أخبار المركز
  • إصدارات جديدة لمركز "المستقبل" في معرض الشارقة الدولي للكتاب خلال الفترة من 6-17 نوفمبر 2024
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)

تحسن حذر:

دوافع الاستقرار النسبي لأسواق النفط العالمية

30 أكتوبر، 2017


تمر أسواق النفط العالمية في المرحلة الراهنة بحالة استقرار نسبي مقارنة بفترات سابقة تعرضت فيها للتراجع، حيث شهدت انخفاضًا سعريًّا منذ منتصف عام 2014، واستمر هذا الانخفاض حتى تمكنت منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"، بالتعاون مع عدد من منتجي النفط من خارجها، من التوصل إلى اتفاق لتخفيض الإنتاج في نهاية عام 2016، وتم تطبيق هذا الاتفاق في مطلع عام 2017، وينص على سحب 1.8 مليون برميل من العرض النفطي العالمي اليومي، وبنسبة تخفيض بلغت 2%.

وعلى الرغم من أن أسعار النفط العالمية قد انخفضت بما يزيد عن 78% من قيمتها، حيث تراجعت بما يُقدر بحوالي 120 دولارًا للبرميل إلى 26 دولارًا للبرميل، وذلك خلال الفترة الممتدة من منتصف عام 2014 إلى يناير 2016؛ إلا أن اتفاق تخفيض الإنتاج قد مكّنها من التعافي التدريجي، إلى أن تماسكت مجددًا فوق مستوى 50 دولارًا للبرميل. 

ولم تنخفض الأسعار عن ذلك المستوى منذ بداية تطبيق الاتفاق إلا في حدود ضيقة وفي فترات استثنائية للغاية، وما لبثت أن ارتدت الأسعار بشكل سريع إلى أعلى من ذلك المستوى. وهو ما يدل على أن الأسعار أصبحت قادرة على التماسك والاستقرار فوق 50 دولارًا للبرميل وفق معطيات الوضع القائم في السوق.

واقع جديد:

يمكن القول إن الإجراءات التي اتخذتها أوبك والدول المتعاونة معها، وعلى رأسها روسيا، قد خلقت واقعًا جديدًا في أسواق النفط العالمية، حيث بدت الأسواق أكثر استقرارًا في أدائها، وذات قدرة على استيعاب الصدمات المفاجئة من دون أن يؤثر ذلك كثيرًا على أدائها، ويمكن التدليل على هذا من خلال عدة معطيات، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي:

1- تراجع إنتاج النفط الصخري الأمريكي، والذي بدأ منذ عام 2016، نتج في الأساس عن عدم قدرة شركات النفط الأمريكية العاملة في هذا القطاع على الاستمرار في الإنتاج في ظل المستويات الجديدة للأسعار، والتي تعتبر جزءًا من الوضع الجديد الذي فرضه اتفاق تخفيض الإنتاج على الأسواق.

فعلى الرغم من أن إنتاج النفط الصخري الأمريكي شهد نموًّا امتد لسبعة أعوام، إذ ارتفع من عام 2008 إلى عام 2015 ليصل إلى 4.9 ملايين برميل إضافية، ليبلغ 9.4 ملايين برميل يوميًّا في نهايتها، مسجلًا بذلك أعلى مستوى قياسي له منذ عام 1972، عندما بلغ 9.5 ملايين برميل يوميًّا؛ إلا أن عام 2016 شهد تراجعًا في إنتاج النفط الأمريكي بمقدار 500 ألف برميل، فبلغ في نهاية هذا العام 8.9 ملايين برميل يوميًّا.

2- تماسك أسواق النفط، فهذه الأسواق لم تعد منكشفة كثيرًا على المتغيرات الجيوسياسية في العالم مثلما كان يحدث سابقًا، وما يحدث في منطقة الشرق الأوسط في الوقت الحالي هو خير مثال على ذلك. فبالرغم من الأزمات التي تمر بها بعض دول المنطقة، وتأزم العلاقات بين بعض منتجي النفط، ودخول بعض الدول مثل إيران في حروب إقليمية تمثل خطرًا على مرافقها النفطية؛ إلا أن الأسواق بدت أكثر تماسكًا في مواجهة هذه الأزمات. وقد يرجع هذا في جزء منه إلى أن هذه الأزمات لم تمسَّ المرافق النفطية في معظم الدول المحورية في إنتاج النفط في المنطقة، لكنها ألحقت الضرر بالمرافق النفطية في بلدان أخرى، مثل: ليبيا ونيجيريا.

