طالما كانت قصة التقدم التكنولوجي حكاية طرفين متطرفين: المتحمسون والبائسون. هذا الاستقطاب ليس حكراً على الذكاء الاصطناعي؛ لقد كان موضوعاً متكرراً عبر تاريخ التطور التكنولوجي، ويخلق هذا الاستقطاب التوتر الضروري لدفع التقدم إلى الأمام بوتيرة متسارعة. فهو يثير ضجة إعلامية؛ مما يحفز بدوره على زيادة التمويل، والتطورات البحثية السريعة، والابتكارات التي تهدف إلى إثبات الآثار الإيجابية أو السلبية المحتملة لهذه التكنولوجيا.
يمضي سباق الذكاء الاصطناعي، الذي يغذيه مزيج من الخوف والانبهار، بالعلماء والمطورين والشركات وصناع السياسات إلى وضع أهداف طموحة دون التفكير ملياً في الاستدامة طويلة الأمد لهذه التكنولوجيا. فهناك دفعة ثابتة لتعزيز قدرات الذكاء الاصطناعي، بما يجعلها أكثر تعقيداً وأكثر ذكاءً وأكثر شبهاً بالبشر. ومع ذلك؛ فإن هذا السعي الدؤوب يترك مجالاً ضئيلاً للحذر والإنصاف.
مع كل خطوة إلى الأمام، تتضخم احتياجات نماذج الذكاء الاصطناعي للمعالجة واستهلاك الطاقة، وتصبح الفجوة الآخذة في الاتساع بين المكاسب التكنولوجية وقدرة المجتمع على مواكبة ذلك جلية على نحو متزايد. ونتيجة لذلك؛ فإن المجتمع والبيئة والهياكل السياسية تتخلف عن الركب. فمن الضروري تحقيق التوازن بين الطموح والاستدامة لضمان التطوير والنشر المسؤول لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
دائماً ما نتأخر في الحديث عن الاستدامة. فإلى أي مدى تم التفكير مسبقاً في الآثار البيئية للإنتاج الضخم أو التحولات الاجتماعية في عادات الاستهلاك التي أثارها؟ الجواب واضح، بالنظر إلى العواقب المناخية الوخيمة التي نواجهها اليوم. وبالمثل، هل أعطينا الأولوية لمناقشات الاستدامة عندما أدت التكنولوجيا الرقمية إلى زيادة هائلة في حجم البيانات العالمية؟ يمكن أن يعادل نشاط البريد الإلكتروني لشخص واحد لمدة عام واحد فقط قيادة سيارة لمسافة 320 كيلومتراً. والجانب المحزن من هذه الإحصائية هو أنه وفقاً للتقديرات، فإن 78% منها عبارة عن رسائل غير مرغوب فيها!