مخاوف متبادَلة:

مستقبل التنافس البحري بين الصين والهند

25 September 2019


عرض: وفاء الريحان - باحثة في العلوم السياسية

تُشير دراسة حديثة بعنوان "التنافس الصيني الهندي في البحر: الإمكانية، والاتجاهات، والتحديات" للباحث "كوا لين كولين"، زميل برنامج الأمن البحري في جامعة نانيغ التكنولوجية السنغافورية، إلى التنافس المحتدم بين بكين ونيودلهي في المجال البحري، حيث يُساور الأخيرة العديد من المخاوف حول وصول الأولى إلى المحيط الهندي الذي يُعد منطقة نفوذ لها، ويرجع ذلك لامتلاك الصين أسلحة بحرية عالية الكفاءة، بالإضافة إلى قدرتها على الوصول إلى الموانئ الإقليمية المجاورة للهند خاصة الباكستانية. 

وفي المقابل، تتعامل الصين بحذر مع الهند التي تسعى أيضًا إلى الوصول إلى مياه المحيط الهادئ، فضلًا عن مشاركتها في خطة تقودها الولايات المتحدة لاحتواء بكين، تتيح للبحرية الهندية الاستفادة من قواعدها البحرية، لتقويض مصالح الصين في السواحل الهندية والمحيط الهادئ.

وقد تناول الباحث في دراسته قضية صعوبة التمييز بين الأسلحة البحرية الدفاعية والهجومية على المستوى النظري، وكيف تنظر كل منهما إلى تواجد الأخرى في منطقة نفوذها البحرية المباشرة.

رؤية مفاهيمية

يستشهد "كولين" بالفكرة النظرية القائلة بأن السفن الحربية يمكن أن تكون مؤثرًا هامًّا في السياسة الخارجية للدولة؛ حيث من خلالها تستطيع الحكومة أن تُحدد ما إذا كانت قوتها البحرية مُعرضة للخطر من عدمه، أو تحدد النوايا والقدرات البحرية العدائية من جانب الخصوم. كما يمكن أن تكون على صعيد آخر ذات آثار ضارة على السياسة الخارجية، وتعمل على تقويض جهود الدول في هذا المجال.

ويشير الباحث إلى أن القوات البحرية تُصنف بناء على قدراتها إلى ثلاثة أنواع، هي:

أولًا- بحرية المياه الزرقاء: التي تعمل في المحيطات المفتوحة، بقدرة تتجاوز 200 نانو متر، وهي مسافة المنطقة الاقتصادية الخالصة وفقًا لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وقادرة على إجراء عمليات نشر خارج المنطقة.

ثانيًا- بحرية المياه الخضراء: تعمل في المناطق الاقتصادية الخالصة، ولديها قدرات محدودة خارجها.

ثالثًا- بحرية المياه البنية: تتمثل في قوات الدفاع الساحلية، وتقتصر إلى حد كبير على المياه الإقليمية التي تبلغ مساحتها 12 نانو متر.

ويضيف الباحث أن الاستدامة تعد من العوامل الرئيسية المحددة لإبراز القوة البحرية، والتي ترتبط بمفهوم الامتداد الجغرافي، وتعني قدرة القوات البحرية على العمل في الظروف المختلفة، بما في ذلك وجود العدو. وتتطلب الاستدامة كثافة كافية، وجودة صالحة للإبحار، وتحمل العمل في مسافات بعيدة عن قاعدتها الأصلية، وفي البيئات التشغيلية المحددة. 

ويذهب إلى أن تلك الاستدامة تتأثر بقدرات الدعم اللوجيستي، في إشارة إلى سفن إمداد الأسطول القادرة على إدامة عمليات الوحدات التي تم نشرها على مسافات بعيدة عن قواعدها الأصلية، وهو ما يوجد في بحرية المياه الزرقاء، التي تشتمل على غواصات تعمل بالطاقة النووية، وحاملات طائرات، ومقاتلات سطحية كالطرادات والفرقاطات، وسفن هبوط برمائية، وسفن إمداد.

ويميز "كولين" في دراسته بين القوات البحرية التي يتم توجيهها استراتيجيًّا لمواقف دفاعية أو هجومية، وافترض أن تكون متطلبات هيكل قوة الدفاع أكثر تواضعًا من تلك الخاصة بالهجوم. ونوّه إلى أن هذا التمييز وإن كان نظريًّا ممكنًا، فإنه من الناحية الواقعية أمر صعب، وذلك بالنظر إلى الطرق المتعددة التي يمكن بها استخدام القوات البحرية.

دوافع التسلح البحري

أرجع الباحث بناء البحرية الصينية المعاصرة إلى حاجتها لدفاع بحري نشط على حدودها البحرية، خاصة بحار شرق وجنوب الصين، والبحر الأصفر، ومضيق تايوان، حيث تواصل بكين مواجهة نزاعاتها البحرية التي لم تُحلّ مع جيرانها. ومع اتساع المصالح العالمية، أصبح لدى البحرية الصينية مهمة جيدة، تمثلت في حماية مصالح الدولة الخارجية.

فعلى سبيل المثال، مبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقها الرئيس الصيني عام 2013، التي تُعد مسعى صينيًّا للحصول على مكانة عالمية من خلال تعزيز التجارة بينها وبين نظرائها الأجانب، تتطلب دورًا فعالًا للقوات البحرية لتدعيم تطبيقها.

