أخبار المركز
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)
  • د. أحمد قنديل يكتب: (أزمات "يون سوك يول": منعطف جديد أمام التحالف الاستراتيجي بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة)
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)

انكشاف قائم:

دلالات اغتيال الموساد لـ "حسن خدائي" في طهران

01 يونيو، 2022


أفادت وسائل إعلام إيرانية بمقتل القائد بالحرس الثوري الإيراني العقيد حسن صياد خدائي، 22 مايو، بخمسة أعيرة نارية في شارع "مجاهدي الإسلام" بالقرب من مبنى البرلمان الإيراني بشرق طهران، من قبل عنصرين يستقلان دراجة نارية. واتهم الحرس الثوري الإيراني، على لسان متحدثه رمضان الشريف، إسرائيل بتنفيذ عملية الاغتيال، متوعداً إياها بالثأر، فيما أكد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي على أن "الثأر لخدائي آت لا محالة". ويُعد هذا الاغتيال هو الأبرز لمسؤول إيراني منذ اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده في نوفمبر 2020.

دلالات الاغتيال:

تكشف حادثة تصفية خدائي عن عدد من الدلالات، والتي يمكن استعراضها على النحو التالي:

1- مواصلة الاختراق الأمني: تُشير ملابسات عملية الاغتيال إلى استمرار انكشاف الإيراني أمام محاولات الاختراق الإسرائيلية، إذ إن الاغتيال جرى في قلب العاصمة طهران، وعلى مقربة من مبنى مجلس الشورى، في وضح النهار، وبطريقة تقليدية باستخدام رشاشات آلية يحملها عناصر تستقل دراجة نارية، وهي مؤشرات تبين قصور إجراءات حماية كبار المسؤولين في إيران، وذلك على الرغم من عمليات إعادة الهيكلة والتطهير التي تبناها الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، منذ بداية توليه الحكم في أغسطس الماضي للأجهزة الأمنية والاستخبارية.

فقد سعى للقيام بتغييرات عدة في محاولة منه لسد القصور الأمني، والتي أدت إلى تعرض إيران لحوادث كبرى، تمثل أبرزها في استهداف منشآت نووية كان على رأسها الهجومين على منشأة نطنز في يوليو 2020 وأبريل 2021، والهجوم على مصنع "تسا" لإنتاج أجهزة الطرد المركزي بكرج بطهران في يونيو 2021، إلى جانب اغتيال نائب وزير الدفاع لشؤون الأبحاث، ومسؤول الأبعاد الأمنية والعسكرية في البرنامج النووي الإيراني محسن فخري زاده في نوفمبر 2020، في عهد حكومة الرئيس السابق حسن روحاني.

ويؤكد ما سبق أن ما تم اتخاذه من إجراءات لم يكن كافياً للحيلولة دون وقوع عمليات تصفية أو تخريب جديدة. وبالإضافة إلى ما سبق، فإن اغتيال خدائي جرى في إيران يعني أن إسرائيل لاتزال تحتفظ بشبكات تجسس وتخريب في قلب طهران. 

2- ضعف إجراءات تأمين خدائي: كان لافتاً غياب أي إجراءات تأمين خاصة بخدائي، على الرغم من كونه نائب قائد وحدة مهمة بالحرس الثوري الإيراني، تشرف على عملياته الخارجية، حيث كان يستقل سيارة غير مدرعة من طراز كيا برايد الإيرانية الرديئة، من دون وجود حرس شخصي، وهو ما سهّل من عملية اغتياله أمام منزله بشكل مباشر.

وفي المقابل، كانت عملية اغتيال فخري زاده أكثر تعقيداً وباستخدام أسلحة توظف الذكاء الاصطناعي والتي تعرفت عليه من بين حراسه والموكب الذي يستقله، وذلك نظراً لخضوعه لتأمين مشدد.

3- سعي إسرائيل لإضعاف التهديدات الإيرانية: تأتي هذه العملية في إطار محاولات تل أبيب للحيلولة دون استغلال إيران لسحب روسيا بعض وحداتها العسكرية من سوريا لتعزيز الوجود الإيراني هناك، وهو ما وضح في الاستهداف الإسرائيلي المتكرر لمواقع تابعة لميليشيات إيران في سوريا كان آخرها قصفاً وقع بمنطقة جمرايا بريف دمشق، قبل عملية اغتيال "خدائي" بيوم واحد، فضلاً عن إجراء مناورات عسكرية ضخمة تحاكي ضربة واسعة النطاق ضد منشآت نووية إيرانية.

وتُشير التقارير إلى أن خدائي كان مقرباً من قاسم سليماني، وكان مسؤولاً عن نقل تكنولوجيا صاروخية متطورة دقيقة إلى "حزب الله" اللبناني، فضلاً عن مسؤوليته عن توريد الطائرات المسيّرة للميليشيات التابعة لإيران، إذ كان خدائي نائب قائد وحدة 840 السرية التابعة لفيلق القدس بالحرس الثوري، والمسؤولة عن تنفيذ عمليات استهداف لإسرائيليين ويهود حول العالم.

