أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

تحولات جيوسياسية!

كيف عكست قمة "البريكس" التنافس الدولي في إفريقيا؟

25 أغسطس، 2023


استضافت مدينة جوهانسبرغ بجنوب إفريقيا، خلال الفترة من 22 إلى 24 أغسطس 2023، قمة مجموعة دول "البريكس"، والتي تضم كلاً من روسيا والصين والهند والبرازيل بالإضافة لجنوب إفريقيا. وقد شهدت هذه القمة قرارات استثنائية، كان أبرزها زيادة عدد الدول الأعضاء في المجموعة، من خلال انضمام ست دول جديدة، هي الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر وإثيوبيا وإيران والأرجنتين، ما يعني انضمام دولتين جديدتين من القارة الإفريقية.

الاهتمام بإفريقيا: 

يمكن الوقوف على أبرز ملامح اهتمام قمة جوهانسبرغ لمجموعة "البريكس" بإفريقيا على النحو التالي:

1- تأكيد محورية إفريقيا: أقيمت القمة الأخيرة لتجمع بريكس تحت عنوان "البريكس وإفريقيا"، في مؤشر مهم يعكس مدى الاهتمام الذي توليه دول المجموعة للقارة الإفريقية. وقد عزز انعقاد القمة في جنوب إفريقيا مكانة الأخيرة كأحد قادة الكتلة الإفريقية ومحورية دورها في المسرح الدولي بشكل عام، وبالنسبة لدول مجموعة "البريكس" بشكل خاص، وهو ما انعكس في حرص قادة كل من الصين والهند والبرازيل على حضور القمة في جوهانسبرغ، وقد ركزت المناقشات على كيفية تعزيز التعاون بين مجموعة "البريكس" والدول الإفريقية، خاصةً في ظل تحول القارة إلى ساحة للتنافس الدولي الحاد.

2- الدفع نحو توسعة "البريكس": بينما تفضل الهند والبرازيل تبني نهج أكثر حذراً فيما يتعلق بتوسعة تجمع "البريكس"، فإن الصين وروسيا تستهدفان، في المقابل، توسيع نطاق عضوية دول "البريكس" بغية تعزيز نفوذهما الدولي، وتشكيل تكتل دولي واسع لمواجهة النفوذ الغربي، وعلى المنوال ذاته، تسعى جنوب إفريقيا إلى ضم مزيد من الدول الإفريقية للتكتل، وهو ما انعكس في دعوتها لأكثر من ثلاثين زعيماً إفريقياً لحضور قمة جوهانسبرغ الأخيرة من إجمالي ستين رئيس دولة وحكومة تم دعوتهم للمشاركة في هذه القمة.

وفي هذا الإطار، كانت جنوب إفريقيا قد ألمحت قبل هذه القمة إلى أن هناك نحو 40 دولة كانت قد أبدت اهتماماً بالانضمام لمجموعة "البريكس"، وفي المؤتمر الختامي للقمة الـ15 للمجموعة، تم الإعلان عن قبول انضمام ست دول جديدة للمجموعة بداية من يناير المقبل، وهي الدول التي سبقت الإشارة إليها، وقد لفتت بعض التقديرات الغربية إلى أن الدول الإفريقية التي تسعى للانضمام إلى "البريكس" تعول على منح القارة الإفريقية صوتاً عالمياً أكثر قوة مما هو عليه، بالإضافة إلى إمكانية إجراء تغييرات نسبية في منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بما يعزز وضعية دول القارة الإفريقية المأزومة. 

3- طرح "البريكس" كشريك للتنمية بديلاً عن الغرب: أشارت بعض التقارير الغربية إلى أن دول "البريكس" تعمل حالياً على طرح نفسها كشريك تنمية بديل عن الغرب بالنسبة للدول النامية بشكل عام، ودول القارة الإفريقية بشكل خاص، وهو ما انعكس في تصريحات الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في جنوب إفريقيا، التي أكد خلالها وجود مساعٍ راهنة لتعزيز تمثيل دول الجنوب العالمي، بما في ذلك دول القارة الإفريقية. 

