أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

اختبار النزاهة:

لماذا تباينت سياسات وسائل التواصل الاجتماعي إزاء حرب غزة؟

16 نوفمبر، 2023


مثّلت الأحداث الراهنة في قطاع غزة، التي راح ضحيتها الآلاف، اختباراً جديداً لنزاهة منصات التواصل الاجتماعي في تطبيق معاييرها المعلنة لنشر المحتوى ومناهضة الكراهية والإرهاب. إذ أعادت إلى الواجهة الخلاف الأزلي بشأن تعريف المفاهيم وماهية الإرهاب والإبادة وجرائم الحرب، والتي تُعد المحدد الرئيسي لجميع الإجراءات التالية على هذا التعريف بالإتاحة والتمرير والتشجيع، أو بالحظر والإبلاغ والملاحقة، فضلاً عن التباينات بشأن رسم الحدود الفاصلة بين تداول المعلومات وتبني مواقف محددة منها، وطبيعة الوظيفة التي تقوم بها تلك المنصات الاجتماعية ومصالحها وانتماءاتها، وما إن كان كل ذلك يُبقي على وصفها سوقاً حرة للأفكار. 

وقد تباينت مواقف شبكات التواصل الاجتماعي إزاء حرب غزة، وتطبيق سياساتها على المحتوى المتداول بشأنها. ففيما اتفقت جميعها على حظر المنصات التابعة لحركة حماس، تباينت في صرامة تطبيقها لمعايير الحظر إزاء محتوى النقاش والتفاعل بشأن الصراع. وبينما كانت "ميتا" الأكثر صرامة وسط تُهم واسعة لها بالتحيز لصالح إسرائيل، كانت تطبيقات "تليغرام" و"تيك توك" و"إكس" (تويتر سابقاً) أكثر مرونة، ما وضعها تحت ضغوط سياسية للإذعان لقوانين مناهضة الدعاية الإرهابية.

قيود "ميتا":

منذ بداية الأحداث في غزة، تبنت "ميتا" سياسات تُعد الأكثر صرامة إزاء المحتوى المتعلق بالهجمات في القطاع، وأعلنت الشركة أنها أزالت، في الأيام الثلاثة التي تلت يوم 7 أكتوبر 2023، أكثر من 795 ألف عنصر محتوى باللغتين العبرية والعربية أو ميزتها على أنها مزعجة بسبب انتهاكها لسياساتها، ولاسيما المتعلقة بالمنظمات الخطرة والمحتوى العنيف والحض على الكراهية، وهو ما يمثل سبعة أضعاف الشهرين السابقين للأحداث. كما أعلنت "ميتا" عن مجموعة من السياسات الاستثنائية، التي تضمنت تغيير الإعداد الافتراضي المتعلق بالأشخاص الذين يمكنهم التعليق على منشورات "فيسبوك" العامة التي تم إنشاؤها حديثاً لأشخاص في المنطقة إلى الأصدقاء و/أو المتابعين الموجودين فقط، مع عدم التوصية بالمحتوى الذي يحتمل أو على وشك أن ينتهك السياسات، فضلاً عن حظر بعض الهاشتاغات على "إنستغرام" ومنع البحث بها حتى وإن لم يتم حذف المحتوى الذي يتضمنها، مع فرض قيود على خاصية البث المباشر، فضلاً عن تخفيض مستوى الثقة الذي تتطلبه أنظمتها الآلية قبل قمع "الخطاب العدائي" إلى 25% للسوق الفلسطينية، وهو انخفاض كبير عن العتبة القياسية البالغة 80%.

وتلتزم "ميتا" بقائمة الجماعات الإرهابية المحددة من الولايات المتحدة الأمريكية، التي وصفت حركة حماس بالإرهابية، وفرضت بعد عملية "طوفان الأقصى" عقوبات على عشرة من عناصر الحركة ومن سمتهم "ميسرين ماليين لها"، ما يعني بالتبعية إخضاع المحتوى المتعلق بحماس لقواعد الحظر على المنصات التابعة لها ووضعها ضمن المستوى الأول والأكثر خطورة، وهي القواعد التي تقضي بإزالة "الثناء والدعم الفني والتمثيل لمختلف المنظمات والأفراد الخطرين".

