مسارات محدودة:

خيارات المقاتلين الأجانب في تنظيم "داعش"

05 January 2019


رغم مرور أكثر من عام على إعلان الحكومة العراقية هزيمة تنظيم "داعش"، والذي تزامن مع نجاح العديد من القوى المعنية بالحرب ضده في استعادة معظم المناطق التي تصاعد نفوذه فيها داخل سوريا، إلا أن ذلك لم يمنع التنظيم من مواصلة نشاطه ومحاولة العودة مرة أخرى إلى تلك المناطق، حيث يبدو أنه ما زال يعول على المقاتلين الأجانب تحديدًا في هذا السياق. ووفقًا لتقارير عديدة، فإن عددًا من هؤلاء المقاتلين ما زالوا حريصين على البقاء داخل صفوفه ويسعون إلى تنفيذ عمليات جديدة، وهو ما يتوازى مع تهديد ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، في 24 ديسمبر 2018، بإطلاق سراح المئات منهم والتوقف عن محاربة التنظيم، ردًا على التطورات الميدانية الأخيرة الخاصة باحتمال شن هجوم عسكري تركي بعد الانسحاب الأمريكي من سوريا، على نحو يطرح تساؤلات عديدة حول المسارات المحتملة التي يمكن أن يتجه إليها المقاتلون الأجانب في تنظيم "داعش" خلال المرحلة القادمة.

تباينات واضحة:

تشير اتجاهات عديدة إلى أن ثمة تباينات لا يمكن تجاهلها بين المقاتلين الأجانب والمحليين داخل "داعش"، يتمثل أهمها في أن المتغير الفكري يكون، في معظم الأحيان، أكثر تأثيرًا في حالة المقاتلين الأجانب، بدليل أنه يدفعهم إلى الانتقال من دولهم الأصلية للانضمام إلى التنظيم الإرهابي من أجل تنفيذ العمليات الإرهابية التي يكلفهم بها. ومن هنا، فإن الهزائم الكبيرة التي منى بها التنظيم فرضت ضغوطًا قوية على هؤلاء المقاتلين، خاصة في ظل الإجراءات الأمنية المشددة التي اتخذتها دولهم الأصلية بهدف منع عودتهم مرة أخرى إليها، على نحو يمكن أن يهدد استقرارها الأمني ويزيد من احتمالات تنفيذ عمليات إرهابية على أراضيها، مثل بعض الدول الأوروبية التي تأتي في مقدمتها فرنسا وبلجيكا.

وتكمن المفارقة في أن هذه الإجراءات قد تنتج، في أحيان عدة، تداعيات عكسية، حيث حذرت بعض القوى الدولية من أن تلك الإجراءات أدت إلى استمرار تدفق المقاتلين الأجانب إلى معاقل التنظيم داخل سوريا. ففي هذا الإطار، قال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال جوزيف دانفورد، في 18 أكتوبر 2018، أن "المقاتلين الأجانب يواصلون التدفق إلى سوريا للانضمام إلى داعش على رغم دحر قواته وتراجع نطاق سيطرته بشكل كبير"، مشيرًا إلى أن معدل انضمام المقاتلين إلى التنظيم يصل إلى نحو 100 مقاتل في الشهر. 

واللافت في هذا السياق أيضًا، أن بعض هؤلاء المقاتلين يتولون مهام رئيسية داخل التنظيم، وهو ما يعود، في قسم منه، إلى القدرات القتالية والتنظيمية التي يمتلكونها، لدرجة أصبح التنظيم معها يعتمد عليهم بشكل بارز في تخطيط وتنفيذ عمليات إرهابية نوعية، خاصة العمليات الانتحارية، أو الانغماسية التي يكون الهدف منها هو الإيقاع بأكبر عدد من الخسائر البشرية.

