الإعلام الاستنطاقي:

تصاعد نشر "التصريحات المزعومة" في الشرق الأوسط

21 May 2017


تحولت الأخبار الكاذبة والتصريحات المزعومة إلى مواد شبة أساسية في بعض وسائل الإعلام في عدد من دول منطقة الشرق الأوسط، نظراً لجاذبية مثل هذه الأخبار لدى المتلقي وما تثيره من جدل يصب في مصلحة وسائل الإعلام، من حيث كثافة المتابعة، والانتشار. وعلى الرغم من عدم مهنية هذا النهج، فإن وسائل إعلام كبرى قد وقعت في خطأ تلفيق تصريحات، أو على الأقل المساهمة في إعادة نشرها، ولم يكن ذلك حكراً على وسائل الإعلام الأقل حرفية.

توظيف الفبركة

تزايدت إلى حد كبير خلال الفترة الماضية ظاهرة فبركة التصريحات الرسمية، أو تحوير مضمونها لخدمة هدف بعينه، وقد وقعت في هذا الفخ كبريات وسائل الإعلام المقروءة والمرئية حول العالم. ولم تقتصر هذه الظاهرة فقط على وسائل الإعلام الناشئة أو تلك المعروفة بغياب المهنية، كما لم تُستثن وسائل الإعلام العامة والخاصة من إمكانية توظيفها لهذا الغرض. 

وقد دشن انتشار هذه الظاهرة إعلامياً لمرحلة جديدة اُصطلح على تسميتها "عصر ما بعد الحقيقية" ‏post-truth، وهي المرحلة التي يعّرفها المتخصصون بأنها "ذلك السياق الذي ‏تختلط فيه الحقيقة بالأكاذيب، وتلعب فيها محاولات الشحن العاطفي الدور الأكبر في التأثير على وتوجيه الرأي العام". ‏

وعلى الرغم من كثافة اللجوء إلى هذا الأسلوب في كثير من وسائل الإعلام حول العالم، فإن ثمة توظيفاً عشوائياً لهذه الظاهرة، لاسيما فيما يخص فبركة تصريحات تتصل بأطراف قادرة على تكذيبها، وبالتالي كشف الحقيقة، وهو ما يضع وسيلة الإعلام المتورطة في هذا الأمر في مأزق، كما تحرج القائمين على فبركتها، مما يؤدي إلى إحداث آثار عكسية، غير مرجوة.

أهداف متعددة

تتعدد أنماط توظيف الدول والأفراد لوسائل الإعلام المملوكة لها، أو الواقعة تحت سيطرتها، لخدمة أهدافها من خلال نشر وترويج تصريحات محرفة لمسؤولين رسميين، في دول بالشرق الأوسط. ويمكن الإشارة إلى أبرزها فيما يلي:

1- تحسين الصورة الذهنية: وهي سياسة انتهجتها بعض وسائل الإعلام الرسمية المُوجهة، سواء كان ذلك بهدف فك عزلة سياسية مفروضة على الدولة، كما في حالة الإعلام الإيراني، أو بهدف الحصول على شرعية لوجودها، كما في حالة الإعلام الإسرائيلي.

وعادة ما يتم تحريف وتلفيق تصريحات رسمية تهدف إلى تحسين صورة الدولة أو تعزيز مكانتها وعلاقاتها مع العالم الخارجي، وتلميع صورتها في مواجهة هجوم تتعرض له. ولعل أهم الأمثلة في هذا الإطار، هو ما نشرته وسائل الإعلام الإيرانية من تصريحات غير صحيحة منسوبة للرئيس التونسي الباجي قائد السيبسي، مفادها أنه يعتبر إيران الأمل الوحيد للعالم الإسلامي في مواجهة "الكيان الإسرائيلي" - حسب تعبير وسائل الإعلام الإيرانية - وذلك خلال لقاء الرئيس التونسي مع وزير الثقافة الإيراني رضا صالحي أثناء زيارته تونس في 31 مارس 2017، وهو التلفيق الذي آثار حفيظة العديد من المسؤولين التونسيين، قبل أن يكذب الناطق الرسمي باسم الرئاسة التونسية ‏ذلك التصريح، موضحاً أن الاجتماع قد هدف لمناقشة العلاقات بين الدولتين، وتم التأكيد فيه على أهمية فك عزلة إيران السياسية، وضرورة تحسين علاقاتها بدول الجوار.

