أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

أفضل الممكن:

نجاح ميقاتي في تشكيل حكومة لبنانية لمواجهة الأزمة الاقتصادية

13 سبتمبر، 2021


وقع الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الوزراء محمد نجيب ميقاتي في 10 سبتمبر الجاري، مرسوم تشكيل مجلس الوزراء الجديد، في حضور رئيس مجلس النواب نبيه بري، وذلك بعد تعثر عملية التشكيل الحكومي على مدار 13 شهراً، بعد تقديم رئيس الوزراء السابق حسان دياب استقالة حكومته في 10 أغسطس 2020، وتتكون الحكومة الجديدة من ميقاتي رئيساً للحكومة، ونائباً له، إضافة إلى 22 وزيراً. 

وقد وصف عون الحكومة بأنها "أفضل الممكن، وأحسن ما يمكن التوصل إليه". ولايزال من المنتظر أن تحصل التشكيلة الوزارية التي اختارها ميقاتي على ثقة البرلمان على أساس بيانها الوزاري. ويمكن إبداء عدد من الملاحظات على تشكيلة الحكومة اللبنانية الجديدة، والتي يمكن توضيحها على النحو التالي: 

1- حكومة تكنوقراط قائمة على المحاصصة الطائفية: لا ينتمي أغلب الوزراء إلى أي تيار سياسي علناً، ولكنهم تمت تسميتهم من أحزاب وقادة سياسيين بارزين، ما يجعلهم محسوبين على هؤلاء بصورة أو بأخرى، وهو ما يتضح من أسماء الوزراء الجدد، مثل مدير مستشفى رفيق الحريري الحكومي، فراس أبيض، الذي عرف بنجاحه في التعامل مع أزمة كورونا، وعيّن وزيراً للصحة، وجورج قرداحي، الإعلامي المعروف الذي عيّن وزيراً للإعلام، والباحث المعروف ناصر ياسين، والذي تم تكليفه وزيراً للبيئة. 

ويلاحظ وجود عدد من الوزارات، التي لا تتلاءم طبيعتها مع خبرات الوزراء التي يتولونها، وهو ما يمكن إرجاعه إلى الضغوط على ميقاتي من قبل القوى السياسية، إذ إن وزير الزراعة، عباس الحاج حسن، حاصل على دكتوراه في العلوم السياسية، ويعمل صحافياً، في حين أن وزير الثقافة، محمد مرتضى، كان يتولى بعض المناصب القضائية. وعلى الجانب الآخر، فإن الوزارات الرئيسية قد تم تقاسمها على أساس طائفي بين الأحزاب الرئيسية الممثلة للطوائف المختلفة.

2- الانفتاح على دول الخليج العربية: أكد ميقاتي ضرورة العمل وفق مبدأ وطني، أي عدم التعبير عن مصالح طائفة معينة على حساب أخرى، في إشارة إلى أنه لن يعبر عن توجهات حزب الله، خاصة في ظل سعيه للحصول على دعم في مجال الطاقة من إيران، والذي يعد خياراً غير واقعي، بالنظر إلى أن ذلك التعاون الرسمي سوف يعرض لبنان لعقوبات اقتصادية غربية. 


ولذا، فإن ميقاتي سوف يتجه للانفتاح على دول الخليج العربية، وهو ما وضح في تأكيد ميقاتي "سأطرق أبواب العالم العربي الذي ينتمي له لبنان، والذين لن يتركوه أبداً"، في إشارة إلى رغبته في الحصول على دعم اقتصادي من دول الخليج العربية. 

3- محاولة التيار الوطني النأي بالنفس عن الحكومة: أكد التيار الوطني الحر أنه لن يشارك في حكومة ميقاتي، كما سعى التيار إلى النأي بنفسها عنه، وهو ما يتضح من قراءة تصريحات رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، والذي أكد أن "سنة تأخير للأسف كانت، لو استغلت، وفرت على اللبنانيين كثيراً من الألم"، وذلك في محاولة للتنصل من تداعيات تأخر تشكيل الحكومة على تردي الأوضاع الاقتصادية، وذلك على الرغم من أن التيار العوني كان أحد أسباب تعطيل تشكيل الحكومة. 

كما عبّر باسيل في تغريدة عن أمله في أن تنجز الحكومة الإصلاحات، وهو ما يكشف عن وجود دعم ضمني لها، حتى وإن سعى للنأي بالنفس عنها، إذ إن هذا الموقف من جانب باسيل لا تعدو إلا أن تكون مواقف انتخابية، ولعل ما يؤكد ذلك أن الوزراء المحسوبين على الرئيس عون هم من اختيار جبران باسيل، رئيس التيار الوطني الحر، ولذا فإن هذه الانتقادات الضمنية لعملية تشكيل الحكومة موجهة بصورة أساسية للشارع المسيحي، ومحاولة من جانب عون للنأي بنفسه عن القرارات الاقتصادية الصعبة التي ستقدم عليها حكومة ميقاتي، والتي سوف تلاقي سخطاً من جانب المجتمع اللبناني. 

