محاصرة التهديد:

دوافع دول الخليج الداعمة للانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي

10 May 2018


تزامن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني مع تصاعد دعوات غالبية دول مجلس التعاون الخليجي إخلاء منطقة الخليج العربي من الأسلحة النووية بدعم من الدول العربية التي تسعى لحشد الدعم الدولي لمشروع إعلان منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل.

ولقد كشفت ردود الفعل الأولية من جانب كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين على القرار الأمريكي عن دعم تقييم وإعادة صياغة الاتفاق النووي مع إيران لمواجهة تهديدات الأمن الإقليمي، وفي المقابل جاءت مواقف كل من سلطنة عمان وقطر محايدة تجاه قرار "ترامب"، وإن كانت البيانات الصادرة عن الدولتين أقرب للتحفظ غير المُعلن على القرار الأمريكي، فيما عبرت الكويت مباشرة عن رفضها للانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي.

وفي الوقت الذي عبّرت فيه هذه المواقف المتباينة عن رؤى وحسابات مختلفة، لا يمكن إغفال أن القرار الأمريكي جاء -في أحد أبعاده- نتاجًا للضغوط الدبلوماسية التي قامت بها بعض الدول العربية، عبر توضيح التهديدات الإيرانية لأمن واستقرار المنطقة في المحافل الدولية باستمرار. ناهيك عن الاشتباك المباشر مع بعض أذرع إيران في مناطق الصراعات والعمل على كبح تمددها. 

دوافع التأييد:

تتعدد دوافع الدول المؤيدة لقرار الولايات المتحدة بالانسحاب من الاتفاق النووي، خاصة وأن المبررات التي تبناها "ترامب" لاتخاذ هذا القرار تكاد تتطابق نسبيًّا مع مواقف دول المنطقة، والتي كثيرًا ما لفتت انتباه المجتمع الدولي لهذه التهديدات الإيرانية منذ توقيع الاتفاق النووي بين الدول الغربية وإيران ( 5+1) في عام 2015.

وقد يكون صحيحًا أن دول الخليج العربي لم تعترض وقتها على الاتفاق النووي، لكنها تقبّلته بحذر، معبرةً -في الوقت نفسه- عن قلقها من عدم إمكانية التزام النظام الإيراني بتعهداته، سواء ما يتعلق بالكف عن ممارسة التهديد لجوارها الإقليمي، أو الالتزام بعدم تطوير برنامجها النووي ليكون مهدِّدًا للمنطقة.

لكن تطورات ما بعد الاتفاق النووي أفصحت عن صحة المخاوف العربية تجاه عدم تحجيم الاتفاق النووي للتهديدات الإيرانية. وبرز في هذا السياق عدة اتجاهات إيرانية لتهديد الأمن الخليجي والإقليمي، والتي شكّلت الدوافع الأساسية للرؤية الداعمة للانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، ومن أبرزها ما يلي:

1- التهديد الصاروخي الإيراني عبر اليمن، شكل الاتفاق النووي مكافأة لإيران، حيث استغلت رفع العقوبات لإعادة الدماء لشرايين اقتصادها، ومن ثم ضخ الأموال والأسلحة لأذرعها الإقليمية وخاصة جماعة الحوثي في اليمن. وفي هذا السياق، تشير الأرقام إلى تعرض السعودية لأكثر من 125 صاروخًا من قبل الحوثيين، وإن كانت دفاعات الرياض استطاعت صدها. وأشارت حالة التدفق الصاروخي للحوثيين إلى أن إيران استغلت العديد من ثغرات البرنامج النووي لتطوير قدرتها الصاروخية وتهديد جيرانها الإقليميين وخاصة السعودية من جهة، ومن جهة أخرى بدت الجهود المبذولة لوقف نقل التكنولوجيا الإيرانية للحوثيين غير فعالة.

2- التمدد الإيراني عبر الوكلاء الشيعة في مناطق النزاعات، سمح رفع العقوبات على إيران بتطوير دورها الإقليمي في مناطق النزاعات في الشرق الأوسط، سواء عبر وكلائها في العراق أو لبنان أو سوريا، في مسعى لاستمرار سياساتها في تصدير الثورة إلى الشرق الأوسط. فعلى سبيل المثال، دعمت إيران الميليشيات الشيعية المسلحة (الحشد الشعبي) في العراق، بينما تدخلت في الصراع السوري عبر وكلاء مسلحين، بينما بقي "حزب الله" الذراع الأساسية الإيرانية المهدِّدة لمؤسسات الدولة اللبنانية.

3 مواصلة إيران تطوير قدراتها النووية، إن الاتفاق النووي لم يفكك البنية التحتية للبرنامج النووي والإيراني، وإنما أسهم في تحجيمها، حيث لا تزال إيران تملك 3 آلاف جهاز طرد مركزي قد تُشكل أساسًا لبناء قوة نووية في المستقبل. ومع ما تُشير له بنود الاتفاق النووي من أن طهران يمكنها استعادة قدراتها النووية خلال 15 عامًا، فذلك يعني تهديدًا حقيقيًّا لمستقبل الأمن في المنطقة وعليه، اعتبرت الدول الثلاث (السعودية، والإمارات، والبحرين) أن اتفاق (5+1) بدا مؤجِّلًا لطموحات إيران النووية، وليس حاسمًا في منعها، وبالتالي لم يؤدِّ إلى تحقيق إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل، ووقف الخطر الإيراني.

