ملفات متشابكة:

فرص وتحديات التحولات العراقية خلال عام 2018

31 December 2017


شهدت الساحة العراقية تحولات سياسية وأمنية مفصلية في عام ٢٠١٧، ما جعلته العام الأكثر تطورًا وأحداثًا مقارنة بغيره من الأعوام الماضية. واستنادًا إلى هذه التطورات ومعطيات الساحة العراقية؛ فإنه يُمكن توقُّع أن تتمثل أهم ملفات العراق خلال العام المقبل (٢٠١٨) في: إعادة الإعمار وعودة النازحين، ومواجهة الفساد، وملف الانتخابات المحلية والوطنية، وفرص وتحديات هذه الملفات، ناهيك عما يمكن أن تئول إليه علاقات بغداد الخارجية مستقبلًا.

تحولات عام 2017:

على الصعيد الداخلي، استكملت القوات الأمنية سيطرتها على كافة المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم "داعش" في محافظات صلاح الدين ونينوى والأنبار، كما أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، يوم 9 ديسمبر الجاري، النصر على التنظيم ونهايته في العراق، وما يعنيه ذلك من انتصار عسكري بعد حرب داخلية انطلقت شرارتها في مرحلة ما بعد 10 يونيو 2014 واستمرت ثلاث سنوات، وكانت باهظة التكاليف على المجتمع والدولة في العراق، وعلى الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.

ولم تقتصر الأحداث على هذا الحدث فحسب، فقد تجاوز العراق خلال عام 2017 أزمة الاستفتاء على انفصال إقليم كردستان في شهر سبتمبر المنصرم، وهي أزمة كانت تحمل من التعقيدات والمخاطر الكثير لما فيها من انعكاسات داخلية وإقليمية ودولية كبيرة، غير أن الحكومة العراقية استطاعت التعامل معها بشكل إيجابي لصالح الدولة العراقية، لتفضي النتيجة إلى استعادة الحكومة المركزية والقوات الأمنية العراقية السيطرة على "المناطق المتنازع عليها" التي سيطرت عليها قوات البشمركة خلال الحرب على "داعش"، وهذا الحدث حمل من التأثير الكثير، سواء على مستوى العلاقة بين المركز والإقليم، أو على مستوى العلاقات بين القوى والأحزاب السياسية الكردية.

كما شهدت الساحة السياسية خلال عام ٢٠١٧ ظاهرة بروز أحزاب وقوى سياسية جديدة نتيجة للتصدعات في التحالفات السياسية التقليدية التي قامت عليها العملية السياسية في العراق، والانشقاقات الحاصلة في عدد من الأحزاب والقوى السياسية، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر إعلان عمار الحكيم عن تأسيس "تيار الحكمة" بعد انشقاقه عن المجلس الإسلامي الأعلى، وإعلان سليم الجبوري -رئيس البرلمان- عن تشكيل "التجمع المدني للإصلاح"، وإعلان تأسيس العديد من الأحزاب السياسية الأخرى خلال هذا العام.

أما على الصعيد الخارجي، فقد كانت هناك تطورات إيجابية على مستوى علاقات العراق العربية، وبشكل خاص التقارب الحاصل في العلاقات العراقية السعودية المتمثل في تبادل الزيارات الرسمية، وفتح المعابر الحدودية بعد أكثر من خمس عشرين سنة على إغلاقها، وزيادة التعاون الاقتصادي.

يُضاف إلى ذلك إعلان مجلس الأمن يوم 8 ديسمبر الجاري عن تخلص العراق من كافة التدابير المفروضة عليه بموجب القرارين 1958 (2010) و2335 (2016) عملًا بالفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص ببرنامج النفط مقابل الغذاء بعدما تم تنفيذها بشكل كامل.

إعادة الإعمار:

يُعتبر ملف إعادة إعمار المدن والمناطق المحررة، وترسيخ الأمن والاستقرار فيها، بغية عودة سكانها النازحين جرّاء استيلاء تنظيم "داعش" عليها واعتماده استراتيجية تدمير شامل طالت المؤسسات والقطاعات الصحية والتعليمية والثقافية والخدمية والعمرانية والمجتمعية؛ من أهم التحديات التي ستواجه الحكومة العراقية خلال عام ٢٠١٨، كونها المرحلة التي من المفترض أن تلي مرحلة إعلان هزيمة "داعش" في العراق من جهة، ومن جهة أخرى كلفة هذهِ العملية العالية، إذ قدّرت وزارة التخطيط العراقية أن خطة إعادة إعمار المناطق المحررة ستكلف ما يقرب من 100 مليار دولار. 