كما أن اضطراب العلاقات بين بغداد وكردستان  بسبب إجراء الإقليم استفتاء على الاستقلال، يهدد استقرار إنتاج العراق من النفط، مع العلم بأن العراق يصنف كأحد أكبر منتجي النفط في المنطقة والعالم. 

كذلك فإن الأزمة المتصاعدة بين الولايات المتحدة وإيران بسبب رغبة الإدارة الأمريكية، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، في إلغاء الاتفاق النووي المبرم بين إيران ومجموعة (5+1)؛ لم تؤثر في أسواق النفط حتى الآن، وذلك على الرغم من المخاوف المتصاعدة بسبب هذه الأزمة التي تمثل عامل تهديد لاستقرار الإمدادات النفطية الإيرانية.

مصالح مشتركة: 

يتضمن الواقع الجديد الذي فرضه اتفاق النفط تقاربًا غير مسبوق في العلاقات والمصالح النفطية بين القوى النفطية التقليدية الرئيسية ليس في منطقة الشرق الأوسط وداخل منظمة أوبك فقط، وإنما على مستوى العالم كله.

وهذا التقارب ليس من المتصور أن يتوقف عند إبرام الاتفاقيات فحسب، أو المضي قدمًا في تطبيقها، أو حتى تمديدها في حال لزم الأمر؛ لكنه من المرجح أن يمتد إلى ما هو أكثر.

ولعل التطور غير المسبوق في العلاقات الاقتصادية بين أكبر قوتين نفطيتين تقليديتين، وهما المملكة العربية السعودية وروسيا الاتحادية، صاحبتا المرتبتين الأولى والثانية في إنتاج النفط عالميًّا؛ يعد بمثابة الأرضية الصلبة لبناء تحالف نفطي ثنائي يتكون من الدولتين، ويقود سوق النفط العالمية، وذلك بالتنسيق مع منظمة أوبك وبالشراكة معها، ومن دون أي مظهر من مظاهر المنافسة أو التضارب في المصالح.

اتجاهات الأسعار:

تُعد الحالة التي وصلت إليها أسواق النفط العالمية في الوقت الراهن، من استقرار فوق مستوى سعري مقبول نسبيًّا من جانب العديد من منتجي النفط في العالم؛ نقطة انطلاق إلى المستقبل الذي يُعد الشغل الشاغل الآن. وهو ما أثار اهتمام شركات النفط الكبرى التي اجتمعت في قمة رويترز العالمية للسلع الأولية، مؤخرًا، وقد أكدت أن سوق النفط العالمية تستعيد توازنها بدعم من تخفيضات الإنتاج التي تقودها "أوبك". 

وبالرغم من أن قادة هذه الشركات أكدوا أن فرصة حدوث زيادات أخرى كبيرة في أسعار النفط العالمية خلال الفترة المتبقية من العام الجاري، وخلال العام المقبل، تبدو مستبعدة، مبررين ذلك بأن خفض الإمدادات قد لا يستمر، إلا أن تخلص الأسواق تدريجيًّا من تخمة المعروض من الخام والمنتجات المكررة يؤكد أن الأسواق على الطريق الصحيح، وهو ما اعترف به "أليكس بيرد" (رئيس وحدة النفط لدى شركة جلينكور في قمة رويترز) بقوله: "أعتقد أن السوق على المسار الصحيح، بوسعك أن ترى بدء استعادة التوازن، لكنه انخفاض تدريجي".

