أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

ارتدادات عكسية :

تعزيز زيارة ماكرون للصين الانقسامات الأوروبية والأطلسية

15 أبريل، 2023


قام الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، برفقة رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، بزيارة مشتركة لبكين، في الفترة من 5 وحتى 8 إبريل 2023، التقيا خلالها بالرئيس الصيني، شي جين بينغ، وهي الزيارة التي شهدت مناقشة مبادرة السلام الصينية لإنهاء الحرب الأوكرانية، فضلاً عن سُبل تعزيز العلاقات الأوروبية الصينية بشكل عام، والعلاقات الثنائية بين فرنسا والصين بشكل خاص.

تطورات مصاحبة

جاءت الزيارة على خلفية أجواء من التوتر المتصاعد، نتيجة عدة ملفات خلافية شابت العلاقات بين بكين وبروكسل، ويمكن توضيح أبرزها في التالي:

1- تأكيد التحالف الصيني الروسي: اتجهت بكين وموسكو أخيراً إلى تعزيز علاقاتهما الثنائية، وتجلى ذلك في زيارة شي إلى روسيا في مارس 2023، ولقائه نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، وإعلانهما عن تدشين نظام دولي جديد متعدد الأقطاب في مواجهة الهيمنة الأمريكية على النظام الدولي. وكشفت زيارة شي عن الدعم الصيني الصريح لروسيا، على الأقل، اقتصادياً ودبلوماسياً. 

2- مخاوف من الدعم العسكري الصيني: يتهم الغرب الصين بالتفكير في تقديم دعم عسكري لموسكو لمساندتها في حربها ضد أوكرانيا والغرب، وهو ما أشار إليه ماكرون بتأكيده أن إقدام الصين على هذه الخطوة سوف يعني دعمها للمعتدي، وتحولها إلى شريك في انتهاك القانون الدولي. كذلك، أعرب قادة الاتحاد الأوروبي في قمتهم الأخيرة في 24 مارس 2023، عن مخاوفهم بشأن إقدام بكين على دعم موسكو، كما حذرت فون دير لاين بكين من الدعم المباشر للحرب الأوكرانية.

3- اتهام بكين بانتهاج سياسة عدوانية: وجهت فون دير لاين قبل الزيارة انتقادات شديدة اللهجة للسياسة الصينية، حيث اتهمت الحزب الشيوعي الصيني بانتهاج سياسة خارجية عدوانية بهدف إقامة نظام دولي جديد تسيطر عليه الصين. ودللت على ذلك بمواقف بكين في الهيئات الدولية المتعددة الأطراف، والتي تُظهر إصرارها على طرح رؤية بديلة للنظام العالمي الحالي. وزادت على ذلك برهن مستقبل العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين بسلوك الأخيرة حيال الأزمة الأوكرانية.

4- تماهي أوروبا مع الضغوط الأمريكية: طالبت فون دير لاين أوروبا بتبني ما أسمته "أدوات دفاعية جديدة" في علاقاتها الاقتصادية مع بكين، وذلك في إشارة إلى وقف تصدير التكنولوجيا الحساسة إلى الصين وتقليل الاعتماد على الاستيراد منها، وهو الموقف الذي يتناغم مع التوجهات الأمريكية تجاه الصين بهذا الصدد. هذا بجانب تعثر اتفاق الاستثمار الموقع بين الجانبين عام 2020، بسبب رفض البرلمان الأوروبي، في مايو 2021، التصديق على الاتفاق.

دوافع سياسية واقتصادية

جاءت زيارة ماكرون وفون دير لاين للصين، بُغية تحقيق العديد من الأهداف السياسية والاقتصادية، والتي يمكن توضيح أبرزها على النحو التالي:

1- محاولة التأثير في موقف الصين: سعى الاتحاد الأوروبي إلى كسب دعم بكين لإنهاء الصراع الروسي  الأوكراني، حيث ترى باريس أن "الصين هي الدولة الوحيدة في العالم القادرة على إحداث تأثير فوري وجذري في الصراع في اتجاه أو آخر". كما قالت فون دير لاين، إن الصين، بصفتها عضواً دائماً في مجلس الأمن، تتحمل مسؤولية كبيرة لاستخدام نفوذها في التأثير في روسيا لإنهاء غزو أوكرانيا. 

