أخبار المركز
  • فعاليات وإصدارات متنوعة لمركز "المستقبل" في معرض "القاهرة الدولي للكتاب" 2025
  • د. محمد بوشيخي يكتب: (سيناريوهان متعارضان: مستقبل داعش في سوريا بين التراجع أو المواجهة)
  • د. أحمد قنديل يكتب: (تعايش أم صدام؟! الترامبية الجديدة ومستقبل العلاقات الأمريكية الصينية)
  • صدور العدد السابع من "التقرير الاستراتيجي" بمشاركة أكثر من 30 خبيراً
  • إبراهيم الغيطاني يكتب: (ملاعب بيئية: فرص انتشار الطاقة المتجددة في صناعة الرياضة)

تراجع ملموس :

ما العوائق التي تواجه بعثات حفظ السلام؟

28 يناير، 2025


تواجه بعثات حفظ السلام الأممية في الآونة الأخيرة العديد من التحديات والأزمات، التي أثّرت في درجة الثقة الدولية والإقليمية بمدى نجاح تلك البعثات في تحقيق أهدافها، واتجهت بعض الدول إلى المناداة بإغلاق تلك البعثات واتهامها بالإخفاق في استعادة الأمن والاستقرار. 

مؤشرات التراجع: 

ثمّة مجموعة من مؤشرات تراجع أدوار بعثات حفظ السلام الدولية والإقليمية في العديد من المناطق خلال الأعوام الماضية، يمكن الإشارة إلى أبرزها على النحو التالي: 

1. خفض عدد العناصر في البعثات: تم خفض عدد أفراد حفظ السلام المنتشرين في مواجهة مستويات غير مسبوقة من الصراع والعنف بنحو النصف من 121 ألفاً في عام 2016 إلى ما يقرب من 71 ألفاً في عام 2024.

2. تزايد حالات إغلاق بعثات قوات حفظ السلام: وهو ما يمكن الإشارة إليه على النحو التالي:

أ. أغلقت العديد من عمليات السلام التابعة للأمم المتحدة أو بدأت في الانسحاب. فقد أكملت بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي انسحابها من البلاد بحلول نهاية عام 2023، بعد إنهاء المجلس لولايتها في 30 يونيو 2023. كما انسحبت بعثة الأمم المتحدة المتكاملة للمساعدة الانتقالية في السودان، وهي بعثة سياسية خاصة تابعة للأمم المتحدة، من البلاد بعد إنهاء المجلس لولايتها في 1 ديسمبر 2023. 

ب. تنفذ بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية (مونوسكو) خطة فك الارتباط، التي تم الاتفاق عليها مع الحكومة الكونغولية، وأقرّها مجلس الأمن من خلال القرار 2717 المؤرخ 19 ديسمبر 2023. وأكملت بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية انسحابها من مقاطعة جنوب كيفو في يونيو كجزء من المرحلة الأولى من عملية سحب البعثة.

ج. بشكل عام، تراجعت بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في إفريقيا، منذ عام 2016، بشكل مطرد من حيث العدد والحجم (من حيث الميزانيات وعدد الأفراد المنتشرين)، ولم تتبق سوى أربع عمليات في القارة (في جمهورية إفريقيا الوسطى وجنوب السودان ومنطقة أبيي المتنازع عليها بین السودان وجنوب السودان، والصحراء الغربية).

د. طلبت العراق من بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة المغادرة. وبناءً على ذلك، اعتمد مجلس الأمن القرار 2732 في 31 مايو 2024، الذي جدد ولاية بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) لفترة نهائية مدتها 19 شهراً حتى 31 ديسمبر 2025.

