أخبار المركز
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)
  • إيمان الشعراوي تكتب: (الفجوة الرقمية: حدود استفادة إفريقيا من قمة فرنسا للذكاء الاصطناعي 2025)
  • حسين معلوم يكتب: (تفاؤل حذر: هل تشكل الانتخابات المحلية فرصة لحلحلة المسار الليبي؟)
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)

إنترنت البشر:

تطبيقات متعددة لزراعة الشرائح الإلكترونية في الأفراد

12 ديسمبر، 2017


تصاعد اعتماد الأفراد على تثبيت شرائح ذكية في أجسامهم للقيام بوظائف حيوية، ودعم حياتهم اليومية، وأداء مهام مثل: قياس البيانات الحيوية للجسم، وضبط مستويات الأنسولين، وتقوية السمع، والتحكم في الأجهزة، وإجراء معاملات إلكترونية، والدخول إلى أنظمة الكمبيوتر. وعلى الرغم من العوائد والتطبيقات المتعددة لهذه التكنولوجيا؛ إلا أنها تتضمن عدة تهديدات من بينها تهديدات الاختراق وانتهاكات الخصوصية والمراقبة الدائمة للأفراد.

مشروع السايبورج:

سعى بعض الباحثين إلى زراعة الشرائح الإلكترونية بالغة الصغر تحت جلد الإنسان لحفظ المعلومات بداخلها وقياس الموشرات الحيوية في إطار ما يُطلق عليه (internet of people)، حيث يطمح العلماء إلى أن تقوم هذه الشرائح بمجموعة من الوظائف من خلال الدوائر الكهربائية. وعلى الرغم من أن الفكرة ذاتها ليست بالحديثة، حيث بدأت الإرهاصات الأولى لها مع قيام العالم البريطاني "كيفن وارويك" بإجراء تجربة أولية لزراعة شريحة إلكترونية تحت جلده في عام 1998، وذلك ضمن مشروعه الشهير "السايبورج" (Cyborg Project) الذي هدف إلى صناعة ودراسة وتجريب الشرائح المزروعة تحت الجلد، وقد قام بوضع بعض المعلومات داخل الشريحة والتي مكنته من فتح الأبواب الممغنطة، وإضاءة الأنوار، بيد أنه قام بإزالة الشريحة بعد ٩ أيام من عملية الزرع، وتم الاحتفاظ بها في متحف العلوم في لندن .

وفي هذا الإطار، قامت إحدى شركات التكنولوجيا والتي تربَّعت على عرش صناعة الرقاقات الإلكترونية لسنوات وهي شركة "ثري سكواير ماركت" بإطلاق منتج الشركة الأحدث، الرقاقة الإلكترونية في أغسطس ٢٠١٧ بعد تجربتها على موظفي الشركة في يونيو ٢٠١٧.  

وتعتمد هذه الشرائح على استخدام موجات الراديو الكهرومغناطيسية ذات الطول الموجي الكبير نسبيًّا لتحديد هُوية المستخدم (Radio Frequency Identification: RFID)، وفي البداية قامت الشركة بزرع الرقاقات لموظفيها بشكل طوعي تحت الجلد بين الإبهام والسبابة، حيث تستخدم الرقاقة ما يسمى اتصالات المجال القريب Near-Field Communication))، وهي نفس التكنولوجيا المستخدمة في بطاقات الائتمان والدفع عبر الهاتف المحمول .

وتسمح هذه الرقاقات للموظفين بدفع ثمن الطعام والشراب في غرفة استراحة الشركة، وفتح الأبواب وفقًا للصلاحيات الممنوحة لكل رقاقة، وتسجيل الدخول إلى أجهزة الكمبيوتر، واستخدام آلة النسخ وغيرها من العمليات التي تحتاج لبصمة الإصبع .

تطبيقات متعددة: 

يأتي هذا التوجه نحو زراعة الشرائح مع تصاعد الاختراقات لتكنولوجيا الأشياء (internet of things)، ففي بداية العام الجاري قام تجمُّع من القراصنة الألمان يلقبون أنفسهم بـ"نادي فوضى الكمبيوتر" باختراق أجهزة استشعار بصمات الأصابع في العديد من أجهزة الهواتف المحمولة الآيفون، وكذلك الماسح الضوئي الخاص بقزحية العين في أجهزة سامسونج ، وهو ما دفع للتفكير في تضمين الشرائح داخل الأفراد ليمنع اختراقها بسهولة.