2- إعادة التوازن بين الاتحاد الأوروبي والصين: برز تيار داخل الاتحاد الأوروبي يدعو إلى تقليل التعاون مع الصين، غير أنه من الواضح أن القوى الأوروبية الرئيسة، مثل فرنسا وألمانيا، تعارض هذا التوجه، وتحاول الحفاظ على علاقاتها الاقتصادية والتجارية القوية مع الصين وإعادة التوازن إليها، في ظل تأثرها بالتداعيات الاقتصادية لحرب أوكرانيا، وعدم قدرتها على الدخول في حرب اقتصادية مع بكين، إذ تمتلك أوروبا علاقات تجارية هائلة مع الصين، والتي أصبحت الشريك التجاري الأول للتكتل الإقليمي منذ عام 2021. ففي العام الماضي، بلغت قيمة التجارة الثنائية 847.3 مليار دولار، وارتفعت الاستثمارات الأوروبية في الصين بنسبة 70% لتصل إلى 12.1 مليار دولار.

وتتوقع المفوضية الأوروبية أن يحقق التبادل التجاري بين الصين وبلدان الاتحاد الأوروبي نمواً سنوياً لا يقل عن 8% حتى عام 2030. وهو ما يُشير إلى أن التعاون التجاري بين الطرفين ينتظره مستقبل واعد، ومن مصلحة الطرفين الحفاظ على علاقاتهما الاقتصادية والتجارية، وليس فك الارتباط بينهما، كما ترغب بعض الدول الأوروبية وواشنطن. 

3- تعزيز العلاقات بين باريس وبكين: يلاحظ أنه ليس هناك أي نية لدى الحكومة الفرنسية لفك الارتباط مع الصين. حيث تُعد فرنسا ثالث أكبر شريك تجاري للصين داخل الاتحاد، وبلغ حجم التجارة بين البلدين 82.1 مليار دولار عام 2022، وهناك تعاون بين شركات البلدين في إطار مبادرة الحزام والطريق الصينية. 

وتضمن الوفد المرافق لماكرون حوالي 60 من رؤساء الشركات الفرنسية، بهدف تعميق التعاون الاقتصادي مع الصين في العديد من المجالات، ومنها: الأغذية الزراعية والفضاء والطيران والطاقة النووية المدنية وتجارة الخدمات والتنمية الخضراء والابتكار في العلوم والتكنولوجيا، حيث شهدت الزيارة توقيع 18 اتفاقية ومذكرة تفاهم للتعاون بين شركات من الجانبين، تُقدر قيمتها بعشرات المليارات من الدولارات. كما نجحت شركة إيرباص الفرنسية لصناعة الطائرات في بيع 160 طائرة للصين، بجانب تدشين خط إنتاج جديد لمصانعها الواقعة في منطقة تياجين بالقرب من بكين، بحلول عام 2025.

أما على الجانب السياسي، فقد حذر ماكرون في حديثه لمجلة "بوليتيكو" في أثناء عودته من بكين، وكذلك في مقابلة لصحيفة "ليزيكو" الفرنسية، من أن تصبح أوروبا "تابعة" للولايات المتحدة الأمريكية في سياستها مع الصين، خاصة فيما يتعلق بالتوترات حول تايوان، وهو ما يكشف عن تبني فرنسا سياسة مستقلة عن واشنطن وبروكسل في هذا الملف، وهو ما يكشف أن المواقف الأوروبية حيال الصين تعاني من انقسامات واضحة، وهو ما يضعف إمكانية أن تتجه أوروبا لفرض ضغوط جماعية على الصين بسبب علاقاتها مع روسيا، أو بسبب سياساتها تجاه تايوان. 

نجاح صيني لافت 

كشفت الزيارة عن مجموعة من الدلالات، سواء بالنسبة لمدى نجاحها في تحقيق أهدافها، أو فيما يتصل بتوجهات بروكسل تجاه الصين، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:

1- إخفاق أوروبي جزئي: حاول ماكرون دفع نظيره شي إلى إقناع روسيا بإنهاء حرب أوكرانيا، وهو الأمر الذي رد عليه شي بالإعراب عن أمله في قيام الطرفين بعقد مفاوضات سلام في المستقبل القريب، مبدياً استعداده للحوار مع الرئيس الأوكراني في الوقت المناسب. 

