الرهان الصيني:

هل تستطيع إيران تطوير المرحلة "11" لحقل بارس الجنوبي؟

04 December 2018


حلّت شركة "سي إن بي سي" الصينية محل شركة "توتال" الفرنسية كمُشغِّل رئيسي في تطوير المرحلة 11 من حقل بارس الجنوبي، وهو ما يمثل مكسبًا جوهريًا للحكومة الإيرانية في إطار مساعيها للبحث عن مستثمرين دوليين لمساندة اقتصادها في مواجهة انسحاب معظم الشركات الأجنبية من السوق الإيرانية بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران في شهرى أغسطس ونوفمبر الماضيين. ومع ذلك، يبدو أن دخول المشروع حيز التنفيذ سيواجه عقبات عديدة منها مخاوف الجانب الصيني من التعرض لغرامات أمريكية واسعة أو تصعيد الإدارة الأمريكية للحرب التجارية القائمة ضد الصين في الفترة المقبلة. 

مكاسب عديدة:

بناءً على الهيكل المالي الجديد للمشروع، من المقرر أن تزيد حصة شركة "سي إن بي سي" الصينية إلى 80.1% مقابل حصة سابقة بـ30%، فيما تخصص الحصة الأخرى البالغة 19.9% لشركة "بتروبارس" الإيرانية، وهو ما يمنح الأولى الحق الأساسي في إدارة المشروع وتصريف إنتاجه. بينما كانت "توتال" تستحوذ وحدها على حصة 50.1% من المشروع بموجب الاتفاق السابق.

ويبدو أن ما دفع الجانب الصيني لإتمام الصفقة أن الاتفاق الموقع بين "توتال" والحكومة الإيرانية في عام 2017 تضمن بندًا يمنح الشركة الصينية الأولوية في تولي دور مُشغِّل المشروع في حالة إعادة فرض العقوبات الأمريكية على إيران مرة أخرى. وعلى الرغم من ذلك، لم يحدد بعد الجدول الزمني المقرر لعمليات تشغيل المشروع بحسب وزير النفط الإيراني بيجن نامدار زنكنه.

وليس من المعلوم أيضًا ما إذا كان الجانب الصيني سوف يلتزم بالأهداف الإنتاجية السابقة للمشروع، حيث كان من المقرر أن تصل الطاقة الإنتاجية له إلى مليارى قدم مكعب يوميًا من الغاز الطبيعي على أن يجرى ضخه في السوق المحلية الإيرانية بداية من عام 2021.

وعلى أية حال، يبدو أن الصفقة الراهنة تحقق نتائج مرضية لإيران، في ظل مساعيها للبحث عن شركاء دوليين لتطوير قطاع الغاز الطبيعي وسط العقوبات الأمريكية، حيث تحاول تطوير حقل بارس الجنوبي خلال 18 مرحلة مع التخطيط لتدشين 6 مراحل أخرى سوف تنعكس على زيادة إنتاج الحقل كله.

ومن ناحية أخرى، يمثل الاتفاق الجديد مكسبًا لشركة "توتال" الفرنسية، حيث بات بإمكانها، بعد دخول الشركة الصينية كشريك أساسي، استرداد المبالغ التي أنفقتها على المشروع قبل الانسحاب والتي تقدر بحوالي 55 مليون دولار تشمل تكاليف الإدارة وإجراء التصاميم الهندسية وغيرها، لكن خسائرها تبدو كبيرة بطبيعة الحال بالنظر إلى فقداتها السوق الإيرانية ذات العوائد الاستثمارية المرتفعة.

رسائل مختلفة:

تحرص الصين، من خلال استحواذ شركة "سي إن بي سي" على مشروع تطوير المرحلة 11 من حقل بارس الجنوبي، على توجيه العديد من الإشارات السياسية خاصة للإدارة الأمريكية. يتعلق أولها، بتمسكها بمواصلة علاقتها السياسية والاقتصادية مع إيران رغم العقوبات الأمريكية المفروضة على الأخيرة، وهو ما أكده المتحدث باسم الخارجية الصينية جينغ شوانج بقوله، في 27 نوفمبر الفائت، أن الصين ستواصل التعاون مع إيران في مختلف المجالات بما فيها مشروع حقل بارس الجنوبي، واصفًا هذه العلاقات بأنها مشروعة وقانونية.