فقد أشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى تورطه في محاولة اغتيال دبلوماسي إسرائيلي في إسطنبول، وجنرال أمريكي في ألمانيا، وصحفي فرنسي، كما كان لافتاً أن عملية اغتيال خدائي تزامنت مع ادعاء طهران القبض على شبكة تجسس تابعة للاستخبارات الإسرائيلية في إيران، غير أن إيران لم تربط بينها وبين تصفية خدائي، ولذلك، فإنها إما شبكة أخرى، غير تلك التي تورطت في تصفية خدائي، أو أن إيران فبركت الأمر، وذلك لتأكيد قدرتها على تحييد التهديدات الإسرائيلية.  

4- الضغط على إيران في المفاوضات: يتزامن الاغتيال مع تعثر مسار المفاوضات النووية في فيينا، والمتوقف منذ مارس الماضي، على أثر إصرار إيران على مطالب ترى واشنطن أنها "خارجة عن الاتفاق النووي"، ويصعب تحقيقها.

وعبّر المبعوث الأمريكي الخاص في ملف إيران، روب مالي، في 26 مايو، عن تضاؤل فرص إعادة إحياء الاتفاق مع إيران، مبدياً استعداد واشنطن للرد على أي تصعيد إيراني مع إسرائيل وحلفاء واشنطن في المنطقة، وهو ذات الأمر الذي تم التأكيد عليه في زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي بيني جانتس الأخيرة إلى واشنطن ولقائه نظيره الأمريكي لويد أوستن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان.

كما يأتي كشف وسائل إعلام أمريكية نقلاً عن مصادر استخبارية بأن تل أبيب قد أخطرت واشنطن بأنها وراء اغتيال العقيد في الحرس الثوري الإيراني، حسن صياد خدائي، ليؤكد استمرار التنسيق بين الجانبين لمواجهة تهديدات إيران، فضلاً عمّا يحمله ذلك من رغبة واشنطن في الضغط على إيران من خلال إسرائيل، لتقديم تنازلات من شأنها حلحلة الوضع المتجمد في المفاوضات.

رد إيراني:

قد تتجه إيران لتبني إحدى المساريين التاليين للرد على تصفية خدائي، واللذين يمكن توضيحهما على النحو التالي:

1- مسار التصعيد: وجهت إيران الاتهامات بشكل علني لإسرائيل بوقوفها وراء الحادث، كما أن وسائل الإعلام الأمريكية أكدت ذلك، لذا فمن المُرجح أن تقدم إيران على الرد على الاغتيال، عبر تنفيذ هجمات انتقامية، سواء في سوريا أو العراق أو أربيل أو أي مكان بالعالم لاستهداف مصالح إسرائيلية وأمريكية، خاصة في ظل تأكيد إيران أنها سوف تنتقم لمقتله. 

ويمكن اعتبار الهجوم الذي نُفذ بطائرة مسيرة على قاعدة فيكتوريا العسكرية، الواقعة في مطار بغداد الدولي، في 24 مايو، دليلاً عن رغبة طهران في الرد السريع على اغتيال خدائي والذي لا شك أنه سيسفر عن مزيد من التوتر بين إيران من جانب، والولايات المتحدة وإسرائيل من جانب آخر، غير أنه في المقابل، فإن هذا الهجوم لم يسفر عن سقوط أية قتلى، ولذلك لا يمكن لإيران أن تنظر إلى هذه الهجمات غير المؤثرة على إنها انتقام لمقتل خدائي. 

2- مسار الانتقام المؤجل: قد تتجه إيران لتأجيل الانتقام ضد إسرائيل على مقتل خدائي، فهي لم ترد، حتى الآن، على تصفية سليماني، أو فخري زاده، بل اكتفت بإطلاق تهديدات مرسلة. وقد تتجه إيران لتبني نفس الموقف، عبر التأكيد أنها سوف تنتقم لمقتله مستقبلاً، وليس الآن، وذلك إما بسبب عجزها عن ذلك، أو حتى لا تتجنب إفشال مسار فيينا للمفاوضات، والذي يواجه تحديات جدية. 

ولعل ما قد يدفع إيران لتبني هذا المسار، هو تزايد حدة الاحتجاجات التي تعم الأقاليم والمدن الإيرانية، بسبب الظروف المعيشية الصعبة، والتي ترفع شعارات مناهضة للنظام. وقد اتبعت طهران هذا الأسلوب في غير مرة، سواء في حالة اغتيال العالم النووي فخري زاده أو الهجمات المتكررة على العناصر الموالية في سوريا.

وفي الأخير، يمكن القول إنه من المتوقع أن يستمر التصعيد بين الجانبين الإيراني والإسرائيلي خلال الفترة المقبلة، ففي الوقت الذي تسعى فيه إسرائيل إلى مواجهة تهديدات الحرس الثوري في سوريا وداخل إيران، تسعى الأخيرة لتعزيز تواجدها في سوريا وتوجيه تهديدات للمصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، ولعل ما يحد من التصعيد هو عدم انهيار المفاوضات النووية بشكل كامل، فضلاً عن انشغال طهران بالاحتجاجات الداخلية.