أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

حواجز التكامل:

اتجاهات الشراكة في "الأمن الفضائي" بين طوكيو وواشنطن

11 نوفمبر، 2024


عرض: سارة عبد العزيز

أضحى الفضاء أحد العناصر المهمة في منظومة الأمن القومي للدول، فلم تعد المنافسة المحتدمة بين القوى الكبرى تقتصر على البر والبحر والجو والمجال السيبراني فقط. وإنما امتدت لتجد في الفضاء مجالاً حيوياً للتصعيد فيما بينها؛ الأمر الذي يصل إلى حد تبادل التُّهم بشأن السعي إلى "عسكرة الفضاء"، وقد يتجاوز ذلك لنشر الأسلحة النووية في الفضاء. 

وفي مواجهة التهديدات الأمنية التي تحاصر اليابان؛ نتيجة للأنشطة العسكرية المكثفة لكل من الصين وكوريا الشمالية، فقد وجدت في الفضاء ضالتها لتعزيز أمنها القومي، حيث تسعى اليابان بكافة السبل لتعزيز الشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية في مجال الأمن الفضائي ضمن التحالف الأمني الوثيق بين الدولتين؛ إذ ترى أنه يصب في صميم نهج الدولتين تجاه الحفاظ على الأمن والاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.  

وفي هذا السياق، أصدر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) في واشنطن تقريراً موسعاً لكل من كاري أ. بينجن، وماكينا يونغ، في أغسطس 2024، تحت عنوان "من الأرض إلى الفضاء: تطور سياسة الأمن الفضائي اليابانية ومخطط تعزيز الشراكة الأمنية الفضائية بين الولايات المتحدة الأمريكية واليابان"، وذلك ضمن الجهود البحثية لبرنامج الأمن الفضائي. 

ويتناول التقرير تاريخ برامج الفضاء في اليابان، كما استعرض القدرات الفضائية للبلاد، والتطورات التي حدثت في مجال الأمن الفضائي بعد قانون الفضاء الأساسي لعام 2008، بالإضافة إلى التطرق إلى أهم الشراكات الدولية في مجال الفضاء، وبصفة خاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية مع إلقاء الضوء على أهم الحواجز والقيود المحتملة التي قد تواجه تلك الشراكة، ويتعين التغلب عليها لتحقيق تعاون أكبر. 

تطور المؤسسات والسياسات: 

شهدت سياسة الفضاء اليابانية تطورات على المستويات المؤسسية والتنظيمية فضلاً عن السياسات الدفاعية، وهو ما يمكن توضيحه على النحو الآتي:

1. البنية المؤسسية والتنظيمية: بدأ اهتمام اليابان ببرنامجها الفضائي منذ خمسينيات القرن الماضي من خلال تأسيس وتكليف ثلاث مؤسسات متمايزة هي: المختبر الوطني للفضاء في اليابان (NAL)، ومعهد الفضاء والعلوم الجوية (ISAS)، والوكالة الوطنية لتطوير الفضاء (NASDA). وظلت المؤسسات الثلاث تقوم بالمهام الموكلة إليها، حتى تم دمجها لاحقاً لإنشاء وكالة استكشاف الفضاء اليابانية "جاكسا" (JAXA) في أكتوبر 2003.

وبموجب القانون الخاص بإنشاء تلك الوكالة، فإنها تضطلع بالمهام التالية: (1) تطوير البحث في المؤسسات الأكاديمية والجامعات، (2) تعزيز علوم وتكنولوجيا الفضاء والطيران، (3) تعزيز استخدام وتطوير الفضاء، للأغراض السلمية فقط. بينما تم تفويضها في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين للمشاركة في الأنشطة المتعلقة بالأمن؛ إذ وقعت اتفاقيات للتعاون الفني مع وزارة الدفاع اليابانية.

 رأى التقرير أن الهيكل التنظيمي للإشراف على أنشطة الفضاء اليابانية، يشوبه التمزق حيث تتداخل فيه أدوار العديد من المؤسسات، ويُعد التنافس بين الوزارات مع الافتقار إلى التنسيق الرسمي بينها بشأن قضايا الفضاء أمراً شائعاً في اليابان. فعلى المستوى التنفيذي، تم إنشاء المقر الاستراتيجي للسياسة الفضائية الوطنية في عام 2008 بموجب قانون الفضاء الأساسي. كما تم إنشاء أمانة السياسة الفضائية الوطنية (NSPS) في اليابان في عام 2012 للمساعدة في تنسيق سياسات الفضاء، وتخصيص الميزانية بين الوزارات المختلفة، وإصدار التراخيص. ومع تزايد دمج الفضاء في الدفاع، أصبحت وزارة الدفاع اليابانية أيضاً من أصحاب المصلحة المهمين في مجال الفضاء.

