أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

انتخابات كاشفة:

دلالات إعادة اختيار نبيه بري رئيساً لمجلس النواب اللبناني

09 يونيو، 2022


اجتمع مجلس النواب اللبناني الجديد بحضور أعضائه كافة الـ 128، في 31 مايو 2022 لاختيار رئيس المجلس ونائبه وهيئة المكتب التي تتكون من أميني سر وثلاثة مفوضين، وخلصت هذه الجلسة إلى اختيار رئيس حركة أمل، نبيه بري، رئيساً لمجلس النواب للولاية السابعة على التوالي، واختيار إلياس بوصعب النائب عن تكتل لبنان القوي نائباً لرئيس المجلس.

خُلاصات دلالية:

كشفت الجلسة الأولى من البرلمان اللبناني عن عدد من الدلالات، والتي يمكن توضيحها على النحو التالي:

1- مشهد مرتبك: شهدت الانتخابات الداخلية لمجلس النواب ارتباكاً ارتبط بإجراءات الانتخابات الداخلية على الرغم من أنه منصوص عليها في الدستور واستقرت عليها الأعراف البرلمانية لسنوات، غير أن هذه الجلسة شهدت توترات ومشاحنات حول كيفية إجرائها. ويمكن القول إن سبباً جوهرياً من أسباب هذا الارتباك الإجرائي هو وجود النواب الجدد المنتسبين إلى قوى التغيير المنبثقة عن حراك أكتوبر 2019، والذين سعوا إلى فرض حضورهم الأول داخل البرلمان من خلال الاعتراض على بعض الإجراءات، منها الإصرار على قراءة ما كُتب في بطاقات الترشيح الملغاة، الأمر الذي رفضه رئيس الجلسة نبيه بري، بحكم كونه أكبر الأعضاء سناً، ثم عاد وقبل به. 

كما اعتراض هؤلاء النواب على اختيار أميني سر المجلس وفقاً لطائفتهما، كما جرى العرف بأن يكونا مارونياً ودرزياً، مطالبين بأن يُختارا بعيداً عن العامل الطائفي، الأمر الذي ووجه باعتراض الكتل التقليدية وفي مقدمتها "لبنان القوي" بزعامة جبران باسيل و"اللقاء الديمقراطي" بزعامة وليد جنبلاط، واللذين حازا على المنصبين في النهاية.

وفي المحصلة، انتهى هذا المشهد باختيار نبيه بري رئيساً لمجلس النواب بأغلبية 65 صوتاً من الجولة الأولى، وإلياس بو صعب نائباً بأغلبية 65 صوتاً من الجولة الثانية، وكل من آلان عون النائب عن تكتل لبنان القوي بأغلبية 65 صوتاً وهادي أبو الحسن بالتزكية بمنصبي أميني سر المجلس.

2- انتخاب سهل لبري: كان انتخاب نبيه بري رئيساً للبرلمان أمراً شبه محسوم بشكل كبير، بالنظر إلى أن الثنائي الشيعي (حزب الله – حركة أمل) قد حازا المقاعد الشيعية كافة داخل المجلس، وكون رئيس المجلس يجب أن يكون شيعياً.

وعلى الرغم من إعلان قوى المعارضة، وعلى رأسها حزب القوات وقوى التغيير، أنها لن تنتخب بري فإن خياراتها كانت منحصرة بين عدم تأمين أغلبية الحضور داخل الجلسة أو التصويت بأوراق بيضاء، وبينما لم يتحقق الخيار الأول، فإن الخيار الثاني لا يتعدى تأثيره كونه رسالة اعتراض رمزية. 