تحديات وعوائق: 

تواجه بعثات الأمم المتحدة العديد من التحديات والعوائق التي ستؤثر في مستقبلها، وتغير مساراتها المختلفة، ويمكن الإشارة إلى أبرز تلك التحديات على النحو التالي: 

1. الإخفاق في تحقيق مهمة السلام: اتهمت العديد من البلدان بعثات الأمم المتحدة أو الاتحاد الإفريقي بالإخفاق في تحقيق الأمن والاستقرار وحفظ السلام؛ بل اتجهت بعض الدول إلى نسب تزايد العنف السياسي بها إلى هذا الإخفاق، واتهمت دول أخرى تلك البعثات بدعم المتمردين.

ففي شهر سبتمبر 2023، أكّد وزير خارجية مالي، عبدالله ديوب، أثناء حضوره الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك أن البعثة الأممية لم تعد قادرة على مساعدة مالي في إعادة بسط سيطرتها على أراضيها، مُشدداً على أن الأوضاع تدهورت في ظل وجودها؛ ومن ثم يمكن القول إن بعثات الأمم المتحدة أصبحت هدفاً سياسياً من قبل بعض الحكومات لإلقاء اللوم عليها في استمرار النزاعات وتفاقم حدتها. 

2. التحديات الأمنية والعسكرية: باتت بعثات الأمم المتحدة هدفاً سهلاً لأطراف النزاعات والصراعات؛ وذلك نظراً لمحدودية تسليحها وأعداد أفرادها وضعف قدرات تأمين موظفيها، فعلى سبيل المثال، كانت بعثات الأمم المتحدة عرضة لهجمات متكررة من قبل الجماعات الإرهابية، وفي الصومال تمثل قوات الاتحاد الإفريقي هدفاً سهلاً لهجمات حركة الشباب. 

وفي الإطار ذاته؛ تزايدت مخاطر العنف ضد بعثات حفظ السلام أثناء الحروب، فقد أظهرت الحرب الإسرائيلية في لبنان تزايد المخاطر التي تتعرض لها قوات حفظ السلام أثناء الحروب والنزاعات، حيث تعمدت إسرائيل استهداف معسكرات وأبراج المراقبة التابعة لقوات حفظ السلام في جنوب لبنان، كما لم تستطع تلك القوات الدفاع عن نفسها في مواجهة الاستهداف الإسرائيلي؛ وهو الأمر الذي كشف غياب المساءلة الدولية والإقليمية لعمليات استهداف تلك البعثات؛ مما قد يدفع العديد من الأطراف إلى مراجعة سياساتها إزاء تلك المهام. 

3. تزايد حجم النزاعات والصراعات: إن تزايد عدد النزاعات والصراعات المتزامنة وتعقيداتها العسكرية والأمنية، فضلاً عن التحولات العقائدية حول النزاعات والصراعات، والتحولات السياسية نتيجة فقدان الثقة في المجتمع الدولي (المنظمات الأممية خاصة مجلس الأمن الدولي) نتيجة سيطرة الدول الكبرى على قراراتها؛ يزيد من الضغوط والتحديات السياسية التي تواجه عمليات حفظ السلام الدولية في العديد من المناطق، ولاسيما مع محدودية الموارد البشرية والمالية والعسكرية لتلك البعثات.   

4. تراجع المخصصات المالية: تواجه بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة مشكلات في التدفق النقدي وضغوطاً مالية بسبب التأخر في سداد الاشتراكات المقررة. وبالنسبة لعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة؛ فإن هذا أمر مألوف، فمنذ إنشاء عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، كان تمويل البعثات يُشكّل تحدياً للأمين العام، مع فترات من الهدوء تليها فترات من الأزمات. وكانت الأمم المتحدة معرضة بشكل خاص لحجب المدفوعات المتأخرة من أكبر المساهمين الماليين. 

منذ عام 2016، بدأت الولايات المتحدة في حجب جزء من مساهمتها وتراكم المتأخرات؛ الأمر الذي يفرض ضغوطاً على عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. ومؤخراً تم خفض ميزانية عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة من 6.1 مليار دولار لتمويل 9 عمليات نشطة في 2023 إلى 5.59 مليار دولار لتمويل 14 عملية لحفظ السلام ومراكز الخدمات وموظفي دعم المقر الرئيسي.

