فيروس "كورونا":

كيف يتعامل اقتصاد الشرق الأوسط مع الأزمة؟

02 February 2020


يعتبر فيروس "كورونا" الجديد، الذي ظهر وانتشر في الصين، ووصل إلى دول أخرى، خلال الأسابيع الأخيرة، أحد مصادر التهديد المحتملة للاقتصاد العالمي، وكذلك بالنسبة للاقتصادات التي ترتبط بشكل مباشر بالأسواق العالمية، وتعتمد في صادراتها أو الحصول على الاستثمارات على الأسواق العالمية. ويمثل اقتصاد منطقة الشرق الأوسط أحد الاقتصادات المتوقع أن يكون لفيروس "كورونا"، في حال انتشاره عالمياً، تأثير سلبي كبير على أدائه، لاسيما في الأجل القصير، باعتبار أن المنطقة هى المنتج والمُصدِّر الأول للنفط عالمياً، كما أن لها علاقات تجارية واستثمارية وسياحية كبيرة مع الاقتصاد العالمي.

خسائر اقتصادية:

أعلنت السلطات الصينية، في 2 فبراير 2020، ارتفاع عدد الوفيات بسبب فيروس "كورونا" الجديد إلى 304 حالة وفاة، ووصول العدد الإجمالي للإصابات المؤكدة به (في الصين) إلى أكثر من 14,380 إصابة. وفي التاريخ نفسه، ارتفع عدد الدول التي وصل إليها الفيروس إلى أكثر من 22 دولة، منها كوريا الجنوبية وسنغافورة وفيتنام وألمانيا والولايات المتحدة. وقد أدى ذلك إلى انتشار حالة من الهلع حول العالم، ولاسيما بعد أن أعلنت منظمة الصحة العالمية "حالة طوارئ صحية عالمية" بسبب الفيروس الجديد.

وقد ألقى هذا التطور السلبي بظلاله على الاقتصاد العالمي، فتسبب في تراجع أسعار النفط العالمية إلى ما دون 60 دولاراً للبرميل للمرة الأولى منذ شهور، لتفقد الأسعار نحو 15% من قيمتها خلال شهر يناير الفائت، حيث أثر انتشار الفيروس على الطلب على وقود الطائرات والبنزين والديزل، كما أن هناك تقديرات أولية تشير إلى انخفاض الطلب الصيني على النفط بسببه بمقدار 250 ألف برميل يومياً. 

وقد أصدرت بعض شركات النفط العالمية الأمريكية، مثل "إكسون موبيل" و"شيفرون" وغيرها، نهاية الأسبوع الماضي، نتائج فصلية ضعيفة، وإن كانت تلك النتائج تغطي ربع السنة المنتهي في 31 ديسمبر الماضي، وهى الفترة التي تأثرت سلباً بتوتر العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وليس بسبب فيروس "كورونا"، لكن إضافة التداعيات السلبية المحتملة للفيروس إلى ذلك الأداء الضعيف لتلك الشركات، التي تعد نتيجة مباشرة لتراجع أسواق السلع الأولية، من شأنه أن يؤدي إلى المزيد من التراجع، لاسيما وأن التأثير المحتمل للفيروس يتوقع أن يتجاوز فيروس "سارس" في عام 2003.

وبالتزامن مع تراجع أسواق النفط، فقد تكبدت الأسواق المالية العالمية أيضاً خسائر غير مسبوقة منذ فترة، حيث سجلت أسواق منها أكبر معدلات خسارة يومية منذ زمن، كما هو الحال في البورصة اليابانية؛ وتكبدت أسواق المال الأمريكية والأوروبية تراجعات كبيرة، فاقت ما نسبته 2% في أول جلسات التداول بعد الإعلان عن ظهور الفيروس الجديد. وقد كانت خسائر قطاع السياحة والسفر والنقل العالمي هى الأكثر بين جميع القطاعات، حيث شهدت أسعار أسهم شركات الطيران ووكالات السفر انخفاضاً حاداً، وكانت هى السبب الرئيسي في تراجع معظم أسواق المال حول العالم، لاسيما بعد أن أشارت وكالة "بلومبرغ" إلى أن رسوم استخدام سفن نقل المواد الخام، مثل خام الحديد، انخفضت بنسبة 90% في يناير، مقارنة بأعلى مستوى لها في سبتمبر الماضي، وربطت ذلك بفيروس "كورونا".