وقد قامت بعض الدول باستخدام الشرائح مثل السويد، حيث تشير التقديرات إلى قيام حوالي 2000 سويدي بزرع الشرائح الإلكترونية، وإن كان معظمهم من العاملين في مجال صناعة التكنولوجيا. وفي وقت سابق من هذا العام، قدمت شركة السكك الحديدية السويدية للمسافرين خيار استخدام رقاقة مزروعة في يدهم كبديل عن تذكرة القطار الورقي ، وذلك لسهولة الاستخدام ومنع التكدس.

كما طرحت بعض الشركات العقارية للمستأجرين خيارًا بامتلاك شريحة تحدد الهوية الشخصية باستخدام ترددات موجات الراديو (RFID)، حيث تزرع داخل معصم المستأجر، وتسمح له بتنفيذ وظائف معينة في المبنى بواسطة الموجة الصادرة من المعصم كفتح الأبواب وغيرها، ومن المتوقع التوسع في استخدامات هذه الشرائح في المستقبل. ومن الاستخدامات المتوقعة ما يلي:

١- مراقبة تحركات المشبوهين: قد تُجدي تلك الشرائح منافع كبيرة في ظل استخدامها من قبل الجهات الأمنية في رصد تحركات المسجونين المفرج عنهم في فترة المراقبة أو هؤلاء الذين سبق اتهامهم في قضايا إجرامية، وذلك بهدف رصد تحركاتهم لدعم الأمن، والتأكد من عدم عودتهم إلى الأنشطة الإجرامية .

٢- الاتصال والتوجيه العسكري: فمن المتوقع أن يتم استخدامها خاصة في مناطق الحروب التي يصعب فيها التواصل مع الجنود وتلقينهم بالأوامر العسكرية والتكتيكية، كما تسهل تحديد أماكن تواجد الكتائب العسكرية.

٣- تقليل معدلات الاختفاء: حيث إن القدرة على تتبع الشرائح قد يشجع الآباء على زراعة الشرائح في أجسام أبنائهم لمواجهة عمليات خطف الأطفال، كما يمكن من خلالها التوصل إلى أماكن المفقودين بصفة عامة.

٤- تخزين المؤشرات الحيوية: تمتلك الشرائح القدرة على تخزين مجموعة كبيرة من المعلومات الصحية للأفراد، مع إمكانية ربطها بالمستشفيات، وإعطاء الإنذار اللازم في حالة تعرض هؤلاء الافراد لأي أزمات صحية، وكذلك في حالات الحوادث، وسهولة تتبع المعلومات الصحية، ومعرفة التاريخ المرضي للأفراد، مما يساعد بشكل كبير في عملية العلاج وإنقاذ حياة المرضى.

٥- تقليل معدلات التكدس: فهناك اتجاه متزايد من قبل شركات الطيران والسكك الحديدية نحو استخدام تلك التكنولوجيا بشكل موحد للموظفين والمسافرين، مما يقلل من الازدحام في هذه الأماكن، ويزيد من معدلات الأمان. 

٦- ممارسات الغش الرياضي: إذ من المتوقع استخدام الشرائح في دورة الألعاب الأوليمبية القادمة، في محاولةٍ للحد من مشاكل تزوير التحليلات الخاصة بتعاطي الرياضيين للعقاقير . 

التحكم الافتراضي:

تقدم تكنولوجيا زراعة الشرائح الإلكترونية في البشر بعض المزايا التي تجعل الشركات تلجأ إليها لتسهيل بيئة العمل، كما تستخدمها بعض الشركات والدول لإحكام الرقابة على الأفراد، وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى أبرز مزايا هذه الشرائح، وذلك فيما يلي:

١- الأمان: فزراعة الشرائح داخل جسم الإنسان توفر درجة كبيرة من درجات الأمان، فهي تجنب الأفراد التعرض لفقدان الكروت الذكية أو نسيان كلمات السر وغيرها، ومن ثم الحماية القصوى لكافة تفاصيل الحياة اليومية.