كما أن حسابات باسيل ترتبط بالمناكفة بينه وبين حزبي القوات والكتائب اللبنانية، واللذين يتصارعان على تمثيل الشارع المسيحي، فقد أكد النائب فادي سعد عن القوات اللبنانية أن باسيل "صم آذان اللبنانيين، وهو يتحدث عن الزهد وعن عدم مشاركته في الحكومة ليتبين أنه المفاوض الأول لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وبات له ممثلون في الحكومة".

4- غياب الثلث المعطل: أكد ميقاتي رفض التعطيل من داخل الحكومة، مع التلويح بعدم الاهتمام بأي مكون قد يتجه للاستقالة منها، في إشارة ضمنية للتيار العوني، وذلك في ظل تأكيد ميقاتي أن معه ثلثي الحكومة، بما يشير إلى عدم وجود ثلث معطل. وفي كل الأحوال، فإنه لا يتوقع أن يسعى التيار العوني أو حزب الله في سحب الدعم عن حكومة ميقاتي، بالنظر إلى قرب موعد إجراء الانتخابات البرلمانية في مايو 2022، فضلاً عن حاجة لبنان إلى اتخاذ إجراءات اقتصادية صعبة يسعى التيار العوني وحزب الله إلى التملص منها. 

وعلى الرغم من ذلك، فإن التيار العوني وحزب الله من الممكن أن يلجؤوا للضغط على ميقاتي عبر تجميد مشاركة وزراءهم في حضور الجلسات الحكومية، كما حدث في عهد حكومة "تمام سلام" (2014 – 2016)، إذ قام التيار العوني بالتحالف مع حزب الله وتيار المردة وحزب الطاشناق بالضغط على الحكومة، من خلال تجميد مشاركة وزرائهم في حضور العديد من الجلسات، ومن ثم، فإن هذا السيناريو قد لا يكون مستبعداً تماماً.

5- غلبة الطابع الاقتصادي على الحكومة: يلاحظ من السيرة الذاتية للعديد من الوزراء أنهم أكاديميين من ذوي تخصص الاقتصاد وإدارة الأعمال، أو يعملوا في مجال الاقتصاد، وذلك على غرار نجيب ميقاتي، الذي يعتبر من أبرز رجال الأعمال المعروفين في لبنان. 

كما أن وزير الخارجية اللبناني الجديد، عبد الله بو حبيب، حاصل على دكتوراه في الاقتصاد، وهو خبير اقتصادي وعمل في البنك الدولي، بما يعكس الإصرار على تشكيل حكومة أو ما يطلق عليها ميقاتي "فريق عمل" لإنقاذ الاقتصاد اللبناني وفق الخبرات في الحكومة الجديدة، وبما يدعم تحقيق أجندتها الاقتصادية التي سيتم وضعها الأيام المقبلة.

فقد أكد ميقاتي أن الوضع في البلاد "صعب كثيراً"، مضيفاً أنه لم يتبق احتياطيات للدعم وعلى الجميع أن "يشدوا الأحزمة"، في إشارة إلى أن الحكومة سوف تتجه لاتخاذ إجراءات اقتصادية صعبة. ويلاحظ أن هذا الموقف يتماشى مع موقف المجتمع الدولي، خاصة أن معظم الحكومات الغربية، مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، والتي رحبت بتشكيل الحكومة، أكدت ربط دعم هذه الحكومة بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية. 

وفي الختام، تعتبر خطوة تشكيل حكومة ميقاتي خطوة مهمة على طريق إنقاذ لبنان من التدهور الحالي، إذ إنه من المتوقع أن يشرع في الدخول في مفاوضات مع المؤسسات المالية الدولية للخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة، فضلاً عن البحث عن دعم من الدول العربية، وذلك للخروج من أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخ لبنان منذ 150 عاماً.

وعلى الرغم من أن التيار الوطني أعلن أنه لن يكون جزءاً من الحكومة الجديدة، فإن هذه المواقف لا تعدو إلا أن تكون مواقف انتخابية، تهدف إلى نأي التيار بنفسه عن أي سياسات اقتصادية صعبة سوف يتبناها ميقاتي، حتى لا تتراجع شعبية التيار في الشارع المسيحي، وذلك استعداداً للانتخابات البرلمانية القادمة في مايو 2022.