اتجاهات عشرة:

التوقعات الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط في عام 2018

09 January 2018


تسعى اقتصادات منطقة الشرق الأوسط إلى إعادة التكيف مع الصعوبات الاقتصادية والمالية التي واجهتها في الأعوام الستة الأخيرة، بسبب انخفاض أسعار النفط العالمية والحروب المستمرة في المنطقة حتى الآن، وذلك من خلال اتخاذ تدابير واسعة لضبط المالية العامة وتحسين مناخ الاستثمار وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي، بجانب تنويع شراكاتها الاقتصادية وزيادة الإنفاق الرأسمالي.

وفي واقع الأمر، فإن التدابير السابقة ستنعكس نسبيًا على تحسين آفاق النمو الاقتصادي في العام الجاري والمقبل. لكن رغم ذلك، سيظل الأداء الاقتصادي في المنطقة عرضة للعديد من المخاطر بسبب الصراعات المسلحة، بجانب مشكلات اللاجئين، واحتمال اندلاع احتجاجات اجتماعية بسبب الإخفاقات الاقتصادية لبعض الحكومات.

ويمكن تناول أبرز الاتجاهات الاقتصادية التي يتوقع أن تشهدها المنطقة خلال العام الحالي على النحو التالي:

1- تعافي النمو الاقتصادي: مع أن أداء اقتصادات منطقة الشرق الأوسط لم يتعافى كليًا بسبب التوترات السياسية والأمنية المستمرة في المنطقة منذ ستة أعوام، إلا أنه من المتوقع تحسن آفاق النمو في المنطقة خلال عامى 2018 و2019، بدعم من نمو التجارة العالمية، وزيادة استقرار أسواق السلع الأولية، لا سيما النفط، بجانب تنفيذ إصلاحات اقتصادية في عدد من دول المنطقة.

ووفق البنك الدولي، من المحتمل أن يحقق معدل النمو الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط ارتفاعًا نسبيًا من نحو 2.1% في عام 2017 إلى 3% في عام 2018 ثم 3.4% في عام 2019. بيد أن آفاق تحسن النشاط الاقتصادي في المنطقة ستظل رهن التطورات الجيوسياسية في المنطقة بأكملها، وديناميكة أسعار النفط في الأسواق الدولية.  

2- مشروعات كبيرة الحجم: في الماضي، استند تحقيق النمو الاقتصادي في بعض دول منطقة الشرق الأوسط على ضخ استثمارات كبيرة في المشاريع الرأسمالية والبنية التحتية التي يديرها القطاع العام بمشاركة من القطاع الخاص. وفي ظل التباطؤ الاقتصادي بعدد من الدول المصدرة للنفط أو المستوردة، فإن ذلك يضاعف من أهمية تمويل عدد كبير من المشروعات الكبرى أو البنية التحتية لدعم النمو الاقتصادي فيها.

وعلى سبيل المثال، تعهدت الحكومة التركية في عام 2017 بتنفيذ مشروعات طرق وجسور وغيرها بقيمة 64 مليار دولار خلال السنوات المقبلة في منحى سيدعم النشاط الاقتصادي للشركات التركية، لا سيما في قطاع الإنشاءات. بينما تعول دول أخرى على بعض المشاريع الإنتاجية لدعم النمو مثل إيران التي تعتزم تطوير المرحلة 11 من حقل بارس الجنوبي بالتعاون مع شركة "توتال" الفرنسية، كما أن الأردن تنوي بناء عاصمة جديدة في عمان، وهو ما سيدعم قطاعات مختلفة بالبلاد وأبرزها قطاع الإنشاءات.

3-إعادة إعمار المناطق المحررة: ربما لن يكون بإمكان دول الصراعات في المنطقة البدء في عمليات شاملة لإعادة بناء وتأهيل ما دمرته الحروب المستمرة بها حتى الآن، حيث يعد الدمار بها واسعًا ويتطلب احتياجات تمويلية ضخمة تقدر بتريليون دولار وفق بعض التقديرات.

ورغم ذلك، قد يكون بإمكانها، بمشاركة المجتمع الدولي، البدء في عملية إعادة إعمار بعض المناطق المحررة من التنظيمات الإرهابية والمسلحة، وهو ما انعكس في مساعي اليمن لإنشاء صندوق ائتماني بقيمة 10 مليار دولار للبدء بعمليات إعادة الإعمار في المناطق المحررة مثل عدن بحسب وزير التخطيط والتعاون الدولي محمد السعدي.

