أخبار المركز
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)

حرب إعلامية!

حقيقة اتهام الصين بقرصنة منشآت البنى التحتية العسكرية الأمريكية

02 يونيو، 2023


اتهمت واشنطن، ودول غربية، تشترك معها ضمن ما يُعرف بتحالف "العيون الخمس" الاستخباراتي، بجانب شركة مايكروسوفت الأمريكية المتخصصة في التكنولوجيا، في 24 مايو 2023، الصين بالوقوف وراء هجوم سيبراني ضد شبكات منشآت بنى تحتية أمريكية حساسة، بما في ذلك الاتصالات السلكية واللاسلكية ومراكز النقل، محذرة من إمكانية حدوث هجمات مشابهة في مناطق أخرى من العالم.

اتهامات متبادلة:

شهدت الفترة الماضية اتهامات متبادلة بين واشنطن وبكين مفادها قيام أحد الطرفين باستهداف الآخر بهجمات سيبرانية، علاوة على تقارير نشرتها وسائل إعلام غربية حول قيام الصين بالقرصنة الإلكترونية ضد دول أخرى، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:

1- استهداف بكين البنى التحتية الحساسة: أعلنت أجهزة الأمن السيبراني في الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من حلفائها الغربيين، رصد سلسلة أنشطة قامت بها مجموعة سيبرانية تدعمها الصين يُطلق عليها "فولت تايفون"، استهدفت الشبكات الخاصة بالبنى التحتية الرئيسية للولايات المتحدة والعالم. وطبقاً لبيان أصدرته شركة مايكروسوفت، فإن المجموعة المشار إليها تنشط منذ منتصف عام 2021، من أجل استهداف عدد من منشآت البنى التحتية المهمة، ولاسيما القاعدة العسكرية الأمريكية بجزيرة غوام بالمحيط الهادئ، والتي تحظى بأهمية استراتيجية كبرى، وهو ما قد يؤدي، طبقاً للبيان، إلى حدوث "اضطرابات في البنى التحتية الحيوية للاتصالات بين الولايات المتحدة وآسيا في الأزمات المستقبلية".

وفي ذات السياق، أكدت وزارة الخارجية الأمريكية، على لسان المتحدث باسمها، ماثيو ميللر في 25 مايو 2023، أن تقييمات أجهزة الاستخبارات الأمريكية تشير إلى أن الصين قادرة بشكل شبه مؤكد على شن هجمات إلكترونية، يمكن أن تعطل خدمات البنية التحتية الرئيسية داخل الولايات المتحدة، بما في ذلك خطوط نقل الطاقة وكذلك أنظمة السكك الحديدية.

ويشير ذلك إلى قلق واشنطن من أن تعمد بكين إلى استهداف منشآتها الحيوية، سواءً داخل الأراضي الأمريكية أو خارجها، من خلال استغلال الفضاء الإلكتروني كسلاح ضدها في حالة نشوب أي صراع مستقبلي بين الدولتين.

ورداً على الاتهامات المشار إليها، رفضت الصين، على لسان الناطقة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، الادعاءات الأمريكية والغربية، واصفة إياها بأنها "حملة تضليل جماعية" من دول تحالف "العيون الخمس" الاستخباراتي، متهمة واشنطن بإطلاق هذه المزاعم ضد الصين لاعتبارات جيوسياسية، ومؤكدة أن الولايات المتحدة "توسّع قنوات جديدة لنشر المعلومات، لكن أي تغيّر في التكتيكات لا يمكنه تغيير حقيقة أن الولايات المتحدة إمبراطورية قراصنة الإنترنت".

2- واشنطن إمبراطورية القرصنة: أشار تقرير مشترك أصدره المركز الوطني الصيني للاستجابة لطوارئ فيروسات الكمبيوتر، وشركة "360" لأمن الإنترنت، في 4 مايو 2023، تحت عنوان "إمبراطورية القرصنة: وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية"، إلى وقوف الوكالة بشكل سري وراء عدد كبير من الهجمات السيبرانية و"الثورات الملونة" في مختلف أنحاء العالم، علاوة على تنفيذ أنشطة التجسس وسرقة المعلومات.

ولم تكتف الصين بهذا التقرير، بل أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، خلال المؤتمر الصحفي الاعتيادي في 4 مايو 2023، مطالبة الولايات المتحدة بأن تضع في اعتبارها مخاوف المجتمع الدولي إزاء استخدامها للقرصنة الإلكترونية للتجسس والهجوم على الدول الأخرى، والتوقف عن استخدام الأسلحة الإلكترونية لتنفيذ هجمات تجسس وهجمات إلكترونية في جميع أنحاء العالم.

ومن الجدير بالذكر، أن الولايات المتحدة تقوم بتوظيف سلاح القرصنة الإلكترونية ضد الصين، حيث أشار تحقيق أجرته بكين، ونُشرت نتائجه في سبتمبر 2022، إلى أن واشنطن قامت بتنفيذ عشرات الآلاف من عمليات القرصنة الإلكترونية ضد أهداف صينية، وسيطرت على أعداد كبيرة من أجهزة الشبكة، كما قامت بسرقة ما يزيد عن 140 غيغابايت من البيانات والمعلومات التقنية.

3- قرصنة صينية ضد كينيا: ذكرت وكالة رويترز في 24 مايو 2023، أن قراصنة صينيين يُطلق عليهم مجموعة "الدبلوماسية الخفية" قاموا على مدى سنوات بارتكاب سلسلة من عمليات القرصنة الإلكترونية استهدفت الوزارات الرئيسية ومؤسسات الدولة في كينيا، وذلك بهدف الحصول على معلومات عن الديون المستحقة لبكين على الدولة الواقعة في شرق إفريقيا. 

ونفت وزارة الخارجية الصينية هذه الاتهامات، بينما وصفتها السفارة الصينية في لندن بأنها "لا أساس لها"، مؤكدة معارضة بكين للهجمات الإلكترونية بكافة صورها. وأكد المتحدث باسم السفارة معارضة بلاده لاستخدام "قضايا الأمن السيبراني لبث الفتنة في العلاقات بين الصين والدول النامية الأخرى". ومن جانبها، رأت الرئاسة الكينية الادعاءات المشار إليها أمراً ليس بالجديد، حيث تتعرض الحكومة الكينية بشكل متكرر لمحاولات تسلل من قراصنة من الصين والولايات المتحدة وأوروبا.

إصرار على احتواء الصين:

عكست الاتهامات الأمريكية والغربية الأخيرة للصين باللجوء إلى أسلوب القرصنة الإلكترونية لاستهداف المصالح الحيوية لواشنطن، العديد من الدلالات، ويمكن توضيح أبرزها على النحو التالي:

1- توظيف الفضاء الإلكتروني كساحة للتنافس: يلاحظ خلال الفترة الأخيرة تزايد لجوء الولايات المتحدة والغرب من ناحية، والصين من ناحية أخرى، إلى استغلال الفضاء السيبراني كمجال جديد للصراع الجيوسياسي بين الطرفين. وذلك من خلال العديد من الآليات، والتي يأتي على رأسها التجسس، والهجمات السيبرانية ضد الأهداف الحيوية للطرف الآخر، وهو ما يشير إلى حرص كل طرف على الاستفادة مما يتيحه الفضاء الإلكتروني من إمكانات عديدة للحصول على المعلومات وتوظيفها كسلاح في أي صراع مستقبلي ضد الطرف الآخر.

2- تزايد الاستهداف الغربي للصين: يلاحظ أن الاتهامات الموجهة لبكين لم يكن مصدرها شركة مايكروسوفت الأمريكية فقط، وإنما تم الإعلان عنها في وقت متزامن من جانب الوكالات الأمنية في الدول المنضوية في إطار ما يُطلق عليه تحالف "العيون الخمس"، والذي يضم وكالات الاستخبارات في الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا ونيوزيلندا وكندا. 

وتعكس الاتهامات وجود قلق كبير من جانب الدول الأعضاء في التحالف بشأن الأهداف التي تقف وراء الهجوم السيبراني الصيني، طبقاً لادعاءاتها، وما سينجم عنه من تأثيرات، خاصة وأن هذا الهجوم يُعد أحد أكبر الهجمات الصينية المعروفة لقراصنة الإنترنت ضد البنية التحتية الحرجة الأمريكية.

وتنبع خطورة الأمر من أنه يستهدف منشآت عسكرية رئيسية للولايات المتحدة في المحيط الهادئ، وهي منشآت تعول عليها واشنطن كثيراً في حالة اندلاع أزمة كبيرة في آسيا في المستقبل، فضلاً عن تركيزه على كابلات الاتصالات التي تربط الولايات المتحدة بالمحيط الهادئ.