4- الرهان على الضغط الاقتصادي لتحجيم التهديدات، بدا أن أحد منطلقات الموقف الخليجي هو الرهان على أن إعادة فرض العقوبات على طهران قد يُمثِّل رسالة من الولايات المتحدة كي تُعيد تأهيل السلوكيات التهديدية للنظام الإيراني، عبر تنامي الضغوط الاقتصادية عليه لتحجيم أدواره الخارجية المهدِّدة لأمن المنطقة. 

وتبدو أهمية تلك الرسالة في ضوء ما يشهده الاقتصاد الإيراني من تراجعات في السنوات الماضية، نتاجًا لتوجيه جانب رئيسي من القدرات المالية لهذا البلد إلى مؤسسات كالحرس الثوري الإيراني الذي يلعب دورًا أساسيًّا في النشاطات التوسعية في مناطق النزاعات. فضلًا عن وجود تقارير من الداخل الإيراني منذ عدة أشهر تُشير إلى مظاهرات مستمرة اعتراضًا على الأوضاع الاقتصادية المتردية.

تحديات محتملة:

على الرغم من أن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق يُمثِّل في جانب منه استجابةً للمخاوف العربية من تصاعد التهديدات الإيرانية؛ إلا أنه لا يمكن اعتباره "العصا السحرية" التي ستُنهي تهديدات طهران لأمن المنطقة، إذ لا تزال هناك تحديات عديدة محتملة قد تُواجه تنفيذ قرار "ترامب"، خاصة وأن طهران ربما ستعمل على بعث رسائل مضادة، لا سيما في بؤر الصراعات لتقليل فعالية القرار الأمريكي، وذلك في اتجاهين أساسيين محتملين: 

-الاتجاه الأول: تصعيد وتيرة التهديدات في المنطقة، حيث يتوقع عددٌ من الخبراء أن تقوم إيران برد فعل تصعيدي من خلال وكلائها في المنطقة. فعلى سبيل المثال، من الممكن أن تزيد طهران الدعم المقدّم للحوثيين في اليمن، وأن تعمل بصورة أو بأخرى على تهريب مزيدٍ من التكنولوجيا الصاروخية لهم لتكثيف الهجمات الصاروخية ضد السعودية، وقوات التحالف في اليمن. ومن ثم، من المتوقع أن تقوم دول التحالف العربي في اليمن في المرحلة القادمة بالتعاون مع الولايات المتحدة لاتباع سياسةٍ لمنع تهريب الأسلحة الإيرانية إلى اليمن، بالتوازي مع تحقيق قوات التحالف مزيدًا من الانتصارات الميدانية على الأرض ضد الحوثيين.

ومن المتوقع أيضًا أن تقوم طهران بمزيدٍ من التصعيد في العراق ولبنان وسوريا للإضرار بالمصالح الأمريكية والعربية في آن واحد، وهو ما يتطلب من الولايات المتحدة التدخل بصورة رئيسية لتسوية الأزمة في سوريا، لا سيما وأن ثمة احتمالًا بأن تُعيد واشنطن النظر في تعهدها بسحب جميع القوات الأمريكية في شرق سوريا، كي لا تمنح الفرصة لقوات موالية لإيران من السيطرة على مناطق في سوريا.

-الاتجاه الثاني: تهديد أمن المنطقة، فقد تقوم إيران بمحاولات لزعزعة أمن المنطقة بصورة مباشرة، ولعل أحد الاحتمالات المطروحة في هذا الصدد زيادة التهديد للداخل البحريني، بخلاف أن توسيع وتيرة الهجمات الإلكترونية ضد دول المنطقة أمر مطروح أيضًا، خاصةً مع التقدم الذي تشير إليه التقارير حول القدرات الإيرانية في هذا المجال. 

في ضوء هذين الاتجاهين المحتملين لتداعيات ما بعد الانسحاب الأمريكي، قد تقوم الولايات المتحدة بإطلاق خطةً متكاملةً للتعامل مع الخطر الإيراني بعد الانسحاب من الاتفاقية، بحيث تضمن التعامل مع الرفض الأوروبي للقرار الأمريكي، والذي لا يزال يشكل أحد مخارج طهران الجزئية من إعادة فرض العقوبات الأمريكية.

مجمل القول، أن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي قد يكون بداية لتنفيذ المشروع الإقليمي لإخلاء منطقة الخليج العربي من الأسلحة النووية وتحجيم تهديدات إيران للأمن والاستقرار الإقليمي، إلا أن القرار لايزال بحاجة لخطة عمل واضحة تتضمن إجراءات محددة لمواجهة التهديدات الأمنية ومنع الانتشار النووي وووقف الارتدادات العكسية على أمن المنطقة.