"معضلة الاستتابة":

الملامح السيكولوجية لشخصية "المقاتل الأجنبي" في الصراعات

23 October 2016


عرض: أمل أحمد، باحثة في العلوم السياسية 

لا يُعد انتشارُ المقاتلين الأجانب في أماكن النزاعات والحروب ظاهرة جديدة؛ حيث تشير الإحصائيات إلى أن المقاتلين الأجانب اشتركوا فيما يُقدر بحوالي 69 حربًا أهلية من أصل 313 حربًا تم تصنيفها بناءً على مؤشرات محددة بأنها تقع ضمن نطاق الحروب الأهلية، وذلك في الفترة من 1815 إلى 2015.

وقد اهتمت أغلب الأدبيات التي تناولت ظاهرة المقاتلين الأجانب بتوصيف الظاهرة، فيما اتجه عدد قليل منها إلى تقديم أسباب واضحة لتزايد عدد المقاتلين الأجانب، ولهذا تتجه هذه الدراسة المعنونة "سيكولوجية المقاتلين الأجانب" إلى تحليل أسباب هذه الظاهرة من خلال المنظور النفسي، وقد تم نشر هذه الدراسة في دورية "دراسات في الصراع والإرهاب" في عددها الصادر في مايو 2015، وقام بتأليفها كل من "راندي بوروم" الأستاذ بجامعة جنوب فلوريدا، و"روبرت فين" الأستاذ المتخصص في الطب النفسي بجامعة هارفارد وجامعة ماساتشوستس.

مفهوم المقاتلين الأجانب:

يُشير مصطلح المقاتلين الأجانب إلى "الأشخاص الذين يقومون بأدوار قتالية في الحروب خارج حدود وطنهم"، وقد انتشر هذا المصطلح في وسائل الإعلام الغربية في أواخر الثمانينيات لوصف المقاتلين المصريين والباكستانيين الذين سافروا إلى أفغانستان لدعم المقاومة ضد التوغل السوفيتي، كما عاد هذا المصطلح للانتشار بداية من عام 2001 بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.

وقد تعددت تعريفات المقاتلين الأجانب التي يمكن من خلالها أن تتضح التفسيرات المختلفة التي رآها بعض المنظِّرين لهذه الظاهرة، مثل تعريف "سيروين مور" (الأستاذ المتخصص في العلاقات الدولية في جامعة برمنجهام) بأنهم: "المشاركون في أعمال عدائية في دول خارج إقليمهم بدافع الدين أو القرابة أو الأيديولوجية وليس بدافع مالي"، وبناءً على هذا التعريف لا يجب تصنيف المرتزقة ضمن المقاتلين الأجانب.

فيما يعرفهم "ديفيد مالت" (الأستاذ بجامعة ملبورن الأسترالية) بأنهم: "المقاتلون الذين ليسوا من دول الصراع، ويفتقرون إلى الانتماء للجيش الرسمي النظامي في هذه الدول".

وتختلف المهام التي يقوم بها المقاتلون الأجانب في الصراعات عبر الوطنية؛ حيث يتجه بعضهم إلى العمل المباشر الذي ينطوي على المشاركة في القتال، كما يقوم بعضهم بمهمات الدعم التشغيلي (والذي يشمل: التخطيط، ودعم الهجمات، وإعداد الأسلحة والمواد الفتاكة والمتفجرات)، بالإضافة إلى قيام بعضهم بتوفير مصادر التمويل، وتولي مسئولية الاستراتيجية الإعلامية، وأخيرًا قد يقوم بعضهم بالدعم اللوجيستي (مثل: توفير المال أو الطعام أو السكن، وشراء أو تقديم وثائق مزورة أو تحديد الهوية، ومعدات الاتصالات، والنقل).

المحفزات النفسية:

تؤكد الدراسة أن دوافع مشاركة المقاتلين الأجانب في القتال الخارجي متنوعة، فقد تنبع -على سبيل المثال- من حالات الظلم التي يتعرضون لها، فضلا عن عوامل الدفاع عن الجماعة التي ينتمون إليها بحكم الهوية (كالقبيلة، والعشيرة، والعرق)، أو الدفاع عن عقيدة دينية أو أيديولوجية معينة مما يدفعهم للمشاركة في النزاع المسلح حتى ولو لم يكن بحكم الجنسية.

وعلى الرغم من أهمية الدوافع الخارجية كعامل جذب، إلا أن الدوافع الداخلية تعد الأكثر تأثيرًا بحسب الدراسة، ويمكن الإشارة إلى أهم الدوافع الداخلية فيما يلي:

1- الولاء: يُعد الولاء قوة تحفيزية تنبع من شعور الشخص بالإخلاص والالتزام تجاه المجتمع، وقد يكون الدافع وراء هذه الحالة من الولاء تجاه المجتمع المعتقدات المشتركة أو الشعور بالانتماء لزعيم معين أو العرق، وقد أشارت إحدى الدراسات المعنونة "المقاتلون الأجانب: الهوية عبر الوطنية في الصراعات الأهلية" إلى أن 43% من المقاتلين الأجانب قد انخرطوا في حروب أهلية بسبب العرق والولاء للجماعة، وذلك بناءً على تحليل 300 صراع أهلي في أقاليم وفي عقود مختلفة.

