أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

عقبات ماثلة:

تحديات الحكومة العراقية الجديدة بقيادة السوداني

02 نوفمبر، 2022


منح مجلس النواب العراقي، الخميس 27 أكتوبر 2022، الثقة للتشكيل الحكومي الذي تقدم به رئيس الوزراء المُكلف محمد شياع السوداني، والذي يضم 21 وزيراً، فيما لا تزال وزارتان إضافيتان من حصة المكوّن الكردي، قيد التفاوض ولم يتمّ ملؤهما بعد. 

وواجه السوداني عدداً من التحديات والإشكاليات المُرتبطة بتوزيع الحقائب الوزارية في الحكومة الجديدة، لاسيما الوزارات السيادية (الدفاع والداخلية والخارجية والنفط والمالية والتخطيط)، وهو ما أدى إلى تعطيل الإعلان عن التشكيلة الحكومية الجديدة، منذ اختياره في 13 أكتوبر 2022.

سمات أساسية:

يلاحظ أن هناك عدداً من الملاحظات التي ترد على حكومة السوداني، والتي يمكن الإشارة إليها على النحو التالي:

1- تبني نهج المحاصصة: عبّر التشكيل الحكومي الذي تقدم به السوداني وحاز ثقة مجلس النواب العراقي، عن استمرار التمسك بمبدأ المحاصصة الطائفية في تشكيل الحكومة، إذ تألفت من 12 وزيراً من القوى الشيعية، أغلبهم ينتمون إلى الإطار التنسيقي، وستة وزراء من السنة، ووزيرين كرديين، ووزيرة واحدة من الأقليات، فيما لا تزال وزارتان من حصة المكون الكردي، قيد التفاوض.

وجرى العرف منذ عام 2003 على أن يكون اختيار الوزراء، وفقاً للأوزان الانتخابية لكل كتلة داخل مجلس النواب، وذلك من خلال آلية احتساب النقاط، والتي تستند إلى عدد المقاعد النيابية لكل كتلة، بواقع نقطة واحدة لكل مقعديْن، كما تتطلب الوزارات السيادية خمس نقاط، والوزارات الأخرى أربع نقاط فقط، أما المناصب العليا (رئيس الجمهورية، والوزراء، والبرلمان)، فإنها تتطلب 15 نقطة.

2- معارضة التيار الصدري: أعلن زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، في 15 أكتوبر 2022، رفضه مشاركة أي من أنصاره في التشكيل الحكومي الجديد، مضيفاً أن "هذه الحكومة ائتلافية ميليشياوية مجربة لم ولن تلبي طموح الشعب"، وهو الأمر الذي يشكل تحدياً مهماً أمام الحكومة الجديدة، حيث إن التيار الصدري كان الحائز على الأغلبية في الانتخابات النيابية الأخيرة بواقع 73 عضواً قبل أن يعلن انسحابه من مجلس النواب، ومن ثم ينظر التيار إلى الحكومة الجديدة باعتبارها لا تحظى بالشرعية الكافية لإدارة شؤون البلاد، وهو ما دفعه للمطالبة بحل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة.

ويُعد تعهد السوداني بتعديل قانون الانتخابات البرلمانية خلال ثلاثة أشهر وإجراء انتخابات مبكرة خلال عام، صيغة لترضية زعيم التيار الصدري، لاسيما في ضوء قدرة الأخير على تحريك الشارع، والخروج في تظاهرات حاشدة، فضلاً عن استطاعته اللجوء إلى المحكمة الاتحادية لإعادة نوابه إلى البرلمان العراقي، وتحويل الإطار التنسيقي إلى أقلية من جديد، ومن ثم إسقاط الحكومة الجديدة.