وغالباً ما تستخدم مسألة تمويل الأمم المتحدة منحنى سياسياً بهدف التأثير في قرارات الأمم المتحدة؛ وهو الأمر الذي يظهره موقف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة -أكبر ممولين لقوات الاتحاد الإفريقي في الصومال- حينما أرادا تقليص عدد قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي بسبب المخاوف بشأن التمويل والاستدامة على المدى الطويل؛ وذلك في ضوء تحفظاتهما على بعض تفاصيل تشكيل بعثة جديدة في الصومال نهاية العام الماضي. 

5. التجاذبات السياسية: تواجه بعثات حفظ السلام معضلات التجاذب السياسي على المستوى المحلي، حيث تتأثر بتوجهات الأنظمة السياسية الحاكمة كما حدث في حالة مالي بعد وصول العسكريين إلى الحكم. كما قد تتأثر بالاستقطابات الإقليمية كما حدث في حالة تشكيل بعثة جديدة للأمم المتحدة بالصومال، حيث شهدت البعثة تجاذبات حادة بين الصومال وإثيوبيا وغيرهما كادت تعصف بمستقبل البعثة، بالإضافة إلى ذلك قد تتأثر تلك البعثات بالتجاذبات السياسية بين الدول الكبرى والدول النامية مثلما حدث في حالة مالي، حيث أدت التجاذبات بين فرنسا من جانب وحكومة مالي وروسيا من جانب آخر إلى إغلاق مهام البعثة في نهاية المطاف. وأخيراً قد تتأثر تلك البعثات بتوجهات ومصالح القوى الممولة في حال تعارض مصالحها مع النخب الحاكمة بالدول المستضيفة. 

تأثيرات سلبية: 

أدت بعثات حفظ السلام الأممية والإقليمية أدواراً متعددة أمنية وإنسانية في العديد من البلدان، ونجحت في حفظ الأمن وتحقيق استدامة السلام في العديد من النزاعات والصراعات؛ ومع ذلك واجهت بعض الإخفاقات في عدد من حالات النزاعات، ولا يعود ذلك بالضرورة إلى تقنيات أو ضعف أدوار تلك البعثات، ولكن بشكل أساسي إلى تعقد حالة الصراع وتقاطع مصالح أطراف النزاع الرئيسية بشكل متكرر. 

وفي هذا الصدد؛ يمكن الإشارة إلى أن إغلاق بعثات السلام في بعض البلدان لم يحل الأمن والسلام. ففي مالي ما يزال الصراع محتدماً ودامياً؛ بل أدى هذا الإغلاق إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد، وارتفاع تكلفة العنف على الدولة والمجتمع معاً، وأدى إلى تفاقم حالة العنف السياسي، وإتاحة مساحة للجماعات المسلحة والإرهابية لتعظيم قدراتها في مواجهة الدولة والمجتمع؛ مما أثّر في تكلفة مكافحة الإرهاب بالنسبة للبلاد نظراً لاستعانتها بعناصر وقوات "فاغنر" الروسية. 

وعليه؛ يمكن إجمال تأثيرات عمليات إغلاق وتراجع بعثات حفظ السلام في: استمرار وتفاقم وتيرة النزاعات والصراعات، وتجدد بعض صراعات الحدود الخاملة، فضلاً عن تزايد معدلات العنف السياسي والإرهاب في العديد من بلدان النزاعات، وارتفاع معدلات ومؤشرات الجريمة المنظمة العابرة للحدود، وضعف قدرة الدولة على تحقيق السلم المجتمعي المستدام. 