وبطبيعة الحال، فقد نالت أسواق الأسهم في منطقة الشرق الأوسط نصيبها من الخسائر بدورها، لاسيما في الجلسات الأولى بعد الإعلان عن الفيروس مباشرة، ويتوقع أن يكون لتراجع أسعار النفط، وكذلك التأثيرات المحتملة للفيروس على التجارة العالمية، المزيد من الآثار السلبية على اقتصاد الشرق الأوسط، في الأجلين القصير والمتوسط.

إجراءات وقائية:

بدأت العديد من الدول حول العالم في اتخاذ إجراءات مالية وقائية ضد الفيروس وتداعياته السلبية، سواءً التي ظهرت حتى الآن أو التي لم تظهر بعد. ورغم إعلان منظمة الصحة العالمية (الخميس 30 يناير 2020)، تفشي فيروس "كورونا" وتحوله إلى "حالة طوارئ عالمية"، كما سبق الذكر، فإنها عارضت فرض قيود على السفر أو التجارة مع الصين، وأبدت ثقتها في قدرة الأخيرة على احتوائه. لكن هذا لم يمنع العديد من الدول من اتخاذ إجراءات مشددة، كمنع دخول الأجانب الذين زاروا الصين في الآونة الأخيرة، كما هو الحال في سنغافورة والولايات المتحدة وأستراليا. 

وعلى الجانب الاقتصادي، اتجهت السلطات النقدية والمالية في بعض الدول إلى اتخاذ إجراءات وقائية لمحاصرة آثار الفيروس، فقام بنك الشعب (البنك المركزي الصيني)، وباعتبار أن الصين هى المتضرر الأكبر من الفيروس حتى الآن، بالإعلان عن عدد كبير من الخطوات، شملت مساعدة الشركات والبنوك والأفراد المتضررين من تفشي الفيروس، من خلال عمليات السوق المفتوحة وآلية الإقراض الدائم، بقيمة تصل إلى 43 مليار دولار، من أجل ضمان المحافظة على كفاية السيولة النقدية بين البنوك، ولضمان استقرار أسواق المال. كما طلب البنك المركزي من البنوك التجارية عدم سحب القروض من الشركات المتضررة من الفيروس، لاسيما من الشركات متناهية الصغر. وفي اليابان، قال رئيس الوزراء شينزو آبي أن الحكومة اليابانية تعمل على صياغة خطوات تهدف إلى "تخفيف تأثير تفشي الفيروس على الاقتصاد الياباني"، حيث سيتم استخدام الاحتياطيات المتوافرة في الموازنة العامة للدولة، لتمويل إجراءات طارئة لمكافحة التداعيات المحتملة لفيروس "كورونا".

وفي خضم ذلك، فإن دول وحكومات منطقة الشرق الأوسط مطالبة أيضاً بالتعامل مع التأثيرات المحتملة لفيروس "كورونا" الجديد على اقتصادها، لكنها- في الوقت ذاته- عليها ألا تبالغ في التعامل مع الأمر، وألا تصيبها حالة من الهلع والخوف مما يمكن أن يتسبب فيه الفيروس على اقتصادها.

 وبشكل عام يمكنها اتخاذ إجراءات من قبيل الإبقاء على اتصال بشكل آني مع القطاع المصرفي لديها، لضمان استقرار مستويات السيولة، وضمان ودائع المتعاملين. كما أنها مطالبة بالبقاء على إطلاع دائم على ما يجري في قطاعات السياحة والسفر، والنقل بشتى صوره، لديها، من أجل التعرف على التحديات التي تواجه الشركات العاملة في هذا القطاعات، واتخاذ الإجراءات اللازمة في حالة الضرورة.

 وبجانب ذلك، هناك ضرورة لتوعية المجتمعات بحقيقة الفيروس الجديد، وتوفير المعلومات الموثوقة عنه، لمساعدة الشركات والأفراد على اتخاذ القرارات الاقتصادية السليمة من دون مبالغة، وبما يصب في النهاية نحو ضمان استقرار الاقتصاد الكلي.