2- دافع البقاء: يعد هذا الدافع المحرك الأول لأي إنسان وفقًا لهرم "إبراهام ماسلو" للاحتياجات، حيث إن رغبة الشخص في البقاء على قيد الحياة تدفعه لاتباع آليات غير متوقعة من أجل تحقيق هذا الهدف، فعندما تزداد حدة الصراع قد يُضطر الشخص إلى الانضمام إلى إحدى الجماعات التي تضمن له تحقيق دافع البقاء عن طريق تقييمه للمنفعة المتبادلة، وفي حالة إن كان هذا الدافع هو المحرك للشخص للانضمام لجماعة خارج وطنه فإن ميله للتمرد يكون أقل.

3- الحوافز الاقتصادية: على الرغم من أن بعض الدراسات ترفض تصنيف المقاتلين الذين ينخرطون في الصراعات خارج حدود أوطانهم بدافع اقتصادي كمقاتلين أجانب، وترى أنهم يجب أن يصنفوا ضمن فئة المرتزقة؛ فإن هذا لا ينفي وجود عدد من الدراسات الأخرى التي ترفض هذا، وتصر على تصنيفهم كمقاتلين أجانب. وبصفة عامة، يمكن القول إن غالبية الدراسات التي ناقشت هذا الدافع رأت أن هذا الدافع لا يُعد أحد عوامل الجذب والاستقطاب إلا في حالات نادرة، إلا أنه يُعد حافزًا لمزيد من المشاركة بفعالية في الجماعة بعد الانضمام.

4- الضغوط النفسية: ففي بعض الحروب الأهلية يشارك بعض المقاتلين من خلال التلاعب النفسي بهم، والضغط عليهم بأساليب ووسائل نفسية، كأن يتم نشر خطاب بأن عدم المشاركة في هذا القتال يعتبر عدم نصرة لأبناء دينه، وأن الوبال سيجلب عليهم بسبب هذه الحالة من السلبية، وقد يساهم بعض الأفراد العاديين دون وعي في تناقل هذا الخطاب.

5- دوافع مختلفة: اختلفت الدوافع الذي قدمها الباحث "مات فنهيس" مساعد وزير الدفاع الأمريكي لشئون العمليات الخاصة، والذي أجرى مقابلات مع ما يُقدر بحوالي 2032 مقاتلا أجنبيًّا تم القبض عليهم من قبل قوات التحالف في أفغانستان والعراق وخليج جوانتانامو في كوبا، كما قام بدراسة حالاتهم المادية مع إجراء مقابلات معمقة مع عائلاتهم والدائرة المحيطة بهم، ومن خلال هذه المقابلات تم تصنيفهم إلى أربع فئات:

أ- مقاتلو الثأر الذين تسيطر عليهم حالة من الإحباط والغضب، وهو ما يمثل 22% من المقاتلين الأجانب الذين تم إجراء المقابلة معهم.

ب- المقاتلون الذين يسعون إلى إجبار الآخرين على الاعتراف بهم وتقديرهم، ويمثلون 25% من المقاتلين.

ج- المقاتلون الذي يبحث عن الهوية، ويكون مدفوعًا بالأساس لحاجته إلى الانتماء وتحديد هويته أو الشعور بذاته من خلال الانتماء لجماعة ما، ويمثلون 7%.

د- مَثَّلَ المقاتلون الذين يسعون إلى الإثارة والمغامرة والمجد ما يقدر بحوالي 5% من إجمالي المقاتلين الأجانب الذين تم إجراء المقابلة معهم. 

مقاتلو الشرق الأوسط:

قامت الدراسة بتحديد أنماط المقاتلين المنخرطين في صراعات الشرق الأوسط فيما يلي:

1- سوريا: تشير التقديرات إلى أن ما يقرب من 30000 شخص من 80 بلدًا على الأقل سافروا إلى سوريا للمشاركة في الحرب الأهلية ومقاومة نظام الأسد أو لدعم الدولة الإسلامية، وهو ما يمثل عددًا أكبر بكثير من المقاتلين الأجانب الذين شاركوا في أفغانستان خلال الغزو السوفيتي أو في هجمات 11 سبتمبر أو حتى في العراق، وذلك استنادًا إلى تقرير صوفان جروب The Soufan Group الصادر في ديسمبر 2015.

ويعود ذلك في الأساس إلى سهولة الوصول إلى سوريا نظرًا لعدم قدرة الدولة على التحكم في الحدود، وانتشار الأفكار والأخبار الجهادية على نطاق واسع في وسائل الإعلام المختلفة. ومن خلال فحص أسباب سفر الكثيرين خارج حدود وطنهم للقتال في سوريا والعراق، ظهرت أربعة محاور تحفيزية بارزة، هي: الاعتقاد بأن الكفاح من أجل إقامة الخلافة في بلاد الشام والعراق جزء من معارك آخر الزمان التي يجب أن يشترك فيها الفرد ليثبت أنه مسلم صالح، كما يوجد عدد منهم يقاتل بدافع إسقاط نظام الأسد الذي يراه نظامًا قمعيًّا قام بسفك الدماء.

