مكاسب غير متكافئة:

تداعيات مبادرة الحزام والطريق على توازنات الشرق الأوسط

14 October 2018


عرض: باسم راشد - باحث في العلوم السياسية

تُعد مبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقها الرئيس الصيني "شي جين بينج" في عام 2013، مشروعًا استراتيجيًّا شاملًا طويل الأجل، يهدف إلى ربط الصين برًّا وبحرًا بجنوب شرق آسيا ووسط آسيا والشرق الأوسط وأوروبا وإفريقيا من خلال طريقين رئيسيين، هما "حزام طريق الحرير الاقتصادي البري" و"طريق الحرير البحري". وليس من شك في أن لتلك المبادرة تداعيات كبيرة على دول منطقة الشرق الأوسط، لكونها تمثل مرحلة جديدة في تفاعل الصين مع المنطقة.

وفي هذا الإطار، تناقش دراسة "مها كامل"، زميلة ما بعد الدكتوراه بكلية بالسيلي للشئون الدولية بجامعة واترلو الكندية، المعنونة "مبادرة الحزام والطريق الصينية: الآثار المترتبة على منطقة الشرق الأوسط"، المنشورة في دورية "كامبريدج رفيو للشئون الدولية Cambridge Review of International Affairs" في يونيو 2018، الفرص التي يمكن أن تقدمها المبادرة للمنطقة، بالإضافة إلى المخاطر والتحديات الملازمة لها، والآثار الاقتصادية والجيوسياسية المترتبة عليها لكل من الصين ودول المنطقة.

أهمية المنطقة للمبادرة:

تشير الدارسة إلى أن منطقة الشرق الأوسط تمثل أهمية بالغة لتنفيذ مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، نظرًا لعدة أسباب، أهمها:

أولًا- الموقع الاستراتيجي لمنطقة الشرق الأوسط بين طريق الحرير البحري وحزام الطريق الاقتصادي البري، وبالتالي فإن له أهمية جوهرية في التنفيذ الناجح للمبادرة، فضلًا عن أن لدى المنطقة نقاط مرور بحرية حيوية تعتبر حاسمة بالنسبة لنظام نقل الطاقة العالمي، وإذا تعطلت هذه النقاط يمكن أن تؤثر بشكل خطير على إمدادات الطاقة والأسعار، وكذلك تدفقات التجارة العالمية. 

وتشير الدراسة إلى مضيق باب المندب، على سبيل المثال، يمر من خلاله حوالي 10% من التجارة البحرية العالمية، بما في ذلك معظم صادرات الصين اليومية إلى أوروبا. علاوة على ذلك، يُعتبر مضيق هرمز، الذي تمر من خلاله 20% من سفن النفط العالمية، أهم نقاط مرور النفط عالميًّا.

ثانيًا- الأهمية الحيوية للمنطقة لأمن الطاقة الصيني: ففي عام 2015، أصبحت الصين أكبر مستورد للنفط في العالم؛ إذ إن نصف استيرادها الذي يمثل أكثر من 6 ملايين برميل في اليوم، يأتي من الشرق الأوسط. وبحلول عام 2035، من المتوقع أن تضاعف الصين وارداتها النفطية من المنطقة.

ثالثًا- الشرق الأوسط "امتداد استراتيجي" لمجالات التأثير الجيوسياسية الأساسية للصين: تشير الدراسة إلى أن تردي الأوضاع الأمنية في المنطقة لها تأثير مباشر على أمن واستقرار بكين، الأمر الذي دفع الحكومة الصينية لبذل مزيد من الجهود بالتعاون مع حكومات الشرق الأوسط لمكافحة النزعات الانفصالية العرقية، والتطرف الديني، وظاهرة المقاتلين الأجانب، وهو ما زاد من انتشار الإرهاب في مقاطعاتها الغربية.

أربعة محاور: 

تؤكد الكاتبة أن الصين تواجه معضلة في التعامل مع منطقة الشرق الأوسط نظرًا لكونها غنية نفطيًّا وذات موقع استراتيجي هام، لكنها في الوقت ذاته تعاني من أوضاع سياسية معقدة وحالة من عدم الاستقرار. وفي هذا الإطار، تعتمد بكين استراتيجية ذات أربعة محاور تتسق مع الأهداف الوطنية لدول المنطقة. وتتمثل تلك المحاور فيما يلي:

أولًا- عرض المبادرة في إطار مفيد وغير مُهدِد للدول، وتقديمها على أنها "نوع جديد من آليات التعاون" التي تتميز بالانفتاح، والمعاملة بالمثل، والمنفعة المتبادلة، والنتائج المتكافئة، والابتكار، والتكامل، والتعددية. كما تستغل الصين ميزتها السياسية باعتبارها "دولة نامية" لا تملك تاريخًا إمبرياليًّا، وتقوم بتصوير نفسها للشرق الأوسط كشريك محايد وغير متحيز ولا يتدخل في الشئون الداخلية للدول.