ولم تتوقف سياسات "ميتا" عند حدود حظر المحتوى "المخالف" لمعاييرها، وإنما امتدت إلى مقاطعة الفعاليات التي يُشتبه في تبنيها مواقف مشابهة. إذ أعلنت في 20 أكتوبر الماضي عدم المشاركة في قمة الويب العالمية المقرر انعقادها في لشبونة بين 13 و16 نوفمبر الجاري؛ احتجاجاً على تغريدة للرئيس التنفيذي ومؤسس القمة، بادي كوسجريف، قال فيها: "جرائم الحرب هي جرائم الحرب حتى عندما يرتكبها الحلفاء، ويجب أن يتم التنديد بها"، وهو ما اضطره للاستقالة والاعتذار عن أي ضرر تسبب فيه.

وعلى الرغم من تأكيدات "ميتا" المتكررة أنها لا تنتهج سياسات ممنهجة لقمع حرية التعبير أو التحيز المقصود لطرف دون آخر، كان الحظر والمنع وتقليل فرص الوصول سمة عامة للمحتوى الداعم للفلسطينيين، وتوسعاً فيما يتم اعتباره "معاداة للسامية"، مقابل انتشار المحتوى الإسرائيلي التحريضي ضد الفلسطينيين.

فقد رصدت منظمة "صدى سوشيال"، المتخصصة في مراقبة الانتهاكات الرقمية لحقوق الفلسطينيين، خلال شهر أكتوبر الماضي، أكثر من 20 ألف محتوى تحريضي ضد الفلسطينيين، يشمل مصطلحات وعبارات وصوراً ومقاطع فيديو تحريضية، فضلاً عن تداول محتوى يسخر من أشلاء الضحايا أو يتهمهم بتلفيق الجرائم الإنسانية المرتكبة ضدهم. كما رصدت المنظمة تزايداً في الانتهاكات المسجلة عبر "واتساب"، المملوك "لميتا"، من خلال حظر أكثر من 170 رقماً لمستخدمين فلسطينيين، وكان أكثر من 90% منهم صحفيين في غزة. كما أن محادثات "فيسبوك ماسنجر"، وبالرغم من كونها مشفرة من الجانبين، فقد تدخلت فيها شركة "ميتا" بتفعيل نظام خوارزميات يحجب إمكانية تداول محتوى محدد (رابط موقع كتائب القسام على سبيل المثال).

توازن أم انفلات؟

على الرغم من اتخاذ منصات "إكس" و"تليغرام" و"تيك توك" إجراءات مضادة للحسابات التابعة لحركة حماس، فقد كانت أقل صرامة في حجب المحتوى خلال الصراع الحالي، وأتاحت مساحة أكبر للمحتوى المنشور من الطرفين. فمن ناحية، أعلنت الرئيسة التنفيذية لشركة "إكس"، ليندا ياكارينو، في خطاب للمفوض الأوروبي، يوم 12 أكتوبر الماضي، أن المنصة حذفت مئات الحسابات المرتبطة بحركة حماس بعد الهجمات على إسرائيل. كذلك أعلنت "تيك توك" أنها لا تتسامح مع محاولات التحريض على العنف أو نشر أيديولوجيات الكراهية، وقالت إنها أنشأت مركز قيادة، وعززت أنظمة الكشف الآلية لإزالة المحتوى الرسومي والعنيف، وأضافت المزيد من المشرفين الذين يتحدثون العربية والعبرية، كما حذفت 500 ألف مقطع فيديو، وأغلقت 8 آلاف بث مباشر مرتبط بالصراع بين إسرائيل وحماس.

وفي خطوة تُعد تحولاً في سياسات "تليغرام"، حجب التطبيق قنوات¬ "كتائب القسام" على أنظمة أندرويد التزاماً بسياسات متجر "جوجل بلاي"، إلا أنه جعلها متاحة على أنظمة أخرى مثل "ويندوز"، لكن الحجب حرمها بالطبع من ملايين الهواتف التي تستخدم المتجر لتحميل التطبيقات، فضلاً عن توفر عشرات القنوات على التطبيق التي تنشر محتوى مناصراً للفلسطينيين.

