أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

ارتدادات محتملة:

كيف يتعامل أكراد سوريا مع استفتاء كردستان؟

05 أكتوبر، 2017


 أقدم أكراد سوريا على إجراء المرحلة الأولى من الانتخابات التي تنظمها الإدارة الذاتية الكردية للمرة الأولى، والخاصة بما يسمى "الكومونات" (اللجان المحلية للأحياء والحارات) في 22 سبتمبر 2017، وقبيل ثلاثة أيام من تنظيم استفتاء نظرائهم العراقيين على الانفصال عن العراق، في مؤشر على صعود "ظاهرة كردية" في الدول التي تشهد ظروفًا أمنية صعبة مثل العراق وسوريا، والتي باتت، وفقًا لاتجاهات عديدة، مرشحة لاحتمالات التقسيم.

وعلى الرغم من عدم انتهاء الصراعات التي تشهدها تلك الدول، إلا أن ثمة رغبة كردية في الإسراع باتخاذ خطوات يمكن البناء عليها مستقبلاً بهدف تحقيق الطموحات الكردية. وقد تبنى الأكراد في هذا السياق آليات عديدة منها إجراء محادثات مع النظام السوري حول الوضع الكردي خلال المرحلة القادمة.

لكن مع فشل جولتين للحوار بين الأكراد والنظام في التوصل إلى أرضية مشتركة تجمع بين رؤيتى الطرفين، ومضى الأكراد قدمًا في محاولة فرض مشروعهم بقوة الأمر الواقع، رغم وجود تحديات عديدة جيوبوليتيكية وديموغرافية ولوجيستية لتأسيس نظام فيدرالي في سوريا، فضلاً عن غياب الاعتراف والدعم، فإن ذلك في مجمله يمكن أن يؤدي إلى تعزيز احتمالات تكرار ما حدث في العراق بشكل متدرج، وهو ما دفع اتجاهات عديدة إلى ترجيح تطبيق ما تطلق عليه "النموذج العراقي" في سوريا، والذي يتمثل في هيمنة العلويين على مقاليد السلطة في ما يسمى بـ"سوريا المفيدة"، مقابل نفوذ وسيطرة الأكراد على مناطقهم، في حين تبقى بقية المكونات السورية، بالحسابات الطائفية والعرقية الأخرى، خارج معادلة توازن القوة والسلطة في البلاد. 

ملامح المشروع:

يتسم المشروع الكردي في سوريا بخصائص رئيسية ثلاث: تتمثل الأولى، في غياب التلاحم في تضاريس هذا المشروع، حيث تنقسم مناطق السيطرة والنفوذ إلى ثلاث أقاليم هى: إقليم الجزيرة، وإقليم الفرات، وإقليم عفرين. ويتضح من هذه الملامح التضاريسية أنه لا يوجد تلاحم جغرافي يمكن أن يساعد مستقبلاً على تأسيس إقليم متماسك للأكراد، بل تبدو خريطة هذه المناطق أشبه بـ"جزر متباعدة" جغرافيًا عن بعضها البعض، وهو ما يفرض تحديًا استراتيجيًا لترسيم حدود واضحة المعالم للإقليم.

ومن جهة أخرى، لا تزال هناك مناطق تقع في دائرة النزاع، مثل دير الزور، التي تشكل، من الناحية اللوجيستية، رافدًا اقتصاديًا مهمًا يعول عليه الأكراد في دعم تأسيس وإدارة هذا الإقليم، حيث تشهد صراعًا بين الأكراد من جهة والنظام السوري وحلفائه من جهة أخرى، بينما لا تزال المنطقة تمثل ما يمكن تسميته بـ"الخزان الرئيسي" لتنظيم "داعش"، في ظل الحصار الذي يتعرض له في الرقة، وبالتالي من المحتمل أن يطول أمد عملية تحريرها في الفترة القادمة.

