ثلاثة مؤشرات:

توقعات بالارتفاع التدريجي لأسعار النفط

10 March 2016


اتفقت المملكة العربية السعودية وجمهورية روسيا الاتحادية ودولة قطر وجمهورية فنزويلا في اجتماع وزاري مغلق بالدوحة، يوم 16 فبراير الماضي، على خطط لتجميد إنتاجها من النفط عند مستوياتها في شهر يناير 2016، شرط التزام المنتجين الآخرين بذلك الأمر.

وعلى الرغم من أن عقد مثل هذا الاجتماع كان في حد ذاته مرغوباً فيه كخطوة مبدئية طال انتظارها في جهود تنسيق إنتاج النفط بين الدول المصدّرة الرئيسية له للحدّ من فائض الإنتاج المتدفق للأسواق، فإن أثر الإعلان السابق على الأسواق كان محدوداً نسبياً. ومع ذلك، ثمة مؤشرات عديدة ترجح عودة الارتفاع مرة أخرى في أسعار النفط خلال الفترة القادمة.

تأثيرات محدودة لتجميد إنتاج النفط

كانت الأسواق تتوقع اتفاق السعودية وروسيا وقطر وفنزويلا على تخفيض إنتاج النفط وليس تجميده، وبالتالي كان أثر الاتفاق الأخير لهذه الدول محدوداً، بسبب عدد من العوامل أهمها ما يلي:

1- كل من المملكة العربية السعودية وروسيا – المعنيتين الرئيستين ببيان تجميد إنتاج النفط - تنتجان النفط عند مستويات مرتفعة تقارب حجم الطاقة الإنتاجية القصوى أو السقوف على الإنتاج. فبالنسبة للسعودية، تقدًّر طاقتها الإنتاجية بنحو 12- 12.5 مليون برميل يومياً، بينما أنتجت فعلياً في يناير 2016 نحو 10.1 مليون برميل يومياً وفقاً لبيانات صحيفة وول ستريت جورنال، مع ملاحظة أن حجم الإنتاج السعودي من النفط يصل تقريباً لسقف إنتاجها في ظل نظام الحصص بمنظمة "أوبك".

وفيما يتعلق بحجم الإنتاج الروسي من النفط، فقد بلغ في شهر يناير 2016 نحو 10.9 مليون برميل يومياً، وهو ما يُمثّل إنتاجاً بكامل الطاقة الإنتاجية بناءً على تقديرات المنتدى الاقتصادي العالمي، ويمثِّل حجم إنتاج قياسي غير مسبوق منذ عهد الاتحاد السوفييتي السابق.

وبالتالي، فمن الصعب تخيل أن مجرد "تجميد" الإنتاج سيؤدي لأثر ملموس على أسعار النفط في الأجل القصير.

2- إعلان تجميد الإنتاج في الدول الأربع قد ربط هذا الإجراء بقيام دول منتجة رئيسية أخرى بإجراء مماثل، فوفقاً لتصريح وزير الطاقة والصناعة القطري بعد الاجتماع الوزاري الذي عقد في الدوحة: "اتفقت الدول الأربع وبهدف استقرار أسواق النفط، على تجميد الإنتاج عند مستوى شهر يناير 2016 بشرط أن يحذو منتجون كبار آخرون حذونا". وهذا الشرط يعتبر صعب التحقيق ولا ترغب دولتان منتجتان رئيسيتان للنفط في الالتزام به، وهي العراق وإيران، حيث تعمل الدولتان على زيادة إنتاجهما بصورة متزايدة لتعويض النقص، حيث  كانتا تعانيان منه، سواء لأسباب داخلية في حالة العراق، أو بسبب العقوبات الدولية في حالة إيران.

وجدير بالذكر هنا أن جمهورية العراق كانت قد أعلنت أن مستوى إنتاجها قد بلغ حجماً قياسياً في يناير 2016، حيث قُدر بنحو 4.775 مليون برميل يومياً، قبل أن يتراجع لأسباب فنية في شهر فبراير الماضي، فيما زادت إيران من صادراتها النفطية بنحو مائتي ألف برميل يومياً منذ ديسمبر 2015 وفقاً لمسح أجرته "رويترز"، وخمسمائة ألف برميل يومياً وفقاً للمسؤولين الإيرانيين.

3- يبدو أن المملكة العربية السعودية قد حدّدت سياستها النفطية المستقبلية بعدم تخفيض إنتاجها، فقد أكَّد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية، بعد يومين من اجتماع الدوحة، أنه "إذا أراد منتجون آخرون الحد من الإنتاج فذلك قد يؤثر على السوق، لكن السعودية غير مستعدة لخفض الإنتاج". وهذا التوجه الحازم للرياض يشير إلى صعوبة التفاوض مستقبلاً حول إمكانية تخفيض المنتجين الرئيسيين للنفط في إطار جماعي يتقاسم فيه الأطراف حجم التخفيض المطلوب.

ويعتبر الموقف السعودي في هذا الصدد عادلاً ويتفق مع الأسس الاقتصادية السليمة، فقد امتنع العديد من المنتجين من خارج منظمة "أوبك" سابقاً على التعاون مع المملكة العربية السعودية من أجل تنظيم الإنتاج للحفاظ على مستويات مرتفعة من أسعار النفط، بل وكانت الضغوط تظهر بصورة ملحوظة على المملكة على وجه التحديد لتخفيض إنتاجها لضبط السوق. لكن قواعد السوق لا تستقيم مع هذا المنطق الذي يرى أنه على الدولة الأرخص في تكاليف الإنتاج أن تقلّص من إنتاجها ليتم الحفاظ على أسعار مرتفعة تسمح لمنتجين ذوي تكلفة إنتاجية مرتفعة بالتوسع في إنتاجهم.

وبناءً على ذلك، وأخذاً في الاعتبار الخلافات غير الاقتصادية بين منتجين رئيسيين للنفط، من المنتظر أن يؤدي الإصرار السليم من السعودية على الحفاظ على حصتها السوقية إلى الاستمرار في "تخمة" المعروض من النفط عالمياً، على الأقل في الأجل القصير.

توقعات بارتفاع أسعار النفط مستقبلاً

مع الأخذ في الاعتبار محدودية أثر نتائج اجتماع الدوحة على أسواق النفط العالمية، يتبقى سؤال مفاده: هل سيؤدي ذلك لاستمرارية تراجع أسعار النفط في الأجلين المتوسط والطويل؟ الإجابة المرجّحة هي لا.. فمن المتوقع أن تعاود أسعار النفط تحقيق بعض الارتفاع مستقبلاً، وإن كان من الصعب تخيُّل وصولها لمستويات ما قبل منتصف عام 2014 التي فاقت المائة دولار للبرميل.

وبالتالي، يمكن القول إن ثمة توقعات بعودة الارتفاع التدريجي لأسعار النفط مستقبلاً، وهذه التوقعات مردها عوامل عديدة أهمها ما يلي:

1- لن يستطيع إنتاج النفط الجديد (الصخري في الولايات المتحدة، والرملي في كندا) المنافسة والاستمرار في الأجل الطويل في ظل المستويات الراهنة لأسعار النفط. فعلى الرغم مما قيل عن "صمود" إنتاج النفط الصخري الأمريكي أمام تراجع الأسعار، ووصفه البعض بتميزه بالمرونة والقدرة على التأقلم وترشيد التكاليف مع التقدّم التقني، غير أن الواقع يسمح بمعارضة هذا الرأي.

وإذ كان إنتاج النفط الصخري قد أسهم في ارتفاع إنتاج النفط الأمريكي بمليون برميل يومياً لكل سنة من السنوات الثلاث السابقة لمرحلة تراجع الأسعار، لكن هذا الإنتاج كان يتم بواسطة شركات تعتمد على قروض تأخذ في الاعتبار استمرار المستويات المرتفعة للنفط. ونظراً لأن التكاليف الثابتة لحفر آبار النفط الصخري تمثّل عنصر التكلفة الأعلى مقارنةً بالتكاليف التشغيلية، فقد أدى تراجع الأسعار إلى أن يكون الاستمرار في الإنتاج مجدياً عن التوقف عنه، وهو الأمر الذي أظهر ما سبق ملاحظته من "صمود" إنتاج النفط الصخري.

