توصلت الدول الراعية لمفاوضات أستانة حول الأزمة السورية (روسيا وتركيا وإيران)، في 4 مايو الجاري، إلى اتفاق يقضي بإنشاء مناطق لوقف التصعيد في سوريا. وقد أثار هذا الاتفاق ردود فعل مختلفة، في الداخل السوري وإقليمياً ودولياً، في ظل تباين وجهات نظر الأطراف الفاعلة في هذه الأزمة. وتبقى احتمالية نجاح تنفيذ فكرة المناطق منخفضة التوتر محل شك، نظراً لوجود العديد من العقبات؛ ومنها استمرار غياب الثقة بين أطراف الصراع، ورفض المعارضة العسكرية والسياسية الاتفاق، وصعوبات تحديد الجغرافيا التي سيشملها وقف القتال.
مضمون الاتفاق:
يمكن رصد مضمون الاتفاق الروسي - التركي - الإيراني بشأن المناطق منخفضة التوتر، من خلال ما يلي:
1- دخول الاتفاق حيز التنفيذ منتصف ليل 6 مايو الجاري، على أن يقوم خبراء عسكريون من روسيا وتركيا وإيران بترسيم حدود أولية في المناطق التي سيتم وقف القتال بها.
2- تشمل مناطق وقف التصعيد ريف إدلب، وأجزاء من أرياف اللاذقية وحلب وحماة، وأجزاء في ريف حمص الشمالي والغوطة الشرقية بريف دمشق، وأجزاء بجنوب سوريا في ريفي درعا والقنيطرة.
3- قيام فريق عمل مشترك من الدول الضامنة (روسيا وتركيا وإيران) بعد أسبوعين من توقيع الاتفاق بإعداد خرائط تفصيلية لحدود مناطق وقف التصعيد، والخرائط الخاصة بفصل فصائل المعارضة المسلحة عن تنظيمي "داعش" و"النصرة"، على أن يتم إنجاز ذلك بحلول 4 يونيو المقبل.
4- توفير الظروف لعودة اللاجئين والنازحين بشكل آمن وطوعي إلى تلك المناطق، بالإضافة إلى بدء العمل على إعادة إعمار البنية التحتية المدنية في هذه المناطق الأربع.
5- ستتضمن مناطق وقف التصعيد نقاطاً للرقابة لضمان الالتزام بها، وحواجز لضمان تنقل المدنيين غير المسلحين، على أن تضمن الدول الراعية للهدنة عمل الحواجز ونقاط المراقبة، كما تدير تلك المناطق اعتماداً على قدراتها. وعلى أساس التوافق بين الدول الراعية، يمكن إشراك قوات تابعة لدول أخرى للعمل في تلك المناطق.
6- يعتبر إنشاء مناطق وقف التصعيد إجراء مؤقتاً مدته 6 أشهر، سيتم تمديد سريانه تلقائياً في حال توافق الدول الضامنة على ذلك. ويسمح الاتفاق بزيادة عدد المناطق الآمنة في المستقبل إلى أكثر من أربع.
7- مواصلة الدول الضامنة جهودها لدعم عملية انضمام فصائل المعارضة المسلحة لوقف إطلاق النار، مع اتخاذ الإجراءات الضرورية كافة لضمان تنفيذ نظام وقف إطلاق النار من قِبل الأطراف المتنازعة.
8- تعهد الدول الضامنة باتخاذ الإجراءات الضرورية كافة لمواصلة الجهود المشتركة لمحاربة التنظيمات الإرهابية في أراضي سوريا، خاصةً تنظيمي "داعش" و"جبهة النصرة" والجماعات المرتبطة بهما داخل وخارج مناطق وقف التصعيد.
المناطق الأربع:
نشرت وزارة الدفاع الروسية خرائط لمناطق وقف التصعيد الأربع في سوريا، التي يمكن إيضاحها على النحو التالي:
المنطقة الأولى: هي أكبر منطقة وتوجد في شمال سوريا، وتشمل ريف إدلب والمناطق المحاذية، ومناطق شمال شرق ريف اللاذقية، وغرب ريف حلب وشمال ريف حماة. ويسكن في هذه المنطقة أكثر من مليون شخص، وتسيطر عليها تشكيلات مسلحة تضم أكثر من 14.5 ألف فرد.
المنطقة الثانية: توجد في شمال ريف حمص، وتشمل مدينتي الرستن وتلبيسة والمناطق المحاذية الخاضعة لسيطرة فصائل مسلحة تضم نحو 3 آلاف فرد. ويسكن في المنطقة قرابة 180 ألف نسمة.
