أخبار المركز
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)
  • إيمان الشعراوي تكتب: (الفجوة الرقمية: حدود استفادة إفريقيا من قمة فرنسا للذكاء الاصطناعي 2025)
  • حسين معلوم يكتب: (تفاؤل حذر: هل تشكل الانتخابات المحلية فرصة لحلحلة المسار الليبي؟)
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)

اختبار الثقة:

لماذا قدمت واشنطن سلة حوافز إلى طهران؟

21 فبراير، 2021


تبدي إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أهمية خاصة لتنفيذ المقاربة الجديدة إزاء العلاقات مع إيران، والتي تقوم في الأساس على ضرورة توسيع نطاق الاتفاق النووي ليتحول إلى صفقة أكبر تضم إلى جانب البرنامج النووي برنامج الصواريخ الباليستية والدور الإقليمي. وفي هذا الصدد، وفي مواجهة إصرار إيران على مواصلة إجراءاتها التصعيدية، حيث هددت بأنها سوف تقوم بتقليص عمل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 23 فبراير الجاري في حالة ما إذا لم ترفع الولايات المتحدة الأمريكية العقوبات المفروضة عليها، قامت الإدارة الأمريكية باتخاذ ثلاثة خطوات تحفيزية محدودة إزاء إيران تتضمن الموافقة على دعوة الاتحاد الأوروبي للانخراط في مفاوضات غير رسمية ضمن مجموعة "5+1" لبحث سبل تفعيل الاتفاق النووي مرة أخرى، إلى جانب وقف العمل بالعقوبات الدولية التي أعلنت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب عودتها بعد أن فشلت في تمرير مشروع قرار لتمديد الحظر الأممي المفروض على إيران في مجال الأسلحة الثقيلة، فضلاً عن توسيع نطاق حرية الحركة أمام الدبلوماسيين الإيرانيين في نيويورك بعد أن تعرضوا لقيود شديدة خلال عهد إدارة ترامب.

لكن التدقيق في مجمل تلك الخطوات يكشف أنها تبدو محدودة ولا تفرض تأثيرات قوية على الأرض ولن تغير، على الأرجح، من المعطيات التي تضبط المسار الحالي للعلاقات بين الطرفين. إذ أن مجرد إجراء مفاوضات لا يعني الكثير، خاصة أنه لا يؤشر إلى حدوث تغيير جديد في السياسة الأمريكية بعد أن كان الرئيس بايدن، حتى قبل أن يتولى منصبه، يشير بوضوح إلى أنه سيتبنى خيار التفاوض مع إيران، وقد وجه إشارات عدة، إلى جانب مسئولين أمريكيين آخرين، حتى بعد وصوله إلى البيت الأبيض في 20 يناير الفائت تفيد أنه يفضل الانخراط في هذا الاتجاه.

فضلاً عن ذلك، فإن تعليق ما يسمى بـ"آلية الزناد" أو العودة التلقائية للعقوبات الدولية لا يضيف جديداً بدوره، باعتبار أن معظم دول العالم لم تتبن الموقف الأمريكي نفسه، وتعاملت مع فشل الإدارة السابقة في تمرير مشروع تمديد الحظر على أنه يعني موافقة المجتمع الدولي على رفعه. ولا يبدو أن توسيع هامش الحركة المتاح أمام الدبلوماسيين الإيرانيين في نيويورك يمكن أن يقدم حافزاً لإيران من أجل الرد على الخطوات التحفيزية الأمريكية بخطوات إيجابية في الاتجاه المقابل.

أهداف عديدة:

يمكن القول إن إدارة بايدن سعت عبر تلك الخطوات المحدودة إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية تتمثل في:

1- إضعاف الموقف الإيراني: ربما ترى الإدارة الأمريكية أن الموقف داخل النظام الإيراني ليس موحداً، وأن هناك نوعاً من التباين في الآراء إزاء آليات التعامل مع الخطوات التي تتخذها والدعوات التي توجهها لإجراء مفاوضات ثنائية أو متعددة للوصول إلى تسوية للخلافات العالقة. وقد بدا ذلك جلياً، على سبيل المثال، في تصريحات وزير الخارجية محمد جواد ظريف، في 2 فبراير الجاري، والتي طرح فيها فكرة "العودة المتزامنة" في الاتفاق النووي، والتي سارع المرشد علي خامنئي إلى الرد عليها بعد ذلك بيوم واحد بتأكيده أن إيران لن تعود إلى الالتزام بتعهداتها إلا مع رفع العقوبات الأمريكية المفروضة عليها. واللافت في هذا السياق، هو أن ظريف نفسه سرعان ما عاد بدوره إلى التأكيد على الموقف ذاته في 19 فبراير الجاري، بقوله عبر تغريدة على موقع "تويتر": "التزاماً بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 ترفع الولايات المتحدة بشكل غير مشروط وفاعل كل العقوبات التي فرضت أو أعيد فرضها أو أعيد تسميتها من قبل ترامب"، مضيفاً: "عندها سنعكس فوراً كل الإجراءات التعويضية التي اتخذناها"، في إشارة إلى تراجع إيران عن تعهداتها في الاتفاق النووي بداية من منتصف عام 2019.