وبمساعدات بقيمة 750 مليون دولار من البنك الدولي، بدأت الحكومة العراقية، منذ عام 2015 وحتى الآن، في إعادة تأهيل الخدمات الأساسية من الكهرباء والمياه في محافظتى صلاح الدين وديالى، إضافة إلى مناطق في الأنبار وكركوك ونينوى. بيد أن هذه المبالع لا تمثل إلا نسبة ضئيلة من الاحتياجات التمويلية لإعادة إعمار العراق والمقدرة بنحو 100 مليار دولار في الوثيقة الوطنية لإعادة إعمار العراق.

4- تصاعد إرهاب "البيتكوين": تعرض المركز المالي لكثير من التنظيمات الإرهابية لتدهور كبير في العام الماضي، لا سيما في ظل الحملة الدولية المكثفة لمكافحة تمويل الإرهاب. وبالنسبة لتنظيم "داعش"، فمع هزيمته العسكرية في العراق، نضبت موارده المالية الوفيرة التي كان يتحصل عليها من النفط والابتزاز وسرقة الآثار. إلا أن ذلك لا ينفي أن التنظيم قد يسعى لتجديد آليات تمويل عملياته سواء داخل منطقة الشرق الأوسط وخارجها.

وربما تكون العملة الإلكترونية "البيتكوين" أحد آليات التمويل الجديدة، وهذا ما يؤكده اتهام السلطات الأمريكية، في ديسمبر 2017، لزوبيا شاهيناز الأمريكية من أصل باكستاني بالاحتيال البنكي وغسيل الأموال والتآمر بهدف دعم تنظيم "داعش" في سوريا.

وهذه ليست المرة الأولى التي يتهم فيها شخص باستخدام البيتكوين في غسل الأموال وتمويل الأنشطة الإرهابية. ففي عام 2015، أشارت السلطات الإندونيسية إلى أن تنظيم "داعش" يقوم بتمويل عناصر إرهابية داخل إندونيسيا عن طريق البيتكوين مستغلاً عوامل السرية والأمان التي تحظى بها العملات الإلكترونية.

5- تنويع الشراكات: فيما يبدو أن دول منطقة الشرق الأوسط ستستمر في رفع مستوى شراكاتها الاقتصادية مع الصين وروسيا، مستفيدة من رغبة الأخيرتين في زيادة دورهما الاقتصادي بالمنطقة. وفي السنوات الماضية، زادت الصين من علاقاتها التجارية والاستثمارية مع عدد من دول الشرق الأوسط في مقابل تراجع دور الشركاء الآخرين مثل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي.

كما أن التدخل العسكري لروسيا في سوريا، بداية من سبتمبر 2015، وما فرضه من تعزيز نفوذها في المنطقة، دعم انخراطها الاقتصادي، وهو ما يوضحه الدور المتنامي للشركات الروسية في أسواق المنطقة، لا سيما الأسواق المصرية والتركية والأردنية والسودانية، فضلاً عن الحضور الاقتصادي الكبير للشركات الروسية في سوريا.

6- تعزيز الإصلاح الاقتصادي: على مدار الأعوام الستة الماضية، حققت منطقة الشرق الأوسط تقدمًا ملحوظًا في برامج الإصلاح الاقتصادي التي أقرتها والتي شملت اتخاذ العديد من تدابير ضبط المالية العامة وتحسين مناخ الاستثمار وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي. وفي دول شمال إفريقيا، اتخذت في الفترة الأخيرة إجراءات واسعة شملت خفض دعم الوقود ورفع أسعار الخدمات الأساسية وزيادة مستويات الضرائب.

وتحت وطأة الأعباء المالية المستمرة، يبدو أن حكومات منطقة الشرق الأوسط ستستمر خلال العام الجاري في اتخاذ مزيد من الخطوات لمعالجة التشوهات المالية والاقتصادية، على نحو ما انعكس في رفع الحكومة التونسية، في أول يناير الجاري، أسعار البنزين بنسبة 2.85% وذلك ضمن خطط لخفض الدعم الحكومي وتقليص عجز الموازنة.