2. سياسات الفضاء والأمن: بدأت اليابان في دمج الفضاء ببطء في سياساتها الأمنية الشاملة بدءاً من أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وقد اقترن ذلك مع إجراء الصين للاختبارات المباشرة للصواريخ المضادة للأقمار الاصطناعية (ASAT) في عام 2007، والتي خلفت آلاف القطع من الحطام في المدار الأرضي المنخفض (LEO)، وكانت اليابان من أوائل الدول التي أدانت الاختبارات، إلى جانب الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وتبعتها دول أخرى كثيرة. 

وبعد عام واحد من تلك الحادثة، اعتمد البرلمان الياباني قانون الفضاء الأساسي في عام 2008، والذي يُعد أول وثيقة أساسية في سياسة الفضاء اليابانية؛ إذ حددت بوضوح الأمن القومي كهدف لأنشطة الفضاء اليابانية على عكس سياسة البلاد التي استمرت لعقود من الزمان، والتي تقضي باستخدام الفضاء للأغراض غير العسكرية فقط. وفي يناير 2013، نشرت اليابان النسخة الثانية من خطتها الأساسية للسياسة الفضائية، التي حددت الأنشطة الفضائية التي تقودها الحكومة للعقد المقبل، مستشهدة بمجال الفضاء المتغير بسرعة كحافز لتحديث سياسات البلاد. كما اقترحت الوثيقة تحولاً جوهرياً في تطوير الفضاء الياباني من التركيز على البحث العلمي والتكنولوجي إلى استخدام الفضاء في خدمة أهداف الأمن القومي ومراقبة البيئة. وإضافة إلى ذلك، أكدت الحاجة إلى أن تصبح صناعة الفضاء مورداً تنافسياً للقدرات والخدمات الفضائية للمشترين خارج اليابان.

وجاءت النسخة الثالثة في يناير 2015، مع طلب اعتماد قانونين فضائيين يركزان على الصناعة من قبل البرلمان، وهما قانون الأنشطة الفضائية (SAA)، وقانون بيانات الاستشعار عن بعد. وفي يونيو 2020، أصدرت البلاد خطتها الأساسية الرابعة بشأن سياسة الفضاء، معترفة لأول مرة بالحاجة الملحة إلى تطوير الأصول الفضائية لتعزيز الأمن القومي، واعتماد الجيوش والحكومات على أنظمة الفضاء، ومخاطر التدخل في الاستخدام المستدام لمجال الفضاء. 

وأصدرت اليابان في ديسمبر 2022 ثلاث وثائق استراتيجية جديدة، هي: استراتيجية الأمن القومي اليابانية، واستراتيجية الدفاع الوطني، وبرنامج بناء الدفاع، وعكست تلك الوثائق نقطة تحول في موقف الدفاع الياباني؛ إذ تضمنت استخدام الفضاء في الدفاع والأمن القومي. وهو ما يُعد تغييراً ملحوظاً في سياسات الماضي. 

وفي يونيو 2023، صدرت الخطة الأساسية الخامسة بشأن سياسة الفضاء، والتي سلطت الضوء على الاستخدام المتسارع للفضاء لخدمة أهداف الأمن القومي، والاعتماد المتزايد للأنشطة الاقتصادية والاجتماعية على الأنظمة الفضائية. وتشير الوثيقة كذلك إلى أن الوصول إلى الفضاء أصبح أكثر ديمقراطية، وهو ما تصفه الوثيقة بـ"التحول الفضائي". وتؤكد الخطة كذلك أهمية التعاون بين الاستثمار الخاص والحكومي في الفضاء. كما أطلقت اليابان مبادرة أمن الفضاء في يونيو 2023؛ لتحدد خطط هندسة الفضاء للأمن القومي في البلاد. 