ويتزامن ذلك مع الرفض الصيني القاطع لانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وفرض أية عقوبات أحادية الجانب، وهذا فيما يبدو كان من بين عوامل أخرى دفعت الولايات المتحدة إلى منح إعفاءات مؤقتة لثماني دول، من بينها الصين، لمواصلة شراء النفط الإيراني بعد الجولة الثانية من العقوبات الأمريكية التي فرضت في 5 نوفمبر الفائت.

وعلى ضوء ذلك، سوف يتمكن بنك "كونلون" الصيني من استئناف نشاطه مع إيران، حيث من المتوقع أن يستقبل عائدات بيع النفط الإيراني إلى الصين لتستخدم فيما بعد لتمويل أنشطة استيراد الشركات الإيرانية، وذلك وفقًا لرئيس غرفة التجارة المشتركة الإيرانية- الصينية أسد الله عسكر أولادي.

وينصرف ثانيها، إلى أن الصين تسعى إلى توظيف توتر علاقات الولايات المتحدة مع بعض دول منطقة الشرق الأوسط من أجل تعزيز نفوذها الجيوسياسي والاقتصادي بالمنطقة، حيث أبدت استعدادها لتقديم الدعم السياسي والمالي والتكنولوجي اللازم لهذه الدول، وخاصة إيران، في الوقت الذي حرصت فيه كثير من دول العالم على قطع علاقاتها الاقتصادية معها. ويتصل ثالثها، بحرص بكين على توسيع هامش الخيارات المتاح أمامها في التعامل مع التوتر في العلاقات مع واشنطن، من أجل تقليص حدة الضغوط التي يفرضها عليها.

صعوبات محتملة:

يعتمد دخول مشروع تطوير المرحلة 11 من حقل بارس الجنوبي حيز التنفيذ في الفترة المقبلة على متغيرين رئيسيين: يتمثل أولهما، في مدى قدرة شركة "سي إن بي سي" على تحمل المخاطر التي قد تتعرض لها بسبب استثماراتها في إيران. إذ أنها في حالة ما إذا لم تحصل على دعم أمريكي صريح للمشروع، يمكن أن تتكبد غرامات أمريكية بمليارات الدولارات على غرار الجزاءات الأمريكية السابقة على شركات أخرى.

فضلاً عن ذلك، يمكن أن تفقد الشركة إمكانية إجراء أية معاملات تجارية أو استثمارية داخل الولايات المتحدة، وذلك على غرار اتجاه الإدارة الأمريكية إلى حظر تعامل شركة "زد تي إيه" الصينية في السوق الأمريكية- والذي تم رفعه في أغسطس الماضي- نظرًا لقيامها بتصدير منتجات أمريكية المنشأ إلى إيران ودول أخرى في انتهاك واضح لقوانين الولايات المتحدة.

ويرتبط ثانيهما، بإمكانية اتجاه الإدارة الأمريكية إلى تصعيد حربها التجارية ضد الصين بسبب شراكتها مع إيران، وهو ما سوف يكبد الجانب الصيني خسائر واسعة أكبر من الحفاظ على الاستثمارات في السوق الإيرانية بطبيعة الحال. 

وبناءً عليه، يمكن القول إن العوامل السابقة قد تكون دافعًا لاتجاه الشركة الصينية، على الأرجح، نحو تجميد استثماراتها بالمشروع في الأجل المنظور، في ظل التوتر القائم بين الصين والولايات المتحدة، على أن تشارك بالمشروع في مرحلة لاحقة ما إن تمكنت من الحصول على الدعم الأمريكي اللازم لتنفيذه.