سيناريوهات حذرة:

كيف يمكن أن يتعامل "داعش" مع خطة عزل الرقة؟

24 February 2017


 دفعت الخطة الأمريكية- العراقية للحرب على تنظيم "داعش" في الموصل مقاتلي التنظيم إلى التحرك نحو سوريا؛ حيث تم إغلاق ثلاثة اتجاهات في محيط الموصل، بينما ظلت الحدود العراقية- السورية، وفقًا لتقارير عديدة، مفتوحة باتجاه الرقة، التي تمثل المعقل الرئيسي للتنظيم. 

 وقد أشارت اتجاهات عديدة إلى أن هذه الاستراتيجية هدفت إلى فرض ضغوط على التنظيم للاتجاه نحو التمركز في الرقة، ثم فرض حصار شديد على الأخيرة، تمهيدًا للمعركة الأكثر أهمية بعد تحرير الموصل. ويتوافق ذلك مع ما كشفته صحف أمريكية مختلفة، ومنها "واشنطن بوست"، من أن الاستراتيجية الأمريكية تجاه التعامل مع الرقة تعتمد على "العزل"، عبر استهداف جسور الرقة على نهر الفرات، ثم حصار المدينة من كافة الجهات من خلال "قوات سوريا الديمقراطية".

مسارات موازية:

 لكن مع تولي إدارة الرئيس دونالد ترامب مهامها في 20 يناير 2017، أعلنت أنها لن تستمر في تبني تلك الاستراتيجية، كما طلب الرئيس ترامب وضع خطة جديدة قابلة للتنفيذ، دون الإفصاح عن تفاصليها. ومن هنا، وحتى تتبلور ملامح الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، يمكن القول إن الخطة السابقة ما زالت تنفذ على الأرض، بل إنها دخلت مرحلتها الثالثة مع وصول "قوات سوريا الديمقراطية" إلى دير الزور للمرة الأولى في 22 فبراير 2017.

وفي هذا السياق، بدأت مساحات سيطرة تنظيم "داعش" على الأرض في الرقة تتقلص، وفقًا للمتحدث باسم التحالف الدولي ضد "داعش". كما بدا واضحًا أن "قوات سوريا الديمقراطية" تتحرك بالتوازي على المحورين الشرقي والغربي لها، وتمكنت من استعادة عشرات القرى من التنظيم. 

خيارات مختلفة:

لكن رغم الاستمرار في تنفيذ خطة "العزل"، إلا أن ذلك لا ينفي أن مسارات تحرك التنظيم خارج الرقة لا تزال متاحة حتى الآن، وأن القيود التي فُرضت -وفقًا لتقارير عربية وأخرى غربية- أعاقت حركة المدنيين في المنطقة أكثر من حركة التنظيم. بل إن الأخير حرص على تفخيخ الجسور مع إطلاق عملية الموصل في العراق، وهو ما يطرح سيناريوهات خمسة محتملة لمسارات خروج التنظيم من الرقة على نحو يتباين مع كثير من التكهنات التي طرحت في الفترة الماضية. 

السيناريو الأول: التحرك العكسي، ويتمثل في اتخاذ مجموعات في التنظيم مسارًا عكسيًا للخروج، بالعودة من الرقة إلى الموصل مجددًا عبر الحدود العراقية- السورية "الرخوة"، وهو أمر من الممكن حدوثه، حيث كشفت تقارير عديدة أن عناصر التنظيم لديها القدرة على التسلل من الرقة إلى الموصل على الرغم من قصف قوات التحالف لجسرى الرقة القديم والجديد على نهر الفرات باستخدام الزوارق، وأنه لا يوجد حائل دون استمرار تلك التحركات.

ومع امتداد خط الحدود العراقية- السورية مسافة تصل إلى 600 كلم، فلا يمكن الارتكان إلى إحكام تلك الحدود بنسبة كبيرة. ومن المرجح أن تسلك النسبةُ الكبيرة التي ستتحرك للخروج من الرقة هذا الاتجاه. وفي الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر 2016 كشفت شبكة CNN عن أن عدة مئات من مقاتلي تنظيم "داعش" وصلوا إلى الموصل من الرقة، ونقلت عن شهود عيان أن أغلبهم من المقاتلين الأجانب ويرتدون زيًّا مميزًا وأحزمة ناسفة ويحملون أسلحة خفيفة، وذلك في إشارة إلى أنهم من قوات النخبة الخاصة بـ"داعش"، وهو عكس ما كان متصورًا من أن عناصر التنظيم ستتجه إلى الرقة. في حين أفادت تقارير أخرى -بمواقع التنظيم الرسمية- أن التنظيم لم يسمح بالخروج إلى الرقة من الموصل إلا لمقاتليه المصابين فقط.

