أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)

ضغوط مستمرة:

الاتجاهات المتوقعة للمشهد الاقتصادي بالإقليم في عام 2017

03 يناير، 2017


يبدو أن عام 2017 سيكون، على غرار العام الماضي، متخمًا بالعديد من التحديات الاقتصادية لكثير من دول الإقليم، وذلك في إطار التوقعات القائمة باستمرار تراجع القطاعات الرئيسية بها وعلى الأخص النفط والسياحة، والتي ستظل متأثرة بتراجع أسواق النفط العالمية، بجانب ارتفاع وتيرة العمليات الإرهابية في بعض دول المنطقة، وبما يضعف في الوقت نفسه من ثقة المستهلكين والمستثمرين في أسواق المنطقة.

ورغم أن دول الإقليم شرعت مؤخرًا في تبني برامج طموحة لإصلاح اقتصاداتها من أجل تعزيز مسار نموها، إلا أن التقدم البطئ لهذه البرامج وعدم شموليتها لن يكون كافيًا لاحتواء المشكلات الاقتصادية الراهنة مثل عجز الموازنة والبطالة والفقر وغيرها، وهو ما ينذر بأوضاع اقتصادية أقل استقرارًا ومستويات معيشية أكثر تراجعًا بالنسبة لمعظم سكان المنطقة.

مؤشرات عامة:

1- تراجع الثقة الاقتصادية: على ما يبدو، سوف يشهد عام 2017 ارتفاع حدة المخاطر السياسية في بعض دول الإقليم، وبما يزيد من الضغوط التي تتعرض لها الاقتصادات الإقليمية. إذ أن استمرار العمليات الإرهابية والاضطرابات السياسية والاجتماعية بالإقليم سوف يؤدي إلى مزيد من ضعف ثقة المستهلكين والمستثمرين في أسواق الإقليم، وبما ينعكس سلبًا على آفاق النمو الاقتصادي.

ورغم الارتفاع المتوقع في أسعار النفط إلى ما يتراوح بين 55 و60 دولارًا للبرميل على خلفية اتفاق أوبك في نوفمبر 2016، إلا أنه سيبقى أقل بكثير من المستويات اللازمة لتحقيق التوازن في موازناتها، مما يسفر عن عجز كبير في رصيد المالية العامة وحساب المعاملات الخارجية للدول المصدرة للنفط في الإقليم.

وفي ظل الاعتبارات السابقة، من المتوقع -بحسب البنك الدولي- أن تنمو الاقتصادات الإقليمية بنسبة تصل إلى 3.1% في العام الجاري، وهو معدل أعلى من نسبة عام 2016 البالغة 2.3%، لكن بلوغها سيظل مرتبطًا، على أية حال، باضطلاع حكومات المنطقة بإصلاح وتنويع اقتصاداتها بعيدًا عن النفط.

2-ارتفاع معدلات الاقتراض: رغم التدابير التقشفية التي اتخذتها معظم حكومات المنطقة لضبط ماليتها العامة، إلا أنه من المتوقع أن يستمر ارتفاع عجز موازنات أغلب الدول، وذلك في ظل ارتفاع فاتورة الأجور ووتيرة الإنفاق على مشروعات البنية التحتية. ومن المتوقع أن يسجل عجز المالية العامة نسبة 6.2% من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة تراجعًا من مستوى 9.6% في عام 2016.

ولتمويل العجز السابق، ستلجأ حكومات المنطقة -على الأرجح- إلى إصدار مزيد من السندات المحلية والأجنبية بدلا من الاعتماد على الاحتياطيات الدولية التي تآكلت بشدة منذ عام 2015، حيث كانت المصدر الرئيسي لتمويل عجز الموازنة العامة في الدول المصدرة للنفط بالمنطقة على الأخص. 

3- تذبذب العملات: هناك اتجاه محتمل إلى أن تستمر الضغوط التي تتعرض لها عملات منطقة الشرق الأوسط نتيجة استمرار انحسار مصادر النقد الأجنبي، وضعف الصادرات الرئيسية مثل النفط وانكماش السياحة، ويضاف إليها ارتفاع درجة المخاطر السياسية بالإقليم. وفي هذا السياق، فإن الأكثر احتمالا أن يستمر تراجع الليرة التركية -التي فقدت أكثر من ربع قيمتها في عام 2016- في ظل ارتفاع وتيرة العمليات الإرهابية بالبلاد، كما سيشهد الريال الإيراني -على الأرجح- مزيدًا من الهبوط في ظل الشكوك في تنفيذ الاتفاق النووي، والذي ألغى كثيرًا من العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران.

