أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

عقوبات متبادلة:

أبعاد العقوبات الغربية - الروسية على خلفية الصراع الأوكراني

01 مارس، 2022


شهدت العلاقات الروسية – الغربية تصعيداً متزايداً في أعقاب الهجوم الروسي على أوكرانيا، إذ توالت الإدانات والعقوبات الغربية، الأوروبية والأمريكية، ضد روسيا، وهي العقوبات التي يؤكد الاتحاد الأوروبي على تصعيدها تدريجياً، وتتمثل أبرز هذه العقوبات حتى الآن، في إغلاق بعض الدول الأوروبية مجالها الجوي مع روسيا، وهو ما ردت عليه موسكو بالمثل، فضلاً عن عزل بعض البنوك الروسية عن السويفت العالمي. 

عقوبات اقتصادية متبادلة: 

يمكن توضيح أبرز العقوبات الغربية على روسيا في التالي: 

1- تعليق "نورد ستريم 2": أعلن المستشار الألماني، أولاف شولتس، تعليق المصادقة على خط أنابيب الغاز، وهو أمر ضروري "لتشغيله". وسيخضع المشروع لـ "إعادة تقييم" سياسي تجريه وزارة الاقتصاد بسبب "الوضع الجيوسياسي" الجديد بعد اعتراف موسكو بالمنطقتين الانفصاليتين المواليتين لروسيا في شرق أوكرانيا، وذلك قبل إقدام موسكو على التدخل عسكرياً في أوكرانيا. 

2- عزل روسيا عن السويفت بشكل جزئي: اتفقت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا، في 26 فبراير، ثم اليابان، في 27 فبراير، على إزالة بعض البنوك الروسية الرئيسية من نظام "سويفت"، وهو الاسم المختصر لجمعية الاتصالات المالية بين المصارف في العالم، والذي يربط أكثر من 11 ألف مؤسسة مالية تعمل في أكثر من 200 بلد وإقليم.

وقال مسؤول أمريكي إن الولايات المتحدة وحلفاءها سيضعون اللمسات الأخيرة على قائمة البنوك التي سيتم قطعها عن نظام سويفت، مضيفاً أن البنوك الخاضعة بالفعل على قائمة العقوبات الأمريكية والأوروبية ستكون أول البنوك التي سيتم النظر فيها.

وأشار المسؤول الأمريكي إلى أنه إذا أراد أحد البنوك المنفصلة عن السويفت إجراء دفعة مع بنك خارج روسيا، فمن المحتمل أن يحتاج إلى استخدام هاتف أو جهاز فاكس. لكن المسؤول قال إن معظم البنوك في جميع أنحاء العالم ستوقف على الأرجح جميع المعاملات مع البنوك الروسية التي تمت إزالتها من الشبكة.

3- الإغلاق الجوي أمام الطائرات الروسية: أغلقت ألمانيا وبلجيكا وإيطاليا وفرنسا ولوكسمبورج وكندا، في 27 فبراير، مجالها الجوي أمام شركات الطيران الروسية رداً على العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. وانضمت هذه الدول بذلك إلى بولندا وجمهورية التشيك وإستونيا وبلغاريا وفنلندا والدنمارك وألمانيا ومولدافيا وبريطانيا التي أعلنت كلها إجراء مماثلاً، وهو الإجراء الذي ردت عليه روسيا من خلال إغلاق مجالها الجوي أمام طائرات هذه الدول.

4- تجميد ممتلكات بوتين ولافاروف: أعلن مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، في 25 فبراير، في مؤتمر صحافي، أنه سيتم تجميد أصول وممتلكات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف في دول الاتحاد الأوروبي. 

5- التهديد بتقييد المركزي الروسي: قال مسؤول أمريكي رفيع المستوى، في 26 فبراير، إن الدول الغربية تدرس إمكانية اتخاذ إجراءات تقييدية إضافية ضد البنك المركزي الروسي، حتى لا تتمكن روسيا من استخدام احتياطيات البنك المركزي لدعم عملتها من أجل تقويض تأثير عقوباتنا، ومن غير الواضح كيف سيتم ذلك، خاصة أن أغلب احتياطي البنك المركزي الروسي داخل حدود الدولة الروسية، ومن ثم يصعب منع الحكومة الروسية من استخدامه لدعم الروبل. 