وفي هذا الإطار، فقد أشارت بعض التقارير الأمريكية الأخرى إلى أن الحضور الإفريقي الكبير في قمة "البريكس" الأخيرة بجوهانسبرغ عكس مؤشراً مهماً يتعلق بتمسك دول القارة الإفريقية بإجراء تعديلات في منظومة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وهو ما انعكس في تقدم الجزائر بطلب للحصول على عضوية بنك التنمية الجديد لدول "البريكس"، بمساهمة تقدر بحوالي 1.5 مليار دولار، وكانت مصر قد انضمت رسمياً لبنك "البريكس" في فبراير 2023، حيث يستهدف هذا البنك طرح بديل عن البنك الدولي، والوصول إلى 30% من إجمالي حجم الإقراض بالعملات المحلية وذلك قبل نهاية عام 2026.

4- الترويج لفكرة الاقتصاد غير الدولاري في إفريقيا: أشار تقرير صادر عن مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية إلى أن فكرة الاقتصاد غير الدولاري تحظى بقبول واسع وجاذبية قوية في كافة أنحاء القارة الإفريقية، حيث لفت التقرير إلى أن هذا الملف يشكل أحد أبرز محفزات قادة الدول الإفريقية لحضور قمة جوهانسبرغ الأخيرة، والتي عمدت إلى مناقشة ملف إلغاء "الدولرة" والدفع بدلاً من ذلك إلى الاعتماد أكثر على العملات المحلية في التبادلات التجارية، وبينما استبعد التقرير الأمريكي احتمالية نجاح مقترح إصدار عملة مُشتركة لمجموعة "البريكس"، على الأقل في المدى المنظور، رجح التقرير أن قمة "البريكس" الأخيرة ربما تمهد الطريق أمام زيادة الاعتماد على اليوان الصيني، واتجاه مزيد من الدول الإفريقية إلى استخدام اليوان في العمليات التجارية، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك عدداً متزايداً من دول القارة الإفريقية تعمل حالياً على استخدام اليوان الصيني كعملة احتياطية رئيسة، بما في ذلك نيجيريا وزامبيا وموريشيوس.

وثمة قلق متنامٍ لدى غالبية الدول الإفريقية من هيمنة الدولار الأمريكي على النظام المالي العالمي، بسبب تأثير هذه الهيمنة في فرص النمو الاقتصادي للدول الإفريقية، وقد ازدادت هذه التخوفات الإفريقية في أعقاب ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية خلال الأشهر الأخيرة، الأمر الذي عزز مكانة الدولار في مواجهة كافة العملات الأخرى، وهو ما انعكس سلباً على تكلفة استيراد السلع بالنسبة للدول الإفريقية.

تنافس دولي في إفريقيا:  

عكست قمة جوهانسبرغ لدول مجموعة "البريكس" مؤشرات مهمة تتعلق بحجم التنافس الدولي الراهن في الساحة الإفريقية، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- نفوذ روسي متنامٍ: أشار تقرير صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي إلى أنه على الرغم من التحديات التي تواجهها روسيا حالياً جراء الحرب الجارية في أوكرانيا، فإن روسيا ما زالت متمسكة تماماً بنفوذها في إفريقيا، بل وتعمل على توسيع هذا النفوذ بشكل مطرد، مستغلة في ذلك تنامي الرفض من قبل بعض العواصم الإفريقية للوجود الغربي داخل أراضيها، وتمارس موسكو هذا الدور من خلال أنشطة مجموعة فاغنر الأمنية الخاصة شبة الرسمية، والتي رغم غياب قائدها يفغيني بريغوجين، فإن موسكو أكدت مواصلة  الحصول على مزيد من الشركاء في إفريقيا. وفي المقابل فشلت المساعي الأمريكية، حتى الآن، في إقناع كثير من دول العالم، خاصةً في إفريقيا، بقطع علاقاتها مع موسكو.

2- تحركات صينية لافتة: تُشير كثير من التقارير الغربية إلى أن هناك توجهات صينية لافتة تستهدف توسيع انخراطها ونفوذها في القارة الإفريقية، والدفع نحو التحول من مرحلة الاعتماد على المحدد الاقتصادي كآلية رئيسة لتعزيز النفوذ الصيني في إفريقيا إلى زيادة الاعتماد على المحددات العسكرية والأمنية، وتقديم نفسها كبديل موثوق للدول الإفريقية في الشراكات الأمنية وصفقات التسليح.