وعلى الرغم من تلك الإجراءات، لم تتبع المنصات الثلاث سياسات التقييد ذاتها التي فرضتها شركة "ميتا"، وأتاحت مساحات للتعليق والتداول وبث الهاشتاغات بشكل أكبر. وكان هذا الانفتاح سبباً في انتقادات وتهديدات غربية عنيفة، كان لمنصة "إكس" النصيب الأكبر منها. إذ بدأ الاتحاد الأوروبي تحقيقاً ضد "إكس" بشأن نشرها "معلومات مضللة ومحتوى إرهابياً"، على حد وصفه. كما نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، في 27 أكتوبر الماضي، تقريراً هاجمت فيه إيلون ماسك، مالك "إكس"، موضحة أنه ادعى أنه سيجعل من المنصة "ساحة رقمية مشتركة" منذ عام مضى، بيد أنه حولها الآن إلى ساحة لنشر "المحتوى الكاذب وخطاب الكراهية"، على تعبير الصحيفة، مستشهدة بـ"إغراق الحرب بين إسرائيل وحماس الشبكة بالمعلومات المضللة"، وأن "التغريدات المعادية للسامية باللغة الإنجليزية تضاعفت بعد استحواذ ماسك على المنصة".

وتجدر الإشارة إلى أن منصة "إكس" لم تسمح بنشر المحتوى المناصر للفلسطينيين وحدهم، وإنما تضمنت محتوى إسرائيلياً مضاداً أيضاً، سواءً ضمن الحملة الحكومية على وسائل التواصل الاجتماعي والتي أنفقت عليها نحو 1.5 مليون دولار وتضمنت نشر 30 إعلاناً على "إكس" في الفترة من 12 إلى 17 أكتوبر الماضي تمت مشاهدتها أكثر من 4 ملايين مرة، وفق موقع "بوليتيكو" الأمريكي، أم محتوى المستخدمين الذي لم يخل من خطابات تحريضية وكراهية وعنف ضد الفلسطينيين، حيث رصد النموذج اللغوي المدعم بتقنيات الذكاء الاصطناعي الذي طوره المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي (حملة) أكثر من 590 ألف محتوى عنف وكراهية وتحريض، خاصة باللغة العبرية، وتركزت معظم هذه الحالات على منصة "إكس" وفق تقرير المنظمة المنشور في الأول من نوفمبر الجاري.

اعتبارات حاكمة:

وسط التهم بالتحيز أو نشر المعلومات المُضللة أو إتاحة الفرصة أمام المحتوى الإرهابي، يظل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من أكثر القضايا المثيرة للجدل والاستقطاب في المجال الرقمي. وسبق أن أجرت "ميتا" تحقيقاً لتحديد ما إذا كان تطبيق سياسات "فيسبوك" و"إنستغرام" خلال الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة في عام 2021 قد تضمن تحيزاً، وذلك استناداً إلى توصية مجلس الرقابة (هيئة استشارية من الخبراء للإشراف على سياسات المحتوى) في سبتمبر 2021 بـ"إشراك كيان مستقل غير مرتبط بأي من جانبي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لإجراء فحص شامل لتحديد ما إذا كان الإشراف على محتوى فيسبوك باللغتين العربية والعبرية، بما في ذلك استخدامه للأساليب الآلية، قد تم تطبيقه دون تحيز". وهي التوصية التي تضمنها قرار إلغاء حذف مشاركة فيديو لقناة "الجزيرة" يظهر مقاتلين من "كتائب القسام"، باعتبار أن المحتوى لم يخالف السياسات.

