مؤشرات متباينة:

لماذا يتزايد استهداف "داعش" لإندونيسيا؟

16 May 2018


لم تكن الهجمات الإرهابية الأخيرة التي نفذها تنظيم "داعش" في إندونيسيا في 13 و14 مايو الجاري هى الأولى من نوعها، حيث سبق للتنظيم أن أعلن مسئوليته عن عمليات سابقة. إلا أن هذه الهجمات التي استهدفت 3 كنائس ومركزًا للشرطة، اكتسبت سمات جديدة تشير إلى أن التنظيم ربما يتجه في المرحلة القادمة إلى استخدام آليات وأنماط مختلفة لتصعيد نشاطه ونفوذه داخل إندونيسيا وبعض دول منطقة جنوب شرق آسيا. 

أهم هذه السمات يتمثل في اعتماده على نمط "العائلة الكاملة" في تنفيذ الهجمات الإرهابية. فخلال العملية الأولى التي استهدفت 3 كنائس في مدينة سورابايا، كانت المجموعة التي قامت بتنفيذها عبارة عن عائلة مكونة من 6 أفراد، تضم الأب والأم وابنين عمرهما 18 و16 عامًا وطفلتين عمرهما 12 و9 أعوام. واتبع التنظيم النمط نفسه في العملية الثانية، حيث اعتمد على عائلة مكونة من 5 أفراد، كان من بينهم طفل.

كما بدا لافتًا أن التنظيم يحاول التركيز على المدن الكبيرة، مثل مدينة سورابايا التي تعد ثاني أكبر مدن إندونيسيا، إلى جانب استهداف الأماكن الأمنية والدينية، على نحو يسعى من خلاله إلى تأكيد قدرته على تصعيد نشاطه داخل إندونيسيا رغم الجهود التي تبذلها السلطات من أجل احتواءه، حيث سبق أن حاكمت أمان عبد الرحمن مؤسس جماعة "أنصار الدولة" المرتبطة بالتنظيم في 15 فبراير 2018، بتهمة قيامه، من محبسه، بتدبير 3 هجمات انتحارية في العاصمة جاكرتا خلال عام 2016.

مناطق أبعد:

عاد التنظيم من جديد إلى محاولة الرد على الضغوط القوية التي يتعرض لها في كل من سوريا والعراق وبعض الدول الأخرى، من خلال استهداف مناطق خارج الشرق الأوسط. فبخلاف الهجمات الانتحارية الأخيرة في إندونيسيا، أعلن التنظيم مسئوليته عن عدد من الهجمات الأخرى، على غرار الهجوم الذي وقع في العاصمة الفرنسية باريس في 13 مايو الجاري، وأدى إلى مقتل شخص وإصابة أربعة آخرين، وتشتبه السلطات في قيام شاب شيشاني الأصل بتنفيذه بإيعاز من "داعش".

وفى إطار رغبة التنظيم في الوصول إلى مناطق جديدة، أعلن أنه سيستهدف المعالم التاريخية في إيطاليا، وذلك عقب تنفيذه هجوًما في برشلونة، في 17 أغسطس 2017، أسفر عن مقتل 14 شخصًا وإصابة أكثر من 100 آخرين.

وتعد منطقة جنوب شرق آسيا إحدى المناطق التي يسعى التنظيم إلى تعزيز نشاطه فيها، خاصة بعد تأسيس جماعة "أنصار الدولة" في عام 2015، والتي أدرجتها الولايات المتحدة الأمريكية على لائحة الإرهاب في يناير 2017، بعد أن اتهمتها بالمسئولية عن تنفيذ عمليات إرهابية عديدة أسفرت عن مقتل وإصابة عدد من المدنيين.

وكان لافتًَا أن تلك الجماعة، التي تضم نحو 20 مجموعة فرعية حسب بعض التقديرات، كانت تحصل على دعم مالي من جانب أحد القياديين الرئيسيين في التنظيم داخل سوريا، بشكل يعكس مدى اهتمام الأخير بدعم التنظيمات الفرعية الرئيسية التابعة له في المناطق التي يتصاعد نشاطها فيها.