وهنا، فإن قسمًا من هذه القدرات العسكرية التي يمتلكها المقاتلون الأجانب يعود إلى انخراطهم خلال فترات سابقة في صراعات مسلحة، على غرار المقاتلين الذين انتقلوا من الشيشان للانضمام إلى "داعش" في سوريا والعراق وبعض المناطق الأخرى، والذين كانوا أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت روسيا إلى رفع مستوى انخراطها السياسي والعسكري في الصراع السوري منذ سبتمبر 2015.

تداعيات مباشرة:

في ظل تراجع نفوذ "داعش" بعد الضربات العسكرية التي تعرض لها، يواجه المقاتلون الأجانب في صفوفه موقفًا صعبًا، لا سيما بعد أن فقد التنظيم معظم معاقله، وهو ما يفرض خيارات محدودة أمامهم يمكن تناولها على النحو التالي:

1- تنفيذ هجمات انتحارية: كان لافتًا أن بعض العمليات الانتحارية التي أعلن "داعش" مسئوليته عنها نفذها أجانب باستخدام أدوات مختلفة. وقد فسرت اتجاهات مختلفة ذلك في ضوء اعتبارات عديدة منها، على سبيل المثال، أن قادة التنظيم يعتقدون أن المقاتل الأجنبي يكون، على خلاف نظيره المحلي، أكثر قدرة على تنفيذ هذا النمط من العمليات، باعتبار أنه قد يواجه صعوبات أكثر في حالة تنفيذ أنماط أخرى من هذه العمليات، على غرار عدم قدرته على الهروب أو التخفي وسط السكان المحليين، بسبب الملامح واللغة وعدم  وجود شبكة علاقات اجتماعية يمكن أن تمثل ظهيرًا له.

2- الهروب الحذر: رغم وجود خصائص مشتركة يتسم بها المقاتلون الأجانب، إلا أن ذلك لا ينفي أن ثمة فوارق لا يمكن تجاهلها. إذ أن العديد من المقاتلين الأجانب الذين وجدوا أن هناك اختلافات بين ما روج له "داعش" من مزاعم واهية وما يحدث على الأرض، قد يتجهون إلى محاولة الهروب، خاصة في حالة الانهيار التنظيمي. لكن هذا الخيار يواجه صعوبات عديدة، أهمها أن التنظيم يتخذ إجراءات متشددة لمنع تصاعد تلك الظاهرة التي يمكن أن تؤثر بشكل كبير على تماسكه الداخلي، فضلاً عن عدم وجود مكان آمن يمكن الهروب إليه، في ظل الإجراءات الأمنية المشددة التي تتخذها القوى التي انخرطت في الحرب ضد التنظيم، إلى جانب صعوبة الاندماج وسط الكتلة السكانية.

3- الاستسلام: قد يفضل بعض المقاتلين الأجانب الوقوع في الأسر بدلاً من الإقدام على تنفيذ هجوم انتحاري ضد القوات التي تحاصر مواقعهم، خاصة في حالة ما إذا لم يكن هناك إمكانية للهروب من تلك المواقع. وقد استسلم بالفعل بعض المقاتلين الأجانب في المدينة القديمة بالموصل، في 13 يوليو 2017، بعضهم كان يسير على عكاكيز، حيث خضعوا لتحقيقات من جانب السلطات العراقية، بشكل حظى، وفقًا لتقارير عديدة، باهتمام خاص من جانب أجهزة استخباراتية غربية سعت إلى الاستفادة من المعلومات التي يدلون بها من أجل إحباط عمليات إرهابية محتملة أو تفكيك خلايا إرهابية نائمة. كما استسلم عدد من المقاتلين الأجانب لميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في أكتوبر من العام نفسه.

وفي النهاية، يمكن القول إن المسارات المحتملة التي قد يتجه إليها المقاتلون الأجانب للتعامل مع التطورات الجديدة التي طرأت على الساحتين الإقليمية والدولية ربما تتقلص تدريجيًا على ضوء التداعيات التي فرضتها الحرب ضد الإرهاب بشكل عام، وتنظيم "داعش" على سبيل الخصوص.