وعلى الرغم من إعلان الحكومة العراقية وجود استراتيجية لإعادة الإعمار، وأنها تسعى لتوفير المبلغ المالي من خلال المنح والقروض الدولية (تتوقع أن تحصل على مبلغ 20 مليار دولار من خلال مؤتمر المانحين المرتقب عقده في الكويت مطلع عام 2018)؛ إلا أن المتوقع أن الأمر سيواجه عدة عقبات، أهمها: احتمالية استمرار انخفاض أسعار النفط خلال المرحلة القادمة وما يعنيه ذلك من بقاء الأزمة المالية بالنسبة للعراق التي تحول دون توفير المبالغ اللازمة من الموازنة المالية لعام 2018. 

ولو لم تستطع الحكومة معالجة أزمة الفساد، فسيكون ذلك عقبة أخرى في طريق تحقيق خطة إعادة الإعمار، لما يسببه من هدر للأموال المخصصة لذلك، وإعاقة مختلف مشاريع الاستثمار في المناطق المحررة، وعزوف الدول المانحة عن مساعدة العراق في هذا المجال. يُضاف إلى ذلك أن هناك من لا يزال يمنع عودة سكان المناطق المحررة إليها على الرغم من تحريرها منذ أكثر من سنة وأخرى منذ سنتين.

محاربة الفساد:

يُعد العراق من بين الدول الأكثر فسادًا في العالم، بحسب تقارير منظمة الشفافية الدولية التي أكدت ذلك في تقريرها الصادر في أواخر شهر يناير الماضي، وتسببت أزمة الفساد بمختلف أشكاله -السياسي والمالي والإداري- في هدر مئات مليارات الدولارات من الأموال العراقية، لا سيما في ظل الحكومات السابقة، بعد أن تغلغل الفساد في مختلف مؤسسات وقطاعات الدولة، حتى إن هيئة النزاهة العراقية قد كشفت في شهر أغسطس الماضي عن صدور 216 قرار منع سفر بشأن قضايا فساد اتُّهم بها مسئولون وسياسيون خلال عام 2017. ويُشكّل هذا الأمر -في حد ذاته- تحديًا كبيرًا للعراق الذي يعاني أزمة أمنية ومالية وسياسية إلى حدٍّ ما.

وأزمة الفساد هذهِ تُشكل تحديًا مستقبليًّا للعراق، ولا تقل خطورته عن الحرب على الإرهاب، لما فيه من أضرار على المجتمع والدولة من جهة، ولكونه شكّل أحد أسباب وجود الإرهاب في العراق -على حد وصف الكثيرين- من جهة أخرى.

وبرز مؤخرًا بشكل واضح توجه لدى الحكومة العراقية لمعالجة هذا الملف، واعتبره رئيس الوزراء العراقي الملف المقبل بعد ملف الحرب على "داعش" الذي ستتولى الحكومة مواجهته، فقد أعلن "أن المرحلة المقبلة في العراق ستشهد حربًا على الفساد والفاسدين"، وذكر: "سندخل معركة مع الفساد وسننتصر فيها". 

وكل المؤشرات تشير إلى أن ملف مواجهة الفساد سيكون أحد أهم الملفات التي ستتبنى حكومة العبادي تفعيلها خلال عام 2018، وأن العبادي يستعد لإعلان أول قائمة في ملف الفساد تضم عددًا من المسئولين الكبار في المؤسسات الحكومية مطلع العام الجديد، ومنهم متهمون بتهريب الأموال العامة خارج العراق، ومتهمون بغسيل أموال، وغيرها من قضايا الفساد.

وما يمكن أن يساهم في نجاح هذا المسعى لحكومة العبادي هو وجود تحالفات سياسية جديدة مساندة لحملة العبادي، متمثلة في دعم رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري، ونائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي، وعمار الحكيم زعيم تيار الحكمة، والدعم الشعبي لهذه الحكومة، لا سيما بعد إعلانها الانتصار في الحرب على "داعش"، وتوجه العبادي لإجراء الإصلاحات الحكومية التي تبناها الحراك الشعبي العراقي، فضلًا عما أعلنته المرجعيات الدينية المختلفة في العراق من دعمها لحملة محاربة الفساد التي تتبناها الحكومة العراقية. 

ولكن في مقابل ذلك، ثمة تحديات يمكن أن تعيق أو تسبب فشل هذهِ الحملة، لعل أهمها أن العديد من المسئولين المتهمين بقضايا فساد يمتلكون نفوذًا سياسيًّا وماليًّا، وهناك من له ارتباطات منهم بميليشيات مسلحة، مما يعني أنه ليس من السهولة محاسبتهم، وهناك من تقف وراءهم أحزاب وقوى سياسية مشاركة في الحكومة والبرلمان العراقيين، فضلًا عما يملكونه من دعم إقليمي. 

ويُشكل ما سبق ضغطًا على الحكومة العراقية عند محاولتها مستقبلًا تنفيذ ما وعدت به في مجال محاربة الفساد، فضلًا عن تخوفات عدد من القوى السياسية من أن تكون حملة العبادي هذهِ ورقة انتخابية قد تُستخدم للضغط على الخصوم والمنافسين في الانتخابات القادمة. وكل ذلك يجعل من ملف محاربة الفساد أحد أهم ملفات الساحة العراقية خلال عام 2018، لما فيه من فرص لنجاحه ومعوقات لإفشاله.

