أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

توخي الحذر:

تراجع الإدارة الأمريكية عن تصنيف روسيا كدولة راعية للإرهاب

27 سبتمبر، 2022


قدم السيناتور ليندسي جراهام، وهو جمهوري من ولاية جنوب كارولينا، والسيناتور ريتشارد بلومنتال، وهو ديمقراطي من ولاية كونيتيكت، في 14 سبتمبر الجاري، مشروع قانون يُصنف روسيا على أنها "دولة راعية للإرهاب"، وذلك بعد بضعة أشهر فقط من دعوة أعضاء اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ إدارة بايدن للقيام بهذا الأمر، وهي خطوة تطالب بها أوكرانيا منذ اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، لكنها تصطدم بمعارضة الإدارة الديمقراطية بقيادة جو بايدن.

ولا شك أن المشروع القانوني عكس اتساع الفجوة بين الكونجرس الأمريكي والبيت الأبيض، إذ كشف عن تعارض وجهات النظر بينهما، وربما سينبئ ذلك بمعركة طويل الأمد بين الطرفين، لاسيما أن رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، دعمت هذا المشروع، مؤكدة أن التصنيف "طال انتظاره"، بينما رد الرئيس الأمريكي كان قاطعاً برفض إدراج موسكو في هذا التصنيف عندما سئل بشأن هذا الموضوع في 7 سبتمبر الجاري. 

نهج متشدد للكونجرس:

يرى المؤيدون للتنصيف أن هذه الخطوة بمنزلة فرض عقوبات إضافية على روسيا، وربما ستزيد من عزلتها دولياً نتيجة لحربها ضد جارتها، وتتمثل أبرز الأسباب وراء تقديم التشريع المقترح في التالي: 

1- فرض عقوبات إضافية: سيسمح هذا القانون حال إقراره بتقليص صادرات الدفاع والتكنولوجيا بشكل كبير إلى روسيا، كما أن بموجبه سيفرض قيوداً مالية إضافية على موسكو، إذ سيتم إلغاء الحصانة السيادية لروسيا في نظر المحاكم الأمريكية، أي سيتم السماح بمقاضاتها في المحاكم الأمريكية بسبب ارتكابها لجرائم قمعية في أوكرانيا.

2- إشارة دعم لأوكرانيا: كان الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، منذ يونيو 2022، يطالب الولايات المتحدة بضرورة تصنيف روسيا "دولة راعية للإرهاب"، وذلك غداة اتهام كييف موسكو بشن غارة استهدفت مركز تسوّق وأسفرت عن مقتل 18 شخصاً على الأقل. وبالتالي، يرى بعض المشرعين الأمريكيين أن إقرار هذا القانون سيرسل رسالة دعم قوية لكييف ولحلفاء الولايات المتحدة من الأوروبيين بأن واشنطن ما زالت تلعب الدور القيادي الذي لا غنى عنه كضامن لأمن أوروبا، وكمساعد لتمكين أوكرانيا من التصدي للتقدم الروسي.

كما سيعزز هذا التصنيف، من وجهة نظر أنصاره، من صحة اتهامات أوكرانيا لروسيا بارتكاب جرائم حرب وقتل جماعي للمدنيين في بوتشا وقصف أهداف مدنية مثل مراكز التسوق والمستشفيات. 

3- إضعاف فاجنر الروسية: يرى بعض المشرعين الأمريكيين أن إدراج روسيا في تصنيف الدول الراعية للإرهاب يعد أمراً محورياً وضرورياً لتقويض ممارسات "مجموعة فاجنر" الروسية، والتي وصفتها وزارة الخزانة الأمريكية في وقتٍ سابق بأنها مجموعة تعمل بالوكالة لصالح وزارة الدفاع الروسية. وتتهم المجموعة من جانب الغرب بأنها أرسلت أكثر من 400 فرد من فاجنر إلى أوكرانيا منذ فبراير الماضي بهدف افتعال عمليات اغتيال وقتل داخل أوكرانيا.

4- محاولة التأثير على بوتين: يرى أنصار هذا التشريع المقترح أنه قد يكون الأداة الوحيدة القوية للتأثير على سلوك الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وأن واشنطن يجب أن تستخدم كل سلاح في ترسانتها غير العسكرية لمعاقبة روسيا على حربها ضد أوكرانيا. ومن ناحية أخرى، سيكون هذا التصنيف إحدى الطرق القانونية الفعالة لدفع المدعين في المحاكم الأمريكية لاتخاذ خطوات قانونية ضد النخبة الروسية المتورطة في الحرب الروسية – الأوكرانية، من وجهة نظر أنصار هذا التشريع. 