ملاحظات على العقوبات الغربية: 

يمكن مراجعة تأثير العقوبات الغربية على الاقتصاد الروسي ملاحظة ما يلي: 

1- عقوبات شكلية على المسؤولين الروس: يلاحظ أن بعض العقوبات التي أصدرها الاتحاد الأوروبي كان شكلياً، خاصة فيما يتعلق بتجميد الأصول كافة التي يمتلكها الرئيس بوتين ووزير خارجيته سيرجي لافروف، إذ إنه من المعروف أنه ليس لأي منهما أي أصول أو إيداعات لا في الاتحاد الأوروبي، أو في الولايات المتحدة من الأساس، إذ إن القانون الصادر في روسيا عام 2013 بخصوص كبار المسؤولين يحظر على مسؤولي الدولة فتح أو الاحتفاظ بممتلكات شخصية خارج روسيا. 

ويلاحظ أن هذا القانون قد تم تبنيه في عام 2013، أي قبل إقدام موسكو على ضم شبه جزيرة القرم، وهو ما يعني أن موسكو قدرت مسبقاً أن الغرب سوف يفرض عليها عقوبات تطال كبار المسؤولين فتحوطت، وأصدرت مثل هذا القرار. 

2- تعليق مشروع لم يدخل الخدمة من الأساس: يلاحظ أن خط الغاز "نورد ستريم 2" الذي اكتمل إنشاؤه في نوفمبر 2021، لم يكن قيد الخدمة بعد بسبب عرقلة قانونية من الهيئة الناظمة الألمانية للطاقة، إذ إنه لا يمتثل بعد للتشريعات الأوروبية والألمانية في هذا القطاع، مثل التشريعات البيئية، وهو ما يعني أن تعليق شولتز لهذا الخط لم تكن له تداعيات كبيرة، خاصة أنه لم يدخل الخدمة من الأساس. رغم ذلك، من شأن وقف خط الأنابيب، الذي جرى الانتهاء منه، وكانت تعول عليه روسيا كممر جديد لنقل الغاز الروسي لأوروبا.

كما يلاحظ أن مجموعة من شركات الطاقة الأوروبية، مثل شركة "انجي" الفرنسية ومجموعة "أو. أم. في." النمساوية وشركة شل الهولندية وشركتي "يونيبر" و"وينترشال ديا" الألمانيتين، ساهمت بنصف تكاليف بناء نورد ستريم الجديد الذي انتهى بناؤه أواخر العام 2021، في حين أن غازبروم من المفترض أن تساهم بباقي التكلفة، وفي حالة تخلف غازبروم عن سداد مدفوعاتها بموجب اتفاقية التمويل، فيمكن لهذه الشركات الاستحواذ على حصتها، أي أن هذه الشركات سوف تتحمل تكلفة المشروع كاملة مقابلة امتلاكها المشروع بشكل كامل، أي أن عدم تشغيله سوف ينعكس سلباً على الشركات الأوروبية بالأساس. 

3- تحاشي العقوبات على الطاقة الروسية: يلاحظ أن العقوبات الأمريكية والأوروبية تحاشت العقوبات على قطاع الطاقة الروسي، وهي العقوبات التي كانت ستؤثر بشكل حاد على الاقتصاد الروسي، غير أن الدول الغربية مجتمعة لم تقترب من فرض عقوبات على هذا القطاع، إذ أعلن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية أمس أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تفرض عقوبات أو حظر على البترول الروسي تحت مزاعم أن ذلك يمكن أن ينعكس سلباً على المستهلكين الأمريكيين بأكثر من تأثيره على الرئيس بوتين ذاته، واتخذ الاتحاد الاوروبي موقفاً مشابها حيث لم يقترب من الصادرات الروسية من الغاز الطبيعي، وكذلك من الفحم للأسباب نفسها. وعلى الرغم من ذلك، من المتوقع أن تفرض العقوبات على البنوك الروسية قيوداً على البنوك الغربية في تمويل شحنات النفط والغاز الروسيين، هذا فضلاً عن صعوبات نقل الخامات الروسية عبر البحر الأسود حالياً، بسب ظروف الحرب، والتي قد تطول لعدة أشهر، مما يتوقع معه انخفاض محدود نسبياً لصادرات النفط والغاز الروسية.

4- استعداد روسي مبكر: يلاحظ أن تدفقات الغاز من روسيا قد انخفضت في نوفمبر الماضي إلى أدنى مستوى لها في ست سنوات. وأدى هذا الانخفاض إلى ارتفاع سعر الغاز الطبيعي في السوق الأوروبي. وفي ذلك، قدرت "ريستاد إنرجي" الاستشارية أنه في حالة زيادة روسيا صادراتها من الغاز بنسبة 20%، فسوف يخفض هذا سعر السوق للغاز في بلدان أوروبا الغربية بنسبة 50%، وهو ما يعني أن موسكو قد استعدت لهذه الأزمة جيداً، وعمدت إلى تقليص صادراتها، حتى تمنع الاتحاد الأوروبي من امتلاك احتياطات كافية تؤهله للتصعيد ضد روسيا. 