ونفى التقرير الذي أجرته شركة (BSR) Business for Social Responsibility لصالح "ميتا"، وصدر في سبتمبر 2022، أن يكون هناك سياسات للتحيز المتعمد، أو أن تكون "ميتا" قد سعت عمداً إلى إلحاق الضرر على أساس عرقي أو ديني، ولكنه أشار إلى وجود تحيز غير مقصود لسببين؛ هما تصنيف حماس على أنها جماعة إرهابية، ما يجعل الفلسطينيين أكثر عُرضة لانتهاك سياسة الأفراد والمنظمات الخطرة لدى "ميتا"، فضلاً عن الوضع المتباين لنظام "ميتا" للإشراف على المحتوى باللغة العربية مقارنةً باللغة العبرية والذي يؤدي إلى تحيز غير مقصود من خلال الإنفاذ المفرط على المحتوى باللغة العربية مقارنةً بالمحتوى العبري، حتى عند التعديل حسب حجم السكان. كما أوضح التقرير أن "الأفعال التي اتخذتها ميتا في مايو 2021 كان لها تأثير سلبي في حقوق الإنسان بالنسبة للمستخدمين الفلسطينيين من حيث حرية التعبير وحرية التجمع والمشاركة السياسية وعدم التمييز، مما يعني بالتالي التأثير السلبي في قدرة الفلسطينيين على مشاركة المعلومات والرؤى بشأن تجاربهم عند حدوثها".

وعلى الرغم من أن هذا التقرير قد خلص إلى 21 توصية ذات أولوية للتنفيذ، فإن "ميتا" لم تكمل منها إلا خمس توصيات وفق آخر تحديث للشركة في سبتمبر 2023، فيما وضعت عشر توصيات أخرى قيد التطوير، تتضمن إجراءات قد يكون لها أثر واضح فيما يتعلق بتخفيف التحيز ضد المحتوى الداعم للفلسطينيين، مثل إعداد نظام للتصنيف والجزاءات يأخذ في الحسبان هوية المؤسسة أو الفرد ونوعية الانتهاك بما يجعل الجزاء متناسباً، وتوفير المزيد من التفسيرات بشأن الإجراء المتخذ وأسبابه.

والحقيقة أن تأطير مواقف شركات التواصل الاجتماعي بفرض رقابة صارمة على المحتوى أو إتاحته، وكذلك إجراءات المنع والتحيز الظاهرة للعيان باعتبارها محض ممارسات غير مقصودة، أو تعود للالتزام بالتصنيف الدولي لحماس باعتبارها جماعة إرهابية أو لأسباب تتصل بفوارق اللغة؛ هي تفسيرات وإن كانت صحيحة جزئياً، إلا أن الاكتفاء بها يشوبه الكثير من الخلل ويتجاهل السياق السياسي والاقتصادي لعمل تلك الشركات ومصالحها، وذلك بالنظر إلى عدة عوامل يبدو أن لها دوراً في تحديد تلك المواقف، وتتمثل في التالي:

1- الضغوط الحكومية للتأثير في سياسات المحتوى الاجتماعي، وهو ما لا يقتصر على القضية الفلسطينية وحدها، وإنما بات أشبه بصراع دستوري قضائي داخل الولايات المتحدة بعدما أصدر قاضٍ اتحادي أمراً في 4 يوليو 2023 يمنع بعض الوكالات والمسؤولين في إدارة الرئيس جو بايدن من الاجتماع والتواصل مع شركات التواصل الاجتماعي للتخفيف من محتواها، على خلفية اتهام الجمهوريين للإدارة الأمريكية بأنها تستخدم قوانين مكافحة الاحتكار كسلاح يجبر هذه الشركات على التعاون الذي لا يخلو من توظيف سياسي، ولاسيما مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر 2024. وعلى الرغم من طعن الإدارة الأمريكية لاحقاً على ذلك القرار باعتبار أن قنوات التعاون تلك تسهم في حماية الجمهور، يبدو أن هذا الجدال في تصاعد يصل إلى حد الصراع بشأن مدى انتهاك تلك الضغوط للدستور الأمريكي.

ويتصل بذلك أيضاً التلويح الأوروبي بعصا التغريم المالي بمجرد تصاعد الأحداث في غزة عقب السابع من أكتوبر الماضي، إذ ما لبث أن لوحت المفوضية الأوروبية بالعقوبات المالية ضد شركات التواصل الاجتماعي التي لا تلتزم بقانون الخدمات الرقمية (DSA)، والذي يفرض غرامات شاملة تصل إلى 6% من الإيرادات السنوية العالمية في حال امتناع الشركات عن إزالة المحتوى المضلل وغير القانوني بما في ذلك "الدعاية الإرهابية". وقالت المفوضية الأوروبية، يوم 26 أكتوبر الماضي، إنها لم تبدأ تحقيقات رسمية في جهود "ميتا" و"تيك توك" و"إكس" لإزالة المحتوى الضار من منصاتها، مؤكدة أنها أرسلت لها طلبات للحصول على معلومات، وهو ما يأتي عقب شهور من فرض أكبر غرامة على الإطلاق ضد "ميتا" بقيمة 1.3 مليار دولار لانتهاكها اللائحة العامة لحماية البيانات في الاتحاد الأوروبي.