7-احتجاجات اجتماعية: أدى تقليص حكومات الشرق الأوسط لدعم الوقود والخدمات الأساسية، خلال الأعوام الأخيرة، إلى إثارة الاحتجاجات الاجتماعية، لا سيما في دول شمال إفريقيا التي تفتقر إلى برامج فعالة للحماية الاجتماعية. ويبدو أيضًا أن الإخفاقات الاقتصادية للحكومات في خفض البطالة واستقرار الأسعار ستكون سببًا في إثارة مثل هذه الاحتجاجات، على غرار ما تشهده إيران حاليًا، حيث اندلعت مظاهرات شعبية في عدة محافظات إيرانية جراء فشل الحكومة الإيرانية في استغلال رفع العقوبات الاقتصادية في يناير 2016 في تحسين المستويات المعيشية. ويبلغ المعدل الرسمي للبطالة في إيران حاليًا نحو 12.5% بينما يصل معدل التضخم إلى حوالي 10%.

8-عودة محدودة للاجئين: تفاقمت أزمة اللاجئين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الأعوام الماضية لتشكل عبئًا ماليًا واجتماعيًا على عدد من الدول المستضيفة. وحاليًا، يشكل السوريون الجزء الأكبر من اللاجئين والنازحين على مستوى المنطقة، يليهم اللاجئون من العراق وليبيا واليمن. وبنهاية عام 2016، بلغ تعداد اللاجئين السوريين في المنطقة 5.4 مليون لاجئ يتركز أكثر من 75% منهم، وعددهم 2.6 مليون شخص، في دولتين فقط هما لبنان والأردن.

ومن دون شك، فإن الأعداد الكبيرة من اللاجئين السوريين تسببت في تحمل الدول المستضيفة لأعباء مالية كبيرة، كما أصبح استقبال اللاجئين سببًا في تهديد الاستقرار الاجتماعي لبعضها. لكن قد يدفع عودة الاستقرار الأمني بالتزامن مع بدء عمليات إعادة الإعمار في بعض المناطق المحررة بسوريا والعراق على الأخص نحو تعزيز تيار عودة اللاجئين السوريين والعراقيين من الدول المستضيفة إلى هذه المناطق، مثلما شهدت مناطق الجنوب السوري في أواخر عام 2017 من ارتفاع وتيرة اللاجئين العائدين إليها من الأردن.

9- ارتفاع حجم الدين: يبدو أن دول المنطقة سوف تواصل، على الأرجح، زيادة إصداراتها من السندات الحكومية لتغطية احتياجاتها المالية وسد عجز الموازنات العامة في العام الجاري. ووفق بيانات تومسون رويترز، شهد إجمالي إصدارات الديون في الشرق الأوسط زيادة كبيرة خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2017 لتصل إلى نحو 57.4 مليار دولار، أى بنسبة نمو 53% مقارنة بالفترة نفسها من العام قبل الماضي. وفي ظل الإمكانية المحدودة للاعتماد على الاقتراض من الأسواق المحلية فقط، من المحتمل أن تكون دول المنطقة أكثر انفتاحًا على الاقتراض من الأسواق الدولية مثل الأردن التي أصدرت وزارة المالية فيها، لأول مرة، سندات "يوروبوند" بقيمة مليار دولار في أكتوبر 2017.

10- الصراع على الموارد: شهدت دول الصراعات خلال العام الماضي نزاعات مستمرة بين مختلف التنظيمات الإرهابية والمسلحة للسيطرة على الموارد الاقتصادية مثل النفط. وتمثل ليبيا إحدى تلك الدول التي واجهت هذا النمط من النزاعات.   

وعلى ما يبدو، فإن الاتجاه السابق سيمتد في العام الجاري، لا سيما أن هذه الموارد لا توفر إيرادات مالية للجماعات أو التنظيمات فحسب، وإنما تمثل أيضًا آلية رئيسية للضغط السياسي على الخصوم السياسيين. كما قد يؤدي الصراع بين التنظيمات المختلفة على الموارد الاقتصادية إلى استمرار استهداف البنى التحتية والمنشآت الاقتصادية، لا سيما النفطية، وهو ما شهدته ليبيا مؤخرًا، حيث تم تفجير خط الأنابيب الواصل لميناء السدر، وهو ما تسبب في خفض إنتاج البلاد من الخام بما يصل إلى 100 ألف برميل يوميًا.

وختامًا، يبدو أن الآفاق الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط في طريقها للتحسن، ورغم ذلك يظل استقرار الأوضاع الاقتصادية احتمالاً يواجه تحديات عديدة، في ظل التطورات المفاجئة التي تشهدها المنطقة.