تصنيف بلا فاعلية: 

ترى إدارة بايدن أنه من غير المجدي حالياً تصنيف روسيا كدولة راعية للإرهاب، كما أكد وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، أن هذا الإجراء لن يكون له أي تأثير فعلي، وفيما يلي العوامل الدافعة وراء هذا الرفض، وذلك على النحو التالي: 

1- زيادة الخلافات مع روسيا: يلاحظ أن تصنيف روسيا كدولة راعية للإرهاب سيجعل من الصعب التوصل لحل دبلوماسي حول أوكرانيا عندما تحين لحظة محادثات السلام بين الأطراف المتحاربة. كما أن مثل هذا التصنيف سيحد من قدرة الدبلوماسيين الأمريكيين والروس على العمل معاً في المنتديات متعددة الأطراف.

وتعكس تلك الخطوة عبور واشنطن نقطة اللاعودة في علاقاتها مع موسكو، خاصة في ضوء تحذير مدير إدارة أمريكا الشمالية بوزارة الخارجية الروسية، ألكسندر دارشيف، بأن هذا التصنيف سيؤدي إلى خفض أو قطع العلاقات الدبلوماسية الثنائية. والأكثر إثارة للقلق هو احتمال أن يعتبر الرئيس بوتين هذه الخطوة بمنزلة دعوة علنية لتغيير الحكومة الروسية؛ لأن أحد المسارات القانونية لإلغاء القانون يتمثل في تغيير قيادة الدولة المصنفة راعية للإرهاب، وهو ما يزيد من حجم التوتر في العلاقات الأمريكية – الروسية.

وتدرك إدارة بايدن أن العلاقات الأمريكية – الروسية لا تنحصر في الحرب الروسية ضد أوكرانيا، إذ لايزال هناك تعاون قائم بين البلدين في مناطق الصراعات في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى وجود عدد كبير من الاتفاقات المعنية بضبط التسلح، والتي تحتاج إلى تواصل دبلوماسي، سواء لاستكمالها، أو للتأكد من امتثال الطرفين لها. ومن جهة أخرى، فإن تسمية روسيا دولة إرهابية من شأنه أن يضر باحتمالات إعادة الرهينتين الأمريكيين بول ويلان وبريتني جرينر إلى واشنطن.

2- ضعف فاعلية القرار عسكرياً: ترى إدارة بايدن أن التصنيف لن يثني موسكو عن مسارها الحالي في أوكرانيا، فعلى الرغم من تطبيق عقوبات واسعة وشاملة عليها، فإنها ما زالت مصممة على تحقيق أهدافها في أوكرانيا، وبالتالي، لا يوجد ما يشير إلى أن تصنيفها دولة راعية للإرهاب ينهي الحرب الروسية – الأوكرانية، بل على العكس، فإن هذا الإجراء قد يدفع الكرملين لتصعيد عملياته العسكرية في أوكرانيا. 

3- تجميد مجلس الأمن الدولي: لا شك أن إدراج روسيا دولة راعية للإرهاب سيقوض من التعاون في مجلس الأمن الدولي، نظراً لكون الدولتين من الأعضاء الدائمين في المجلس، وربما سيؤدي ذلك إلى عجز المجلس عن التوصل لتوافق حول أي قضية مستقبلية.

4- إضعاف فاعلية العقوبات الأمريكية: ترى الإدارة الأمريكية أن هذا التصنيف سيفرض قيود اقتصادية على الدول التي لا تزال ترتبط بالاقتصاد الروسي، وحتى بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي تتمتع اقتصاداتها بصلات قوية بالاقتصاد الروسي. ونظراً لأهمية الاقتصاد الروسي لعدد كبير من الدول، فإن الاتجاه الغالب سوف يكون هو استمرار هذه الدول في الحفاظ على علاقاتها بموسكو، وتجاهل العقوبات الأمريكية، وهو ما سيحد من فاعلية وقيمة العقوبات الأمريكية. 

وفي الختام، يمكن القول إن هذا التشريع المقترح لم يكشف سوى عن اتساع الفجوة بين المؤسستين الأمريكيتين، فبينما يزداد الإصرار في الكونجرس الأمريكي لإدراج روسيا على قائمة الدول الراعية للإرهاب، لا تلتفت إدارة بايدن لمثل هذا الإصرار انطلاقاً من الأسباب السابقة. ويدرك البيت الأبيض أنه إذا تمكنت بيلوسي من تمريره في مجلس النواب، فسيكون من الصعب تمريره في مجلس الشيوخ، الذي يتطلب 60 صوتاً لتمريره، وحتى إذا تم إقراره بهذه الأغلبية، فمن المرجح أن يستخدم بايدن فيتو رئاسياً لتعطيله وهو ما يتطلب الحصول على أغلبية الثلثين في المجلس لتجاوزه، الأمر الذي يبدو غاية في الصعوبة، إن لم يكن مستحيلاً.