3- حماية المصالح الصينية الاستراتيجية: تعكس الاتهامات الأمريكية والغربية للصين، بافتراض صحتها، حرص بكين واستعدادها لتوظيف قدراتها في مجال الفضاء السيبراني لحماية مصالحها العسكرية والاستراتيجية في الخارج، ولاسيما تلك المرتبطة بقضية تايوان. ويشير باحثون إلى أنه على الرغم من غياب أي دليل على وجود نشاط مدمر من قبل مجموعة القرصنة الصينية، فإن المتسللين يركزون على الحصول على المعلومات التي من شأنها إلقاء الضوء على الأنشطة العسكرية الأمريكية. ويتوقع محللو الأمن أن يتمكن المتسللون الصينيون من استهداف الشبكات العسكرية الأمريكية والبنية التحتية الحرجة الأخرى إذا غزت الصين تايوان.

حرب إعلامية غربية:

تأتي الاتهامات الأمريكية والغربية ضد الصين بممارسة القرصنة الإلكترونية في سياق الضغط الأمريكي على بكين في مجال الفضاء الإلكتروني، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:

1- حملة معلوماتية ضد الصين: يلاحظ أن الفترة الأخيرة شهدت تكثيفاً لافتاً في التقارير الإعلامية الغربية التي تستهدف الصين، ولاسيما فيما يتصل بنشاطها المزعوم في مجال القرصنة الإلكترونية، بما يشير إلى وجود توجه غربي مفاده التركيز على استهداف الصين ومحاولة وصمها بالقيام بعمليات تجسس وقرصنة إلكترونية ضد بعض الدول، سواءً أكانت منافسة لها أم حتى صديقة لها. 

ولعل الشاهد على ذلك تزامن الاتهامات الأمريكية والغربية ضد بكين بممارسة القرصنة ضد أهداف أمريكية مع نشر تقارير إعلامية غربية ركزت بشكل مقصود على الزعم بقيام الصين باستهداف حكومة كينيا بعمليات قرصنة على خلفية مسألة الديون المستحقة على هذه الدولة لبكين، وهو ما يطرح شكوكاً قوية بشأن دوافع تزامن نشر تلك التقارير مع الادعاءات الأمريكية والغربية ضد الصين، وأن هناك تنسيقاً بين الجانبين للإساءة لصورة الصين العالمية، خاصة وأنه من المعروف أن التجسس السيبراني هو أمر معتاد في العلاقات بين الدول. 

2- اتهامات عامة وغامضة: يلاحظ أن الاتهامات الموجهة للصين جاءت في صيغة عامة، ولم تكن محددة بشكل دقيق، وهو ما يعني أنها ربما تكون قد تمت صياغتها بصورة عاجلة، وعلى ما يبدو، فإن هذه الاتهامات جاءت رداً على التقرير الذي أصدرته الصين في 4 مايو 2023، والذي اتهمت فيه وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية باستخدام وتوظيف القرصنة الإلكترونية كسلاح للتجسس ضد الدول الأخرى، ومن بينها الصين.

وفي السياق ذاته، لم تشر الاتهامات إلى عدد المنشآت التي تأثرت بالهجوم الصيني المزعوم، واقتصر الحديث على الإشارة فقط إلى القاعدة العسكرية الأمريكية في جزيرة غوام بالمحيط الهادئ، علاوة على إعلان وكالة الأمن القومي الأمريكية أنها لا تزال تعمل على تحديد وحصر الانتهاكات المزعومة.

وعلى ما يبدو، فإن أحد الدوافع الرئيسية لبيان شركة مايكروسوفت الأمريكية حول الهجمات السيبرانية المزعومة من جانب القراصنة الصينيين، يتمثل في دفع الشركات الخاصة في مجال الأمن السيبراني إلى الاستعداد لمواجهة أي تحركات مستقبلية من جانب القراصنة الصينيين، نظراً لأن مسألة حماية شبكات البنى التحتية الرئيسية من الهجمات الإلكترونية تقع على عاتق القطاع الخاص.

وفي الختام، يبدو من الواضح أن التوتر في العلاقات الصينية الأمريكية حول تايوان بدأ يمتد إلى المجال السيبراني. وتستهدف الولايات المتحدة من نشر معلومات حول النشاط السيبراني الصيني مواصلة جهودها لتصوير الصين باعتبارها تهديداً أمنياً متزايداً، ومن ثم دفع الدول الغربية الحليفة لها إلى التماهي مع إجراءاتها ضد الصين.