وفي هذا السياق، أشارت بعض التقارير الفرنسية إلى أن بكين تبحث حالياً عن حلفاء جدد ومزيد من أسواق الأسلحة في غرب إفريقيا، حيث افتتحت شركة "نورينكو" الصينية، والتي تُعد أكبر منتج للأسلحة في بكين وسابع أكبر مورد للأسلحة والمعدات العسكرية في العالم، مكتباً جديداً للمبيعات العسكرية في السنغال، ليضاف بذلك إلى مكاتب الشركة في نيجيريا وجنوب إفريقيا وأنغولا، كما تخطط الشركة الصينية إلى افتتاح مكتب لها في مالي وساحل العاج، وهو ما اعتبرته هذه التقارير بمثابة تحول مهم في استراتيجية الصين في إفريقيا، فبعدما كان التركيز الصيني منصباً بالأساس على شرق ووسط إفريقيا، بدأت بكين أخيراً في توسيع دائرة اهتمامها بشكل ملحوظ لتشمل غرب إفريقيا، حيث تستهدف بكين توظيف تراجع النفوذ الفرنسي في هذه المنطقة، بالتزامن مع تأثير العقوبات الغربية على تجارة الأسلحة الروسية مع دول المنطقة، حتى إن الصين صارت تشكل ثالث أكبر مصدر للأسلحة إلى إفريقيا، بعد روسيا والولايات المتحدة.

3- تمسك واشنطن بنفوذها في إفريقيا: في المقابل، تتمسك الولايات المتحدة الأمريكية بنفوذها في القارة الإفريقية، وتعمل على تعزيز حضورها هناك، وهو ما انعكس في الاستجابة الأمريكية الراهنة إزاء الانقلاب العسكري الأخير في النيجر، فعلى الرغم من اعتراض واشنطن على الإطاحة بحليفها السابق، الرئيس النيجري محمد بازوم، بيد أنها تبدي في المقابل درجة من المرونة، على عكس فرنسا، بشأن تقبل السلطات الجديدة في نيامي مقابل الحفاظ على المصالح الأمريكية في النيجر ومنطقة الساحل.

وعلى المنوال ذاته، وقّعت الولايات المتحدة، في ديسمبر 2022، مُذكرة تفاهم ثلاثية مع جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا، بهدف تطوير سلسلة قيمة متكاملة حول بطاريات السيارات الكهربائية، بدايةً من مرحلة استخراج المعادن وحتى خط التجميع، في محاولة من قبل واشنطن لمواجهة النفوذ الصيني وتعزيز سلاسل إمدادات المعادن الاستراتيجية اللازمة للتكنولوجيا النظيفة، وذلك عبر توسيع الشراكات الأمريكية مع دول القارة الإفريقية.

انعكاسات مُحتملة: 

هناك جملة من الانعكاسات المُحتملة التي يمكن أن تنبثق عن قمة "البريكس" الأخيرة على القارة الإفريقية، يمكن عرضها على النحو التالي:

1- زيادة جاذبية "البريكس" للدول الإفريقية: تحظى مجموعة "البريكس" بقوة سياسية واقتصادية مُتنامية، حيث تشكل المجموعة حالياً حوالي 40% من إجمالي سكان العالم، ونحو 20% من التجارة العالمية، و25% من الاستثمار الأجنبي العالمي، و31.5% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي المعدل حسب القوة الشرائية، مقابل 30% لمجموعة الدول السبع "G7"، وهو ما جعل مجموعة "البريكس" في وضعية أقوى وأكثر جاذبية للدول الإفريقية، باعتبار أنها قادرة على توفير فرص أكبر للتجارة والاستثمار ونقل التكنولوجيا، خاصةً في ظل بنك التنمية الجديد الذي أطلقته هذه المجموعة بداية من 2014، كما أنشأت "البريكس" آلية سيولة، تسمى "ترتيب احتياطي الطوارئ" "CRA"، لدعم أعضائها الذين يواجهون تحديات خاصة بالمدفوعات، والتي اعتبرتها بعض التقديرات جذّابة للدول الإفريقية بشكل خاص، كون هذه الدول قد واجهت تجارب قاسية مع برامج التكيف الهيكلي والتقشف الخاصة بصندوق النقد الدولي، وهو ما يفسر رغبة الكثير من الدول الإفريقية في الانضمام لمجموعة "البريكس".