ثانيًا- تحديد أهداف المبادرة ومدى توافقها مع مصالح المنطقة من أجل زيادة جاذبيتها، وجذبها للاعبين الرئيسيين في المنطقة؛ إذ تؤكد الصين على توسيع التقارب بين مصلحة المنطقة ومصلحتها، وكذلك أهمية تحقيق التكامل بين الطرفين، وتكوين مجتمع يتقاسم رؤية مشتركة لمستقبل البشرية. 

وفي هذا الإطار، تُروِّج الصين لمفهوم "التعاون في القدرات الإنتاجية الدولية" كنموذج تنموي جديد يعزز التعاون من خلال الاستثمار في شبكات البنية التحتية، مثل: السكك الحديدية، والطرق السريعة، وأنابيب النفط، والغاز، وشبكات الكهرباء، والتجارة، بالإضافة إلى تسهيل الاستثمار والتكامل المالي، بما يخلق فرص عمل لقطاع الشباب المتزايد في المنطقة.

ثالثًا- الاعتماد على الأدوات الدبلوماسية لتأسيس ما يُعرف بـ"دائرة أصدقاء مبادرة الحزام والطريق"، وهو ما يعني ضمنيًّا وجود تحالف ذي تفكير مشابه. ومنذ إعلان المبادرة في عام 2013، تم تنظيم زيارات هامة للقيادات بين الصين ودول الشرق الأوسط؛ إذ زار الرئيس الصيني مصر والمملكة العربية السعودية وإيران في يناير 2016 بهدف تعزيز المبادرة، ووقَّع اتفاقيات شراكة استراتيجية شاملة جديدة مع الدول الثلاث، بالإضافة إلى توقيع مذكرات تفاهم مع سبع دول في الشرق الأوسط حول تطوير وتعزيز المبادرة. 

رابعًا- تجنب الاعتماد المفرط على أي مورد وحيد للطاقة أو طريق واحد للتجارة، بل العمل على تنويع إمدادات النفط، وبناء شبكات بديلة من الاتصال والتنسيق والتعاون. فبرغم اعتماد الصين الأساسي على السعودية مثلًا في استيراد النفط، إلا أنها تسعى إلى تعزيز علاقتها الثنائية مع إيران لتنويع مواردها النفطية. 

الآثار المترتبة:

تؤكد الكاتبة أنه برغم ما تعاني منه منطقة الشرق الأوسط من تحديات سياسية واقتصادية وأمنية، إلا أن بعض التطورات داخلها قد تمثل فرصة جيدة لتعزيز المبادرة الصينية بما يتفق مع مصالح دول المنطقة. وتشير إلى أن عملية التطوير والتحديث الاقتصادي الكبرى التي حدثت مؤخرًا في المملكة العربية السعودية – على سبيل المثال - توفر لبكين فرصة لتعزيز انخراطها الاقتصادي مع المملكة؛ خاصة أنه خلال زيارة الملك "سلمان" إلى الصين في مارس 2017، وقَّعت الدولتان صفقات اقتصادية بقيمة 65 مليار دولار. كما ستدعم المبادرة الصينية زيادة الصادرات النفطية السعودية إلى الصين، وتعزيز موقع المملكة كمركز استراتيجي عالمي طبقًا لأهداف "الرؤية السعودية 2030".

وبرغم ذلك، تتحدث الدراسة عن أن الآثار الاقتصادية والجيوستراتيجية للمبادرة قد تؤثر بشكل كبير على الإقليم، بحيث ستستفيد بعض الدول أكثر من غيرها، وستفتح الباب أمام احتمال تضارب المصالح بين دول المنطقة. ومن أبرز تلك الآثار:

أولًا- التوزيع غير المتكافئ للمزايا: وذلك نتيجة للموقع الجغرافي الاستراتيجي لبعض الدول، وهو الأمر الذي يدفع الصين إلى زيادة استثماراتها بتلك الدول في المجالات المختلفة، مثل السكك الحديدية والموانئ والتعاون في مجال الطاقة والخدمات، ورفع مستوى العلاقات إلى مستوى "الشراكة الاستراتيجية الشاملة".