وفي العام 2024، تم إصدار استراتيجية تكنولوجيا الفضاء والتي تضع جدولاً زمنياً لتنمية القطاعات المدنية والعسكرية في مجال الأقمار الاصطناعية، وعلوم الفضاء والاستكشاف، والنقل الفضائي، وتقنيات المجالات المتعددة. وتعطي الاستراتيجية أيضاً أولوية للجهود الرامية إلى التخفيف من مخاطر سلسلة التوريد على القدرات اليابانية في مجال تكنولوجيا الفضاء، وربط القدرة التنافسية لصناعة الفضاء اليابانية بأمنها القومي. وحددت طوكيو عام 2027 كنقطة تحول رئيسية لتعزيز دفاعها الوطني، مع اعتبار القدرات الفضائية جزءاً من جهد استراتيجي أوسع يشمل تحديث القوات، وشراء الذخائر، وتحسين البنية التحتية، وتعزيز التدريب والمناورات. 

تمويل مشروعات الفضاء:

وضعت اليابان خططاً لتوسيع قدراتها الفضائية وتنمية قاعدتها الصناعية، وبناءً عليه ضاعفت طوكيو استثماراتها في مجال الفضاء المدني والأمني بأكثر من الضعف على مدى السنوات الخمس الماضية، بما في ذلك تكنولوجيا الفضاء الخاصة بالدفاع والاستخدام المزدوج. وعلى مدى السنوات العشر المقبلة، تعهدت الحكومة اليابانية بتخصيص تريليون ين (6.9 مليار دولار) لصندوق استراتيجية الفضاء الذي يهدف إلى توسيع القاعدة الصناعية الفضائية في اليابان، والذي ستديره وكالة استكشاف الفضاء اليابانية "جاكسا". 

وعلى غرار الولايات المتحدة وغيرها، تدرك اليابان المزايا الاقتصادية والتكنولوجية للفضاء وكيف تخلق استثماراتها إشارة طلب لتحفيز ابتكار القطاع الخاص وجذب المواهب الفنية. كما يرى التقرير أن التقدم في مجال الفضاء يساعد على حل تحديات الاستدامة العالمية وإدارة الموارد والإغاثة من الكوارث. ومن المتوقع تخصيص تريليون ين إضافي لأمن الفضاء من عام 2023 إلى عام 2027. 

وتقدر قيمة صناعة الفضاء في اليابان بنحو 1.2 تريليون ين (8.6 مليار دولار) حسب تقديرات المنتدى الاقتصادي العالمي، وتسعى الحكومة إلى مضاعفة حجم هذه الصناعة بحلول أوائل ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين. وتُجرى غالبية عمليات مركبات الإطلاق الفضائي الآن في القطاع الخاص تحت إشراف وكالة استكشاف الفضاء اليابانية "جاكسا". وعلى صعيد الشركات الناشئة، فعلى مدى فترة 21 عاماً (2000-2021)، استحوذت اليابان على ثالث أكبر عدد من المستثمرين في مجال شركات الفضاء الناشئة، بعد الولايات المتحدة والصين.

الشراكة مع واشنطن:

يرتبط نهج اليابان تجاه الأمن الفضائي بسياسات وأفعال الولايات المتحدة الأمريكية، ومن أهم مرتكزات الشراكة الفضائية بين البلدين ما يلي: 

- تعاون ممتد: أصبح الفضاء أكثر بروزاً في المناقشات رفيعة المستوى بين الولايات المتحدة واليابان، مع التزام القادة السياسيين والعسكريين من البلدين بتعميق التعاون في مجال أمن الفضاء. ويستند هذا إلى تاريخ طويل من التعاون الفضائي، وخاصة عبر بعثات ومنظمات الفضاء المدنية، والتي تشمل رحلات الفضاء البشرية، والبحث العلمي، والملاحة عبر الأقمار الاصطناعية والاتصالات، والتعاون الدفاعي.

- اتفاقية إطارية: في يناير 2023، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا عن اتفاقية إطارية ثنائية للفضاء؛ مما عزز التعاون في استكشاف الفضاء، بينما ناقشا أيضاً الحاجة إلى تحسين محاذاة مواقف القوة في مجال الفضاء. كما يسلط المسؤولون الآن الضوء بانتظام على الأهمية المتزايدة للفضاء للاستقرار والأمن والازدهار الاقتصادي. 

