أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

تجنب الهاوية:

تعاون إيراني "محدود" مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية

07 يونيو، 2023


أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في تقرير سري نُشر، في 31 مايو 2023، إغلاق التحقيق المُتعلق بوجود يورانيوم مُخصّب في موقع مريوان (آباده)، بالقرب من شيراز بجنوب إيران، بعد تلقي توضيحات معقولة من طهران. بالإضافة إلى تركيب معدات مراقبة في منشأتي فوردو ونطنز حتى تتمكن الوكالة من تتبع برنامج إيران النووي، على النحو المنصوص عليه في اتفاق 2015.

دوافع التراجع: 

أسفر عاملان عن إبداء إيران مرونة تجاه المسائل الخلافية العالقة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يمكن استعراضهما على النحو التالي:

1- دفع جهود المفاوضات النووية: تحاول طهران من خلال تقديم هذه التنازلات، تهيئة الأجواء لإمكانية العودة للمفاوضات النووية مع واشنطن والأطراف الأوروبية، والمتعثرة منذ سبتمبر 2022، إذ يتزامن ذلك الإعلان مع ما أشارت إليه تقارير غربية عن لقاء بين المبعوث الأمريكي الخاص لإيران، روبرت مالي، والسفير الإيراني في الأمم المتحدة، سعيد إيرواني، في الآونة الأخيرة، وهو اللقاء الأول من نوعه بين الجانبين بشكل مباشر، منذ الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي في 2018. 

وعلى الرغم من أن اللقاء ركز على إمكانية إبرام صفقة تبادل للسجناء بين الطرفين، فإنه في حال نجاح تلك المباحثات، فإنها قد تؤدي إلى تهيئة الأجواء بين الجانبين لعودة المحادثات النووية، ولاسيما مع توارد أنباء عن استئناف الأطراف الغربية مناقشاتها حول إيجاد خطة دبلوماسية للتعامل مع إيران، بغية وقف تصعيدها النووي، خاصة مع تخوف الأطراف الأوروبية من احتمالية إرجاء واشنطن لبحث تلك القضية لما بعد الانتخابات الرئاسية في 2024.

وفي هذا السياق، جاءت زيارة سلطان عُمان هيثم بن طارق آل سعيد إلى إيران، في 28 مايو 2023، ولقائه بالمرشد الأعلى، علي خامنئي، والرئيس إبراهيم رئيسي، في إطار جهود الوساطة التي تبذلها مسقط لحلحلة جمود المفاوضات النووية. 

وذكرت بعض المصادر الغربية أن كبير مستشاري الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في الشرق الأوسط، بريت ماكغورك، قام برحلة سرية إلى عُمان، في توقيت سابق من مايو 2023، لإجراء محادثات مع المسؤولين العُمانيين حول التواصل الدبلوماسي المحتمل مع إيران فيما يتعلق ببرنامجها النووي، ولاستشراف نيات الإيرانيين حول الانفتاح على وضع بعض القيود على برنامجهم النووي وتهدئة الوضع الإقليمي، ومعرفة ما يريدونه من مطالب في مقابل ذلك، في مؤشر على محاولة واشنطن إحياء صفقة جزئية، وليست شاملة مع إيران حول برنامجها النووي. 

2- تفادي إدانة إيران في الوكالة: استبقت طهران انعقاد اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والذي سيعقد خلال يونيو 2023، بتسوية جزئية لإحدى القضايا الرئيسية العالقة مع الوكالة، والمتعلقة بتقديم تفسيرات حول وجود آثار يورانيوم مخصب في ثلاثة مواقع غير معلن عنها، وهي مريوان وفارامين وتورقوز آباد في جنوب طهران، إذ قدمت إيران تفسيراً لأسباب وجود هذه الآثار بالنسبة لموقع مريوان فقط.

كما أعادت إيران تركيب بعض معدات المراقبة، في موقع بأصفهان، حيث تُنتج أجزاء من أجهزة الطرد المركزي، بالإضافة إلى معدات مراقبة في فوردو ونطنز يتم فيهما إجراء عمليات تخصيب اليورانيوم.

وتأتي هذه الإجراءات في إطار تنفيذ إيران لالتزاماتها، التي تعهدت بها خلال زيارة مدير عام الوكالة، رافائيل غروسي، إلى إيران، في مارس 2023، بالتعاون مع الوكالة في تلك القضايا، وذلك خشية أن يؤدي عدم تعاونها مع الوكالة، إلى استصدار مجلس محافظي الوكالة قراراً بإحالة ملف إيران إلى مجلس الأمن، ومن ثم عودة العقوبات الدولية التي كانت مفروضة عليها قبل توقيع اتفاق 2015. 

تصعيد موازٍ: 

على الرغم من إبداء طهران تجاوباً مع وكالة الطاقة الذرية فيما يتعلق ببعض الملفات الخلافية معها، فإن ذلك لم يمنع من استمرار تصعيدها النووي والإقليمي، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي: 

1- تعاون إيراني ناقص: أكد الأمين العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، في 5 يونيو 2023، أن التعاون المحرز بين إيران والوكالة ليس كبيراً، وأن برنامجها النووي ما زال يتقدم بشكل سريع ومثير للقلق. كما أكد غروسي، في كلمته الافتتاحية أمام الوكالة، في نفس اليوم، أن إيران أعطت تفسيراً ممكناً حول وجود آثار اليورانيوم المخصب في أحد المواقع النووية السرية الثلاثة التي فتحت فيها الوكالة تحقيقاً عام 2018، وأن التحقيق لا يزال مستمراً، في إشارة إلى عدم تقديم طهران أي تفسيرات بعد للموقعين الآخرين.  