3- التخطيط المسبق لقوى 8 آذار: أظهرت الانتخابات الداخلية للبرلمان أن فريق 8 آذار هو الأكثر تنظيماً داخل البرلمان، والفريق الوحيد الذي رسم استراتيجية واضحة للتعامل مع هذا الاستحقاق؛ فقد أعد حزب الله وحلفاؤه جيداً لجلسة 31 مايو من خلال نسج مجموعة من التحالفات التي تمكّن بري من الفوز بالجولة الأولى، وإيصال مرشحي التيار الوطني الحر إلياس بو صعب لمنصب نائب الرئيس وآلان عون لمنصب أمين السر، ويلاحظ أن كلاً من بري وبوصعب وعون قد نجحا بعدد أصوات إجمالي بلغ 65 صوتاً؛ أي الأغلبية المطلقة من الأصوات، بما يشير إلى أن تنسيقاً كبيراً جرى بشأن الانتخابات الداخلية للبرلمان.

فقد تم العمل على إزالة الخلافات الداخلية بين حركة أمل والتيار الوطني الحر، وهو أمر بدأ مع تشكيل لوائح الانتخابات، واستُكمل بعد ظهور النتائج، واتخذ عدة أشكال منها زيارة بوصعب إلى بري قبيل الجلسة، ليضمن تصويت كتلة التيار الوطني الحر "لبنان القوي" لصالح بري في رئاسة المجلس، وتصويت كتلة حركة أمل "التنمية والتحرير" لصالح كل من بوصعب وعون، وهو ما تحقق بالفعل. 

كما حدثت تفاهمات بين حليفي حزب الله؛ التيار الوطني الحر وتيار المردة بواسطة الحزب نفسه لضمان تصويت نواب المردة لصالح إلياس بوصعب، وذلك بالإضافة إلى ما أسهمت فيه العلاقات الشخصية بين بري وزعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط من تصويت نواب تكتل الحزب "اللقاء الديمقراطي" لصالحه.

4- تشرذم نواب التغيير: انتقلت حالة التشرذم التي سيطرت على مرشحي قوى التغيير خلال الانتخابات التشريعية إلى داخل البرلمان من خلال من نجح منهم في الفوز بالانتخابات؛ فكان ما اتفقوا عليه فقط هو لفظ "العدالة" الذي بدا في أوراق الاقتراع، سواء العدالة لضحايا انفجار مرفأ بيروت أو للناشط لقمان سليم، الذي عثر عليه مقتولاً في جنوب لبنان... إلخ. وفيما عدا ذلك، فقد اختلفوا على طبيعة التحالفات التي من المفترض أن يصطفوا فيها، سواء مع القوى السيادية كالقوات والكتائب أو مع غيرهم من المستقلين، أو رفض التحالف في المطلق والبقاء ككتلة مستقلة تحكمها حساباتها السياسية فقط.

5- تراجع الأكثرية: حققت القوى المعارضة للتحالف الحاكم أكثرية نظرية داخل مجلس النواب الجديد، يتزعمها حزب القوات اللبنانية، إلا أن الاختبار الحقيقي لهذه الأكثرية والمتمثل في الانتخابات الداخلية قد أوضح عدم نجاح هذه القوى في إثبات أكثريتها، أو أنها على الرغم من اشتراكها في معارضة حزب الله وحلفائه فإنها تختلف فيما بينها في أمور عدة تجعل من الصعب أن تجتمع ضمن كتلة واحدة. 

ويتمثل المشهد الأكثر دلالة على ذلك في خسارة المرشح لمنصب أمين سر المجلس عن تكتل حزب القوات "الجمهورية القوية" زياد حواط أمام مرشح تكتل لبنان القوي بحصوله على 38 صوتاً فقط، على الرغم من أنه من الناحية النظرية كان من المفترض حصوله في الحد الأدنى على نحو 60 صوتاً. 

ولا يقل مشهد خسارة النائب المستقل المحسوب على قوى التغيير غسان سكاف في انتخابات نائب رئيس المجلس دلالة على هذا المعنى من مشهد خسارة زياد حواط؛ إذ لم يفلح الاصطفاف النظري بين كل القوى المعارضة والتغييرية داخل المجلس في إيصال سكاف إلى منصب نائب رئيس المجلس وإسقاط مرشح التيار الحر إلياس بو صعب. 

