أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

مصالح متشابكة:

زيارة ولي العهد السعودي لتركيا.. حدود الاتفاق والاختلاف

02 أكتوبر، 2016


تعكس الزيارات المتبادلة لكبار قادة السعودية وتركيا، وآخرها زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف إلى أنقرة في نهاية شهر سبتمبر 2016، الحرص المشترك لأنقرة والرياض على أهمية العلاقة بينهما، والتنسيق والتعاون إزاء القضايا المتفجرة في المنطقة، فضلاً عن تطوير العلاقات الثنائية في شتى المجالات، من دون أن يعني ما سبق عدم وجود اختلافات في المواقف تجاه العديد من القضايا، وكيفية ممارسة السياسة إزاء الدوائر الإقليمية، لاسيما أن الانعطافة التركية الأخيرة تجاه روسيا والانفتاح الكبير على إيران يوحيان بازدواجية في الموقف التركي، على شكل تناقض بين الموقف الأخلاقي الذي تعلنه أنقرة من قضايا سوريا واليمن وممارسة الوصولية السياسية في بناء العلاقات والرهان عليها لتحقيق جملة من الأهداف الداخلية والخارجية.

دلالات زيارة ولي العهد السعودي

تهدف زيارة ولي العهد السعودي إلى تركيا، إلى نقل العلاقة بين البلدين إلى مرحلة جديدة بعد فترة من الفتور الذي نتج عقب مزاعم بوجود دور سعودي في الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا في منتصف يوليو الماضي، مقابل الاعتقاد السعودي بأن الانعطافة التركية نحو موسكو شكلت تناقضاً للتوافق السياسي بين البلدين إزاء الأزمة السورية. ولعل هذا الاختلاف أو الفتور حال حتى الآن دون عقد الاجتماع التأسيسي الأول لمجلس التنسيق السعودي – التركي الذي تم الاتفاق عليه خلال زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى السعودية نهاية العام الماضي، ومن ثم الإعلان عنه خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية إلى تركيا في أبريل الماضي.

لكن هذا الاختلاف لا يقلل من أهمية توافق سياسة البلدين إزاء جملة من القضايا الإقليمية وسط حرص على توحيد الرؤى منها، ولعل من أبرز هذه القضايا ما يلي:

1- توافق المملكة العربية السعودية وتركيا إزاء الأزمة السورية من خلال الاتفاق على رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، ودعم الفصائل المسلحة والمعارضة السياسية المتمثلة في الائتلاف الوطني السوري، وذلك من خلال حل سياسي وفقاً لمبادئ "جنيف 1" التي تقضي بقيام فترة انتقالية لا مكان فيها للأسد.

2- اتفاق البلدين على معالجة الخلل في العملية السياسية في العراق من خلال إعادة النظر في تركيبة الحكم ومؤسسته العسكرية والأمنية، بحيث تشارك مكونات الشعب العراقي كافة في الحكم بطريقة فعَّالة، وانتهاج سياسة متوافقة مع الجوار العربي والإسلامي بعيداً عن تأثير النفوذ الإيراني.     

3– دعم تركيا لعملية "عاصفة الحزم" التي أطلقتها السعودية في اليمن، وتأييدها للتحالف الإسلامي الذي أعلنته السعودية لمكافحة الإرهاب. وعلى الرغم من أن الدور التركي في دعم "عاصفة الحزم" في اليمن أخذ الشكل الإعلامي والسياسي، فإن له أهمية خاصة بسبب التحالفات الإقليمية الجارية في المنطقة، لاسيما لجهة إبراز مثل هذا التحالف في مواجهة إيران التي تسعى باستمرار إلى توسيع نفوذها في المنطقة، وبما يشكل ذلك تحدياً لأنقرة والرياض. ولعل هذا ما دفع ولي العهد السعودي إلى القول، خلال زيارته إلى تركيا، إن البلدين مهددان و"الاستهداف واضح ولا يختلف عليه اثنان"، وتأكيده ضرورة توحيد الجهود.