- شراكة "أرتميس": تُعد اليابان شريكاً في برنامج "أرتميس" التابع لوكالة ناسا الأمريكية، والذي يهدف إلى استكشاف القمر والمريخ. وكجزء من بعثات "أرتميس"، ستعمل بوابة القمر كنقطة استيطانية تدور حول القمر لإجراء استكشافات في الفضاء العميق. وتُعد اليابان واحدة من سبع دول أساسية وقعت على اتفاقيات "أرتميس" التابعة لوكالة ناسا في عام 2020.

- تكامل الأهداف: تخطط اليابان لتوسيع استخدام أنظمة الفضاء بشكل جذري في تعزيز الأمن القومي مع أداء دور استباقي في تشكيل معايير السلوك المسؤول في الفضاء الخارجي. بينما تعطي الولايات المتحدة الأولوية للهندسة المعمارية الفضائية المرنة، وتعزيز السلوكيات المسؤولة في مجال الفضاء، وتوسيع التعاون الفضائي لتعزيز تبادل المعلومات وتطوير العمليات المشتركة في الفضاء.

فرص التطوير: 

طرح تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أهم مجالات التعاون في الأمن الفضائي التي يمكن الجمع فيها بين نقاط القوة التكميلية المشتركة لحكومتي اليابان والولايات المتحدة لتعزيز المصالح الأمنية الوطنية للبلدين، وذلك على النحو التالي:

- تعزيز التنمية البشرية: من خلال السعي نحو بناء كفاءة أكبر في مجال الفضاء داخل مؤسسات الدفاع اليابانية ودعم الصناعة من خلال التعليم والتدريب باعتباره أساساً لأي أنشطة تعاون فضائي.

- تدريبات فضائية مشتركة: ينبغي تشجيع اليابان، بدعم من الولايات المتحدة، على تطوير فهم أكبر عبر خدماتها العسكرية لكيفية مساهمة القدرات الفضائية في مهام الأمن والدفاع من خلال دمج القدرات الفضائية في التدريبات المشتركة.

- تبادل البيانات والمعلومات: يُعد تبادل تقييمات التهديدات الفضائية والسيبرانية بداية منطقية لتعزيز وتوسيع تبادل بيانات الوعي بمجال الفضاء (SDA)، بالاعتماد على نموذج تبادل المعلومات الثلاثي بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية المستخدم لتبادل البيانات حول إطلاق الصواريخ الكورية الشمالية.

- توسيع سلاسل التوريد: يجب على الولايات المتحدة واليابان النظر في نقاط القوة الفريدة والتكميلية للقاعدة الصناعية لكل دولة وعدم حصر شراكاتهما في مجال الفضاء؛ ومن ثم زيادة مرونة سلسلة التوريد والبحث عن المستثمرين لتعزيز أنظمة الشركات الناشئة في مجال الفضاء.

- الاستثمار السيبراني: يجب على الولايات المتحدة واليابان تضمين عنصر التحول الرقمي والأمن السيبراني ضمن أجندة الفضاء الثنائية؛ بحيث تعمل البنية الأساسية الرقمية كحافز لمزيد من التشغيل البيني وتبادل المعلومات على المستوى التشغيلي.

وفي الختام، أشار التقرير إلى أنه على الرغم من الجهود المبذولة لتعزيز الشراكة في مجال الأمن الفضائي بين اليابان والولايات المتحدة الأمريكية؛ فإن الأمر يتطلب من صناع السياسات معالجة الحواجز القائمة. ومن أهمها الحاجة إلى قيام القادة من كلا البلدين بتحديد أولويات واضحة ومسارات اتجاه لتحريك مؤسساتهم وصناعاتهم إلى العمل. بالإضافة إلى تعهد كلا البلدين بخطط طموحة للهندسة المعمارية الفضائية؛ إذ سيواجه تنفيذ هذه الخطط تحدياً على المدى الطويل فيما يخص توفير الموارد والقدرة الصناعية والعمالة في المجالات التقنية العالية، وهو ما يُعد سبباً إضافياً لبناء علاقات صناعية تستفيد من نقاط القوة في كل دولة.

المصدر:

Kari A. Bingen and Makena Young, “From Earth to Uchū The Evolution of Japan’s Space Security Policy and a Blueprint for Strengthening the U.S.-Japan Space Security Partnership”, CSIS, August 23, 2024, Accessible at: 

https://aerospace.csis.org/from-earth-to-uchu-the-evolution-of-japans-space-security-policy-and-a-blueprint-for-strengthening-the-u-s-japan-space-security-partnership/