إيران بين صحة المرشد وصحة النظام

20 April 2017


بين صعوبة القراءة الدقيقة للموقف الأميركي، والتزام الحذر تجنباً لتداعيات قراءة خاطئة لن يكون من السهل استيعاب كلفتها، يلجأ النظام الإيراني للمناورة الدبلوماسية مجددا بهدف اختبار نوايا واشنطن أو جسّ نبضها، ففي ظروف استثنائية غير اعتيادية تمر بها المنطقة والعالم، وقبيل انطلاق معركة الانتخابات الرئاسية المصيرية التي ستؤثر نتائجها حتماً على مستقبل النظام وشكله ومدى تماسكه، لم تتردد طهران بإرسال إشارات إيجابية تجاه أكثر الإدارات الأميركية إجماعاً ضدها وحدة أيضا في مواقفها من سياسات طهران الداخلية والخارجية، فمنذ تولي دونالد ترمب السلطة تستخدم واشنطن لغة شبه موحدة تجاه كافة أطراف السلطة في إيران، حيث لا تفرق فيها بين محافظ أو إصلاحي أو معتدل، ضاربة عرض الحائط بكل ما روجت له إدارة باراك أوباما عن أن الحوار الإيجابي مع المعتدلين في السلطة يضعف مواقف المتشددين، وهو المنطق الذي ترفض الإدارة الجديدة تبنيه، والتي تعتبر تصرفات طهران بعد توقيع الاتفاق النووي لا تساعد على إعادة بناء الثقة بينها وبين العالم.

ففي مواجهة إدارة أميركية جديدة لم تتردد في استخدام التوماهوك لمعاقبة الأسد، وفتحت مرحلة جديدة في الحرب على «داعش» وأخواتها بعد استخدام «أم القنابل» في أفغانستان، وقامت بنشر جزء من أسطولها العسكري مع 3 حاملات طائرات أمام سواحل كوريا الشمالية؛ يمكن اعتبار رسالة طهران إلى إدارة ترمب حول صحة المرشد الإيراني السيد علي خامنئي مغامرة جريئة من قبل صناع القرار الإيراني، الذين يدركون أكثر من أي أحد آخر حجم المأزق الذي وصل إليه النظام، ويعرفون تماما الكلفة العالية لبقائه، لذلك كان خيارهم الاعتراف للخصم بعللهم، لعل لعبة التوازنات الإقليمية والدولية التي تشتهر واشنطن في ممارستها تحولها إلى حكم يرغب في فرض شروطه بأقل كلفة، فيما ترغب طهران حاليا في تجنب ما هو أسوأ.

فقد كشف الرئيس الإيراني الأسبق أبو الحسن بني صدر لوسائل إعلام إيرانية معارضة عن مضمون رسالة سرية إيرانية وصلت إلى البيت الأبيض، تضمنت عرضاً إيرانياً للرئيس الأميركي دونالد ترمب بالمقايضة بين التخفيف من وطأة العقوبات على طهران، مقابل أن تختار المؤسسة الدينية الحاكمة خليفة معتدلا لخامنئي يلعب دورا مماثلا للدور الذي يلعبه الإمام السيستاني في العراق، وهي ما يمكن اعتبارها نقطة جوهرية في مضمون العرض، والتي يمكن أن تحمل تأويلين، الأول يتعلق بطبيعة العلاقة بين طهران والوجود الأميركي في المنطقة والتلويح بتبني موقف الإمام السيستاني الذي يتهمه بعض القيادات الإيرانية بأنه دعا العراقيين إلى تجنب مواجهة الأميركيين بعد 2003 بعكس المرشد الإيراني الذي يدعو إلى طرد الأميركيين من العراق والمنطقة، أما الثاني فله دلالات إيرانية داخلية حول طبيعة النظام ما بعد السيد خامنئي، حيث من المعروف أن المرجعية الشيعية في النجف ترفض التدخل المباشر بالسلطة، ما يعتبر نقيضا كاملا لدور المرشد في إيران بصفته الولي الفقيه الذي يتمتع بصلاحيات سياسية كاملة، وهو ما يمكن تفسيره بأن نظام طهران يعي جيدا الصعوبة التي تواجهه في اختيار مرشد جديد قوي يتمتع بالشرعية التي كان يتمتع بها خامنئي، كونه جزءا من ذاكرة الثورة والدولة، وهي صفات لم تعد متوفرة بأي مرشح لخلافته من داخل معسكره، خصوصاً بعد رحيل الرئيس الشيخ رفسنجاني، ورفض المؤسسة الراديكالية وصول شخصيات مثل السيد خاتمي أو الرئيس روحاني لموقع المرشد، كما أن أي مرشد جديد يحتاج إلى عملية إعداد وتعويم ستستغرق وقتا طويلا، فيما الطبقة الحاكمة في صراع مع الوقت من أجل حماية امتيازاتها والحفاظ على سلطتها ما بعد الخامنئي.

وعليه، بات من الضروري التعامل مع ترشح رجل الدين المتشدد المقرب من خامنئي والحرس الثوري السيد إبراهيم رئيسي لرئاسة الجمهورية كوسيلة لخروج النظام من مأزقين، الأول انتكاسة المرشد الصحية، وعدم جهوزية البديل لمواجهة رئيس جمهورية بحجم حسن روحاني، وأما الثاني فمأزق النظام الذي يشعر بعض أركانه بترهله وانتهاء صلاحيته لحكم إيران، وهي الإشارة التي التقطها الرئيس السابق أحمدي نجاد، الذي لم يصغ لنصائح المرشد وقام بترشيح نفسه ليزيد من حجم التباينات داخل المعسكر المحافظ الذي بات أمام معضلتين، الأولى غياب الشرعية الشعبية التي تؤمنها الكتلة المؤيدة للسيد علي خامنئي والتي تشكل قرابة 30 في المائة من المجتمع الإيراني بحال وفاته المفاجئة، والثانية عدم تقديم شخصية مقنعة قادرة على استقطاب شرائح واسعة من الشارع الإيراني، الذي لم يعد ممكنا الانتصار عليه إلا بالتزوير الذي لو حصل فسيأخذ إيران هذه المرة إلى المجهول.

*نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط