أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

رسائل التنحي:

من يخلف "بارزاني" في رئاسة كردستان العراق؟

04 نوفمبر، 2017


أثار تنحي "مسعود بارزاني" عن رئاسة إقليم كردستان في 29 أكتوبر 2017، جدلًا حول دلالات القرار وتداعياته على مستقبل الإقليم، حيث جاء خطاب التنحي الذي ألقاه "بارزاني" مُحمَّلًا برسائل متعددة تجاه الداخل الكردي والدولة العراقية والتحالفات الإقليمية والدولية الداعمة للأكراد. ويرتبط ذلك بانعكاسات الاستفتاء حول الانفصال عن العراق الذي تم إجراؤه في 25 سبتمبر الماضي، وتمكن القوات العراقية من السيطرة على مدينة كركوك النفطية والمعابر الحدودية التي تربط شمال العراق بدول الجوار.

أسباب تنحي "بارزاني":

ينتمي "كاك مسعود بارزاني" إلى عائلة "بارزاني" ذات المكانة الدينية والسياسية في المجتمع الكردي، وقد تولّى رئاسة الحزب الديمقراطي الكردستاني عام 1979، ووصل إلى رئاسة إقليم كردستان عام 2005 عبر انتخابات غير مباشرة، وأُعيد انتخابه لولاية ثانية عام 2009 عبر انتخابات عامة مباشرة لأول مرة في إقليم كردستان لمدة أربع سنوات، وبعد انتهائها تم تمديد مدته إلى عام 2015 بالاتفاق بين الحزبين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني. وهو ما رأت فيه قوى المعارضة الكردية عملًا غير مشروع وانقلابًا على الدستور. 

وبعد عام 2015، استمر "بارزاني" في رئاسة الإقليم في ظل عدم توصل القوى السياسية الكردية إلى قانون لرئاسة الإقليم، وذلك بموجب قرار قضائي أتاح له البقاء لمدة عامين أيضًا، بحيث تنتهي مدته في 1 نوفمبر 2017.

وفي 29 أكتوبر 2017، أعلن "بارزاني" عدم رغبته في تمديد فترته بعد الأول من نوفمبر، كما صرح بأنه "لا يجوز تعديل قانون رئاسة الإقليم، وتمديد عمر الرئاسة" على حد قوله. ويرجع موقفه إلى عددٍ من الأسباب يمكن توضيحها فيما يلي:

1- انعكاسات استفتاء الانفصال: لا ينفصل تنحي "مسعود بارزاني" عن تأثيرات استفتاء الانفصال وتداعياته على الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية في إقليم كردستان؛ حيث جاء قرار "بارزاني" بالتنحي عقب أسبوع من قرار برلمان كردستان بتأجيل الانتخابات التشريعية التي كان من المقرر إجراؤها في مطلع شهر نوفمبر الجاري، وتجميد عمل هيئة رئاسة الإقليم التي تتكون من: رئيس الإقليم "مسعود بارزاني"، ونائبه "كوسرت رسول".

وجاء قرار التجميد هذا على أساس عدم تمديد البرلمان لولاية الرئاسة مرة أخرى، ما يعني أن صلاحية الرئاسة قد انتهت، وبالفعل بعث "بارزاني" رسالة إلى البرلمان تتضمن عدم بقائه في رئاسة الإقليم بعد يوم 1 نوفمبر، ومن ثمَّ عقد البرلمان جلسته يوم 29 أكتوبر لتوزيع صلاحيات الرئاسة على السلطات الثلاث (التشريعية، والتنفيذية، والقضائية) في الإقليم.

2- معارضة القوى الكردية: تتفق القوى والأحزاب الكردية المتمثلة في: الاتحاد الوطني الكردستاني، وحركة التغيير، والاتحاد الإسلامي في كردستان، وتيار الجيل الجديد؛ على ضرورة تغيير رئاسة إقليم كردستان، وإعادة تفعيل المسار الديمقراطي الذي تمَّ تعطيله في الإقليم، لا سيما بعد منع رئيس البرلمان "يوسف محمد" من دخول مدينة أربيل، واستبعاد أربعة وزراء لحركة التغيير من حكومة الإقليم.

كما ترى هذه القوى أن المدة القانونية لرئاسة "بارزاني" قد انتهت منذ عام 2015، وأن استمراره في الرئاسة غير شرعي، وهو ما دفع العديد من الشخصيات السياسية الكردية إلى دعوة "بارزاني" للتنحي من منصب رئيس الإقليم. فعلى سبيل المثال، صرح عضو البرلمان عن كتلة التغيير "هوشيار عبدالله" في أكتوبر 2017 بـ"أن تمديد ولاية "بارزاني" ضربة موجعة للديمقراطية في كردستان".

كما وجه "آراس شيخ جنكي"، القيادي في جهاز الأمن والمعلومات في السليمانية، رسالة إلى "بارزاني" يُطالبه فيها بتحمل مسئوليته عن تبعات ما حدث، واستغلال الفرصة الضئيلة المتبقية لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه، واتهمه بأنه المسئول الأول عن تداعيات الاستفتاء الخطيرة. وكذلك دعت حركة التغيير رئيس الإقليم ونائبه إلى الاستقالة، وطالبت بتشكيل حكومة إنقاذ وطني في الإقليم، والإعداد للحوار مع بغداد وتنظيم الانتخابات. ولم يختلف موقف قائمة الجيل الجديد عن هذا الموقف.

3- التوترات مع الحكومة الاتحادية: احتدم الخلاف بين الحكومة الاتحادية ورئاسة إقليم كردستان، لا سيما بعد أن حسمت العديد من القوى الكردية أمرها بالوقوف إلى جانب الحكومة الاتحادية على إثر أزمة الاستفتاء، واتخذت الحكومة العديد من الإجراءات السياسية والاقتصادية والعسكرية لإعادة السيطرة على المناطق المتنازع عليها، والسعي لإخضاع حكومة الإقليم لأحكام الدستور والقانون.

كما ترى العديد من القوى السياسية العراقية وأعضاء البرلمان العراقي، أن "بارزاني" هو أحد أسباب التوتر بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، خاصةً مع تزايد تصريحاته عن "الدولة الكردية التي سترسم حدودها بالدم"، ويرى العديد منهم أن المفاوضات بين المركز والإقليم صعبة التحقق في ظل وجود "بارزاني".

4- تصاعد الضغوط الخارجية: بعد إصرار "بارزاني" على إجراء الاستفتاء على الرغم من التحفظ والرفض الإقليمي والدولي له، بدا أن هناك توجهًا أمريكيًّا وفرنسيًّا لاستبعاد "بارزاني" من منصبه، وهو ما كشفه القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني "أوات محمد" في أكتوبر 2017 بأن "هناك معلومات بشأن صفقة أمريكية فرنسية أجبرت "بارزاني" على التنحي عن الرئاسة، مقابل عدم ملاحقته قضائيًّا من بغداد"، بسبب مقتل جنود عراقيين على يد البشمركة في مواجهات متفرقة وقعت مؤخرًا.

رسائل خطاب التنحي:

تضمن خطاب "بارزاني" الذي أعلن فيه عدم استمراره في رئاسة الإقليم، رسائل عدة وجهها لمختلف القوى الداخلية والدولية، وتتمثل أبرز هذه الرسائل فيما يلي:

1- الاستمرار في المنافسة السياسية: أكد "بارزاني" عدم الاستمرار في منصب رئاسة الإقليم، ورفض تمديد عمر الرئاسة، وطالب ببحث مسألة مَنْ يخلفه، كما أوضح وضعه المستقبلي بقوله: "أنا كمسعود بارزاني أبقى بين جماهير البشمركة الأعزاء في التضحية والكفاح من أجل الحصول على حقوق ومطالب شعبنا"، وهذه رسالة لمنافسيه بأنه سيظل في ساحة المنافسة من خلال وجوده في مؤسسة البشمركة التي تتمتع بنفوذ وتأثير قويين بين مختلف المؤسسات في إقليم كردستان.

2- تراجع اتجاهات الانفصال: دعا "بارزاني" في خطابه الحكومة الاتحادية إلى "مفاوضات صحية قائمة على أساس الدستور"، مع رفضه ما وصفه بــ"أي مخططات للنيل من إقليم كردستان وكرامته" مثلما ظهر في خطابه واضعًا العلم العراقي إلى جانب علم إقليم كردستان، ما يدل على أنه ربما لن يتمسك بمطلب الانفصال عن العراق في المرحلة الراهنة.

