خطوة مرحلية:

لماذا توصلت روسيا لهدنة جديدة مع تركيا في إدلب؟​

14 January 2020


‎أعلنت روسيا، في 9 يناير الجاري، عن إبرام اتفاق جديد مع تركيا لوقف إطلاق النار في محافظة إدلب السورية، على نحو يمكن تفسيره في ضوء اعتبارات عديدة أهمها الاستجابة للمطالب التركية المتكررة لإقرار هدنة، وتجنب سيناريو نشوب مواجهة بين الجيشين السوري والتركي، واحتواء الضغوط الدولية بشأن الأوضاع الإنسانية بإدلب، ومواجهة النشاط العسكري للتنظيمات الإرهابية والمسلحة. ومع ذلك، يبدو من تطورات الواقع العسكري الحالي في محافظة إدلب أن التحركات التي يقوم بها الجيش السوري للسيطرة على المحافظة لا تزال مستمرة رغم الإعلان الروسي الأخير عن وقف إطلاق النار، ويتضح ذلك من خلال استمرار هجمات الجيش السوري على المحافظة، والإقرار الروسي الضمني باحتمال فشل الهدنة، وتجهيز ممرات إنسانية لإخراج المدنيين من مناطق القتال.

توافق مؤقت:

‎يبدو أن وقف إطلاق النار في محافظة إدلب، والذي أعلن عنه رئيس مركز المصالحة الروسية في سوريا التابع لوزارة الدفاع الروسية يوري بورينكوف في 9 يناير الجاري، لا يمثل سوى توافق مؤقت للتعبير عن استمرار التعاون الروسي- التركي في سوريا.

‎ويأتي الإعلان عن وقف إطلاق النار في إدلب بعد أن أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان خلال لقائهما باسطنبول، في 8 يناير الجاري، على ضرورة تطبيق الاتفاقات بين الطرفين حول التطورات الميدانية في سوريا، وتحديداً الاتفاق الخاص بإنشاء منطقة خفض التصعيد في إدلب الذي تم التوصل إليه في سبتمبر 2018، وكذلك الاتفاق الذي أدى إلى وقف الهجوم التركي علي مناطق الأكراد شمال سوريا في أكتوبر 2019.

دوافع عديدة:

‎يمكن تفسير هذه الخطوة في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

‎1- الاستجابة للمطالب التركية المتكررة لإقرار هدنة: سبق أن طلبت تركيا مراراً في الفترة الأخيرة من روسيا وقفاً لإطلاق النار في المحافظة، وأرسلت وفداً إلى موسكو، نهاية ديسمبر الفائت، لإجراء مباحثات حول ذلك، بسبب تزايد قلقها من احتمال حدوث تدفق جديد للاجئين السوريين إلى أراضيها.

‎2- تجنب نشوب مواجهة بين الجيشين السوري والتركي: تحاصر قوات الجيش السوري، منذ 22 ديسمبر 2019، نقطة مراقبة تركية في بلدة الصرمان في جنوب شرق إدلب، وهى النقطة الثانية التي تحاصرها قوات الجيش السوري، بعد تلك الواقعة في بلدة مورك بمحاذاة إدلب في ريف حماة الشمالي. جدير بالذكر أن الجيش التركي يمتلك 12 نقطة مراقبة في إدلب استناداً للاتفاق الروسي- التركي الذي تم إبرامه في سبتمبر 2018. ولا تستبعد موسكو، في ضوء محاصرة الجيش السوري لبعض تلك النقاط، اندلاع اشتباكات مسلحة بين الجيشين السوري والتركي، خاصة بعد أن أعلنت تركيا، في 5 يناير الجاري، أنها لن تنسحب من تلك النقاط.

‎3- احتواء الضغوط الدولية بشأن الأوضاع الإنسانية بإدلب: استخدمت روسيا والصين، في 20 ديسمبر الفائت، حق الفيتو في مجلس الأمن لتعطيل مشروع قرار يمدد لعام إيصال المساعدات الإنسانية الأممية إلى أربعة ملايين سوري عبر الحدود، وبينهم سكان إدلب، وهو الأمر الذي يثير منذ ذلك الحين مخاوف دولية من وقوع مأساة إنسانية جديدة. كما أن المنظمات الحقوقية نددت بشكل متكرر في الفترة الأخيرة بالأوضاع الإنسانية في المحافظة. وبحسب الأمم المتحدة، فقد تسببت العمليات العسكرية للجيش السوري، بمساعدة روسية، في إدلب في نزوح أكثر من 235 ألف شخص.