ويلاحظ أن تصريحات الطرفين الصيني والفرنسي لم تتضمن أي إشارة إلى آلية معينة لاستئناف مفاوضات السلام بين روسيا وأوكرانيا، بل وأكد ماكرون أنه "لدى الصين نفس الرأي الفرنسي حول ما يحدث في أوكرانيا"، وهو أنه "لم يحن وقت التفاوض، نظراً لسيطرة التصعيد العسكري على الوضع الراهن هناك"، وهو ما يكشف عن تفهم فرنسي للموقف الصيني. 

وأخفق ماكرون كذلك في دفع الرئيس الصيني للضغط على روسيا للالتزام بالقواعد الدولية الخاصة بمنع الانتشار النووي، في ضوء إعلان بوتين عن نشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا المجاورة لأوكرانيا، حيث رد شي على ماكرون بضرورة احترام المجتمع الدولي لقواعد الحد من نشر الأسلحة النووية، في إشارة ضمنية كذلك إلى الولايات المتحدة، والتي تتهمها بكين بانتهاك معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، عبر إمداد أستراليا بغواصات نووية، كما أكد شي ضرورة عدم القيام بهجوم نووي، وذلك من دون الإشارة إلى روسيا صراحة.

2- ترسيخ مكانة الصين الدولية: تمثلت إحدى دلالات زيارة ماكرون وفون دير لاين للصين في نجاح بكين في تكريس دورها ومكانتها كفاعل لا يمكن الاستغناء عنه على الصعيد الدولي في ظل قيادة الرئيس شي، وهو ما عكسه خطاب ماكرون والذي رأى، في 5 إبريل 2023، أنه يمكن لبكين أن تؤدي دوراً رئيسياً لإيجاد طريق يؤدي إلى السلام في أوكرانيا، وهو ما يجافي الموقف الأمريكي، والذي يعارض أن تقوم بكين بأداء أي دور في حل الصراع الأوكراني، وهو ما يكشف عن استمرار الانقسامات الأطلسية حول الدور الصيني.

3- محاولة الصين استقطاب أوروبا: ندد شي بـ"منطق الحرب الباردة والمواجهة بين الكتل"، مؤكداً أن بلاده تنظر إلى أوروبا باعتبارها "قطباً مُستقلاً في عالم متعدد الأقطاب"، أي أنها غير تابعة لواشنطن، رافضاً أن تكون العلاقات الصينية الأوروبية "رهناً بطرف ثالث"، في إشارة إلى الولايات المتحدة ومحاولاتها المستمرة للتأثير في العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي. ونجحت بكين في تحقيق ذلك، فقد أكد ماكرون، في حديثه مع الصحفيين على متن طائرة العودة من الصين، ضرورة ألا تصبح أوروبا تابعة للولايات المتحدة، وأن تتجنب مواجهة مُحتملة مع الصين بشأن تايوان.

4- انقسام السياسة الأوروبية: أظهرت الزيارة وجود انقسامات أوروبية تجاه الصين، فقد عكست تصريحات فون دير لاين، سواء قبل الزيارة أو أثناءها، توجهاً عدوانياً وصدامياً تجاه بكين، إذ أنها أثناء وجودها في الصين، وجهت ملاحظات متشائمة بشأن العلاقات الاقتصادية، وحذرت من "الممارسات غير العادلة" التي تضع الشركات الأوروبية في وضع غير مؤاتٍ بشكل كبير. وفي المقابل، أكدت تصريحات ماكرون اعتزام باريس تولي دفة القيادة الأوروبية باتجاه حقبة جديدة تتسم بالانفتاح والتعاون مع الصين بدلاً من الصراع والمنافسة، وهو ما كشف عن تناقض المواقف بين باريس ورئيسة المفوضية الأوروبية.

وفي التقدير، يمكن القول إن زيارة الرئيس الفرنسي برفقة رئيسة المفوضية الأوروبية إلى الصين أخفقت في إحداث تحول جوهري في موقف بكين من الأزمة الأوكرانية، في ظل انقسام المواقف الأوروبية حيال كيفية التعامل مع الصين، فضلاً عن وجود تفهم فرنسي لغياب أي حل سلمي للحرب الأوكرانية في الوقت الحالي. ومع ذلك، فقد عززت الزيارة العلاقات الصينية الفرنسية، الاقتصادية والسياسية، خاصة مع تجاوب ماكرون مع رؤية الرئيس الصيني بضرورة أن تتبنى أوروبا سياسة مستقلة عن الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي سوف تعمل الأخيرة على إجهاضه خلال الفترة المقبلة من خلال دفع حلفائها في الاتحاد الأوروبي لمحاصرة تلك التوجهات الفرنسية.