الصينية، والحيلولة دون تصاعد أعداد المصابين بالفيروس في الفترة المقبلة.