وأشار الباحث إلى أنه رغم أن الغالبية العظمى من معارضي نظام الأسد من الجهاديين السنة والذين يأتون من دول عربية، بالإضافة إلى وجود حوالي 3000 آلاف مقاتل من الولايات المتحدة، وكندا، وأستراليا، وأوروبا الغربية، منهم حوالي 500 مقاتلة أجنبية؛ فإن هناك أيضًا عددًا لا يستهان به يصل إلى عشرة آلاف مقاتل شيعي جاءوا من لبنان والعراق وإيران لدعم الأسد، وهذا ما دفع بعض المحللين للقول بأن الحرب السورية ستكون حاضنة لجيل جديد من الإرهاب.

2- العراق: لا تُعد ظاهرة المقاتلين الأجانب جديدة على العراق؛ فقد قدرت وزارة الخارجية الأمريكية في عام 2006 أن ما يتراوح بين 4% إلى 10% من المتمردين على نظام الحكم في العراق كانوا ضمن المقاتلين الأجانب الذين جاءوا في عهد صدام حسين ووقت الاحتلال الأمريكي، وقد جاء معظم المقاتلين الأجانب إلى العراق في الوقت الحالي من الجزائر بنسبة 20%، وسوريا بنسبة 18%، واليمن بما يقدر بحوالي 17%، وأخيرًا مصر بما يقدر بحوالي 13%، وذلك بناءً على تصريحات بعض المسئولين الأمنيين في العراق.

وكانت العوامل المسببة لمشاركة مقاتلين أجانب في العراق بناءً على تحليل إمبريقي مشابه لتلك العوامل التي تؤدي إلى إنتاج الظاهرة الإرهابية، مثل: انخفاض مستوى الحريات المدنية والحقوق السياسية، وضعف معدل الإلمام بالقراءة والكتابة، وضعف الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد.

كما أشارت بعض التحليلات الكيفية إلى أنها تتنوع بين دوافع سياسية ودوافع أيديولوجية، ومنها: الانتماءات العائلية، أو الغضب على فقد الأصدقاء والأقارب، أو عدم قدرة الحكومة على توفير الأمن أو حتى الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء، واتجه بعض الذين لديهم ميول إجرامية إلى ذلك كفرصة للكسب المالي، كما أكد عالم الاجتماع "هيويت وكيلي مور" أن الاحتلال العسكري عامل رئيسي في دفع المقاتلين الأجانب للتدفق إلى العراق، خاصة بعد السلوكيات الاستفزازية والانتهاكات من قبل الأمريكيين في معتقل أبو غريب.

3- أفغانستان: كان الصراع يقوده بالأساس في البداية (حركة طالبان)، ويركز على استعادة حكم طالبان، وقد ساندت حركة طالبان جماعات أجنبية كتنظيم القاعدة وحركة أوزبكستان الإسلامية اللذين يتمتعان بأجندة عالمية، والجدير بالذكر أن الصراع في أفغانستان مختلف كثيرًا عن الصراع في سوريا والعراق؛ حيث إن 71% من المقاتلين الأجانب كانوا من الجدد المفتقدين للخبرة القتالية اللازمة، وتم تدريبهم في أفغانستان في معسكرات قتالية.

وبحسب بعض الإحصائيات، تم تقسيم المقاتلين الأجانب على النحو التالي: 40% للمشاركة في الأعمال القتالية، وحوالي 14% للتدريب، ونحو 14% للإدارة ووسائل الإعلام، وحوالي 10% لتحريض السكان المحليين وتحفيزهم على المشاركة، فيما يشارك 11% في الأعمال الانتحارية، كما كشفت الدراسات أن المقاتلين الأجانب في أفغانستان قد جاءوا من 22 بلدًا مختلفًا.

وإجمالا، يرى الباحثان أن الفرد قد تكون دوافع الانضمام لديه في بداية الانتقال إلى الدولة الأجنبية دوافع بسيطة على غرار رغبته في المغامرة، أو بسبب دافع أيديولوجي، ومع استمرار انخراطه في الجماعة تصبح دوافعه أكثر تعقيدًا ومتشابكة، وقد تضم كافة الأسباب التي سبق ذكرها، كما تصبح قابلة للتغير مع مرور الوقت، ونتيجة لتعقد الدوافع وتشابكها مع الوقت يصبح من الصعب تطبيق ما يُعرف بالاستتابة، وذلك على عكس المراحل الأولى التي يكفي فيها إشباع دوافع الأفراد وحاجاتهم لضمان انخراط الفرد من جديد في المجتمع.

المصدر:

Randy Borum & Robert Fein, " The Psychology of Foreign Fighters", Studies in Conflict & Terrorism Journal, May 2016.