وتنصرف الثانية، إلى غياب التماسك الديموغرافي، إذ أن المناطق المشار إليها، وفق الإطار الانتخابي، هى مناطق ذات كثافة كردية، لكن ذلك لا يعني أن الأكراد يشكلون أغلبية في معظم تلك المناطق، خاصة أنه لا توجد إحصائيات حقيقية ولا جداول انتخابية توضح ذلك. فبحسب آخر إحصاء رسمي تم إجراءه قبل عام 2011، فإن الأكراد يمثلون 15% من المكونات السورية. كما أن "قوات سوريا الديمقراطية" شملت مكونًا عربيًا وبالتالي سيكون من الصعوبة بمكان قبول هؤلاء بالسياسة التي يفرضها الأكراد على تلك المناطق.

وتتعلق الثالثة، بغياب المقومات الاقتصادية والموارد التي تسمح بتأسيس إقليم كردي، وهو ما يتوازى مع صعوبة التعويل على الحدود مع الدول والأطراف الأخرى كآلية يمكن من خلالها تعزيز قدرة سلطات الإقليم على إدارة شئونه.

ورغم أن تصريحات بعض القيادات الكردية تشير إلى أن إقليم كردستان العراق، الذي اتخذ أكراد سوريا خطوات عديدة للتقارب معه في الآونة الأخيرة، قد يشكل الممر إلى الخارج، إلا أن ذلك لا يتسامح مع المعطيات الموجودة على الأرض، التي تشير إلى أن إقليم كردستان نفسه يواجه تحديات لا تبدو هينة بسبب المواقف التي تتبناها الحكومة المركزية في بغداد إلى جانب تركيا وإيران، اللتين تسعيان إلى رفع مستوى التنسيق فيما بينهما، وهو ما يبدو جليًا في الزيارة التي يقوم بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى إيران في 4 أكتوبر 2017.

مواقف متباينة:

اللافت في هذا السياق، هو أن النظام السوري لم يتبنى سياسة واضحة المعالم إزاء هذه الطموحات الكردية، حيث استند إلى أكثر من آلية في التعامل مع ذلك. إذ لم يستبعد اللجوء إلى الخيار العسكري، وهو ما عبر عنه فيصل المقداد نائب وزير الخارجية السوري بقوله أن "الانتخابات المحلية التي أجريت في مناطق الأكراد في 22 سبتمبر الفائت مزحة"، مشيرًا إلى أن "سوريا لن تسمح أبدًا بانفصال أى جزء من أراضيها" و"أن الحكومة ستؤكد في النهاية سيطرتها على المناطق الخاضعة للأكراد".

لكن بالتوازي مع ذلك، وجه النظام إشارات عديدة تفيد استعداده للتفاوض بسقف أقل، حيث أكد وليد المعلم وزير الخارجية على أن منح الأكراد "حكمًا ذاتيًا" على النمط العراقي السابق أمر قابل للتفاوض والحوار، لكنه اشترط أن يكون ذلك في إطار حدود الدولة وأن يتم الاتفاق عليه بعد انتهاء الحرب ضد تنظيم "داعش".

ومن دون شك، فإن النظام في مقاربته لهذا الملف يضع في اعتباره متغيرات عديدة يتمثل أبرزها في الواقع الذي فرضته "قوات سوريا الديمقراطية" في مناطق الصراع تحت مظلة التحالف الدولي للحرب على "داعش"، فضلاً عن الدعم العسكري الذي حصلت عليه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، والذي أدى إلى توتر علاقاتها مع تركيا التي تعتبر هذه الميلشيات امتدادًا لـ"حزب العمال الكردستاني" الذي دخلت في مواجهات مسلحة معه خلال الفترة الماضية.

ويبدو أن ذلك هو ما دفع النظام إلى محاولة استقطاب دعم الأكراد في مساعيه لتوسيع مساحة المناطق التي يسيطر عليها، وامتلاك ورقة ضغط في مواجهة تركيا التي تتجه إلى رفع مستوى وجودها العسكري داخل سوريا، في إطار التفاهمات التي توصلت إليها مع كل من روسيا وإيران خلال الجولة الأخيرة من محادثات الآستانة.

ومن هنا، يمكن القول إن كلا الطرفين يسعيان إلى توسيع هامش المناورة وحرية الحركة المتاحة أمامهما من أجل التعامل مع المعطيات التي تفرضها التطورات السياسية والميدانية التي تشهدها الساحة السورية، دون أن تكون هناك مؤشرات تدعم من احتمال وصولهما إلى تفاهمات حول الملف الكردي خلال المرحلة القادمة.