أخبار المركز
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)

نفوذ واسع:

فهم أسباب انقسام المواقف الأفريقية من الصراع الروسي – الأوكراني

21 مارس، 2022


كانت القارة الأفريقية هي الوحيدة تقريباً التي انقسمت دولها حيال إدانة روسيا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 2 مارس، وذلك بسبب تدخلها عسكرياً، ضد أوكرانيا، وهو ما يعكس حجم العلاقات العميقة التي تمكنت روسيا من تطويرها مع دول القارة، عبر الأعوام الماضية. 

السلوك التصويتي لأفريقيا: 

يلاحظ أن الموقف الأفريقي من سياسة روسيا تجاه الأزمة الأوكرانية ليس وليد اللحظة، ولكنه يعود إلى سنوات سابقة، وتحديداً منذ ضم روسيا للقرم، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:  

1- انقسام أفريقي حيال إدانة روسيا: خلال التصويت في 2 مارس عام 2022 بالجمعية العامة للأمم المتحدة لإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، أيدت 28 دولة القرار الأممي من بين 54 دولة أفريقية، في حين امتنعت 17 دولة عن التصويت، وغابت 8 دول عن الجلسة، وأخيراً تصويت دولة واحدة ضد قرار الإدانة وهي إريتريا، وهو ما يعني وجود حوالي 26 دولة من أصل 54 دولة لم تصوت لصالح قرار الإدانة.

2- مواقف أفريقية مماثلة سابقاً: لا يعد الموقف الأفريقي من الأزمة الأوكرانية بجديد، فكانت الدول الأفريقية تميل إلى اتخاذ موقف محايد فيما يتعلق بتصرفات روسيا خلال الأعوام الماضية، على غرار عدم مساندة حوالي 35 دولة أفريقية لقرار عدم الاعتراف بالوضع المستجد في شبه جزية القرم، إثر السيطرة الروسية عليها عام 2014، وذلك حين امتنعت 27 دولة عن التصويت، فضلاً عن تغيب 8 دول. كما تخلفت كل الدول الأفريقية تقريباً عن تطبيق أي عقوبات ضد روسيا منذ عام 2014 عقب ضم روسيا لشبه جزيرة القرم.

وبعد أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في 2014 وفرض الغرب عقوبات عليها، عززت الدولة الروسية علاقاتها مع الدول الأفريقية من خلال بيع الأسلحة واستخراج الموارد ودعم الأنظمة السياسية. ولذلك من المتوقع أن تضاعف الدولة الروسية مرة أخرى من أنشطتها في القارة الأفريقية، لاسيما في ضوء معاناتها من العقوبات الشاملة المفروضة عليها، إثر الغزو الروسي لأوكرانيا.  

أسباب قوة العلاقات:

أكدت أنماط التصويت للدول الأفريقية بالأمم المتحدة ضد قرار الإدانة على حقيقة التقارب الروسي مع العديد من الدول الأفريقية، وذلك في ضوء عدد من المحددات التي يمكن توضيحها فيما يلي:

1- الروابط التاريخية الروسية – الأفريقية: عكست عملية التصويت في الأمم المتحدة جزئياً العلاقات التاريخية بين روسيا والأحزاب الحاكمة، خاصة في جنوب أفريقيا، حيث درست العديد من النخب في المنطقة في الاتحاد السوفييتي. 

كما ترتبط أحزاب التحرير التي لا تزال تدير أنجولا وموزمبيق وناميبيا وجنوب أفريقيا وزيمبابوي بروسيا، خاصة أن الاتحاد السوفييتي آنذاك لعب دوراً كحليف في صراع هذه الدول للحصول على استقلالها، أو إنهاء عنصرية الحكم الأبيض.

2- الاستياء من العنصرية الغربية: يلاحظ أن هناك كراهية شعبية في بعض الدول من النفوذ الغربي، وذلك على غرار الاحتجاجات المعادية للغرب التي شهدتها مالي، وبوركينا فاسو وتشاد وغيرها، وذلك في ضوء الفشل الغربي، خاصة الفرنسي في وأد الجماعات الإرهابية في هذه الدول. 

لذلك، ظهر أحد مؤشرات المقاربة الفرنسية الخاطئة مع القارة الأفريقية، وذلك من خلال الهجوم الذي تعرض له الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأحد الجلسات على هامش قمة أفريقيا – فرنسا في شهر أكتوبر الماضي عام 2021، عندما وجّه عدد من الشباب الأفارقة انتقادات ضد طريقة تعامل الدولة الفرنسية مع الدول الأفريقية، والتي تتسم بالعنصرية.