وأكدت الوكالة أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب تجاوز أكثر من 23 مرة الحد المسموح به، بموجب اتفاق 2015، كما ارتفع مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% إلى 141.1 كيلوغرام، منذ فبراير 2023. ويقدر الخبراء أن إيران تملك مخزون يورانيوم مخصب بنسبة 60% يكفي لإنتاج ثلاث قنابل نووية، إذا تم تخصيبه إلى مستوى 90%، وأن هذا يمكن أن يحدث خلال شهر واحد.

وأشارت الوكالة كذلك إلى أن إيران ما زالت تماطل بشأن تركيب مزيد من معدات المراقبة التي تم التفاهم حولها قبل أشهر، هذا إلى جانب استمرار رفض طهران تسليم تسجيلات كاميرات المراقبة إلى الوكالة، إلا بعد التوصل إلى اتفاق نووي يقضي برفع العقوبات عنها، بل وهددت من قبل بمحو تلك التسجيلات في حال استمر فرض العقوبات عليها.  

وكشفت تقارير غربية، في 22 مايو 2023، عن تشييد إيران لمنشأة نووية جديدة على عمق كبير تحت الأرض، في جبال زاغروس الموجودة وسط إيران. ورجحت أن تكون المنشأة مخصصة لأغراض تصنيع أجهزة الطرد المركزي، بالإضافة لتخصيب اليورانيوم، ما يؤكد رغبة طهران في مواصلة التصعيد النووي، رغم تقديمها بعض التنازلات المحدودة للوكالة الذرية.

2- تزايد التصعيد العسكري بين الجانبين: قامت إيران في الفترة الأخيرة بتصعيد تهديداتها للملاحة في مضيق هرمز، عبر مضايقة السفن المارة به، إذ قامت إيران باحتجاز سفينتين في الفترة الأخيرة تحت حجج واهية. كما قامت ثلاثة زوارق تابعة للحرس الثوري الإيراني بمحاولة اختطاف سفينة تجارية ثالثة، في 3 يونيو 2023، غير أن مدمرة الصواريخ الأمريكية "يو أس أس ماكفول"، والفرقاطة البحرية البريطانية "أتش أم أس لانكستر" اتجهتا للسفينة التجارية، وهو ما دفع الزوارق الإيرانية للانسحاب. 

وتشير مصادر أمريكية كذلك إلى تدريب وتسليح إيران مقاتلين في سوريا لبدء مرحلة جديدة من الهجمات ضد القوات الأمريكية هناك، وذلك باستخدام قنابل أكثر شدة مصممة خصيصاً لإنزال خسائر أكبر بالقوات الأمريكية، وهي كلها مؤشرات على استمرار إيران في تبني نهج التصعيد.

3- عقوبات إيرانية مقابلة: فرضت وزارة الخزانة الأمريكية، في مطلع يونيو 2023، عقوبات على أعضاء بالحرس الثوري الإيراني، منهم اثنيْن من كبار المسؤولين في جهاز مخابرات الحرس الثوري، وشركة تابعة لفيلق القدس، تتهمهم بالمشاركة في تدبير مؤامرات إرهابية تستهدف مسؤولين سابقين في الحكومة الأمريكية ومواطنين يحملون الجنسيتين الأمريكية والإيرانية ومنشقين إيرانيين. 

كما فرضت عقوبات على شركة التكنولوجيا الإيرانية "آروان كلاود" وموظفيْن اثنيْن وشركة تابعة لها بإحدى دول المنطقة، وذلك على خلفية اتهامهم بمساعدة السلطات في فرض رقابة على الإنترنت في إيران ضمن محاولات السلطات الإيرانية لقمع الاحتجاجات التي نشبت في منتصف سبتمبر 2022.

ويُدلل ذلك على أنه على الرغم من تمسك واشنطن بالدبلوماسية في التعامل مع إيران، والتواصل معها سواءً بشكل مباشر أو عبر وسطاء، إلا أن ذلك لا يمنع استمرار استخدامها أداة العقوبات للضغط على إيران، بهدف وقف عملياتها العدائية، خاصة الإرهابية، التي تستهدف الولايات المتحدة أو حلفائها.

وفي التقدير، يمكن القول إن تقديم إيران لبعض التنازلات لوكالة الطاقة الذرية هو استمرار لسياسة حافة الهاوية التي تتبناها، والتي تعني الاستمرار في التصعيد النووي، ثم تقديم تنازلات محدودة، تفادياً للذهاب إلى نقطة اللاعودة، أي تفعيل آلية "سناب باك" "العقوبات التلقائية" الأممية عليها في مجلس الأمن، وذلك بعد توجيه الوكالة قراراً إلى المجلس يفيد بانتهاك إيران الاتفاق النووي الموقع عام 2015.