5- تجنب عزل موسكو عن السويفت بشكل كامل: لم تتمكن الولايات المتحدة والدول الأوروبية من عزل روسيا بشكل كامل عن السويفت، نظراً لأن هذا الأمر كان سيترتب عليه عجز الدول الأوروبية عن سداد قيمة الواردات الروسية من الغاز والبترول والفحم، ويجمد مختلف أوجه التبادل التجاري الأوروبي مع موسكو الذي بلغت قيمته عام 2020، ما يقدر بـ 269.5 مليار دولار. وقد سبق وأن هددت روسيا بأنه في حالة عزلها عن السويفت، فإنها سوف توقف صادرات الطاقة إلى الدول الأوروبية فوراً. 

ومن جهة أخرى، فقد اتخذت روسيا خطوات في السنوات الأخيرة لتخفيف تداعيات إزالتها من نظام السويفت، إذ أنشأت موسكو نظام الدفع الخاص بها "إس بي إف إس" (SPFS)، وذلك بعد أن تعرضت للعقوبات الغربية في عام 2014 بعد ضمها شبه جزيرة القرم في وقت مبكر من ذلك العام. ويلاحظ أن لدى "إس بي إف إس" الآن حوالي 400 مستخدم، وفقاً للبنك المركزي الروسي. ويتم حالياً 20% من التحويلات المحلية من خلال هذا النظام. لكن من شأن عزل روسيا عن نظام "سويفت" أن يعوق بطبع الحال من إجراء المعاملات المصرفية مع البنوك العالمية، وسيخلق بدوره صعوبات أمام روسيا في تسوية تجارتها الخارجية.  

6- توظيف أثر الحرب النفسية: يلاحظ أن أغلب العقوبات الغربية لا تعد مؤثرة بدرجة حادة على أوضاع الاقتصاد الروسي، ولكنها تسعى إلى خلق حالة من الهلع لدى الشركات الدولية، وذلك لتقليص التعاملات التجارية مع موسكو، وإن كان من الملحوظ أن حجم هذا التأثير سوف يتوقف على مدى اقتناع الدول غير الغربية بتبني موقف الدول الغربية نفسه، كما أن موقف دولة مثل الصين، سوف يكون محدداً رئيسياً في هذا الاتجاه، خاصة إذا ما تم الأخذ في الاعتبار محورية الاقتصاد الصيني في الاقتصاد العالمي. 

عقوبات روسية قائمة: 

على الرغم من تصوير الدول الغربية أن عقوباتها ضد روسيا سوف تفرض عليها تداعيات اقتصادية كارثية، ومحاولة الإيحاء بأن هذه العقوبات أحادية التأثير، أي أنها تؤثر سلباً على أوضاع الاقتصاد الروسي وحده، فإنه في حقيقة الأمر، فإن هذا الأمر قد لا يكون صحيحاً على إطلاقه، وذلك للعوامل التالية: 

1- تداعيات سلبية لغلق الأجواء: من المحتمل أن يترتب على إجراء غلق الأجواء بشكل تبادلي بين روسيا والغرب تداعيات اقتصادية سلبية على الطرفين، إذ إنه من دون قدرة الدول الأوروبية على الوصول إلى المجال الجوي الروسي، فإن شركات الطيران الأوروبية والروسية سوف تضطر إلى سلك مسارات جوية أطول، وهو ما يضيف الكثير من الوقت والتكلفة على شركات الطيران، وذلك في الوقت الذي لم يتعاف فيه قطاع الطيران من التأثيرات السلبية لجائحة كورونا.

2- عقوبات الطاقة الروسية المحتملة: تتمتع روسيا باحتياطي نقد أجنبي بلغ حوالي 640 مليار دولار بنهاية يناير 2022، وقد تتجه إلى وقف صادراتها من البترول والغاز الطبيعي والفحم للدول الأوروبية والولايات المتحدة إذا اتجهوا إلى عزل روسيا عن السويفت بشكل كامل. 

وتصل الصادرات الروسية من النفط نحو 7.4 مليون برميل يومياً يذهب 27% منها إلى دول الاتحاد الاوروبي و7% الي السوق الأمريكي، في حين يصل معدل اعتماد الاتحاد الأوروبي في مجمله على الغاز الطبيعي الروسي إلى نسبة 42% (وتصل تلك النسبة إلى 49%؜ بالنسبة لألمانيا، و47%؜ بالنسبة لإيطاليا، و19%؜ بالنسبة لفرنسا). 

