ضائقة اقتصادية:

إلى أين تتجه إيران في ظل العقوبات الأمريكية الجديدة؟

01 October 2019


شهدت الفترة الماضية بروز مظاهر عدة لتعثر الاقتصاد الكلي في إيران بسبب العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة. وفي ظل إعلان إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن فرض عقوبات جديدة عليها، يرجح أن تزداد المعاناة الاقتصادية والمالية لإيران، لا سيما مع إتباع واشنطن سياسة "الضغوط القصوى" ضدها. ويثير هذا الأمر الكثير من التساؤلات بشأن قدرة الاقتصاد الإيراني على التحمل، وكذلك هامش الحركة المتاح أمام طهران من أجل تأمين احتياجاتها التمويلية، إلى غير ذلك من التساؤلات الخاصة بالمستقبل الاقتصادي والمالي لإيراني بشكل عام.

المرحلة الأصعب:

في ظل استمرار التصعيد الحالي في المنطقة، قامت الإدارة الأمريكية برفع مستوى العقوبات المفروضة على طهران، لتصبح "العقوبات الأمريكية الأقسى على الإطلاق"، التي تُفرض ضد أية دولة. وشملت العقوبات الأمريكية الجديدة المصرف المركزي الإيراني، كآلية لتعزيز الضغط على النظام المالي، ولتعميق الأزمة التي يعانيها الاقتصاد الكلي الإيراني.

ومنذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي توصلت إليه إيران مع مجموعة "5+1"، في 8 مايو 2018، أقرت الإدارة الأمريكية حزمة عقوبات اقتصادية على طهران، طالت العديد من القطاعات، أبرزها قطاع النفط. كما شملت العقوبات الأمريكية قطاعات إيرانية أخرى، على غرار السيارات والخدمات المالية والمصرفية والطيران المدني، هذا إلى جانب تجميد الأصول الإيرانية، وتقييد قدرة الشركات الأجنبية على إبرام صفقات تجارية مع طهران. وشملت العقوبات كذلك شخصيات إيرانية بارزة، من بينها المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، وكيانات إيرانية مثل الحرس الثوري.

ملامح متعددة:

تسببت العقوبات الأمريكية، منذ منتصف عام 2018، في العديد من المشكلات الاقتصادية لإيران، حيث تراجعت صادراتها النفطية بنسبة تصل إلى نحو 80%، وهناك تقديرات تشير إلى بلوغ تلك الصادرات 160 ألف برميل يوميًا خلال شهر أغسطس الفائت. وكان من انعكاسات تلك العقوبات أيضًا تراجع الصادرات الإيرانية غير النفطية إلى دول الاتحاد الأوروبي بنحو 90%؛ وانخفاض واردات طهران من تلك الدول بنحو 50%، هذا برغم أن دول الاتحاد مازالت متمسكة بالاتفاق النووي مع إيران، بل إنها تبذل جهودًا من أجل إيجاد البدائل الكفيلة بالاستغناء عن القنوات المالية الأمريكية، للإبقاء على التبادل التجاري مع إيران.

وفيما يعكس حجم الأزمة والضائقة المالية التي تعيشها طهران جراء العقوبات في الوقت الراهن، أعلنت الحكومة الإيرانية على لسان جعفر سرقيني مساعد وزير الصناعة والتجارة والمعادن، في 23 سبتمبر الجاري، عن فرض رسوم بنسبة 25% على تصدير المواد المعدنية الخام. ورغم أن سرقيني أوضح أن القرار يهدف إلى الحد من تصدير تلك المواد في صورتها الخام، وتحقيق قيمة مضافة أعلى، فإن الحقيقة قد تكون مغايرة، لا سيما أن القرار – وفقًا لسرقيني نفسه- يسري على تصدير المركزات وكريات الحديد أيضًا.

فضلاً عن ذلك، تسعى إيران إلى إيجاد مصادر دخل جديدة كوسيلة للالتفاف على العقوبات، وفي هذا الإطار أعلن علي حسيني المدير التنفيذي لبورصة الطاقة الإيرانية، وفق وكالة أنباء فارس، في اليوم نفسه، أن صادرات المنتجات النفطية تدر ما يتراوح بين 150 إلى 200 مليون دولار من النقد الأجنبي أسبوعيًا، حيث يتم طرحها في صورة ديزل وبنزين وغاز مسال، بما يتراوح بين 400 و500 ألف طن أسبوعيًا.

ضغوط مستمرة:

يمثل تصاعد حدة التوتر في العلاقات الإيرانية-الأمريكية مصدرًا متجددًا للضغوط التي يواجهها الاقتصاد الإيراني، ومن المتوقع أن يتسع نطاقها خلال الفترة المقبلة مع ظهور انعكاسات العقوبات الأمريكية الجديدة، والتي يبدو أنها أثارت حالة من القلق الشديد لدى المسئولين الإيرانيين، على نحو كان واضحًا في تصريحاتهم التي تهدف إلى خلق انطباع مغاير للحقيقة، كما جاء على لسان وزير الخارجية محمد جواد ظريف في 21 سبتمبر الحالي، والذي قال: "إن على واشنطن أن تدرك أنها ليست القوة الاقتصادية الكبرى الوحيدة، وأن دولاً عدة تريد الاستفادة من سوق بلاده". كما قلل البنك المركزي الإيراني من أهمية العقوبات الأمريكية الجديدة، واعتبر عبدالناصر همتي محافظ البنك، في 24 من الشهر نفسه، أن "فاعلية الحظر الأمريكي ضد طهران تضاءلت"، معربًا عن ارتياحه لاستقرار الوضع الاقتصادي في بلاده، وزعم أن "دولاً بالمنطقة تبدي رغبتها في التعاون المصرفي مع إيران".

ويمكن القول إن من المنطقي أن تقلل الحكومة الإيرانية من أهمية العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، سواء العقوبات التي جاءت في الموجة الأخيرة من التصعيد الأمريكي، أو تلك المفروضة عليها منذ منتصف عام 2018، لكن الحقيقة أن الاقتصاد الإيراني يعاني بشدة في الوقت الراهن، حيث تخطت معدلات التضخم في الأيام الماضية مستوى الـ40%. 

وقد كشف محمد باقر نوبخت رئيس منظمة التخطيط والموازنة العامة الإيرانية عن إعداد مشروع موازنة السنة المالية الإيرانية القادمة، التي تبدأ في 21 مارس 2020، دون الأخذ بعين الاعتبار إيرادات النفط، على نحو يشير إلى أن الحكومة الإيرانية باتت يائسة بشكل واضح إزاء فرص عودة الصادرات النفطية إلى الأسواق في الأجل المنظور.

وفيما يعكس حجم الضغوط المالية التي تعانيها إيران في ظل العقوبات، وكذلك استمرار تصاعد تلك الضغوط، قال رئيس منظمة التخطيط والموازنة أن هناك عدة مقترحات لتعويض إيرادات النفط في الموازنة العامة منها إلغاء دعم المحروقات، وزيادة العوائد الضريبية عبر إلغاء الإعفاءات الضريبية، هذا بجانب إزالة ما يتراوح بين 700 و800 ألف شخص من متلقي الدعم النقدي شهريًا. وتمثل جميع هذه المقترحات بدائل ضارة بفرص النمو الاقتصادي ومؤشرات التنمية ومستويات المعيشة في إيران، ومن شأنها أن تفرض واقعًا اقتصاديًا أشد تعقيدًا، لن يكون من السهل الخروج منه بعد ذلك.