بدائل مُحتملة: 

إن استكشاف بدائل لبعثات حفظ السلام التقليدية أمر بالغ الأهمية في معالجة تعقيدات الصراعات الدولية الحديثة. فقد واجهت عمليات حفظ السلام التقليدية، التي غالباً ما تتميز بالوجود العسكري ومراقبة وقف إطلاق النار، انتقادات بسبب قيودها في حل النزاعات بشكل فعال، خاصة تلك المتجذرة في سياسات الهوية والتوترات داخل الدول، وعلى هذا النحو، يمكن الإشارة إلى مجموعة من البدائل التي يتم تطويرها على النحو التالي:

1. شراكات أممية وإقليمية: ويقوم هذا الطرح على قيام الأمم المتحدة بدعم وتمويل البعثات الإقليمية؛ حيث وسعت الأمم المتحدة دعمها لمهام وبعثات الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام في القارة؛ إذ اعتمد مجلس الأمن القرار رقم (2719) والخاص بمنح الإذن بالولاية للاتحاد الإفريقي لنشر قوات حفظ سلام إقليمية مشفوعة بإطار زمني محدد واستراتيجية خروج محددة.

وفي هذا الصدد؛ اعتمد مجلس الأمن القرار رقم (2746)، الذي يخوّل بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية تقديم الدعم التشغيلي واللوجستي لبعثة الجماعة الإنمائية للجنوب الإفريقي في جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي تعمل في شرقي جمهورية الكونغو الديمقراطية منذ ديسمبر 2023. كما اعتمد مجلس الأمن في 2023 آلية يتم بموجبها السماح للأمم المتحدة بتمويل بعثة أي قوة إفريقية يتم نشرها في الصومال بنسبة تصل إلى 75%. 

2. تشكيل قوات حفظ سلام إقليمية/ تحالفات مؤقتة: تشكيل تحالفات مُخصّصة من قبل الدول التي تشترك في تهديد أمني، كما في حالة قوة المهام المشتركة المتعددة الجنسيات في منطقة بحيرة تشاد. بيد أن الطبيعة غير الرسمية لمثل هذه المبادرات تثير تساؤلات حول استدامتها على المدى الطويل من حيث الموارد والالتزام والتخطيط للعمليات الممتدة. بالإضافة إلى ذلك، فإن شرعية هذه التحالفات وشفافيتها ومساءلتها تشكل مخاوف بالغة الأهمية. 

3. الاعتماد على الشركات الأمنية: أدت الشركات الأمنية الخاصة دوراً ملحوظاً في عدد من النزاعات والصراعات المعاصرة، وتتزايد وتيرة التوجهات نحو توظيف تلك الشركات لأداء مهام أمنية وعسكرية مختلفة كبديل للجيوش؛ لذا قد تظهر الشركات الأمنية في المستقبل كبديل لقوات حفظ السلام حيث يمكنها أن تتجاوز مسألة التمويل والأداء التقليدي لقوات حفظ السلام الراهنة، غير أن هذا النهج يثير المخاوف بشأن خصخصة عمليات حفظ السلام وآثارها على سيادة الدولة. 

4. دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي: يزيد التطور التكنولوجي من إتاحة بدائل متعددة في الصراعات والنزاعات؛ لذا قد يكون هذا التطور، ولاسيما المتعلق بالذكاء الاصطناعي وصناعة الروبوتات بديلاً تقنياً لبعثات حفظ السلام على المدى المنظور، أو أن يتم دمج تلك التقنيات في البعثات الأممية والإقليمية المستقبلية. 

وفي التقدير يمكن القول إن بعثات حفظ السلام الأممية والإقليمية تؤدي أدواراً لا غنى عنها في حفظ الأمن واستدامة الاستقرار، وأن التحديات التي تواجه تلك البعثات نتاج التجاذبات السياسية المحلية والإقليمية والدولية، قد تؤثر في معضلات تلك البعثات كالعمل على تعطيلها عبر خفض التمويل وميزانياتها؛ وهو ما قد يؤدي بشكل رئيسي إلى احتمال إغلاق تلك البعثات؛ وهو الأمر الذي قد يزيد من حدة الصراع وتفاقم الأزمات الإنسانية في مناطق النزاعات المسلحة، وهو ما يتطلب المزيد من الجهود لتحسين أوضاع بعثات حفظ السلام.