كما قال "إيان تايلور" رئيس شركة فيتول، أكبر شركة لتجارة النفط في العالم: "حدثت بعض عمليات السحب الكبيرة من المخزونات عالميًّا هذا العام، والموقف يبدو أفضل كثيرًا مما كان عليه قبل عام، وتشهد السوق شحًّا في المعروض، وتتحرك صوب المزيد من النقص في المخزونات". وهذه المقدمات الإيجابية تقود أسواق النفط العالمية إلى ما هو أفضل في المستقبل من دون شك، وإن ظل الأمر محفوفًا بالمخاطر.

ويُعد متغير الأسعار هو المتغير الأهم بالنسبة لأسواق النفط والمهتمين بها، وبالتالي فإن توقع المسار الذي يمكن أن تسلكه الأسعار في المستقبل القريب، أو في الأجل الطويل كذلك؛ هو أحد أهم القضايا في الوقت الراهن. 

وفي هذا الإطار، كانت الأسعار محط اهتمام المجتمعين أيضًا في قمة رويترز، حيث أجمعت توقعاتهم أن الأسعار من المرجح أن تستقر خلال الفترة المقبلة، بما في ذلك الفترة المتبقية من عام 2017، وعام 2018، في نطاق سعري يتراوح بين 50 إلى 60 دولارًا للبرميل. وهي نفس النتيجة أيضًا التي أجمع عليها المشاركون في "منتدى أسواق الطاقة العالمية 2017"، الذي انعقد في إمارة الفجيرة في الفترة من 18 إلى 19 سبتمبر 2017.

توقعات متحفظة: 

وبشكل عام، تبدو هذه التوقعات متحفظة للغاية، قياسًا بما حققته أسواق النفط العالمية من أداء خلال الفترات الماضية، وقياسًا بالمستويات التي بلغتها الأسعار أيضًا. بجانب أن المستقبل قد يحمل تغييرات إيجابية جديدة في العلاقة التوازنية بين الطلب والعرض النفطي العالميين، لا سيما وأن السوق مرشحة للتخلص تدريجيًّا مما هو متراكم بها من معروض زائد عن الحاجة. 

بالإضافة إلى أن هناك توقعات بحدوث زيادة في الطلب العالمي على النفط بشكل أكثر مما هو متوقع. فالصين على سبيل المثال، الاقتصاد الثاني من حيث الحجم والأعلى استهلاكًا للطاقة عالميًّا، أظهر اقتصادها أداء أفضل من المتوقع خلال الأشهر الأخيرة، حيث تسارع نمو وارداتها وصادراتها في سبتمبر 2017 بأعلى معدلات منذ أشهر عديدة. والأكثر أهمية هو أن بيانات هيئة الجمارك الصينية أظهرت ارتفاعًا في واردات الصين من النفط الخام في سبتمبر إلى ثاني أعلى مستوى لها على الإطلاق.

والأمر الأكثر ترجيحًا هنا هو أن أسعار النفط العالمية بما حققته من أداء مستقر خلال الفترة الماضية، وبما يتوافر لها من قوة دفع خلال الفترة المقبلة بسبب الجفاف التدريجي في تخمة المعروض، ونمو أعلى من المتوقع في الطلب النفطي، بقيادة الصين، كل ذلك من شأنه أن يدفع الأسعار إلى ما هو أعلى من المتوقع، ويبدو نطاق 55 إلى 60 دولارًا للبرميل هو الأقرب للتحقق في نهاية عام 2017، ويرجح أن تنتقل الأسعار بعد ذلك إلى سعر أعلى لتصل إلى نطاق 60 إلى 65 دولارًا للبرميل خلال النصف الثاني من عام 2018.

وفي الختام، يجب تأكيد أن هذه التوقعات تظل مرهونة باستمرار التحسن في أداء الأسواق، على جانبي العرض والطلب. كما أنه من الضرورة بمكان أن تقوم "أوبك" والمتعاونون معها باتخاذ التدابير اللازمة لاستيعاب هذه التغييرات، لا سيما وأن منافسيهم، خاصة منتجي النفط الصخري، سيحاولون استغلال المستويات الجديدة للأسعار بشكل يضر بمصالح أوبك وحلفائها.