2- التنافس بين شركات التواصل الاجتماعي ذاتها، حيث تمثل الأزمة الحالية فرصة لإعادة موضعة "إكس" باعتباره الأقل استقطاباً، وعلى الرغم من التهم المتزايدة ضده، فقد دافع ماسك عن مواقفه ونشر رسماً كاريكاتورياً سخر من وضع منصته بين خيارين استقطابيين، فهي إما "بالوعة للمحتوى المُعادي للسامية" أو "آلة للدعاية الإسرائيلية"، فيما يعيد موضعة علامته التجارية باعتبارها ساحة أكثر قبولاً وحرية وأقل استقطاباً. وعلى جانب آخر، حقق "تيك توك" معدلات واسعة من التفاعل بين المستخدمين، واجتذب هاشتاغ (#freepalestine) مليون منشور خلال شهر واحد فقط (من 2 أكتوبر إلى 2 نوفمبر 2023) وحقق 9 مليارات مشاهدة حول العالم، هذا بخلاف ملايين المشاهدات للهاشتاغات المتعلقة بالصراع، وهو ما يجعل الأحداث الراهنة فرصة للتسويق والنمو وإعادة البريق.

3- ضغوط المنظمات العالمية، والتي تمارس ضغوطاً لتعديل التعريفات المعتمدة في سياسات منصات التواصل الاجتماعي. إذ سبق أن نشر موقع "إنترسبت" الأمريكي تقريراً حول اعتماد "فيسبوك" معايير سرية لاعتبار ما وصفه بـ"الصهيونية مرادفة لليهودية"، وهو ما عده دعماً لإسرائيل وسياساتها أكثر من كونه دعماً للديانة اليهودية ومعتنقيها، فيما يحيد بالأمر عن نبذ العنصرية ضد الأديان إلى فرض حماية سياسية لم تحظ بها أي حركة سياسية من قبل. وهي التغييرات التي قالت منظمات حقوقية فلسطينية إنها تتم تحت ضغوط كبيرة تمارسها جهات ومنظمات عالمية متطرفة مدعومة من الحكومة الإسرائيلية.

4- اعتبارات الهوية، وصعوبة الاعتماد على منصات تعكس تحيزات منظومتها القيمية ثم مطالبتها بتبني القضايا العربية ووجهات النظر المضادة لشبكة مصالحها. فمع ادعاء الطابع العالمي للمنصات الغربية، فإنها في حقيقتها لا تعكس "العالم"، وإنما تعكس جانباً واحداً منه فقط، وهو الأقوى والأكثر وصولاً وتأثيراً.

ختاماً، إن هذه العوامل تخلق بيئة ضاغطة تراوحها المصالح بهدف وضع التعريفات وتحديد السياسات والمعايير، والتي تُعد أساساً لتحديد الإجراءات وتبني المواقف لاحقاً، ولاسيما في ظل اعتماد نظم خوارزمية قوامها المعيارية والتصنيف وصياغة الأنماط، وهو ما يزداد تشابكاً مع قضايا ذات تعقيد تاريخي وسياسي وتداخلات متشابكة للمصالح مثل القضية الفلسطينية، والتي شهدت تحولات جذرية في تلك التعريفات والتصنيفات على مدار تاريخها. فالمجتمع الدولي الذي يصنف بعضه حماس كحركة إرهابية، سمح لها بخوض الانتخابات في الماضي، ومنظمة التحرير الفلسطينية التي طالما تم اتهامها بالإرهاب سابقاً، أصبحت الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني دولياً، ما يجعل تلك التصنيفات لا تستند إلى تعريف صلب قائم على تحليل انتماءات وأنشطة تلك الحركات، وإنما على مواقف القوى الدولية منها والتي تتسم في الأخير بالتحول وفقاً لمعايير عدة.