الانتخابات الوطنية والمحلية:

من الملفات المهمة التي من المتوقع أن يشهدها العام الجديد (2018) هو ملف الانتخابات العراقية بشقيها المحلي والوطني (انتخابات المجالس المحلية، ومجلس النواب)، بعد أن تم تحديد موعد إجرائها في يوم مايو 2018 من قبل مجلس الوزراء العراقي، وستكون كلا الانتخابات المحلية والوطنية في نفس الوقت. 

وتأتي أهمية هذه الانتخابات -في حال إجرائها- من كونها تتبع مرحلة من التحولات في الخرائط السياسية والتحولات الأمنية والأزمة الاقتصادية، وتحول في توجهات المجتمع العراقي فيما يخص موقفه من الأحزاب الدينية والقومية.

وتشير معظم معطيات الواقع العراقي إلى أن الانتخابات ستسبقها تحولات في العلاقات التقليدية للقوى والأحزاب السياسية الفاعلة والمشاركة في المشهد السياسي العراقي، فهناك تقارب بين التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر وائتلاف الوطنية بزعامة إياد علاوي، وتقارب بين التيار الصدري وجناح حيدر العبادي في حزب الدعوة، وهو ما يؤشر إلى قيام تحالف سياسي قد يؤدي إلى تغيير فعلي في خريطة التحالفات التقليدية في العملية السياسية.

كما أن من المتوقع عدم بقاء التحالفات ذات التوجه الطائفي على شكلها السابق، فمنها ما قد يتلاشى، وبعضها لن يكون بمستوى قوته وتـأثيره السابق في ظل التوجه نحو تحالفات عابرة للطائفية والقومية، ويعزز من قوة هذهِ التحالفات بقاء الانقسامات والخلافات بين القوى السياسية الدينية والطائفية.

وما يمنح الانتخابات فرصة انعقادها في الوقت المحدد هو ما تحظى به من دعم شعبي، ودعم العديد من القوى السياسية التي تتوقع أن تكون لها حظوظ كبيرة في الفوز فيها، فضلًا عن الدعم الأمريكي لإجراء الانتخابات في موعدها المحدد، وما يعنيه ذلك من تأثير العامل الأمريكي في التطورات العراقية، لا سيما بعد التوجه الأمريكي المتمثل في العودة الفاعلة إلى الساحة العراقية سياسيًّا وعسكريًّا. 

أما بخصوص التحديات التي تعتري ملف الانتخابات فإنها عديدة، وتتمثل في توجهات عدد من القوى والأحزاب السياسية لتأجيل الانتخابات بهدف إعادة ترتيب أوضاعها في ظل تراجع شعبيتها، وأخرى ترى في عدم عودة النازحين إلى مناطق سكناهم سببًا لتأجيل الانتخابات إلى حين إعادتهم بشكل كامل، وضرورة تسوية أوضاع المحافظات المحررة من "داعش"، وإعادة إعمارها حتى تكون مهيأة بشكل مناسب للمرشح والناخب في الانتخابات القادمة. 

وهناك تحدٍّ آخر يواجه الانتخابات القادمة وهو وجود رد فعل شعبي من الانتخابات السابقة مفاده عدم جدوى المشاركة في ظل حالات التزوير، وعدم نجاح من يصلون إلى السلطتين التشريعية والتنفيذية من المرشحين في إحداث تغييرات إيجابية في حياة المواطنين، ما يعني إمكانية تزايد العزوف عن المشاركة في هذهِ الانتخابات، وما يمكن أن يسببه ذلك من استغلال عدد من القوى السياسية في تجيير نتيجة الانتخابات لصالحها.

علاقات العراق الخارجية:

في ظل معطيات الواقع العراقي ومساعي الحكومة العراقية لعودة العلاقات العراقية العربية والإقليمية، فضلًا عن الدولية، من المتوقع أن يشهد عام 2018 تناميًا في العلاقات العراقية مع دول الخليج العربي، لا سيما السعودية، ومع الدول العربية كمصر والأردن، وخاصة في حال إيجاد حل للأزمة السورية، واستطاعة العراق البقاء بعيدًا عن سياسة المحاور الإقليمية، وفي ظل وجود الدفع الأمريكي لبغداد صوب ترميم علاقاته مع الدول الخليجية والعربية، وفي ظل حاجتها لهذهِ الدول للاستثمار في الساحة العراقية، والمساهمة في عملية إعادة الإعمار.

ولكن ذلك لا يعني تجاهل التأثير الإيراني في توجهات العراق الخارجية، وما تسعى إليه طهران من ضمان توافق السياسة العراقية الخارجية مع سياستها، أو عدم تعارضها معها على أقل تقدير.