قامت القوات الأمريكية، فجر يوم 7 أبريل الجاري، بتوجيه 59 ضربة صاروخية من طراز "توماهوك" من مدمرتين تابعتين للبحرية الأمريكية في البحر المتوسط، استهدفت مطار الشعيرات الجوي جنوب شرق مدينة حمص السورية. وجاء ذلك على خلفية التلويح الأمريكي في 6 أبريل الجاري بدراسة خيارات عسكرية في سوريا للرد على استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي مؤخراً في إدلب.
أهمية استراتيجية
يتمتع مطار الشعيرات السوري بأهمية عسكرية واستراتيجية، يمكن إيضاحها من خلال ما يلي:
1- يعتبر المطار أكبر قاعدة جوية سورية في منطقة وسط سوريا، إذ يشكل 25% من القدرة الجوية السورية، وفيها اللواء 22 جوي مختلط (الميج والسوخوي) ومدرجي إقلاع بطول 3 كم، بالإضافة إلى دفاعات جوية من طراز سام 6. ويعتبر ثاني قاعدة من حيث الأهمية والحجم بالنسبة للقوات الجوية السورية.
2- يحوي المطار 40 حظيرة إسمنتية محصنة تضم 3 أسراب من الطائرات، التي توفر الغطاء الجوي للقوات السورية والقوات الإيرانية وقوات حزب الله والفصائل الشيعية الأخرى التي تواجه المعارضة في ريف حمص وريف حماة وريف حلب الغربي.
3- تتولى القوات الجوية في القاعدة المهمة الرئيسية في ضرب تنظيم "داعش" بمنطقة تدمر ودير الزور، وكذلك استهداف عناصر "فتح الشام" والفصائل المرتبطة بها في إدلب.
4- تتمركز بالقرب من هذه القاعدة الجوية قوات إيرانية من الحرس الثوري الإيراني وفصيل النجباء، كما تعتبر امتداداً لمجموعات من حزب الله من القلمون حتى ريف حمص.
النتائج العسكرية
يمكن رصد أبرز النتائج العسكرية للضربات الصاروخية الأمريكية على مطار الشعيرات السوري، وذلك على النحو التالي:
1- تم استهداف الحظائر والملاجئ الحصينة للطائرات السورية في القاعدة الجوية، وكذلك مخازن السلاح وأنظمة الدفاع الجوي، حيث تم ضرب كل هدف بصورة متكررة بالصواريخ، وهو ما أدى إلى دمار شامل في البنية التحتية والمعدات العسكرية.
2- خرجت القاعدة الجوية من الخدمة العسكرية تقريباً، وهو ما يحرم القوات السورية والمناصرين لها، الذين ينخرطون في معارك في ريف حمص وريف حماة وريف إدلب، من الغطاء الجوي.
أهداف متنوعة
هدفت الإدارة الأمريكية برئاسة "دونالد ترامب" من عمليتها الأخيرة في سوريا، إلى توجيه رسائل متعددة لأطراف مختلفة، ويمكن إبرازها من خلال ما يلي:
أولاً: رسائل إلى النظام السوري
1- إقناع النظام السوري بأنه إذا كانت أولوية الإدارة الأمريكية الحالية هي الحرب على الإرهاب وليست إسقاط النظام، فإن ذلك لا يعني التجاوز عن ممارساته التي لا تتوافق مع السياسة الأمريكية.
2- تنبيه الرئيس بشار الأسد إلى أن عنف العملية وقوتها التدميرية يمكن تكرارهما عند الضرورة، وأن على النظام السوري أن يُدرك ذلك جيداً.
3- محاولة تطويع الموقف السياسي للنظام السوري، من خلال إجباره على تقديم تنازلات في العملية السياسية الجارية، سواء في مفاوضات الآستانة أو جنيف.
4- إن تحالف نظام الأسد مع روسيا وإيران لن يحول دون قيام الولايات المتحدة بإجراءات منفردة لعقابه، طالما أنه غير جاد في الوصول للحل السياسي.
5- أن الولايات المتحدة لديها القدرة على إقامة مناطق آمنة في المنطقة التي تم استهدافها، مع فرض حظر جوى مستقبلاً.
6- التأكيد للنظام السوري بأن الفراغ الذي يمكن أن يترتب على تدمير تنظيم "داعش" ومحاصرته، لن يُسمح أن تملئه القوات العسكرية للنظام.
ثانياً: رسائل إلى قوى المعارضة
1- محاولة استيعاب الاستياء الذي ترسَّخ لدى قوى المعارضة وخاصةً العسكرية منها، بعد إعلان الرئيس الأمريكي ترامب مؤخراً أن أولويته ليست إسقاط النظام السوري في هذه المرحلة، ولكن يتركز هدفه حالياً في الحرب على الإرهاب.
2- توجيه دعم أمريكي مباشر لقوى المعارضة من خلال شل القدرات الجوية للنظام السوري في المنطقة الوسطي.