كما تصل نسبة اعتماد دول الاتحاد الأوروبي على الصادرات الروسية من الفحم إلى ما يقرب من 47%،؜ ولا توجد بدائل جاهزة يمكن أن تحل محل الصادرات الروسية، أو توفير البدائل في التوقيت الحالي للأزمة. 

3- أزمة لاجئين أوروبية: تعاني القارة الأوروبية على مدار العقد الماضي تنامي استقبال المهاجرين. وينذر الصراع الأوكراني بتفاقم تلك الأزمة مجدداً، خاصة مع وصول التقديرات بارتفاع عدد اللاجئين من أوكرانيا إلى الدول الأوروبية بحوالي 350 ألف لاجئ. 

4- تداعيات سلبية للتصعيد النووي: أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في 27 فبراير، وضع "قوة الردع" في الجيش الروسي، في حال التأهب، وذلك رداً على اتخاذ الغرب مواقف "عدوانية" تجاه بلاده. وعلى الرغم من أن هذه الخطوة تعد ذات طبيعة أمنية عسكرية، فإنها تنذر بتصعيد حدة الأزمة إلى مستوى جديد، وهو أمر قد يؤثر سلباً على إدراك المخاطر للمستثمرين الأجانب، ويجعلهم أكثر تحوطاً خلال الفترة المقبلة.  

ملاحظات ختامية: 

يلاحظ أنه على الرغم من تهويل الدول الغربية بتداعيات العقوبات الاقتصادية على روسيا، فإنه يجب ملاحظة ما يلي:  

1- تداعيات اقتصادية عالمية: جاء انعكاس العقوبات الغربية المعلنة خلال الأيام الماضية على الأسواق الدولية بشكل فوري، خاصه فيما يتعلق بارتفاع أسعار البترول والغاز والفحم وأسعار القمح والحبوب الغذائية، وعلى عدد من سلاسل الإمداد العالمية، بالإضافة إلى تزايد حالة "عدم اليقين" من إمكانية امتدادها إلى التأثير سلباً في معدلات نمو الاقتصاد العالمي، وفي تهديد الجهود الرامية إلى تعزيز الأمن الغذائي، وتعافي أسواق المال وقطاع السياحة والنقل الجوي والشحن البحري.

2- محدودية تأثير العقوبات: يلاحظ أنه بمراجعة العقوبات الأمريكية السابقة على دول، مثل كوريا الشمالية، والتي لم تصل إلى مستوى القوة الذي بلغته روسيا، اقتصادياً وعسكرياً، فإن العقوبات لم تنجح في إثناء بيونج يانج عن خياراتها الاستراتيجية ممثلة في امتلاك السلاح النووي، رغم العقوبات الأمريكية.

ولذلك، لا يتوقع أن تخفق العقوبات الأمريكية عن إثناء موسكو عن التراجع عن حماية أمنها القومي، وفقاً لرؤيتها المعروفة مسبقاً، مهما كانت الخسائر، وهو ما يعني أن الحرب الروسية – الأوكرانية مرشحة للاستمرار خلال الفترة المقبلة، إلا إذا تم التسليم بالمطالب الروسية، وهو أمر يبدو أن الدول الغربية غير مستعدة للقبول به. 

3- مدى تعاون الدول في تطبيق العقوبات: يلاحظ أن أغلب العقوبات الغربية ضد روسيا هي عقوبات لاتزال إلا أطرافها، فهي ليست صادرة عن الأمم المتحدة، لكي يتوجب على جميع الدول الانصياع لها، على غرار كوريا الشمالية، وهو ما يحد من حدة العقوبات الغربية. ومن جهة أخرى، فإن الدول تمتلك العديد من الإجراءات للتهرب من تأثير العقوبات، أو تقليص حدتها، حتى في حالة تعاون كافة دول المجتمع الدولي في تنفيذها.  

وفي الختام، يمكن القول إن العقوبات الاقتصادية المتبادلة بين الدول الغربية وروسيا سوف تكون لها تداعياتها السلبية على الاقتصاد العالمي، وإن كان من الملاحظ أنه يستحيل عزل روسيا، بشكل كامل، عن الاقتصاد العالمي، بسبب مركزية صادراتها، سواء تمثلت في الطاقة بالنسبة للدول الأوروبية، أو في الحبوب بالنسبة للدول الأخرى.