من هنا، ربما تحاول إدارة بايدن، في رؤية اتجاهات عديدة، توسيع نطاق الاستقطاب داخل النظام الإيراني، بهدف إضعاف تيار المحافظين الأصوليين عبر منح الفرصة لتيار المعتدلين بقيادة الرئيس حسن روحاني لممارسة ضغوط من أجل التجاوب مع المقاربة الأمريكية الجديدة أو على الأقل تأجيل اتخاذ خطوات تصعيدية جديدة تضع مزيداً من العقبات أمام إمكانية الوصول إلى تسوية للخلافات العالقة بين الطرفين. وقد لا يكون ذلك منفصلاً عن اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية وسعى كلا الطرفين إلى استغلال التطورات الخارجية، لاسيما على صعيد المسار الحالي للعلاقات مع واشنطن من أجل تعزيز فرصه فيها. ومع ذلك، فإن تلك المقاربة التي تتبناها هذه الاتجاهات قد تواجه إشكالية أساسية تتمثل في أن حدود التباين بين دوائر صنع القرار في طهران إزاء العلاقات معها لا تبدو واضحة، فضلاً عن أنه لا يمكن تجاهل أن تأثير تيار المعتدلين تقلص بشكل ملحوظ عقب تراجع الرهان على الاتفاق النووي والعلاقات مع واشنطن بعد انسحاب الأخيرة من الاتفاق في مايو 2018 وبداية فرضها العقوبات على إيران في أغسطس من العام نفسه. 

2- تحشيد الغرب: قد تكون تلك الخطوات جزءاً من خطة أمريكية لتكوين حشد غربي أكثر قوة في مواجهة إيران، خاصة أن تلك الخطوات حظيت بتأييد الدول الأوروبية، لاسيما دول الترويكا التي عقدت اجتماعاً على مستوى وزراء الخارجية، في باريس في 18 فبراير الجاري، ضم كلاً من وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان ونظراءه هايكو ماكس الألماني ودومينيك راب البريطاني إلى جانب أنتوني بلنكين الأمريكي الذي شارك عن بعد عبر تقنية "فيديو كونفرانس". إذ أيد الوزراء الأوروبيون استعداد الإدارة الأمريكية للعودة للدبلوماسية مع إيران، وأعربوا، مع نظيرهم الأمريكي، عن اهتمام بلادهم بدعم معاهدة حظر الانتشار النووي والتأكد من عدم حصول إيران على أسلحة نووية مطلقاً، وأبدوا قلقهم من الانتهاكات التي ترتكبها إيران في الاتفاق. 

وهنا، فإن الهدف الأساسي يكمن في فرض أعلى مستوى من الضغوط على إيران، وهو ما كانت تفتقده السياسة الأمريكية في عهد إدارة ترامب، حيث كانت الخلافات المتعددة بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين توجه رسائل تفهمها إيران على نحو خاطئ وتدفعها إلى الإمعان في تبني السياسة التصعيدية في البرنامج النووي. وبمعنى أدق، فإن الرسالة الأهم لهذا الإجماع تكمن في العودة إلى مرحلة أوباما، التي تعرضت فيها إيران لشبه عزلة دولية بسبب العقوبات التي فرضت عليها من جانب الولايات المتحدة والدول الأوروبية بالإضافة إلى العقوبات الدولية والتي رفعت بعد الوصول للاتفاق النووي في 14 يوليو 2015.

3- رسالة حازمة لطهران: تسعى الإدارة الأمريكية إلى توجيه رسالة لإيران بأن رفع العقوبات المفروضة عليها، وهو الشرط الأساسي للأخيرة، ليس سهلاً، لاعتبارات رئيسية ثلاث: أولها، عدم الثقة في مدى جدية إيران في الالتزام بتعهداتها مجدداً وعدم العودة إلى تخفيضها من جديد. وثانيها، الاستجابة لضغوط الكونجرس في الداخل والحلفاء في منطقة الشرق الأوسط. وثالثها، عدم تجاهل المعطيات الجديدة التي فرضها التصعيد المتبادل بين الطرفين خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، والذي كشف "الثغرات" التي يعاني منها الاتفاق الحالي وتتطلب ضرورة التعامل معها قبل أن يتم الاتفاق على تسوية الأزمة والعودة من جديد إلى تفعيله.

من هنا، كان لافتاً أنه بالتوازي مع الخطوات التحفيزية المحدودة التي اتخذتها الإدارة الأمريكية، كان هناك حرص على تأكيد أنه ليست هناك خطط أمريكية جديدة في هذا الصدد، في إشارة إلى أن إدارة بايدن لن تستجب للشرط الإيراني الأساسي الخاص برفع العقوبات قبل الانخراط في مفاوضات جديدة والاتفاق على تسوية الخلافات العالقة.