٢- الثقة: تؤدي إلى زيادة معدلات الثقة في الفضاء الإلكتروني، فكافة التعاملات تتم من خلال شريحة مثبتة داخل جسم الإنسان مما يعني أنه هو المتحكم الوحيد فيها، الأمر الذي يشجعه على التعايش مع عالمه الخاص في الفضاء الإلكتروني. 

٣- تسهيل الحياة اليومية: حيث تحتفظ تلك الشرائح بمجموعة كبيرة من البيانات التي يمكن استخدامها في جميع أمور الحياة اليومية، من: فتح الهواتف، وأجهزة الحاسبات، وتخزين كلمات السر المختلفة، ومعلومات البطاقات الشخصية، وبطاقات العمل، وغيرها، وذلك بشكل دائم مع الفرد، مما يجنبه فقدانها أو نسيانها. 

تداعيات مُحتملة:

على الرغم من المزايا التي يُتيحها استخدام مثل هذه الشرائح الإلكترونية، إلا أن استخدامها ينطوي أيضًا على مجموعة من التداعيات التي تشمل ما يلي:

١- اختراق الخصوصية: فزراعة هذه الشرائح من قبل أصحاب الأعمال قد تتسبب في اختراق خصوصية الأفراد من خلال احتفاظ الشركات بمجموعة كبيرة من البيانات شديدة الخصوصية حول هؤلاء الأفراد من حيث حالاتهم الصحية وتتبع أنماط حياتهم اليومية وغيرها.

٢- الإحساس بالمراقبة: في ظل وجود هذه الشرائح قد يشعر الأفراد بأنهم في حالة دائمة من المراقبة من قبل أصحاب الأعمال بل والحكومات أيضًا في حالة تبنيها على المستوى القومي، وذلك من خلال ما تتيحه تلك الشرائح من إمكانية تتبعهم، وحصر الأماكن التي يترددون عليها، وتعاملاتهم الإلكترونية وغيرها .

٣- اختراق الهاكرز: يثير استخدام هذه الشرائح الكثير من المخاوف حول إمكانية اختراقها من قبل الهاكرز، وهو ما يعرض هؤلاء الأفراد لخسائر فادحة نتيجة استغلال بياناتهم، أو حتى إخضاعهم للابتزاز المادي، علمًا بأن عمليات الاختراق دائمًا أمر وارد الحدوث لكل تقنية تكنولوجية جديدة رغم احتياطات الأمان والحفاظ على الخصوصية التي يقدمها المصنعون .

٤- التداعيات الصحية: حيث إن الآثار الصحية لزراعة مثل تلك الشرائح وما تحدثه من ترددات لا تزال تخضع للدراسات الطبية، هذا بالإضافة إلى أن بعض التحليلات تشير إلى أن زرع الشرائح وتثبيتها قد يسبب أضرارًا في الأوعية الدموية العصبية، خاصة إذا كانت مثبتة بالقرب من الأعصاب الرئيسية ، الأمر الذي يجب معه المزيد من الحرص قبل التوسع في زراعة مثل هذه الشرائح، والدراسة الدقيقة لمواقع تثبيتها داخل جسم الإنسان.

وختامًا، يمكن القول إن زراعة الشرائح الإلكترونية داخل جسم الإنسان تعتبر توجهًا حديثًا وواعدًا في ظل الإخفاقات التي تعرضت لها أنظمة التحقق البيومترية، سواء من خلال بصمات الأصابع أو المسح الضوئي لقزحية العين. 

وعلى الرغم من المزايا العديدة التي تطرحها هذه التقنية؛ إلا أنها لا تزال تحتاج المزيد من الدراسات والتجارب لتجنب التداعيات السلبية التي قد تترتب عليها، وبصفة خاصة تلك الصحية، حيث إن تلك الشرائح تحتاج إلى عمليات تحديث، الأمر الذي يعني استبدالها بأخرى من خلال عملية جديدة مؤلمة، هذا بالإضافة إلى ضرورة وجود بعض الضمانات الأخلاقية من جانب الجهات التي تقوم بزراعة تلك الشرائح مثل الشركات والوحدات الطبية بما يضمن استخدام بيانات الأفراد في حدود الهدف منها، وعدم استغلالها في أغراض أخرى .