وقد تكرر ذلك من قِبل وسائل إعلام إيرانية، أيضاً، مع مسؤولين جزائريين، حيث نشرت بعض وسائل الإعلام المحسوبة على النظام في طهران تصريحات نسبتها لرئيس الوزراء الجزائري عبدالمالك سلال، مفادها أنه أكد على اتفاق ‏الدولتين على مواجهة الفكر التكفيري في المنطقة، وذلك خلال استقباله وزير الثقافة الإيراني رضا أمير ‏صالحي، وهو ما نفته وكالة الأنباء الجزائرية في 2 أبريل الماضي، على لسان الناطق باسم الخارجية الجزائرية عبدالعزيز بن علي الشريف.

كما يقدم الإعلام الإسرائيلي أمثلة عدة في هذا الإطار، لعل أبرزها، ما ينشره الإعلام الإسرائيلي تلفيقاً عن الجانب الفلسطيني، ودول عربية للتأكيد على تفاهمات خفية بين إسرائيل والحركات الفلسطينية من جانب، والدول العربية من جانب آخر حول القضية الفلسطينية، حيث سبق أن أذاعت "صوت إسرائيل" في أبريل 2016، خبراً يزعم بأن "حركة حماس لا تسعى للتصعيد مع إسرائيل، وأنها لا تمانع إشراف تل أبيب على ميناء غزة بشرط عدم تدخل الرئيس محمود عباس، وتأكيد حماس على ذلك من خلال رسائل أرسلتها عبر تركيا لإسرائيل للتأكيد على هذا المعنى"، وهو ما نفته الحركة لاحقاً، مؤكدة تلفيق الخبر من جانب إسرائيل بالتعاون مع صحيفة بلجيكية تحمل اسم "demorgen" لتشويه حماس، وتعميق الأزمة مع حركة فتح.

2- تصفية الحسابات السياسية: في إطار هذا الهدف، تلعب وسائل الإعلام العامة والخاصة دوراً بارزاً في شن الهجوم على دول أو جماعات أو أفراد، وغالباً ما يؤدي توظيف وسائل الإعلام لخدمة ذلك الهدف في تأجيج الصراعات والخلافات بين الدول. وليس أدل على ذلك من الحرب الإعلامية المتواصلة بين كل من الجزائر والمغرب، فلأكثر من مرة اُتهمت صحف جزائرية بتلفيق تصريحات لشخصيات عامة وفنانين عرب تفيد بدعمهم قضية الصحراء المتنازع عليها بين الدولتين، ولعل أبرزها ما نشرته صحف جزائرية على لسان وفد من الفنانين المصريين خلال زيارتهم الجزائر في عام 2013 على خلفية دعم حملة "نبذ العنف في أفريقيا"، وهو ما نفاه الوفد المصري جملةً وتفصيلاً في ذلك الوقت.

وفي إطار الهجوم المتبادل إعلامياً بين وسائل إعلام تونسية وقناة "الجزيرة" القطرية، على خلفية تغطية الأخيرة أحداثاً متفرقة في تونس بشكل يراه الإعلام التونسي غير لائق وغير مهني، أقدم القائمون على "برنامج ‏24/7" المذاع على قناة "الحوار التونسي"، في يناير 2017، ‏بفبركة صور وأخبار عن تغطية "الجزيرة" لأحد الاحتجاجات في محافظة القصرين، لتظهر "الجزيرة" وكأنها تسعى إلى تأجيج الأوضاع في المحافظة التونسية، حيث أكدت مذيعة البرنامج على وجود "الجزيرة" في القصرين قبل الأحداث، في إشارة إلي دورها في اختلاق الأزمة، وهو ما نفته قناة "الجزيرة" التي سعت لملاحقة القناة التونسية قضائياً، قبل أن تقدم الأخيرة اعتذاراً عما بثته من مواد ملفقة.

