تحديات محتملة:

هل تستمر أستراليا في صدارة سوق الغاز العالمي في 2019؟

07 January 2019


عززت أستراليا من موقعها في سوق الغاز الطبيعي المسال العالمي بالفترة الماضية، وحلّت كثاني أكبر مورّدي الغاز المسال عالميًّا في عام 2017، فيما جاءت كأكبر مُصدِّر له متجاوزة قطر في شهر نوفمبر 2018. ويرجع التقدم الذي أحرزته أستراليا إلى عدة عوامل، منها الاكتشافات الكبيرة لحقول الغاز الطبيعي بأستراليا في العقدين الماضيين وما تزامن معه من إنجاز عدد من المشاريع لزيادة الطاقة الإنتاجية للغاز المسال، ويأتي ذلك في الوقت الذي يوجد فيه طلب كبير عليه في الأسواق المجاورة، ولا سيما الصين. ومع ذلك، هناك العديد من التحديات التي يمكن أن تقوض من قدرة أستراليا على الحفاظ على موقعها الحالي في سوق الغاز المسال في الأجل المنظور، ويتمثّل أبرزها في: قيود التصدير المحلية، بجانب ارتفاع تكلفة المشاريع الإنتاجية، علاوة على نمو إمدادات الغاز المسال من المنافسين الآخرين على غرار الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.

حصة متزايدة:

في تطور لافت، حلت أستراليا كأكبر مُصدر للغاز الطبيعي المسال في شهر نوفمبر الماضي بكميات قدرها 6.5 ملايين طن ولتتجاوز قطر بفارق ضئيل، حيث صدرت الأخيرة نحو 6.2 ملايين وفق بيانات شركة رفينيتف إيكون، وهذا ما يتماشى مع توقعات بعض المراقبين لصناعة الغاز المسال مؤخرًا التي ذهبت إلى أن أستراليا ستُزيح قطر عن صدارة سوق الغاز المسال العالمي. 

ففي السنوات الماضية، شهدت إمدادات أستراليا من الغاز الطبيعي المسال للسوق العالمية قفزة كبيرة، حيث تضاعفت إلى أكثر من ثلاثة أمثالها في عام 2012 والبالغة 20.7 مليون طن إلى نحو 56.1 مليون طن في عام 2017، وهذا ما جعلها تستحوذ على حصة 19.2% من الإمدادات العالمية في هذا العام مقارنة بنسبة 17.2% في عام 2016.

وفي المقابل، تراجعت حصّة قطر من الغاز المسال في الأسواق العالمية إلى 27.6% في عام 2017 مقابل حصة بـ29.9% (أي ثلث الإمدادات العالمية) في عام 2016، ويأتي ذلك على الرغم من نمو إجمالي صادراتها من 77.2 مليون طن في عام 2016 إلى 81 مليون طن تقريبًا في عام 2017.


كما أن من المتوقع أن تستمر إمدادات أستراليا من الغاز المسال في الزيادة في العامين المقبلين بدعم من دخول عددٍ من مشروعات تسييل الغاز حيز التنفيذ قريبًا. وتشير تقديرات وزارة الصناعة والابتكار والعلوم الأسترالية إلى أن صادرات أستراليا من الغاز المسال ستزيد إلى أكثر من 20 مليون طن، وصولًا إلى نحو 78.3 مليون طن في العام المالي 2019/2020، لتتفوق -طبقًا لهذه التوقعات- على قطر كأكبر مُصدِّر للغاز الطبيعي المسال في العامين الجاري والمقبل.

مزايا متعددة:

يرجع التطور الكبير لصادرات أستراليا من الغاز المسال للأسواق العالمية إلى عدد من العوامل يمكن عرضها على النحو التالي:

1- اكتشافات واعدة للغاز: حققت أستراليا اكتشافات واعدة من موارد الغاز الطبيعي على مدار العقدين الماضيين، وقد أشار التقرير الإحصائي لشركة بي البريطانية عام 2018 إلى نمو الاحتياطيات المؤكدة من الغاز الطبيعي لديها إلى نحو 3.6 تريليونات متر مكعب في عام 2017، أي ثلاثة أضعاف مستوياتها في عام 1997 البالغة 1.2 تريليون. فضلًا عن الموارد غير التقليدية من الغاز الطبيعي التي تمتلكها أستراليا والمقدرة بـ12.1 تريليون متر مكعب بحسب تقييم إدارة معلومات الطاقة الأمريكية.