‎4- مواجهة النشاط العسكري للتنظيمات الإرهابية والمسلحة: شهدت الفترة التي سبقت الإعلان الروسي- التركي عن هدنة إدلب، تطوراً عسكرياً لافتاً في مستوى عمليات التنظيمات الإرهابية والمسلحة في إدلب ضد الجيش السوري، حيث أعلنت تلك الفصائل، في 8 يناير الجاري، عن استعادة السيطرة على خمس قرى في ريف إدلب الشرقي بعد هجوم شنته على مواقع قوات الجيش السوري، وتحدثت عن مقتل أكثر من 20 عنصراً من قواته.

عملية مستمرة:

‎تكشف التطورات الميدانية التي تشهدها محافظة إدلب أن الجهود التي يبذلها الجيش السوري للسيطرة على المحافظة لا تزال مستمرة رغم الإعلان الأخير عن وقف إطلاق النار، ويتضح ذلك من خلال ما يلي:

‎1- استمرار هجمات الجيش السوري على المحافظة: ويتضح ذلك من خلال إعلان المرصد السوري لحقوق الإنسان، في 10 يناير الحالي، عن أن طائرات حربية سورية استهدفت مواقع في مدينة معرة النعمان وقرية معرشورين وطريق دمشق - حلب الدولي، إضافة إلى قصف الجيش السوري لمناطق في خلصة والحميرة في ريف حلب الجنوبي، وبلدة بابيلا في ريف إدلب الجنوبي.

‎2- الإقرار الروسي الضمني باحتمال فشل الهدنة: على نحو يبدو جلياً في تأكيد وزارة الدفاع الروسية، في 10 يناير الجاري، على أن الجيش السوري أوقف عملياته العسكرية في إدلب، قبل يوم واحد، بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، لكنها أضافت أن "التشكيلات المسلحة غير الشرعية لم تتخل عن قصف مواقع القوات المسلحة للجمهورية العربية السورية والبلدات السكنية المسالمة، مستفزة القوة الحكومة ودافعة إياها إلى شن عمليات مضادة"، مشيرة إلى أن العسكريين الروس سجلوا 31 حالة قصف في منطقة إدلب لخفض التصعيد من قبل المسلحين.

‎3- تجهيز ممرات إنسانية لإخراج المدنيين من مناطق القتال: يعتزم الجيش السوري، وبإشراف مباشر من مركز المصالحة الروسي في سوريا، افتتاح معابر إنسانية مع مناطق سيطرة "جبهة النصرة" وحلفائها من المجموعات الإرهابية والمسلحة، وذلك تسهيلاً لعبور المدنيين من المناطق التي قد تمتد إليها العمليات العسكرية خلال الأيام القادمة باتجاه مناطق سيطرة الجيش السوري.

‎وبحسب وزارة الدفاع الروسية، تتوزع الممرات على مناطق "الهبيط" المتصلة مع مناطق سيطرة "جبهة النصرة" في جنوب ادلب، و"أبو الضهور" التي تعد خط تماس مع تنظيم "أجناد القوقاز" شرق إدلب، و"الحاضر" التي تتصل بمواقع سيطرة "النصرة" بريف حلب الجنوبي. كما أشارت إلى أن هذه الممرات ستضم نقاطاً لتقديم الإسعاف والماء الصالح للشرب والغذاء الساخن والأدوية والمستلزمات الأساسية، وسيتم تخصيص وسائل نقل لإخراج الراغبين في الانسحاب من مناطق سيطرة المسلحين. وأوضحت أيضاً أنه سيجري إبلاغ السكان المحليين بنظام الخروج وعمل المعابر عن طريق رسائل نصية قصيرة ومنشورات وتقارير تلفزيونية وإذاعية. ​

‎وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن الهدنة الجديدة تواجه تحديات عديدة قد تؤدي إلى فشلها في النهاية على غرار بعض اتفاقات وقف إطلاق النار التي تم التوصل إليها في الفترة الماضية، بشكل يوحي بأن الحسم العسكري لملف إدلب ما زال احتمالاً قائماً خلال المرحلة القادمة.