3- حكومة الحد الأدنى: حازت حكومة السوداني على الأغلبية المطلقة (النصف زائد واحد) من الأعضاء المُشاركين في جلسة التصويت التي عقدت في 27 من الشهر الجاري، وعددهم 253 نائباً مشاركاً، في مجلس النواب المكون من 329 عضواً، الأمر الذي يعني ضعف الثقة التي تتمتع بها الحكومة الجديدة. ويضاف إلى ذلك أن المشاورات التي أجراها رئيس الوزراء الجديد استمرت حتى اللحظات الأخيرة مع الكتل والأطراف السياسية لحسم مرشحي الحقائب الوزارية. وأسفرت الخلافات بين القوى السياسية والحزبية عن تأخير الخروج بالتشكيلة الحكومية الجديدة، ويمكن تفصيل هذه الخلافات على النحو التالي:

أ- المكون الشيعي: شهدت الأحزاب المنضوية تحت الإطار التنسيقي خلافات حادة فيما بينها، لاسيما حول منصب وزير الداخلية بين مستشار الأمن القومي، قاسم الأعرجي، ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، ومستشار وزارة الداخلية اللواء مهدي الفكيكي، علاوة على تنافس عصائب أهل الحق مع كتائب حزب الله على جهاز المخابرات، وغيرها.

ب- المكون السني: تصاعد التنافس بين تحالفي السيادة بزعامة خميس الخنجر والعزم بزعامة مثنى السامرائي حول الظفر بحقيبة وزارة الدفاع، هذا إلى جانب مطالبة تحالف عزم بوزارة التخطيط إضافة إلى وزارات أخرى، وذلك في ضوء رؤية الحزب أنه يستحق وزارات أكثر من تحالف تقدم، الذي يتزعمه الحلبوسي، باعتبار أن الأخير حصل على منصب رئيس البرلمان.

ج- المكون الكردي: يستمر الخلاف بين الحزبين الاتحاد الوطني الكردستاني والديمقراطي الكردستاني حول الحقائب الوزارية، حيث لم يحسما بعد أمر حقيبتي البيئة والإسكان والإعمار.

د- المكونات الأخرى: طالبت الأقلية التركمانية والإيزيدية بالحصول حقهم في التشكيل الحكومي القادم، منددين بإقصائهم من المشاورات التي جرت بين القوى السياسية، وحرمانهم من المقاعد المخصصة لهم بموجب الكوتا، حيث لم يتم تخصيص إلا حقيبة واحدة للمسيحيين. وفي سياق ذلك، هدد رئيس الجبهة التركمانية، حسن توران، باللجوء للطرق القانونية والدستورية للمطالبة بحق التركمان في مقعد بالحكومة القادمة، كما ندد النائب الإيزيدي، نايف خلف سيدو، استثناء عرقيته من المشاركة في التشكيل المُزمع.

4- تشكيل جبهة معارضة: شهدت جلسة نيل الثقة لحكومة السوداني مشادات كلامية واشتباكات بالأيدي بين نواب الإطار التنسيقي، والنواب المستقلين المعترضين على نظام المحاصصة الذي تشكلت بموجبه الحكومة الحالية. وقد أظهر مقطع فيديو مصور، اعتراف النائب المستقل علاء الركابي بتعرضه للضرب وزميله النائب فلاح الهلالي، وتلقيهما تهديدات بالقتل، خلال الجلسة من نواب التنسيقي.

ومن جهة أخرى، أعلن النائب المستقل، هادي السلامي، تشكيل 15 نائباً مستقلاً جبهة معارضة لحكومة السوداني داخل البرلمان، تضم بعض النواب المستقلين، بالإضافة إلى كتلة "إشراقة كانون"، وهو ما يمثل أحد التحديات الرئيسية أمام السوداني، لاسيما مع نيل حكومة السوداني الثقة بأغلبية ضعيفة.

5- تحركات المالكي: تُثير تحركات رئيس ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، خلال الفترة الماضية العديد من التساؤلات حول مساعي الأخير لإعادة تشكيل دائرة نفوذه، وذلك من خلال المفاوضات التي يجريها المالكي، والتي تتعلق بإعادة هيكلة المناصب العسكرية الرفيعة، وتشمل تغيير قادة فرق الجيش، ومنحها لضباط موالين للمالكي، بما قد يساهم في خلق ملفات خلافية بين السوداني والمالكي في المدي المنظور.