وبالتوازي مع ذلك، تزايد إنتاج أستراليا من الغاز الطبيعي مرتين ونصف تقريبًا على مدار العقد الماضي، حيث بلغ 113.5 مليار متر مكعب في عام 2017 مقابل 41.7 مليار متر مكعب في عام 2008، وهذا ما سمح لها بتغطية احتياجات السوق المحلية من الخام بشكل شبه تام وخلق فوائض للتصدير. هذا مع العلم بأنه لم يتجاوز الاستهلاك المحلي نحو 41.9 مليار متر مكعب في عام 2017، على الرغم من نموه من 28.5 مليار متر مكعب في عام 2008.

2- مشروعات كبيرة للغاز المسال: على مدار العقدين الماضيين أنجزت أستراليا عددًا من المشاريع الكبيرة لإنتاج وتصدير الغاز المسال، ولديها الآن نحو 9 مشاريع للغاز المسال، لعل أكبرها محطة إنتاج الغاز المسال "الجرف الشمالي الغربي" البالغ إنتاجها 16.9 مليون طن، وبطاقة قصوى إجمالية لكافة المشاريع بـ84 مليون طن.

كما تعمل أستراليا على تنفيذ عدة مشاريع أخرى في الأشهر المقبلة لزيادة الطاقة الإنتاجية للغاز المسال، إذ من المخطط أن يبدأ في وقت قريب الإنتاج من مشروع بريلود Pelude على الساحل الشمالي الغربي، بسعة متوقعة 3.6 ملايين طن. ومن المحتمل كذلك أن يرتفع إنتاج مشروع إيتثيس Ichthys على الساحل الشمالي إلى 4.45 ملايين طن بعد تشغيل وحدة أخرى في المشروع Ichthys LNG T2 في عام 2019، ليصل إلى 8.9 ملايين طن سنويًّا. وبناء على هذه التطورات، من المحتمل أن تزيد الطاقة الإنتاجية لمشاريع تسييل الغاز في أستراليا إلى نحو 88 مليون طن سنويًّا.

3- نمو طلب الأسواق المجاورة: تُعتبر منطقة غرب أستراليا -التي لديها أكثر من 50 مليون طن سنويًّا من الطاقة التصديرية- في وضع جيد جغرافيًّا للاستفادة من نمو الطلب على الغاز المسال في منطقة آسيا - المحيط الهادئ القريبة منها نسبيًّا، هذا في الوقت الذي تتمتع فيه أستراليا باتفاقيات تجارية حرة مع بعض هذه الدول بهذه المنطقة، خصوصًا دول رابطة الآسيان، بما قد يعزز من تنافسية صادراتها بهذه الأسواق.

وحاليًّا، تُعد أستراليا أكبر مورِّدي الغاز المسال لأسواق كل من الصين واليابان بكميات قدرها 17.8 مليون طن و25.9 مليون طن على التوالي، متجاوزة حجم الصادرات القطرية لكلٍّ منهما في عام 2017. وبإمكان أستراليا أن تُعزز من موقعها في هذين السوقين مع مضيها في تدشين مشروعات جديدة لزيادة الإمدادات، وبما يلبي النمو الكبير في الطلب على الغاز المسال بهما. ويذكر أن الصين باتت أكبر مشترٍ للغاز الطبيعي المسال في العالم بواردات قدرها 39.4 مليون طن في عام 2017، متجاوزةً بذلك كوريا الجنوبية التي تراجعت إلى المركز الثالث عالميًّا.


تحديات محتملة: 

تواجه أستراليا عددًا من التحديات التي يمكن أن تقوض من قدرتها على الحفاظ على موقعها الحالي في سوق الغاز المسال العالمي، فيما يلي أبرزها:

1- قيود التصدير: تبنّت الحكومة الأسترالية في عام 2017 آلية تُعرف بـ(أمن الغاز المحلي الأسترالي)، وتهدف من خلالها إلى ضمان توافر إمدادات كافية من الغاز الطبيعي لتلبية الاحتياجات المحلية، بحيث إذا واجهت السوق المحلية نقصًا في الغاز، فسيكون بإمكان الحكومة مطالبة الشركات المشغلة لمشاريع الغاز المسال بخفض صادراتها أو دفعها للبحث عن مصادر جديدة للغاز الطبيعي.