ثانيًا- التنافس المحتمل بين الشرق الأوسط وآسيا الوسطى: وذلك من خلال إنشاء الصين للممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني (CPEC)، وهو أحد الأجزاء الرئيسية والمتكاملة في المبادرة الصينية، وسيوفر فرصًا جيوستراتيجية هائلة لبكين. ومن المتوقع أن يتم تشغيل الممر بحلول عام 2020، بعد الانتهاء من مطار جوادر الدولي في باكستان، والتطورات الرئيسية لميناء جوادر.

ومع تشغيل هذا الممر، وما لذلك من آثار إيجابية للصين فيما يتعلق بتقليل الوقت والمسافة في نقل النفط المستورد، فإنه من المتوقع أن تؤثر تلك التطورات -وفقًا للدراسة- بشكل مباشر على موانئ عدد من دول المنطقة، لأنه يقع خارج مضيق هرمز ويمكنه التعامل مع سفن الشحن الكبيرة وناقلات النفط، فضلًا عن موقعه الاستراتيجي كمركز إقليمي وميناء شحن مستقبلي.

ثالثًا- تزايد الأهمية الجيوستراتيجية لقناة السويس: فمن المتوقع أن تزداد الأهمية الجيوستراتيجية للقناة بشكل كبير مع نمو الصين اقتصاديًّا. ويرجع ذلك إلى قدرة القناة على استيعاب الحجم الكبير المتنامي لسفن الشحن التي تُعتبر مهمة للاقتصاد الصيني (59٪ من تجارة الصين تمر عبر النقل البحري). لذلك، من المرجح أن تظل بكين معتمدة على قناة السويس في المستقبل، خاصة مع الطلب المتزايد على الطاقة؛ وهو ما من شأنه أن يجعل مصر نقطة ارتكاز أساسية في المبادرة الصينية.

وبالنسبة لبكين، قد تكون مصر مركزًا لوجستيًّا وبوابة لأوروبا وإفريقيا، وقد أضاف الاكتشاف المفاجئ لحقل "ظهر" للغاز الطبيعي في مصر عام 2015، بعدًا آخر لجاذبية القاهرة؛ إذ إنه من المفترض أن يكون أكبر اكتشاف للغاز الطبيعي على الإطلاق في البحر الأبيض المتوسط. لذلك فإن بكين حريصة على تعزيز التعاون السياسي والدبلوماسي والارتباط الاقتصادي مع مصر، ورفعت لذلك مستوى العلاقات بينهما في 2014 إلى درجة "الشراكة الاستراتيجية الشاملة" لما تمثله مصر للمبادرة الصينية من أهمية كبيرة.

رابعًا- التداعيات الاقتصادية: تمتلك مبادرة "الحزام والطريق" إمكانات هائلة لتغيير أنماط التجارة والاستثمار في الإقليم، وإعادة تحديد المحاور والشبكات الإقليمية، وذلك بفضل شبكات النقل والبنية التحتية الهائلة والواسعة النطاق، والأهم من ذلك تعزيز مساهمة الشرق الأوسط في النظام العالمي.

فأثناء زيارة الرئيس الصيني إلى المنطقة في عام 2016، تم التوصل إلى اتفاق مع دول مجلس التعاون الخليجي لتسريع المفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة. كما تم إبرام اتفاق آخر مع إيران يحدد رؤية التجارة الثنائية التي من المتوقع أن تصل إلى 600 مليار دولار بحلول عام 2026. كذلك ستوفر اتفاقيات تبادل العملات المحلية التي أبرمتها بكين مع كل من مصر والإمارات وقطر قوة دفع إضافية لتعزيز التجارة الصينية مع الشرق الأوسط، بالإضافة إلى تسريع تدويل اليوان.

من ناحية أخرى، تقوم الصين بإنشاء منطقة صناعية جديدة في ميناء "الدقم" في مدينة عمان الجنوبية، والتي من المخطط أن تكون مركزًا لوجستيًّا متكاملًا ومتعدد الوسائط يشمل وسائط النقل البحرية والطرق البرية والجوية والسكك الحديدية. وستمهد منطقة الدقم الصناعية الطريق أمام استثمارات بقيمة 10,7 مليارات دولار بحلول عام 2022 لتمويل المشاريع الصناعية. 

المصدر:

Maha S. Kamel, "China’s Belt and Road Initiative: Implications for the Middle East", Cambridge Review of International Affairs, Volume 31, Issue 1, Jun 2018, p76-95.