تحولات محتملة:

1- تأرجح برامج الإصلاح الاقتصادي: تبنّت كثير من دول الشرق الأوسط برامج طموحة للإصلاح الاقتصادي مؤخرًا من أجل تعزيز آفاق النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل. وشملت تدابير الإصلاح تعزيز دور القطاع الخاص، وتحسين مناخ الاستثمار، وخفض النفقات الاجتماعية، بالإضافة إلى تحرير أسعار الصرف. وبينما نجحت بعض الدول مثل مصر والجزائر في تمرير أغلب التدابير السابقة، تُواجه دول أخرى على غرار تونس صعوبات كبيرة في تنفيذ هذه الإصلاحات نظرًا لاتساع درجة المعارضة السياسية والاجتماعية لهذه التدابير. فيما تواجه بعض الدول المصدِّرة للنفط بالمنطقة صعوبات أوسع في تنفيذ برامج التنويع الاقتصادي التي وضعتها العام الماضي. 

2- تنويع مصادر الطاقة: يتنامى الطلب على الطاقة في منطقة الشرق الأوسط بمعدلات كبيرة بسبب ارتفاع تعداد السكان، والاحتياجات المتزايدة للتنمية الاقتصادية. وفي ظل التنبؤات بنمو الطلب على الطاقة بنسبة 60% بحلول عام 2035، تواصل حكومات المنطقة خططها لدعم صناعة الطاقة المتجددة، أملا في تنويع مصادر الطاقة، وخفض الانبعاثات الكربونية. 

 وبحسب الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، من المتوقع أن يجذب قطاع الطاقة المتجددة استثمارات بقيمة 35 مليار دولار سنويًّا بحلول عام 2020. وستبدأ دول مثل السعودية أولى خطواتها نحو تنفيذ أول مشروعاتها للطاقة المتجددة في أوائل عام 2017، وذلك بقيمة 1.5 مليار دولار لتوليد 700 ميجاوات من الطاقة الشمسية والرياح. 

3- تباطؤ وتيرة إعادة الإعمار: تكثف بعض حكومات المنطقة مثل العراق واليمن، بمساعدة من المجتمع الدولي، عملها لإعادة إعمار المناطق المتضررة من النزاعات العسكرية والعمليات الإرهابية. وبالرغم من التقدم الذي أحرزته الحكومتان السابقتان في توفير بعض الاحتياجات الأساسية على غرار الكهرباء والمياه والبنى التحتية الأخرى بالمناطق المتضررة، إلا أن عملية إعادة الإعمار ربما لن تسير بالوتيرة المطلوبة عام 2017 في ظل ارتفاع درجة المخاطر الأمنية بجانب التحديات التمويلية. 

 ولإعادة الحد الأدنى من البنى التحتية والخدمية في المناطق المحررة من تنظيم "داعش" بالعراق، ينبغي توفير أموال تتراوح بين 13 إلى 14 مليار دولار، بحسب تقديرات المسئولين العراقيين. وقد يبدو توفيرها في العام الجاري أمرًا صعبًا في ظل الضغوط المالية التي تواجهها الحكومة العراقية بسبب تراجع الإيرادات النفطية وارتفاع تكلفة محاربة "داعش". 

4- انتشار الشركات الناشئة: رغم محدودية انتشار ثقافة ريادة الأعمال بدول المنطقة حتى الآن، إلا أن كثيرًا من الشباب بدأوا مؤخرًا في تأسيس أعمالهم الخاصة عوضًا عن الوظائف الشحيحة بسوق العمل. ويُشير المشهد الراهن إلى عدد من النجاحات التي حققتها الشركات المؤسسة من قبلهم، والتي يندرج معظمها تحت فئة الشركات الناشئة التي تعتمد على الأفكار الجديدة. 

ووفقًا لبعض التقديرات، فإن قيمة أكثر من 12 من الشركات الناشئة الناجحة تفوق 100 مليون دولار. ومن ثم باتت هذه الشركات الرابحة في الأغلب تحظى باهتمام الحكومات والممولين من الشرق الأوسط، سواء رجال الأعمال أو صناديق الاستثمار المختلفة، وبما قد يمثل بداية مهمة للتعامل مع بعض العراقيل التي واجهتها في السابق، مثل الافتقار إلى رأس المال المُخاطِر أو التشريعات الميسرة.

مسارات متعددة:

1- انحسار الطبقة المتوسطة: يبدو أن المشهد الاقتصادي المضطرب بالإقليم سوف يتسبب في استمرار تراجع الطبقة المتوسطة كنسبة من مجموع سكان الإقليم، وبما يعرضها للفقر، لا سيما الشريحة الدنيا منها. وتزامنًا مع تراجع الدخول الحقيقية لمعظم سكان المنطقة، شرعت كثير من الدول في تفكيك منظومة الحماية الاجتماعية بها دون وجود البدائل التعويضية لها، وبما قلص بالفعل من فرص المستويات المعيشية الجيدة لهذه الفئة.

ويؤكد الاتجاه السابق نتائج دراسة أصدرتها اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) حول الطبقة المتوسطة في المنطقة العربية، حيث توصلت فيها إلى تقلص حجم الطبقة الوسطى إلى 37% في عام 2013 بدلا من 45% قبل اندلاع الثورات العربية، أما الفئات الفقيرة والمعرضة للفقر فقد زادت أيضًا إلى 53% من مجموع السكان.