المنطقة الثالثة: تشمل الغوطة الشرقية لدمشق، حيث يسكن قرابة 690 ألف مدني. ولا تتضمن هذه المنطقة حي القابون الذي يسيطر عليه بالكامل تنظيم "جبهة النصرة"، والذي يعد مصدراً لعمليات القصف على دمشق، بما في ذلك على محيط السفارة الروسية.
المنطقة الرابعة: تمتد في جنوب سوريا في المناطق المحاذية للحدود الأردنية في ريفي درعا والقنيطرة. وتخضع أغلبية الأراضي في هذه المنطقة لما يسمى "الجبهة الجنوبية" التي تضم نحو 15 ألف مسلح. ويسكن في المنطقة نحو 800 ألف مدني. (تجدر الإشارة إلى أن عدد مسلحي المعارضة في المناطق الأربع يبلغ نحو 42 ألف فرد)
خريطة توضح مناطق وقف التصعيد الأربع بحسب وزارة الدفاع الروسية
مواقف متباينة:
تمثلت ردود الفعل المحلية في سوريا، والإقليمية، والدولية، على اتفاق مناطق تخفيف التوتر، فيما يلي:
أولاً: المواقف المحلية
جاءت مواقف كل من النظام والمعارضة السورية من الاتفاق الروسي - التركي – الإيراني، على النحو التالي:
1- موقف النظام:
أ- اعتبار أستانة 4 قفزة نوعية بإنجازاتها وتأييد فكرة مناطق تخفيف التوتر، ومطالبة روسيا وإيران بإطلاع دمشق على تفاصيل هذا الاتفاق في أسرع وقت ممكن، وتجديد الالتزام بنظام وقف الأعمال القتالية الموقع في 30 ديسمبر 2016.
ب- التأكيد على استمرار الجيش السوري في حربه ضد تنظيمي "داعش" و"جبهة النصرة" والتنظيمات الإرهابية المرتبطة بهما أينما وجدوا على امتداد الأراضي السورية.
2- موقف قوى المعارضة:
أ- رفض وفد المعارضة المسلحة إلى الأستانة هذا الاتفاق، مؤكداً أن المعارضة ليست طرفاً فيه لأنه يعتبر تهديداً لوحدة الأراضي السورية، كما أعلن استنكاره لوصف إيران على أنها دولة ضامنة للاتفاق. (تجدر الإشارة إلى أن وفد المعارضة كان قد انسحب من مؤتمر الأستانة احتجاجاً على توقيع إيران على الاتفاق).
ب- انتقاد الهيئة العليا للمفاوضات الاتفاق، حيث وصفته بأنه غامض وغير مشروع، ويمهد إلى تقسيم البلاد، وأكدت أن مجلس الأمن هو الجهة المفوضة برعاية أي مفاوضات في القضية السورية.
ج- رفض حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، بقيادة "صالح مسلم"، الاتفاق، واعتبره تقسيماً طائفياً للبلاد، وأنه بمساعدة إيران وروسيا أصبح للحكومة السورية اليد العليا على جماعات المعارضة. كما اعتبر أن هذا الاتفاق يسمح للبعض باستهداف المناطق الخاضعة للأكراد.
ثانياً: المواقف الإقليمية
يمكن رصد أهم المواقف الإقليمية من الاتفاق من خلال ما يلي:
1- الموقف التركي: أكد الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" أن إمكانية إنشاء منطقة آمنة في إدلب و5 مناطق أخرى، من شأنه أن يحل نصف الأزمة السورية.
2- الموقف الإيراني: أعلنت الخارجية الإيرانية أن التنفيذ التام لبنود المذكرة حول إنشاء 4 مناطق لوقف التصعيد في سوريا سيبدأ بعد شهر من توقيع الدول الضامنة للهدنة في البلاد على هذه الوثيقة. كما أشارت إلى أن تنفيذ الاتفاق سيكفل إنهاء الأزمة السورية في أقرب وقت.
ثالثاً: المواقف الدولية
جاءت أهم المواقف الدولية في أعقاب التوصل لاتفاق أستانة بين روسيا وتركيا وإيران، على النحو التالي:
1- الموقف الروسي:
أ- إعلان وزارة الدفاع الروسية أنه تم تعليق استخدام الطائرات الحربية الروسية في مناطق وقف التصعيد اعتباراً من أول مايو الجاري.
ب- اتهام المعارضة بأنها لا تريد تحمل التزامات الاتفاق الذي تحقق في الأستانة، وأنها تسعى إلى استخدام أي ذريعة لقطع أو على الأقل تعطيل مشاركتها فيه.
ج- إعلان وزارة الدفاع الروسية أن تنفيذ الاتفاق سيسمح للجيش السوري بتوجيه قوات إضافية لمحاربة "داعش"، وأن القوات الجوية الفضائية الروسية ستواصل دعم القوات الحكومية السورية في سبيل القضاء على "داعش".