لكن تجدر الإشارة هنا إلى أن آبار النفط الصخري يتراجع إنتاجها بصورة أسرع بدرجة ملحوظة من آبار النفط التقليدية، حيث يقدّر للمتوسط منها أن يتراجع إنتاجه بنحو 60- 70% خلال العام الأول من الإنتاج. وتحتاج البئر بعد نحو سنتين إلى ثلاث سنوات لمعالجة مكلفة من أجل إعادة رفع إنتاجها، وهو الأمر الذي سيقصِّر عمرها الإنتاجي في ظل الضغوط المالية على المنتجين بسبب التزامات القروض التي استخدموها في تمويل قيامهم بالإنتاج.

وبالتالي، وبعد مرور نحو عام وعشرة أشهر على بدء تراجع أسعار النفط، ليس من المستغرب أنه بعد مرحلة "الصمود" التي مرّ بها النفط الصخري الأمريكي، يُلاحظ أن عدد المنصَّات الخاصة بالآبار قد تراجع مؤخراً لمستوى قياسي في فبراير الماضي، ليقتصر على 400 منصة بتراجع بنسبة 68% عن مستوياتها في أكتوبر 2014، وهو المستوى الأدنى خلال الأعوام السبعة الماضية.

كذلك يُلاحظ أن إنتاج النفط الرملي في كندا قد تراجع بصورة ملموسة خلال الفترة الأخيرة، وذلك في ضوء ارتفاع تكاليف إنتاجه، ونقله خاصةً في فصل الشتاء، حيث يحتاج وسائل تسخين خاصة للحفاظ عليه بدرجة لزوجة مقبولة تمكِّن القائمين على تكريره من استغلاله.

2- على الرغم من الموقف الحازم من المملكة العربية السعودية بالنسبة لموضوع تخفيض إنتاجها من النفط، فإن الفرصة أصبحت أكبر لعقد المزيد من المفاوضات متعددة الأطراف بين الدول المصدرة الرئيسية للنفط من أجل تنسيق أحجام إنتاجها. فلا شك أن الاجتماع الوزاري الرباعي الذي عُقد في الدوحة الشهر الماضي يمكن أن تتبعه مفاوضات غير مُعلنة لتنسيق إنتاج النفط، وهو الأمر الذي يمكن أن ينتهي لاتفاق عادل للتنسيق. وربما قد تبدأ مثل هذه الاجتماعات التنسيقية مع نهاية مارس الحالي، وفقاً لما نشرته بعض وسائل الإعلام.

3- سيخرج الاقتصاد العالمي من مرحلة تباطؤه إن عاجلاً أم آجلاً، فالتباطؤ الذي شهده الاقتصاد العالمي بعد الأزمة العالمية لعام 2008 قد ألقى بظلال ثقيلة على تطور الطلب على النفط، لكن بعد مرور نحو ثماني سنوات منذ الأزمة، بدأت بعض الشواهد، خاصةً في الولايات المتحدة، تشير إلى تزايد احتمالات الخروج من مرحلة التباطؤ، وهو الأمر الذي يمكن أن يسهم في عودة أسعار النفط للارتفاع بصورة معتدلة.

ختاماً، لا شك أن العامين الأخيرين كانا من ضمن الفترات الأكثر إثارة للاهتمام بالنسبة للمهتمين بالطاقة بوجه عام. وإذا كان التغير في العوامل المؤثرة على جانبي العرض والطلب في سوق النفط لايزال في تطور مستمر، فإن ثمة عوامل أخرى مؤثرة على مستقبل أسواق الطاقة بصورة عامة وسوق النفط بصورة خاصة بخلاف المذكورة أعلاه، حيث سيكون للتقدم التقني في مجالات مثل السيارات الكهربائية، وفي رفع كفاءة وتخفيض تكاليف إنتاج بدائل الطاقة الأحفورية آثار ملموسة على تحرك أسعار النفط خلال السنوات القادمة.