وقد أشارت اتجاهات مختلفة إلى أن ثمة اعتبارات عديدة دفعت التنظيم إلى الاهتمام بتعزيز وجوده في تلك المناطق، يتصل أهمها بالكثافة السكانية والموقع الجغرافي، وهى المتغيرات التي يمكن أن تساعده في التعامل مع الإجراءات الأمنية التي تتخذها السلطات من أجل مواجهة عملياته الإرهابية.

دوافع مختلفة:

يمكن تفسير اتجاه التنظيم إلى تصعيد نشاطه في إندونيسيا ومنطقة جنوب شرق آسيا بشكل عام في ضوء اعتبارات عديدة هى:

1- الاستقطاب والتجنيد: يسعى "داعش" عبر توسيع نطاق عملياته الخارجية، خاصة في منطقة جنوب شرق آسيا، إلى تشجيع مجموعاته الخارجية في المناطق الأخرى على شن هجمات إرهابية مماثلة، مما يوحى بأنه لا يزال يمتلك القدرة على مواجهة الضغوط التي يتعرض لها. وربما يساهم ذلك، إلى حد ما، في ضم عناصر متطرفة جديدة، خاصة من الذين يتبنون توجهاته الإرهابية، على نحو قد يساهم في تعويض النقص الحاد الذي يتعرض له نتيجة تراجع ظاهرة انضمام الإرهابيين الأجانب إليه.

وترى اتجاهات عديدة أن تزايد اعتماد التنظيم على ما يسمى بـ"الإرهاب العائلي" كأحد الأنماط الرئيسية التي يستخدمها في تنفيذ عملياته ربما يؤشر إلى تراجع قدراته البشرية بشكل كبير، نتيجة الضربات العديدة التي وجهت إلى قياداته وكوادره في الفترة الماضية.

وتستند تلك الاتجاهات أيضًا إلى استخدام عدد كبير من الأطفال في تلك العمليات، على نحو يكشف أن التنظيم لم يعد يمتلك العناصر التي اكتسبت خبرة في تنفيذ العمليات الانتحارية التي يهدف عبرها التنظيم إلى الإيقاع بأكبر عدد من الضحايا من المدنيين والعسكريين.

2- مواجهة ضغوط المنافسين: كان لافتًا أن بعض التنظيمات المنافسة حرصت على استغلال الهزائم التي تعرض لها "داعش" من أجل إقناع المجموعات الفرعية بالانشقاق عنه والعودة للانضمام إليها. ومن هنا، يحاول التنظيم من خلال ذلك تعزيز نفوذه لدى تلك المجموعات الفرعية بشكل قد يساعده في الحفاظ على ولائها له وعدم اتجاهها إلى الانشقاق عنه.

ويرى قادة التنظيم أن الآلية الرئيسية في هذا السياق تتعلق بالقدرة على تنفيذ عمليات إرهابية نوعية تقنع تلك المجموعات بالاستمرار في الالتزام بتوجهاته.

3- تشتيت الجهود الدولية: يسعى التنظيم عن طريق تلك الهجمات إلى تشتيت الجهود التي تبذلها العديد من القوى الدولية المعنية بمواصلة الحرب ضده، من خلال توجيه رسائل مباشرة بأن نشاطه لم يعد منحصرًا فقط في منطقة الشرق الأوسط أو حتى الدول القريبة منها، على غرار الدول الأوروبية، وإنما بات يمتد إلى مناطق أبعد، بشكل قد يساعده في تقليص الضغوط التي يفرضها استمرار الحرب ضده، والتي أسفرت عن خسائر بشرية ومادية لم يستطع تعويضها حتى الآن، وقد لا يتمكن من تحقيق ذلك في ظل الإجراءات الأمنية التي باتت تتخذها كثير من الدول للتعامل مع تداعيات الهزائم التي تعرض لها في سوريا والعراق.

وعلى ضوء ذلك، يبدو أن الحرب التي تشنها العديد من القوى الدولية ضد "داعش" لن تركز فقط على استمرار مواجهة مساعيه للعودة مرة أخرى إلى المناطق التي سيطر عليها في السابق داخل إقليم الشرق الأوسط، وإنما سوف تمتد، على الأرجح، إلى مناطق أخرى بدأت التداعيات التي يفرضها نشاط التنظيم تظهر فيها بشكل واضح.