الخيار الأخير:

تأثير معركة إدلب على مسارات الصراع السوري

21 February 2019


ظلت إدلب هى المعركة المؤجلة في الصراع السوري على امتداد مراحله المختلفة، لكن يبدو أن هذا التأجيل وصل إلى نهايته، على نحو كشفت عنه مؤشرات عديدة، مثل حرص روسيا، في الوقت الحالي، على طرح قضية إدلب، بشكل عزز من احتمالات التدخل العسكري، الذي باتت موسكو تشير إلى أنه لا بديل له في ضوء غياب خيارات أخرى لدى أطراف اتفاق سوتشي مع صعوبة تنفيذ استحقاقاته. فالاتفاق، الذي يتضمن عشر نقاط، لم يلب الغرض منه على مدار خمسة أشهر، مع السيطرة الميدانية للتنظيمات الإرهابية، لا سيما "القاعدة"– جبهة النصرة – دون أن تتخذ تركيا خطوات إجرائية رغم تلويحها بردع من يهدد الاتفاق أكثر من مرة، وهو ما فرض عليها التوافق، ظاهريًا، مع الأطراف الأخرى التي تتفاهم معها حول القيام بعمل عسكري في إدلب. ورغم ما يواجه هذا الخيار من تحديات وما سيفرضه من تداعيات، إلا أنه بات السيناريو الذي يفرض نفسه مرحليًا على الساحة السورية. 

تحديات سوتشي:

لا تقر موسكو بفشل اتفاق سوتشي بشأن إدلب، الذي تم التوصل إليه في 17 سبتمبر 2019. فعنوان قمة سوتشي الرابعة، التي عقدت في 14 فبراير الجاري وهيمن خلالها ملف إدلب على محاور المحادثات الثلاثية بين موسكو وأنقرة وطهران، ركز على أن الاتفاق كان مؤقتًا وأنه تعثر، في محاولة للهروب من الإقرار بفشله في تحقيق أهدافه، لا سيما مع إظهار مدى سيطرة التنظيمات الإرهابية على الأوضاع، بشكل يُفرِغ الاتفاق من مضمونه باعتبار أنه أعلن لتأسيس منطقة خفض التصعيد، على نحو جعل الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين يؤكد على أنه أمر لا يمكن التسامح معه وأن الاتفاق لا يمكن أن يقوض جهود مكافحة الإرهاب في سوريا، وهو السياق ذاته الذي اتفق معه الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي أشار، خلال اجتماع سوتشي الأخير، إلى أن "هيئة تحرير الشام"، التي تهيمن عليها "جبهة النصرة"، حالت دون تطبيق الاتفاق بالكامل، لافتًا إلى ضرورة أن تضاعف طهران وموسكو وأنقرة جهودها لتنفيذه. 

احتمالات التحرك:

وفي ضوء هذا التصور الميداني ورؤية أطراف سوتشي لتقييم حالة الاتفاق، أصبح من الصعوبة بمكان استمراره، وهو ما أوضحه المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديميتري بيسكوف، في حوار أجرى مؤخرًا مع صحيفة "حرييت" التركية، إذ كشف عن أن العملية العسكرية في إدلب أصبحت أمرًا حتميًا، مشيرًا إلى صعوبة التعويل على الإرهابيين في صفقة معهم في إدلب، حيث قال: "يجب ألا نأمل في التوصل إلى اتفاق مع التنظيمات الإرهابية، هذا أمل كاذب فهم إرهابيون، هم "جبهة النصرة"، أبناء "القاعدة" مهما غيروا من تسمياتهم".

إشكاليات مختلفة:

تباينت مواقف الأطراف المشاركة في تفاهمات سوتشي. إذ أيدت إيران بشكل واضح الخيار العسكري الذي تلوح به روسيا للتعامل مع التطورات التي تشهدها إدلب، في الوقت الذي حرصت تركيا على تبني موقف غامض، حيث أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تأييده لحملة عسكرية بمشاركة موسكو وطهران "في أى وقت وفقًا للتطورات". لكن التوافق على هذا النحو يطرح إشكاليات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- أوضاع المدنيين: تضم إدلب ما يقرب من 3 مليون نسمة، على نحو دفع أطرافًا عديدة إلى التحذير من التداعيات التي يمكن أن يفرضها التدخل العسكري على المدنيين. ومن هنا، اتجهت روسيا إلى توجيه رسائل بأن التدخل العسكري سوف يعتمد على آلية "الخطوة خطوة" وليس القصف الشامل على النحو الذي جرى في الرقة، بما يعني أنها ستحاول تجنب التداعيات التي يمكن أن تفرضها العملية العسكرية على المدنيين. لكن اللافت في هذا السياق، أنه حتى في حال افتراض تجنب القوات المشتركة التي يمكن أن تشن تلك العملية، قدر المستطاع، تلك المحاذير، فإن التنظيمات الإرهابية التي تهيمن عليها "القاعدة"، ستحاول استغلال ورقة المدنيين، وهو احتمال لا يبدو مستبعدًا، لا سيما بعد أن كشفت تقارير دولية عديدة عن توسع تلك التنظيمات في استخدام الألغام، بشكل يمكن أن يتسبب في خسائر بشرية كبيرة.  

2- تباين الموقف من المسلحين: لم تبد تركيا، خلال شهور سريان الاتفاق، ردود فعل جادة حيال الانتهاكات التي ارتكبتها تلك التنظيمات، حيث اكتفت بالتلويح بأنها لن تسمح بتكرار أى منها وهو ما لم يحدث في النهاية. فيما تستند روسيا وإيران إلى هذه الانتهاكات في تبرير المطالبة بضرورة تبني الخيار العسكري. لكن الخلاف الأهم ربما يظهر حول الموقف من مشاركة المعارضة المسلحة في العملية المحتملة. إذ لم تكتف موسكو وطهران بالتحفظ على أى دور محتمل لتلك الأطراف في هذه العملية، وإنما دعت إلى ضرورة تكريس سيطرة القوات النظامية السورية على كافة الأراضي السورية، على نحو يعني أن تلك القوات سيكون لها دور سواء في العمليات العسكرية أو خلال المرحلة التالية عليها، وهو ما لم تقبل به أنقرة. 

3- الوضع في شرق الفرات: ربما يفرض الانتهاء من العمليات العسكرية في شرق الفرات والإعلان عن هزيمة تنظيم "داعش"، بالتزامن مع الانسحاب الأمريكي منها، على الأطراف المعنية طرح رؤيتها لخطة الانتشار وترتيبات الأمن في تلك المساحات، وهو ما قد يؤثر على التحرك العسكري في إدلب، خاصة في ضوء الاهتمام التركي بمنع الميليشيات الكردية من محاولة استغلال دورها في الحرب ضد التنظيم لتحقيق مكاسب استراتيجية في المرحلة القادمة.

السيناريو القادم: 

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن احتمال نشوب معركة إدلب في المرحلة القادمة يتزايد تدريجيًا، لا سيما بعد أن تحولت، في رؤية اتجاهات عديدة، إلى ما يشبه "خزان التنظيمات الإرهابية"، التي تسيطر على أغلبها، وهو ما يشير إلى أنها ربما تكون المعركة الأعنف في الصراع السوري، خاصة بالنسبة لروسيا وحلفائها. ومع ذلك، لا يمكن استبعاد أن تحاول بعض الأطراف التوصل إلى "صفقات" تهدف إلى تجنب تصاعد حدة التداعيات التي يمكن أن يفرضها الخيار العسكري على توازنات القوى والمسارات المحتملة للصراع السوري خلال المرحلة القادمة.