ملامح مستقبلية:

يشير التطور السابق على عدد من السمات التي ستحكم المرحلة القادمة، والتي يمكن تفصيلها على النحو التالي: 

1- تماسك تحالف "العهد": تدل الانتخابات الداخلية للبرلمان على هذا النحو أن تحالف "العهد" قد استطاع تجاوز صدمة فقدانه الأغلبية البرلمانية على وقع الخسائر التي مُني بها التيار الوطني الحر، وتمكن بقيادة حزب الله من إعادة تنظيم صفوفه ليعيد رسم خريطة التحالفات داخل مجلس النواب بشكل يحفظ له مكتسباته التي حققها خلال السنوات الماضية التي حاز فيها على الأغلبية. 

وبناء على ذلك أصبح مجلس النواب منقسماً بشكل واضح بين كتلتين رئيستين، الكتلة الأولى هي كتلة حزب الله وحلفائه، وهي الكتلة الأكثر تماسكاً وقدرة على تنظيم صفوفها في مختلف الاستحقاقات، والأكثر تمكناً من استمالة نواب آخرين من المستقلين، أو من المنتمين إلى تكتلات أخرى بشكل أو بآخر للتصويت لصالح مواقفها. أما الكتلة الثانية فهي الكتلة المعارضة لهذا التحالف، وهي كتلة منقسمة على ذاتها بشكل واضح أظهرته الانتخابات الداخلية للبرلمان، مما يجعل من تفوقها العددي النظري رهناً بتوافقات قد تحدث وقد لا تحدث حسب كل استحقاق.

2- تراجع فرص التغيير: أبرزت نتائج الانتخابات التشريعية صعوبة حدوث تغيير في المشهد السياسي على الرغم من فقدان حزب الله وحلفائه للأغلبية داخل البرلمان في مقابل تزايد حصص الكتل السيادية والتغييرية والمعارضة، فلم يختلف انتخاب بري عما حدث خلال العهود السابقة، وإن شهدت تغييراً كبيراً من حيث عدد المصوتين له، فقد نجح نبيه بري في الظفر برئاسة المجلس بأغلبية 65 صوتاً فقط، بعدما حاز المنصب نفسه بـ98 صوتاً في 2018، مما يشير في المجمل إلى تمكن حزب الله وحلفائه من الحفاظ على الأغلبية (65 مقعداً من إجمالي 128 مقعداً).

3- شبح الفراغ: تمثل مجريات جلسة البرلمان في 31 مايو تجربة واقعية مصغرة لما سيكون عليه واقع الاستحقاقات الدستورية المقبلة، المتمثلة في اختيار رئيس الحكومة وتشكيل الحكومة وانتخاب رئيس الجمهورية؛ إذ إن الانقسام الشديد الذي يسود واقع مجلس النواب بتركيبته الجديدة يعني أن التوافق بشأن هذه الاستحقاقات أو تمرير أي منها ستكون أمامه عقبات كثيرة، ربما تؤدي في النهاية إلى أن يستغرق الأمر شهوراً. 

ويرجع ذلك إلى رغبة القوى المعارضة في محاولة إثبات قوتها داخل البرلمان أو توحيد مواقفهم بعد ما حدث في الجلسة، وإعلان رئيس حزب القوات سمير جعجع رفضه أي حليف لحزب الله لمنصب رئيس الوزراء وأي مرشح يدعمه الحزب لرئاسة الجمهورية، كما أن الاصطفافات التي قد تنشأ لانتخاب رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية سوف تختلف، خاصة أن اللقاء الديمقراطي قد يتبنى مواقف مغايرة في هذين الاستحقاقين، خاصة أن سياسته مناوئة لحزب الله وعون، وإن اتفق معهما على انتخاب بري. 

وفي الختام، يمكن القول إن نجاح حزب الله وحلفائه في ترشيح عون إلى رئاسة مجلس النواب لن يترجم آلياً في الاستحقاقات التالية، خاصة انتخاب رئيس الوزراء ورئيس الدولة، إذ إن اللقاء الديمقراطي قد يتبنى مواقف مختلفة، غير أن هذا الأمر يتطلب تنسيقاً بين الديمقراطي والقوات اللبنانية والتغيريين، فضلاً عن تبني الأخير مواقف أكثر برجماتية.