6- معارضة متظاهري تشرين: نظمّت مجموعة من ناشطي حراك تشرين، تظاهرات، في 25 أكتوبر 2022، بالتزامن مع الذكرى الثالثة لتظاهرات أكتوبر 2019، في عدد من المناطق بالعراق، وعلى رأسها العاصمة بغداد، للتعبير عن رفض تشكيل الحكومة الحالية، فضلاً عن رفضهم نهج المحاصصة والتوافق، والاستعاضة عنه بنهج قائم عن الاختيار بناء على الكفاءة والمهنية. والجدير بالذكر أنه في حال تجدد تلك التظاهرات وتحولها إلى اعتصامات مفتوحة، قد يكون من الصعب على حكومة السوداني أن تقوم بأداء مهامها، خاصة إذا ما دعمها التيار الصدري.

7- تفاهمات مؤجلة: سعى رئيس الوزراء المُكلف إلى تلبية بعض مطالب عدد من القوى السياسية من أجل تمرير كابينته الوزارية، إذ كشفت بعض المصادر عن وجود اتفاق بين الكتل السياسية السنية (السيادة والعزم) مع رئيس الوزراء المُكلف السوداني على حل هيئة المساءلة والعدالة، المعنية بمنع مشاركة مسؤولي نظام صدام حسين، بعد أربعة أشهر من تشكيل حكومته، وتحويل هذا الملف للجهات القضائية، باعتبار هذا الأمر أحد أبرز مطالب المكون السني، وهو ما يضع التشكيلة الحكومية الحالية في خطر، في حال لم تتم تلبية تلك المطالب والشروط.

عقبات قائمة:

في ضوء الصعوبات المتوقع أن تواجه الحكومة العراقية الجديدة، فإن ثمة مسارات يمكن أن تسلكها، والتي يمكن توضيحها على النحو التالي:

1- صعوبة تنفيذ التوافقات: أعلن السوداني في خطابه في جلسة التصويت بالبرلمان أن حكومته حكومة مؤقتة ستستمر لمدة عام واحد. ولذلك، فإنه من غير المرجح أن يسفر ذلك على تنفيذ تلك الحكومة برنامجها الصارم الذي أعلنته، والذي يشمل مكافحة الفساد خلال مدة أقصاها 90 يوماً، والعمل على حل المشكلات الاقتصادية والأمنية، وإعادة التنسيق بين حكومة بغداد والإقليم حول الملفات المختلف عليها، خاصة أن القضايا الخلافية بين بغداد وأربيل قائمة منذ عام 2003. 

ومن جهة أخرى، فإن بعض القوى داخل التنسيقي، خاصة تلك المرتبطة بالمالكي وميليشيات الحشد الشعبي، قد تنكص عن التعهدات التي تم قطعها للقوى السنية، مثل المطلب الخاص بحل هيئة المساءلة والعدالة، وهو ما سيؤدي إلى تراجع شرعية الحكومة في حالة حدوث ذلك.

2- نكوص التنسيقي عن تعهداته: قد يعزز نجاح السوداني في تمرير حكومته، والحصول على ثقة مجلس النواب، من فرص نجاح تلك الحكومة، لاسيما في ضوء دعم الإطار التنسيقي لها، باعتبارها الحكومة التي تمثله (12 وزيراً من أصل 23)، ومن ثم يعمل على النكوص على تعهداته بإجراء انتخابات مبكرة خلال عام، ويدفع الحكومة لاستكمال مدتها كاملة (أربع سنوات)، وتجاهل مطلب التيار الصدري، وهو ما قد يدفع التيار الصدري للجوء إلى الشارع العراقي من جديد.

وفي التقدير، يمكن القول إن الحكومة الحالية سوف تشهد العديد من التحديات سواء المرتبطة بالخلافات بين القوى السياسية أو المرتبطة بالمشكلات الاقتصادية والأمنية، والتي سيكون من الصعب إيجاد حل لها، في ضوء محدودية الفترة التي ستستمر فيها تلك الحكومة، وفق ما أعلنه السوداني. هذا إلى جانب رفض التيار الصدري المشاركة في الحكومة بناء على مبدأ المحاصصة العرقية والحزبية والطائفية، وامتلاك القدرة على إسقاطها، سواء من خلال اللجوء إلى الشارع، أو من خلال إعادة نوابه إلى البرلمان العراقي.