2- تراجع مستويات الأمان الاقتصادي: من دون شك، فإن الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تعاني منها المنطقة منذ أكثر من خمس سنوات تؤدي إلى ارتفاع مستويات انعدام الأمن الاقتصادي ببعض دول المنطقة، لا سيما في مناطق الصراع المسلح، أو بالنسبة لبعض الشرائح مثل اللاجئين السوريين. وبحسب تقييم الأمم المتحدة، يوجد في سوريا نحو 13.5 مليون شخص في حاجة إلى مساعدات إنسانية، منهم 8.7 ملايين في حاجة ماسة، ونحو 4.5 ملايين موجودون في مناطق يصعب الوصول إليها. 

اقتصاديات الإرهاب:

1- تقييد مصادر تمويل الإرهاب: يعد تجفيف مصادر تمويل "داعش" في العراق محورًا رئيسيًّا في عمليات مكافحة الإرهاب. وقد ساهمت الضربات المستمرة لقوات التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" بالعراق منذ سبتمبر 2015 في تحقيق نجاحات عسكرية عديدة، واسترداد بعض المناطق التي سيطر عليها "داعش"، ومن ثم خفض موارد الأخير إلى أكثر من النصف لتصل قبل معركة الموصل إلى أقل من 30 مليون دولار شهريًّا.

 كما يأتي إطلاق الحكومة العراقية معركة الموصل في أكتوبر 2016، لطرد التنظيم من المدينة ليقضي على الفرص التمويلية المتبقية لـ"داعش"، حيث استعادت بذلك الحكومة العراقية أغلب الآبار النفطية التي سيطر عليها "داعش"، وبالإضافة إلى ذلك استطاع المجتمع الدولي -بدرجة كبيرة- محاصرة الشبكات المالية لتمويل التنظيم. وبرغم التقدم السابق، تظل مكافحة تمويل العمليات الإرهابية الفردية بالمنطقة التحدي الأكبر في العام الجاري، حيث تعتمد في معظم الأحيان على مصادر تمويلية محدودة القيمة يصعب مراقبتها.

2- مضاعفة الإنفاق الأمني: ستدفع المخاوف المتزايدة من العمليات الإرهابية والاضطرابات السياسية حكومات المنطقة -في أغلب الأحوال- لزيادة الطلب على المعدات الأمنية اللازمة لحماية الأصول الحيوية. وفي هذا الصدد من المتوقع أن تتضاعف قيمة الإنفاق على الحلول الأمنية المادية كأجهزة الإنذار والمراقبة وغيرها من 5.2 مليار دولار في عام 2016 إلى أكثر من 10.2 مليار دولار بحلول عام 2020، وذلك وفقًا لشركة "فروست آند سوليفان" للأبحاث. 

3- النزاع على الموارد الاقتصادية: رغم تباين الغايات، إلا أن الأصول الاقتصادية ستكون في العموم هدفًا رئيسيًّا للتنظيمات الإرهابية أو الفصائل المسلحة المتحاربة في دول الإقليم. إذ أن التنظيمات الإرهابية -مثل "داعش"- تضع في اعتبارها استهداف منشآت اقتصادية في الدول المستقرة لتقويض الاقتصادات المحلية، أو بغرض السيطرة على هذه الأصول وجني موارد إضافية في الدول الرخوة مثل ليبيا أو العراق أو اليمن أو سوريا. 

أما بالنسبة للفصائل المتناحرة، فمن المرجح في دولة مثل ليبيا استمرار الصدامات المتكررة بين الفرق المسلحة للاستيلاء على حقول النفط الليبية، والتي كان آخرها في ديسمبر 2016 عندما أطلق تحالف للميليشيات من بنغازي هجومًا إلا أنه فشل في النهاية في الاستيلاء على منشآت تصدير النفط في خليج سرت. 

شراكات اقتصادية:

يبدو أن التيار السائد في المنطقة منذ سنوات لتنويع الشركاء الاقتصاديين بخلاف الشركاء التقليديين (مثل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي)، سوف يكتسب دعمًا إضافيًّا في العام الجاري في ظل رغبة دول المنطقة في الاعتماد على شركاء تجاريين واستثماريين أكثر تجاوبًا مع الاحتياجات التنموية للمنطقة. والأقرب أن تستمر دول المنطقة في تعزيز مبادلاتها الاقتصادية مع الصين التي حصدت شركاتها عددًا من الصفقات الاستثمارية الكبيرة بالمنطقة في العام الماضي. وأيضًا بالتزامن مع زيادة النفوذ الروسي بالمنطقة في مقابل تراجع الدور الأمريكي، من المتوقع أن تكتسب الشركات الروسية موقعًا مميزًا جديدًا في الخريطة الاستثمارية للمنطقة. 

وختامًا،  يمكن القول إن المشهد الاقتصادي لعام 2017 يكشف عن كثير من التحديات والصعوبات الاقتصادية التي تواجهها دول المنطقة، وبما قد يضطرها إلى الإسراع في مواصلة خطط الإصلاح الاقتصادي الداعمة للنمو، وهو ما يتطلب -في الوقت نفسه- مواجهة التيارات السياسية والاجتماعية المناوئة.