4- ثمة قناعة تركية - سعودية مشتركة بأن السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط تتجاهل مصالح البلدين ودورهما، بل وفي كثير من الأحيان باتت تشكل خطراً عليهما، فتركيا لديها إحساس عميق بأن الإدارة الأمريكية وقفت خلف الانقلاب العسكري الفاشل ضد أردوغان، وأن الدعم الأمريكي للكُرد في المنطقة أصبح يشكل تحدياً أمنياً كبيراً لأنقرة.

فيما تعتقد السعودية أن تراجع أهمية عامل النفط في العلاقات الأمريكية – السعودية جعل واشنطن تنظر بأهمية أقل إلى دور هذه العلاقة في الاستراتيجية الأمريكية، كما أن قانون "جاستا" الذي أقره الكونجرس مؤخراً، والذي من شأنه السماح بمحاكمة الدول المتورطة في الإرهاب على الأراضي الأمريكية، جاء تعبيراً عن القناعة الأمريكية الجديدة بتضاؤل الدور السعودي.

وعليه، فإن المملكة العربية السعودية وتركيا تعتقدان بأهمية تطوير العلاقات بينهما كرافعة للحفاظ على مصالحهما وتقوية موقفهما الإقليمي إزاء القضايا المتفجرة في المنطقة.   

تطوير العلاقات الثنائية   

مع فقدان تركيا الساحة السورية اقتصادياً والتي كانت تشكل جسراً لها إلى الأردن ودول الخليج العربية ولبنان ومصر، مقابل تراجع قيمة النفط وانخفاض أسعاره، برزت توجهات سعودية – تركية لتطوير العلاقات الثنائية بينهما في شتى المجالات، فالسعودية تريد بدائل اقتصادية عن النفط، وتركيا تبحث عن أسواق تجارية ومجالات تعاون اقتصادية وعسكرية. ولعل مجلس التنسيق المشترك السعودي - التركي جاء لتحقيق هذه الغاية، خاصةً أن المجلس منوط به تطوير العلاقات بين البلدين في شتى المجالات، وقد عكس الوفد الوزاري المرافق لولي العهد السعودي إلى تركيا هذا التوجه الجديد للعلاقات بين البلدين.

وعند الحديث عن العلاقات الثنائية بين الرياض وأنقرة، يمكن التوقف عند مستويين أساسيين، هما:   

1- التعاون الاقتصادي: على الرغم من أن للبلدين مكانة إقليمية مهمة، ووقعا على سلسلة اتفاقيات تجارية واقتصادية، فإن حجم التبادل التجاري بينهما لم يتجاوز ثمانية مليارات دولار سنوياً حسب آخر الإحصائيات، وهو رقم لا يتناسب مع عدد الشركات السعودية العاملة في تركيا، إذ تقول التقارير إن عدد هذه الشركات بلغ 800 شركة، فيما بلغ عدد الشركات التركية في السعودية 200 شركة. وإذا كانت الشركات التركية تركز على مشاريع البنية التحتية، لاسيما مشروع تجديد وتشغيل مطار الأمير محمد بن عبدالعزيز في المدينة المنورة وغيره من المشاريع الخدمية، فإن الشركات السعودية تركز على مشاريع الاستثمار العقاري في تركيا، ويُقدر حجم الاستثمار السعودي في تركيا بنحو 17 مليار دولار، فضلاً عن بروز أهمية عامل السياحة بين البلدين.

ووفقاً لتقارير رسمية صادرة عن وزارة التجارة والصناعة السعودية، بلغ عدد المشاريع المشتركة بين البلدين حوالي 159 مشروعاً، منها 41 مشروعاً صناعياً، و118 مشروعاً في مجالات غير صناعية.