وتجدر الإشارة إلى أن بعض التحليلات قد أشارت إلى انخفاض التعاطف الأفريقي مع أوكرانيا، لاسيما في ضوء ورود بعض الأخبار التي أفادت بأن القوات العسكرية الأوكرانية قد أجبرت الطلاب الأفارقة على الرجوع للصفوف الخلفية خلال مساعيهم لمغادرة البلاد، والتي عكست حجم التمييز والعنصرية.

كما أثار تدخل الناتو في ليبيا عام 2011، والذي تجاهل قرارات الاتحاد الأفريقي ذات الصلة، غضب قادة مثل الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني، والذي امتنع بدوره عن التصويت لصالح قرار الإدانة.

3- دعم النظم الجديدة بعد الانقلابات: عملت الدولة الروسية على توطيد علاقاتها مع معظم الدول بالقارة الأفريقية. كما قدمت موسكو دعماً للقادة السياسيين عقب الانقلابات العسكرية في بعض الدول، والتي كان يترتب عليها توتر علاقة القائمين بالانقلاب مع الدول الغربية، على غرار ما شهدته غرب أفريقيا، مع دخول قوات فاجنر الروسية للمساهمة في ضبط الوضع الأمني ومكافحة الإرهاب في مالي، وغينيا بيساو، بالإضافة إلى بوركينا فاسو. كما قام نائب رئيس المجلس السيادي السوداني محمد حمدان دقلو الملقب بـ "حميدتي" بزيارة موسكو في شهر فبراير عام 2022، للتوقيع على اتفاقيات لتعزيز العلاقات بين البلدين.

4- محورية العلاقات العسكرية بين الطرفين: تُعد روسيا من أكبر مصدري الأسلحة للقارة الأفريقية. ففي هذا الصدد، أوضح التقرير السنوي الصادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام "سيبري" عام 2020 أن الصادرات العسكرية الروسية للقارة الأفريقية قد مثلت حوالي 18% من إجمالي الصادرات الروسية من الأسلحة، وذلك خلال الفترة الزمنية بين عامي 2016 و2020. كما تستورد القارة حوالي نصف وارداتها من السلاح من روسيا.

وعلاوة على ما سبق، شملت الاتفاقيات العسكرية الروسية مع أفريقيا تصدير أنواع مختلفة من الأسلحة، مثل الصواريخ المضادة للدبابات، والطائرات المقاتلة وغيرها من الأسلحة. كما وقعت موسكو مع دول القارة أكثر من 30 اتفاقية أمنية وعسكرية خلال السنوات الماضية.

وتجدر الإشارة إلى أن انتشار التطرف وأعمال العنف الأخرى في أفريقيا أدى إلى مزيد من الانفتاح على التدخل العسكري الروسي. فعلى سبيل المثال، طلبت خمس دول في منطقة الساحل المضطربة، بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر، دعم موسكو العسكري في عام 2018. 

كما تعمل فاجنر وغيرها من الشركات العسكرية الأمنية الروسية على دفع أجندات موسكو في أفريقيا حيث استطاعت مجموعة فاجنر تحقيق انتشار عسكري في 10 دول أفريقية، بينها السودان وأفريقيا الوسطى وليبيا وزيمبابوي وأنجولا ومدغشقر وغينيا وغينيا بيساو وموزمبيق وربما في الكونغو الديمقراطية. 

وتمارس هذه المجموعة مهام أمنية متنوعة بين حماية كبار الشخصيات وتدريب الجيوش المحلية، ومكافحة الجماعات المتمردة أو الإرهابية، بالإضافة إلى حراسة مناجم الذهب والماس واليورانيوم وحقول الطاقة من نفط وغاز. وتشير التقديرات إلى وجود حوالي ألفي جندي من فاجنر في جمهورية أفريقيا الوسطى، كما يوجد حوالي 800 جندي من مجموعة فاجنر في مالي.

5- تعزيز العلاقات الاقتصادية: تشير التقديرات إلى تضاعف حجم التبادل التجاري بين روسيا والدول الأفريقية منذ عام 2015، لتبلغ حوالي 20 مليار دولار سنوياً، وذلك وفقاً للبنك الأفريقي للتصدير والاستيراد وبنديكت أوراما، حيث بلغت الصادرات الروسية إلى أفريقيا حوالي 14 مليار دولار، في حين، بلغت الواردات الروسية منها 5 مليارات دولار. ولكن يجب الأخذ في الاعتبار أن هذا التعاون الاقتصادي لا يزال محدوداً مقارنة بالدول الأخرى، وعلى رأسها الصين.