وعلى الرغم من أن الآلية السابقة لم يتم تفعيلها بشكل رسمي حتى الآن؛ إلا أن مشغلي محطات الغاز المسال استجابوا للآلية في الفترة الماضية بشكل طوعي عن طريق تحويل شحنات الغاز الطبيعي إلى الأسواق المحلية بدلًا من تصديرها للخارج، وذلك لمواجهة نقص الطاقة في شرق أستراليا. وقد أتى تدشين هذه الآلية في ظل معاناة المناطق المطلة على الساحل الشرقي بأستراليا، وهي الأكثر اكتظاظًا بالسكان (ملبورن وسيدني)، من أزمات حادة ومتكررة في نقص الطاقة، مع توجيه الشركات العاملة هناك لمعظم الإنتاج المحلي من الغاز الطبيعي لتسييله وتصديره.

ومما فاقم من أزمة الطاقة في شرق أستراليا، أنه لا يوجد خط أنابيب يربط بين الساحلين الشرقي والغربي حيث الموارد الأكبر من الغاز الطبيعي، وهذا ما أدى في نهاية المطاف إلى ارتفاع كبير بأسعار الغاز في الساحل الشرقي خلال السنوات الماضية، مما انعكس على زيادة أسعار الكهرباء إلى أكثر من 70% منذ عام 2008.

2- ارتفاع تكلفة المشروعات: من اللافت أن تكاليف إنتاج الغاز المسال بالمشاريع الأسترالية أعلى بكثير من نظيرتها في بلدان أخرى كالولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وحتى غرب إفريقيا وماليزيا، وذلك نتيجة للطبيعة الفنية المعقدة لمشاريع الغاز المسال في أستراليا، إلى جانب تكلفة استخراج الغاز الطبيعي المرتفعة من المياه العميقة.

وفي هذا السياق، توصلت دراسة أجراها معهد أكسفورد للطاقة البريطاني تحت عنوان "خفض تكلفة إنتاج الغاز الطبيعي المسال 2014-2018"، إلى أن تكلفة إنتاج وحدة الغاز المسال بأستراليا تصل إلى 6.3 دولارات للمليون وحدة حرارية، في حين أنها تتراوح بين 3-5 دولارات في منطقة الشرق الأوسط والولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما يجعل أسعار الغاز المسال القادم من هاتين المنطقتين أكثر جاذبية نسبيًّا من نظيره الأسترالي.

وما قد يضع ضغوطًا إضافية على تكاليف الإنتاج بمشاريع الغاز المسال في أستراليا في الفترة المقبلة، الانخفاض المتوقع لأسعار الغاز الطبيعي في العام الجاري والمقبل مع الفائض المتوقع للمعروض العالمي من الغاز المسال في الأجل المنظور، بجانب انخفاض أسعار النفط بالآونة الأخيرة، وهو الأمر الذي قد يخفض من ربحية المشروعات وعوائدها الاستثمارية. 

3- المنافسون الآخرون: من المتوقع في السنوات القليلة المقبلة أن يشهد العالم زيادة كبيرة في الطاقات الإنتاجية للغاز المسال، والقادمة بالأساس من أسواق مختلفة أبرزها السوق الأمريكية، حيث من المحتمل أن يتضاعف إنتاج الولايات المتحدة من الغاز المسال إلى ثلاثة أضعاف، أي حوالي 70 مليون طن بنهاية عام 2020، وذلك مع بدء تشغيل 6 محطات لإنتاج الغاز المسال قبل هذا العام.

أما تدشين روسيا لمشروع يامال في القطب الشمالي فسوف يدعم قدرتها الإنتاجية من الغاز المسال لتصل إلى 27 مليون طن مقارنة بحوالي 11 مليون طن في السابق. وإضافة إلى ذلك، تخطط قطر لزيادة إنتاجها من الغاز المسال بنسبة 43% ليصل إلى 110 ملايين طن بحلول عام 2024. ومن شأن نمو الإمدادات القادمة من المنتجين الآخرين أن يخصم بلا شك من الحصة السوقية لأستراليا في السوق العالمية.

وبناءً على التحديات الداخلية والخارجية السابقة، يمكن القول إنه في أكثر السيناريوهات تفاؤلًا يُمكن أن تستمرّ أستراليا في موقعها كأكبر مُصدِّر للغاز المسال عالميًّا لبضعة أشهر في عام 2019، ولكن لن تستطيع الحفاظ على هذا التفوق لفترة طويلة.