وتشير التقديرات بعد التوقيع على العديد من الاتفاقيات التجارية والاقتصادية بين البلدين خلال زيارة ولي العهد السعودي إلى تركيا، إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين سيصل خلال السنوات القليلة المقبلة إلى عشرين مليار دولار.

2- التعاون العسكري والأمني: يعكس التعاون العسكري والأمني بين المملكة العربية السعودية وتركيا مساراً جديداً للعلاقة بينهما، وقد تجلى هذا التعاون في عدة مجالات، لعل أبرزها توقيع اتفاقية في فبراير الماضي بين شركة "أسيلسان" التركية للصناعات الدفاعية الإلكترونية وشركة "تقنية" السعودية الحكومية للتنمية والاستثمار التقني، بحيث تقضي بتأسيس شركة مشتركة متخصصة بالصناعات الدفاعية الإلكترونية في السعودية، وأن تتولى هذه الشركة تصميم وصناعة وتطوير الرادارات، والمعدات الحربية الإلكترونية، لتغطي احتياجات المملكة والمنطقة بأكملها.

كما شاركت السعودية في تمرين "النور" العسكري الذي أُقيم في قاعدة "قونيا" التركية هذا العام، وأيضاً المشاركة في مناورات "نسر الأناضول" ومناورات "ايفس" المتعددة الجنسيات في تركيا، مقابل مشاركة الأخيرة في مناورات "رعد الشمال" في السعودية بحضور دول الخليج العربية وقوات عشرين دولة أخرى في فبراير 2016.

وبموازاة هذا التعاون، باتت الطائرات السعودية ترابط في قاعدة "إنجرليك" التركية وتجري المناورات العسكرية، فضلاً عن التعاون الأمني في مجال مكافحة الإرهاب، وقد تجلى هذا الأمر في إعلان السعودية دعم عملية "درع الفرات" التركية في شمال سوريا.           

محددات مختلفة 

على الرغم من التوافق السياسي بين الرياض وأنقرة إزاء معظم قضايا المنطقة، فإن ثمة محددات مختلفة تؤثر على مدى التعاون بينهما وعلى الثقة في اتخاذ خطوات مشتركة. ولعل من أهم هذه المحددات، الموقف من جماعة الإخوان المسلمين التي تعدها السعودية ودول الخليج العربية، باستثناء قطر، جماعة إرهابية، فيما باتت تركيا بمنزلة حاضنة سياسية لهذه الجماعة؛ إذ تعتمد عليها كبعد أيديولوجي في سياستها الخارجية تجاه العالم العربي. وعلى خلفية هذا الموقف، يظهر التباين السعودي – التركي إزاء العلاقة مع مصر في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، ففي الوقت الذي دعمت السعودية حكم الرئيس السيسي وتؤكد أهمية دور مصر لتحقيق نوع من التوازن الإقليمي في المنطقة في مواجهة إيران وسياساتها، تنطلق تركيا من سياسة أيديولوجية مُسبقة تجاه حكم الرئيس السيسي، وهو ما تعتبره القاهرة تدخلاً تركياً في شؤونها الداخلية، وبسبب هذا الأمر تعثرت الجهود السعودية في تحقيق مصالحة بين البلدين.

وأبعد من هذا المحدد الأيديولوجي، فإن طريقة إدارة تركيا علاقاتها مع روسيا وإيران تبدو متناقضة للمواقف السياسية التي تعلنها أنقرة إزاء الأزمتين السورية واليمنية، ولعل تركيا ترجح مبدأ "المصالح الخاصة" مع موسكو وطهران على التوافق السياسي مع السعودية، وهو ما تعتبره المملكة ليس خروجاً على التوافق السياسي فقط، بل ضرباً لسياسة البلدين، إذ إن مثل هذه السياسة تمنح موسكو قدرة الاستفراد بالأزمة السورية، كما تشجع طهران على التدخل أكثر في الأزمة اليمنية، وهو ما يجعل من التقارب السعودي – التركي محكوماً بالحسابات الخاصة والأولويات المختلفة لكل طرف.