3- محاولة الوقيعة بين الدول: تبدو بعض التصريحات المفبركة لمسؤولين سياسيين وكأن الهدف منها تعكير صفو العلاقات بين الدول، مثلما بدا في تصريح مفبرك نشره موقع "BBC" الإخباري في يناير الماضي، على لسان سفير المملكة العربية السعودية لدى تركيا، عادل مرداد، مفاده قوله إن "السلطات التركية وعلى رأسها الرئيس رجب طيب أردوغان، انقلبت خلال الآونة الأخيرة على شعار (رحيل الأسد) الذي كان يوماً خطاً أحمر لتركيا في تصرفاتها مع الأزمة السورية"، وهو ما نفته السفارة السعودية بتركيا، موضحة أن السفير مرداد لم يجر أي تصريحات لقناة "BBC".

كما سبق أن نشرت وكالة "فارس" الإيرانية للأنباء، في ديسمبر 2016، تصريحاً منسوباً للنائب الأول لرئيس مجلس الوزراء الكويتي ووزير الخارجية الشيخ صباح خالد الحمد الصباح، خلال اتصال هاتفي مزعوم مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، بشأن ضرورة تغيير موقف المملكة من الأزمة اليمنية، لضمان أمن الشريط الحدودي وأمن مواطنيها. وذلك قبل أن تنفي وزارة الخارجية الكويتية في بيان نشرته وكالة الأنباء الكويتية "كونا"، صحة هذه التصريحات المفبركة، وأشارت إلى أن دولة الكويت عضو في التحالف العربي والدولي لإعادة الاستقرار في اليمن، وعلى تنسيق مع المملكة بهدف إعادة الاستقرار إلى اليمن.

نتائج عكسية

على الرغم من قدرة وسائل الإعلام على تضليل الرأي العام وتزييف الحقائق في كثير من الحالات المرتبطة بأحداث جارية، وكذلك خلق صور ذهنية مخالفة للحقيقة لدى المتلقي، فإن قدرتها لا تزال محدودة فيما يخص الحفاظ على مصداقية خبر كاذب يتعلق بفبركة تصريحات رسمية بغرض تحقيق أي هدف عام كان أو خاص، حيث يلعب انتشار الأخبار عبر وسائل الاتصال المختلفة في هذا الإطار دوراً عكسياً، لاسيما مع قدرة الطرف المنسوب له التصريحات غير الصحيحة على تكذيبيها وكشف الحقيقة، الأمر الذي يضع مصداقية وسيلة الإعلام المعنية على المحك، ويحرج الدول في حالة كان إعلامها الرسمي هو المعني بتلفيق الخبر.

فعلي سبيل المثال، عقب تكذيب الرئاسة التونسية وسائل الإعلام الإيرانية في نسبها تصريحات للرئيس التونسي، انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي هاشتاج "#تونس_تصفع_إيران" ليصبح هذا الهاشتاج "ترينداً" خلال ساعات من إطلاقه على موقع "تويتر"، وهو ما يشير إلى أن التلفيق الإيراني للتصريحات لم يجلب للإعلام الإيراني ومن قبله النظام المسيطر على الإعلام سوى الانتقاد.

خلاصة القول، تقع العديد من وسائل الإعلام في بعض دول الإقليم، في فخ إعادة نشر التصريحات الكاذبة بهدف زيادة المتابعة، لاسيما المواقع الإلكترونية التي تسعى لزيادة معدلات تصفحها، وهو ما يضع مصداقيتها على المحك. بيد أن اللافت للنظر هو أن مواقع إلكترونية إخبارية عديدة تلجأ إلى إعادة نشر التصريحات المثيرة للجدل، كما تعمل على تحريف محتوى الأخبار لخدمة عناوين جاذبة للمتلقي، تحقق من خلالها معدلات قراءة عالية، وهو ما يرشح استمرار ظاهرة تلفيق الأخبار والتصريحات على الرغم من الآثار السلبية التي تنتج عن تكذيبها.