3- تفاقم الخلافات الكردية: وجه "بارزاني" اللوم في تفاقم أزمة الإقليم للأحزاب والحركات الكردية الأخرى، واتهمها بـ"الخيانة العظمى"، وأن "خيانة تسليم كركوك أحدثت شرخًا كبيرًا، ما يعني أن مسألة التحالف معهم مستقبلًا لن تتحقق بسهولة لعدم وجود ثقة متبادلة بين هذه الأطراف".

4- انتقاد الموقف الأمريكي: انتقد "مسعود بارزاني" موقف الولايات المتحدة الأمريكية من تطورات الأحداث، واتخاذها مبدأ الحياد في الأزمة بين المركز والإقليم، وتساءل "بارزاني": "لماذا تؤيد واشنطن معاقبة كردستان"، وتغافل عن ذكر الموقف الأمريكي الرافض للاستفتاء والذي لم يُصْغِ له قبل اتخاذ قرار تنظيم استفتاء الانفصال.

من يخلف "بارزاني"؟

تظاهر العديد من أنصار "بارزاني" عقب إعلان تنحيه، وقاموا باقتحام مبنى برلمان الإقليم للتعبير عن غضبهم من الأعضاء الذين طالبوا بتنحيه، كما قام بعضهم بإحراق مقرات الاتحاد الوطني الكردستاني، وحركة التغيير، في عدة مدن منها أربيل ودهوك.

وقد ظهر على السطح بوضوح تضارب المواقف السياسية بين الأحزاب والتيارات السياسية في إقليم كردستان، الأمر الذي يعكس تجذر الخلافات الكردية-الكردية، وهو ما اتضح في التراشقات الإعلامية والكلامية بين أعضاء برلمان الإقليم أنفسهم، واختلافهم على العديد من القضايا المصيرية التي تخص كردستان، ولا يزال السؤال الأهم هو: مَنْ يخلف "بارزاني"؟ فهناك العديد من الشخصيات المرشحة لتحل محله، وعلى رأسهم:

1- "مسرور بارزاني": هو نجل "مسعود بارزاني"، ويتولى مهمة مسئول الأمن في إقليم كردستان، وعضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردستاني، وقد ظهر في الحياة السياسية حديثًا. وترشحه لتولي منصب والده أمر غير مستبعد، خاصة أن خلافة الابن لوالده أمر متبع لدى العديد من الأحزاب العراقية، ومن الجدير بالذكر أن "مسرور بارزاني" مؤيد للانفصال عن العراق.

2- "نيجيرفان بارزاني": وهو ابن شقيق "مسعود بارزاني"، وتولى أغلب مهام عمه بعد تنحيه، وعلى رأسها قيادة قوات البشمركة. ويتولى "نيجيرفان" رئاسة مجلس وزراء الإقليم، ويُصنف كأحد أبرز القيادات الكردية الشابة المهتمة بالاقتصاد والتنمية أكثر من الحرب والصراع، حيث لم يكن من المؤيدين للمضيّ قدمًا في الاستفتاء.

3- "برهم صالح": وهو أحد قيادات الاتحاد الوطني الكردستاني، وشغل مناصب عدة منها: رئاسة حكومة الإقليم، ومنصب نائب رئيس مجلس الوزراء العراقي، وله خبرة عريضة في العمل السياسي.

4- "محمد توفيق رحيم": وهو قيادي في حركة التغيير، وأحد أبرز معارضي "بارزاني"، وقد سبق له تسجيل اسمه للترشح لانتخابات رئاسة الإقليم التي تم تأجيلها، وتولى مناصب عدة منها: مشاركته في أول حكومة عراقية شكَّلها مجلس الحكم الانتقالي في عام 2003.

ختامًا.. يمكن القول إن استقالة "بارزاني" لا تعني خروجه التام من المشهد السياسي الكردي، حيث إن أنصاره من "الحزب الديمقراطي الكردستاني" لا يزالون يسيطرون على عدد كبير من مراكز القوى داخل إقليم كردستان، بالإضافة إلى هيمنة بعض أفراد عائلته على المؤسسات الأمنية والسياسية. ومن المرجح أن تتصاعد التوترات والانقسامات بين القوى السياسية الكردية عقب تنحي "بارزاني"، وهو ما سيؤثر على الاستقرار السياسي في الإقليم.