وربما تُعزز هذا الطرح تصريحات رئيس زامبيا والرئيس الحالي للسوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا "الكوميسا"، هاكيندي هيشيليما، والذي أكدّ أهمية الشراكة المُتزايدة بين القارة الإفريقية و"البريكس"، مشيراً إلى أن هذه الشراكة مُربحة للجانبين، داعياً إلى ضرورة إصلاح النظام العالمي الحالي الذي يمثل ضغطاً مُستمراً على دول القارة الإفريقية، وعلى المنوال ذاته أشار رئيس جيبوتي والرئيس الحالي لهيئة "الإيغاد"، إسماعيل عمر جيله، إلى أن الشراكة بين إفريقيا ومجموعة "البريكس" تشكل خطوة مهمة لتعزيز مكانة القارة الإفريقية في النظام العالمي. 

2- تعزيز دور إفريقيا كفاعل رئيس في سلاسل التوريد العالمية: أشار تقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد" حول التنمية الاقتصادية في إفريقيا 2023 إلى أن الاقتصاديات الإفريقية يمكن أن تكون شريكاً رئيساً في سلاسل التوريد العالمية بفضل الكميات الهائلة التي تزخر بها دول القارة من المعادن الحيوية للصناعات كثيفة الاستخدام للتكنولوجيا المتقدمة، وقد رجح هذا التقرير أن تصير القارة الإفريقية وجهة جاذبة للاستثمارات من قبل القوى الدولية المختلفة.

وفي هذا السياق، أشار تقرير صادر عن وكالة بلومبرغ الأمريكية إلى أن التوسع الأخير في أعضاء مجموعة "البريكس" ربما يؤدي إلى نوع مُختلف من الاقتصاد العالمي، وهو ما سيزيد من تأثير التكتل في الساحة الدولية، وفي القارة الإفريقية بشكل خاص، وهو ما سيعزز الدور الإفريقي في توازنات القوى للنظام الدولي الجديد.

3- مصالح متضاربة لدول "البريكس" في إفريقيا: على الرغم من التحركات الراهنة لمجموعة دول "البريكس" نحو إعادة هيكلة النظام الدولي والتخلص من النظام أحادي القطبية والدفع بشكل رسمي إلى نظام مُتعدد الأقطاب، فإن هناك العديد من التحديات الداخلية التي ربما تهدد تماسك دول مجموعة "البريكس"، لعل أبرزها الخلافات القائمة بين الصين والهند بسبب المنافسات السياسية والنزاع الحدودي، والمصالح المتضاربة أحياناً لدول المجموعة بشأن القضايا السياسية والأمنية الكبرى، وهو ما قد يخلق حالة من التنافس بين هذه الدول في الساحة الإفريقية.

في المقابل، هناك رؤية مغايرة تتبنى فكرة أن الصين يمكنها بلورة مواءمات قادرة على استيعاب التباينات الداخلية لدول مجموعة "البريكس"، بما في ذلك التباينات المحتملة بين بعض الأعضاء الجدد في المجموعة، وذلك في سبيل تعزيز نفوذ هذا التكتل في مواجهة الهيمنة الأمريكية، وتستند هذه الرؤية إلى نجاح بكين في تجاوز الانقسامات الداخلية بين دول المجموعة بشأن ملف توسيع عدد الأعضاء وتمرير الرغبة الصينية في ضم مزيد من الدول.

وفي التقدير، يمكن القول إن قمة "البريكس" الأخيرة عكست مؤشرات مهمة تتعلق بوجود تحول كبير في المشهد الجيوسياسي العالمي، وهو ما سيكون له انعكاسات مباشرة على خريطة التنافس الدولي في القارة الإفريقية، حيث يرجح أن تشهد الفترة المُقبلة تحركات مُكثفة من قبل القوى الدولية لتعزيز نفوذها في القارة الإفريقية، ويتوقع أن تدفع مجموعة "البريكس" نحو توسيع شراكاتها مع الدول الإفريقية، وضخ مزيد من الاستثمارات في هذه الدول، بل إن هناك بعض التقديرات لم تستبعد أن تتحول المنافسة إلى نوع من الصراع بالوكالة بين القوى الدولية داخل القارة الإفريقية.