كما تعمل روسيا على تعزيز علاقاتها مع الدول الأفريقية من خلال الاستفادة من الموارد الطبيعية التي تزخر بها دول القارة، فمثلاً، عملت شركة روستك الروسية على تطوير مشروع تعدين البلاتين في زيمبابوي باستثمارات تبلغ حوالي 3 مليارات دولار، والذي يُعد المشروع الاستثماري الأضخم بالدولة منذ عام 1980.

وعلاوة على ما سبق، تستثمر شركة "روسال" للتنقيب عن المعادن مثل الألمنيوم في غينيا. كما تسعى مجموعة روساتوم للحصول على اليورانيوم من ناميبيا. وبالإضافة إلى ما سبق، دفعت شركة "الروسا"، أكبر شركة تعدين الماس في العالم، نحو توسيع عملياتها في أنجولا وزيمبابوي.

تحديات روسيا الأفريقية:

على الرغم من أن القارة الأفريقية قد تمثل البوابة الرئيسة أمام روسيا لتجاوز العقوبات المفروضة عليها إثر الأزمة الأوكرانية – الروسية، فإن هناك عدداً من التحديات المحدودة أمام التحركات الروسية في القارة، وذلك على النحو التالي: 

1- التركيز على الجانب العسكري: يرتكز الدور الروسي بشكل أساسي على علاقة مقايضة قوامها الأمن والاقتصاد. ففي مقابل توفير روسيا الدعم العسكري والأمني لدول القارة، تحصل روسيا عبر شركاتها الأمنية على مقابل ذلك في صورة استثمارات في مواردها الطبيعية، وذلك على عكس الدولة الصينية التي استطاعت تحقيق الاستدامة في علاقاتها مع الدول الأفريقية، انطلاقاً من استثماراتها الضخمة في دول القارة، إلى جانب المعونات في بعض الحالات. 

2- الاقتصار على الدعم النخبوي: حظي الدور الروسي في منطقة الساحل بدعم شعبي في مواجهة النفوذ الغربي، غير أن النفوذ الروسي لا يزال مقتصراً على تعزيز العلاقات مع النخب الحاكمة في عدد من الدول الأفريقية، دون الحصول بالضرورة على دعم القوى الاجتماعية الأخرى، وذلك على غرار دولة السودان، والتي وجهت بها بعض النخب السياسية انتقادات تجاه الدعم الروسي للرئيس الأسبق "عمر البشير". وقد يكون مرجع ذلك تركيز موسكو على المقايضة العسكرية – الاقتصادية، وإغفال الجوانب التنموية.

3- التكاتف الغربي ضد الدور الروسي: من المتوقع أن تتكاتف الدول الغربية، بشكل موحد، لتحجيم الدور الروسي بالقارة الأفريقية، مع تركيز وسائل الإعلام الغربية على توجيه الانتقادات اتجاه روسيا لتشويه دورها بالقارة الأفريقية. 

ففي هذا الصدد، أفادت بعض التقارير الغربية بعض المزاعم أن روسيا قامت بتهريب مئات الأطنان من الذهب بشكل غير مشروع من السودان، وذلك على مدى السنوات الماضية، وأن ذلك انعكس على زيادة هذا الاحتياطي من الذهب في البنك المركزي الروسي منذ عام 2010 وذلك بمقدار أربع مرات، متجاوزاً ما تمتلكه الولايات المتحدة الأمريكية من الذهب عام 2020. بل وأضافت تلك التقارير أنه يتم نقل حوالي 30 طناً من الذهب كل عام من السودان، وإن كان لا يمكن التأكد من تلك المزاعم. ومما لا شك فيه أن مثل هذه التقارير قد تثير حفيظة مواطني الدول الأفريقية ضد الدولة الروسية، بما قد يعزز من مشاعر رفض الدور الروسي المتزايد بدولها.

وفي الختام، عكس تصويت الدول الأفريقية بالأمم المتحدة مما لا شك فيه النجاح الروسي في احتواء النفوذ الغربي في العديد من الدول الأفريقية. ومع ذلك، تزداد المخاوف بشكل متزايد بشأن تحويل القارة الأفريقية لتكون ساحة أخرى للصراع بين الدول الغربية وروسيا، مع إمكانية نشوب حرب باردة جديدة خلال الفترة المقبلة، إثر تفاقم الأزمة الروسية – الأوكرانية التي ألقت بتداعياتها على العالم أجمع بشكل عام، والقارة الأفريقية بشكل خاص.