على الجانب الهندي، أوضحت الدراسة أن الحشد البحري الهندي يتجه بشكل أساسي نحو منطقة نفوذ نيودلهي المباشر، من الساحل الشرقي لإفريقيا، وصولًا إلى مناطق التوقف الاستراتيجية المؤدية من وإلى المحيط الهندي ولا سيما مضيقي ملقا وسنغافورة وغيرهما. وبالنظر إلى تلك المناطق، فإن الحشد الهندي موجه أكثر نحو تأمين المصالح داخل منطقة المحيط الهندي المباشرة، في حين أن إبراز القوة في مناطق أبعد يُشكل مهمة ثانوية.

الإفراط في التهديدات البحرية

يرى "كولين" أن المتتبع لأنماط تحركات البحرية الهندية والصينية يجد أنها تعكس الأولويات الاستراتيجية لكلا الدولتين. وخلال الفترة من عام 2005 إلى عام 2015 شهدت نيودلهي زيادة في حجم الأسطول البحري، بتركيز أكثر على أصول المياه البنية في مقابل الأصول العاملة في المياه الزرقاء، وذلك في أعقاب حادث مومباي الإرهابي عام 2008، وهو ما يوضحه الشكل (1).

 

ويشير الباحث إلى أن البحرية الصينية ذهبت على النقيض من نظيرتها الهندية فيما يتعلق بممتلكات الأسطول البحري، خلال الفترة من عام 2000 إلى عام 2015، كما يتضح في الشكل (2). وعلى الرغم من امتلاكها للأصول القديمة، فإنها حافظت على نفس النسبة تقريبًا من القوة العاملة في المياه الزرقاء، وهو ما يعني قدرة أكبر على العمل في المياه البعيدة، فمن بين 44 سفينة تم تشغيلها خلال عام 2016-2017، هناك 26 سفينة قادرة على استخدام المياه الزرقاء.

 

وعمومًا، يرى الباحث أنه رغم القدرات الكبيرة لدى بكين لاستخدام المياه الزرقاء، فإن ذلك لا يُمثل تهديدًا كبيرًا لنيودلهي في المحيط الهندي، وذلك بسبب نقاط الضعف الكامنة في خط الاتصال بقواعدها الرئيسية، وهو ما يعوق قدرة البحرية الصينية على تنفيذ عمليات القتال الحربية عالية الكثافة.

ترقب حذر

يذكر "كولين" أن هناك عددًا من المشاكل السياسية بين الصين والهند، أبرزها النزاع على الحدود البرية الذي خاضت الدولتان بسببه حربًا قصيرة عام 1962. وبرغم المحادثات الكثيرة التي تمت بينهما، والتي تم على إثرها وضع مجموعة من تدابير بناء الثقة، فإنها لم تحرز أي تقدم يُذكر. 

فقد شهد عام 2014 امتدادًا ملحوظًا للنزاع الثنائي بين البلدين إلى المجال البحري، وذلك عندما أبحرت ثلاث سفن من البحرية الصينية عبر مضيق لومبوك، للمرة الأولى التي يتم فيها التحرك من بحر الصين الجنوبي إلى جزر المحيط الهادئ. وبعد فترة وجيزة من ذلك، دخلت سفن حربية صينية المياه الهندية زاعمة بحثها عن طائرة ماليزية مفقودة، وهو ما زاد من المخاوف الهندية من تحركات بكين.

ويوضح الباحث أنه يمكن ملاحظة ديناميكية مختلفة فيما يتعلق بكيفية إدراك بكين للهند، رغم أن عمليات الانتشار البحرية الهندية لم تهدد المصالح الصينية بشكل كبير، على العكس من الوضع بالنسبة للمصالح الهندية.

وتبين الدراسة أن مخاوف الصين لا تدور حول القدرات البحرية الهندية بقدر ما تدور حول السياسات، حيث إن علاقات الهند مع المنافسين الجيوسياسيين لبكين مثل الولايات المتحدة واليابان وفيتنام هي الأخطر. فعلى سبيل المثال، تُعد فيتنام ميناء منتظمًا لعمليات انتشار القوات البحرية وخفر السواحل الهندية شرقًا، بما يمنح نيودلهي سهولة في الوصول إلى بحر الصين الجنوبي، عبر الموانئ الفيتنامية الاستراتيجية مثل هافونج.

وفي الختام، أوضح الباحث أنه بينما لا يمكن الهروب من المعضلة الأمنية بين الدولتين، فإنه يمكن تجاوزها عن طريق التعاون الفعال بين الشركاء للتمييز بين القدرات العسكرية الهجومية والدفاعية، من خلال وسائل مختلفة تهدف لتعزيز الطمأنينة المتبادلة. 

وبالرغم من صعوبة الأمر في حالة التنافس البحري الصيني الهندي، نظرًا للعداوات التاريخية والسياسية بينهما من ناحية، وللطبيعة الغامضة للبحار كوسيلة دولية من ناحية أخرى؛ فإن المعضلة الأمنية الصينية الهندية في البحر ستستمر لفترة طويلة، حيث لا يمكن معالجة هذه العوامل الهيكلية بسهولة إذا استمر الافتقار المتبادل للثقة السياسية. 

المصدر:

Koh Swee Lean Collin, "China-India Rivalry at Sea: Capability, trends and challenges", Asian Security, Volume 15, 2019 - Issue 1, p. 5-24.