3- مشاركة المعارضة في تشويه صورة النظام السوري دولياً وإقليمياً لإفقاده المزيد من الشرعية، وذلك بعد إعلان واشنطن أن ضرباتها سببها الرئيسي هو استخدام النظام للسلاح الكيماوي.
ثالثاً: رسائل إلى روسيا
1- التأكيد على أن استخدام روسيا "الفيتو" في مجلس الأمن لحماية بشار الأسد، لن يحول دون القيام بعملية مضادة للنظام السوري، وأن الولايات المتحدة لديها القدرة على ممارسة ذلك بصورة منفردة.
2- ضرورة مراجعة روسيا تحالفاتها مع إيران ومع النظام السوري، وأن ما أكدته واشنطن من أولوية الحرب على الإرهاب، لن تعني إخلاء الساحة السورية لكلٍ من روسيا وإيران.
3- ممارسة ضغوط على روسيا لتطويع موقفها فيما يتعلق بالتفاهمات الثنائية حول مستقبل الأوضاع في سوريا.
4- إن التنسيق الثنائي العسكري بين واشنطن وموسكو لن يحول دون انفراد واشنطن بعمليات تتوافق مع مصالحها الذاتية.
رابعاً: رسائل إلى الدول الإقليمية
1- محاولة استعادة حجم وطبيعة العلاقات مع أنقرة للتأثير على التقارب التركي - الروسي، حيث إن تدمير القاعدة الجوية السورية يعني إتاحة مجالات حركة أوسع للتنظيمات العسكرية ذات الصلة بتركيا خاصةً "أحرار الشام" و"استقم كما أُومرت" و"نور الدين الزنكي"، كما يوفر بنية أساسية للمطلب التركي المتكرر بإقامة مناطق عازلة أو آمنة في الشمال السوري.
2- التجاوب مع مواقف بعض الدول الإقليمية الرافضة للنظام السوري، والتي تم تهميش دورها في الأزمة السورية مؤخراً.
3- تعتبر العملية رسالة واضحة لإيران، تكشف عن أسلوب عمل الإدارة الأمريكية الحالية، وترجيحها الخيارات العسكرية.
خامساً: رسائل للداخل الأمريكي
1- الرسالة الأساسية لترامب وإدارته كانت للداخل الأمريكي للتأكيد على مقاربة خاصة للإدارة الأمريكية الحالية ترقى بمستوى الأداء الاستراتيجي الأمريكي، وتستوعب سلبيات أداء الإدارة الأمريكية السابقة تجاه الأزمة السورية، وهو الموقف الذي عبّر عنه الرئيس ترامب عده مرات.
2- التأكيد على عودة الحضور الأمريكي في دوائر الاهتمام بفاعلية ومن دون انتظار لمواقف دولية مساندة، والرد على اتهامات بعض القوى الأمريكية للرئيس ترامب وإدارته بعدم الجدية أو الصلابة في التعامل مع روسيا.
عملية محدودة
من الواضح الحرص الأمريكي على أن تظل العملية محددة من دون أن تتطور إلى تدخل عسكري أوسع أو مباشر، خاصةً أنه لا يزال هناك حرص أمريكي على المحافظة على حد مناسب من العلاقات مع روسيا وكذلك التفاهمات بخصوص التطورات السورية.
وربما الإخطار الأمريكي لروسيا بالعملية الأخيرة لم يترك وقتاً مناسباً لكي تقوم موسكو بإخطار النظام السوري للاستعداد الكافي للضربة. ومن المرجح أن يشهد التنسيق العسكري الأمريكي - الروسي تراجعاً واضحاً خلال الفترة المقبلة، وأن يكون ذلك مجالاً للحوار المشترك بينهما.
ويُتوقع كذلك أن يؤدي تدمير القاعدة الجوية في مطار الشعيرات، إلى تراجع قدرات النظام السوري في مواجهة فصائل التنظيمات العسكرية في المنطقة الوسطي والشمالية، وهو ما يمكن أن يُهيئ مزيداً من أوراق المساومة للمعارضة السورية، سواء في مؤتمر الآستانة أو جنيف. وسوف تؤدي نتائج العملية، أيضاً، إلى إضعاف القدرات الجوية لنظام الأسد في مواجهة تمركزات "داعش" في المناطق المحيطة بتدمر ودير الزور.
ويشير الموقف الروسي حتى الآن إلى استمراره في حدوده السابقة من حيث مواصلة الانتشار العسكري في سوريا، ويمكن أن يتطور إلى دعم قدرات الدفاع الجوي السوري خلال المرحلة القادمة، خاصةً مع إعلان موسكو في أعقاب الضربات الأمريكية عن قيامها بتعزيز الدفاعات الجوية السورية.
بصفة عامة، فإنه من المرجح ألا تتصاعد العمليات العسكرية في سوريا خلال المرحلة المقبلة، وأن تشهد العملية السياسية زخماً أوسع، وإن كان من المرجح أيضاً تصاعد نشاط الفصائل العسكرية في كل من ريف حمص وريف حماة خلال المرحلة القادمة.