د- التأكيد الروسي على أن طيران التحالف الدولي بقيادة واشنطن أصبح عمله محظوراً بشكل كامل في أجواء مناطق وقف التصعيد بسوريا منذ التوقيع على المذكرة الخاصة بإنشاء هذه المناطق.
هـ- الإعلان عن استعداد موسكو لإعادة تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة بشأن سوريا، والتأكيد على إمكانية انسحاب القوات الخاضعة لإيران من سوريا بعد تثبيت هدنة مستقرة.
و- الإعلان الروسي عن التوصل مع الولايات المتحدة إلى اتفاق يقضي باستئناف العمل بمذكرة السلامة الجوية في سوريا والالتزام الكامل بكافة بنودها.
2- الموقف الأمريكي:
أ- تأكيد الخارجية الأمريكية دعم واشنطن لأي جهود يمكن أن تساهم فعلياً في تخفيف تصعيد العنف في سوريا، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، وتركيز الجهود على محاربة الإرهاب، وخلق ظروف للتسوية السياسية.
ب- تشكيك وزارة الخارجية الأمريكية في مشاركة إيران كدولة ضامنة للاتفاق، بسبب دورها في إطالة أمد الصراع، كما شككت في سجل دمشق فيما يتعلق بتنفيذ اتفاقات سابقة.
3- الأمم المتحدة: أشاد المبعوث الأممي "ستيفان دي ميستورا" بخطة المناطق الآمنة، حيث وصفها بأنها خطوة في الاتجاه الصحيح لوقف حقيقي للقتال. كما أعلن الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريس" عن تحمسه لاتفاق إقامة مناطق آمنة في سوريا، على اعتبار أنه سيساهم في تحسين حياة السوريين.
عقبات التنفيذ:
تتمثل أهم العقبات التي تعترض نجاح تنفيذ فكرة مناطق تخفيف حدة التصعيد في سوريا، فيما يلي:
1- غياب الثقة بين أطراف الصراع السوري، في ضوء فشل الاتفاقات السابقة بين النظام والمعارضة، والرفض الحالي لفصائل المعارضة العسكرية والسياسية للمشاركة في تنفيذ الفكرة. ويُضاف إلى ذلك، استمرار التباين بين موقفي طهران وأنقرة حول سوريا.
2- الصعوبات التي تعترض تحديد الجغرافيا التي سيشملها وقف القتال، وكذلك صعوبات تحديد الحيز الجغرافي الذي يسيطر عليه تنظيما "داعش" و"جبهة فتح الشام" والمجموعات الأخرى التي تُصنف إرهابية من مجلس الأمن.
3- كثرة القوى المتقاتلة على الأرض، بحيث يصعب بشكل دقيق تحديد من سيقوم بخرق الاتفاق، لاسيما في بعض المناطق المعقدة، وما يزيد من هذه الصعوبة غياب مراقبين على الأرض ينتشرون في مناطق الصراع، أو قوات حفظ سلام.
4- التشابك بين بعض التنظيمات الإرهابية والفصائل المعتدلة، ويتضح هذا الأمر في حالة "جبهة فتح الشام" التي لها تداخلات واسعة مع العديد من الفصائل المعارضة في محافظة إدلب.
5- التكثيف المتوقع للعمليات العسكرية من جانب تنظيمي "داعش" و"جبهة فتح الشام"، لضمان عدم نجاح فكرة المناطق منخفضة التوتر، وذلك في ضوء إدراك كلا التنظيمين أن نجاح ذلك الأمر سيؤدي إلى فناء كليهما، نظراً لتركيز عمليات الأطراف الأخرى ضدهما.
6- الواقع العسكري المعقد، وبالتحديد في محافظات إدلب وحماة وريف دمشق، قد يُجهض الاتفاق، في ظل استمرار الاشتباكات بين قوات النظام والمعارضة في الغوطة الشرقية، وكذلك الاقتتال الحالي بين الفصائل المسلحة في الغوطة الشرقية.
ختاماً، سيشكل اتفاق إقامة المناطق منخفضة التوتر، في حال نجاحه، نقطة انعطاف في الملف السوري، حيث يعتمد أي تقدم في المسار السياسي المرتقب على نتيجة جهود وقف القتال. وتبقى احتمالات نجاح فكرة المناطق منخفضة التوتر ضئيلة جداً في ضوء استمرار غياب الثقة بين أطراف الصراع، وصعوبات تحديد الجغرافيا التي سيشملها وقف القتال، وعدم تحديد مناطق سيطرة "داعش" و"جبهة فتح الشام" بشكل واضح، فضلاً عن غموض آليات مراقبة تنفيذ الفكرة، واحتمالية تكثيف تنظيمي "داعش" و"جبهة فتح الشام" عملياتهما العسكرية لضمان عدم نجاح الفكرة.