السيناريو الثاني: التخفي، وذلك على غرار التجارب السابقة في المعارك التي اندلعت في كل من العراق وسوريا، خاصة معركتى منبج والباب؛ حيث يقوم موالون للتنظيم بتغيير ملامحهم بحلق اللحى وترك الزى العسكري الخاص بالتنظيم أو اللجوء إلى ارتداء أزياء النساء، وهى حالات محدودة لعناصر قيادية كما حدث في واقعة هروب والي "داعش" في منطقة الشرقاط العراقية أبو عمر العسافي، وفق ما أعلنته المصادر الأمنية العراقية في سبتمبر 2016، أو كأفراد أو خلايا محدودة تفر من المعارك، على غرار ما حدث في منبج خلال شهر يوليو 2016 وأعلنته الفصائل السورية على مواقعها.

ومن الممكن أيضًا التخفي في أوساط النازحين في حال وجود خطة لإقامة مناطق لجوء، كما حدث في العراق قبيل إطلاق معركة الموصل، حيث نجح عدد من المنضمين للتنظيم من أبناء المناطق العراقية في التخفي وسط عائلاتهم، وأفادت تقارير بأن آخرين تمكنوا من الاندساس وسط النازحين من خلال تزوير هوياتهم. لكن هذا الأمر يبقى غير متاح للمقاتلين الأجانب، وهنا تجدر الإشارة إلى أن المعارك الجارية في الرقة لا تزال في المناطق الريفية، لكن مع وصولها إلى المدينة ذات الكثافة العالية فإن الأمر سيكون أكثر صعوبة.

 السيناريو الثالث: الهروب إلى مناطق مستقرة نسبيًّا، أو التي لا تعتمد على فرز قاطنيها. فخلال عمليات استعادة عدد من قرى ريف الرقة لم تنفذ عمليات فرز سكانها مع الاستعادة السريعة لها، خاصة أن الاستهداف تركز حول من كانوا في خطوط المعركة الأمامية من مقاتلي التنظيم. ومن هنا يمكن القول إن هذه المناطق تشكل ملاذات للعديد من عناصر التنظيم بشكل فردي، أو على شكل مجموعات صغيرة تمكنت -في الغالب- من نسج صلات مع عناصر من تلك المناطق. وغالبًا ما ستشكل الحالات التي ستلجأ إلى هذا السيناريو مرحلة انتقالية للخروج من أرض المعركة بشكل عام وفقًا للمسارات المتاحة لاحقًا.

 السيناريو الرابع: العائدون مبكرًا، وهو سيناريو تكرر كثيرًا بعد المعارك الكبرى ضد التنظيمات الإرهابية، كما حدث مع تنظيم "القاعدة" بعد الحرب على أفغانستان، بما يعني أن هذا السيناريو يتعلق بمرحلة ما بعد انتهاء المعارك وسقوط التنظيمات. وفي ظل الانهيار المتوالي للتنظيم ظهرت مؤشرات عديدة تدعم من إمكانية حدوث هذا السيناريو، مثل محاولة العديد من العناصر الإرهابية التي انضمت لـ"داعش" العودة من جديد إلى دولها الأصلية، على غرار تونس، التي تصاعدت حدة الجدل داخلها مؤخرًا حول عودة الإرهابيين المنخرطين في التنظيمات الإرهابية في الخارج.

السيناريو الخامس: التحول إلى "خلايا نائمة" أو الهروب التكتيكي، وذلك للرد على الضربات العسكرية التي يتعرض لها التنظيم من جانب أطراف مختلفة، عبر الاتجاه نحو تنفيذ هجمات إرهابية سريعة. وقد أعلن التنظيم بالفعل في نشرته الدورية على موقع "أعماق" مع إطلاق عملية الموصل، عن تمكنه من القيام بـ157 عملية انتحارية في بغداد، أى خارج الموصل، وهو ما يعني أن البدائل المتاحة لديه لا تزال قائمة.

واللافت في هذا السياق هو أن بعض خطب القيادات الرئيسية في التنظيم أشارت إلى إمكانية انهيار "الدولة" التي أسسها وإلى أن الأولوية تتركز حول بقاء الأفكار أكثر من بقاء الأرض، وهو سياق يمكن أن يدفع جزئيًا التنظيم، على عكس ما يدعي، إلى قبول خروج عناصر مهمة منه لتكون بمثابة "خلايا نائمة" يمكنها العودة إلى تنفيذ عمليات إرهابية سريعة، ومحاولة تطبيق أفكارها في وقت لاحق. 

ورغم ذلك، يمكن القول في النهاية إن تلك السيناريوهات في مجملها تواجه إشكاليات عديدة قد تضعف من احتمالات حدوث أى منها، لا سيما في حالة ما إذا تم التغاضي عن معالجة الأسباب التي تتشكل في ضوئها حواضن الإرهاب في كل من العراق وسوريا، وعلى رأسها انتشار وتزايد نفوذ الميليشيات المسلحة الحليفة لإيران في سوريا، إلى جانب إقصاء وتهميش بعض المكونات المجتمعية واستمرار انتهاكات ميليشيا "الحشد الشعبي" في العراق، فضلا عن تراجع القدرة على ضبط الحدود بين الدولتين، والذي يشكل آلية رئيسية استند إليها التنظيم في التعامل مع العمليات العسكرية التي تعرض لها خلال المرحلة الماضية.